الجمهورية الجديدة .. كما نتمنى 1-2

منذ إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي في أكتوبر 2021 عن «الجمهورية الجديدة، كثر استخدام هذا المصطلح من مؤسسات الدولة المصرية وإداراتها المختلفة، وتناولته وسائل الإعلام بوصفه بداية جديدة لدولة جديدة. وإذا نظرنا للمصطلح بشكل عام، فهو يعني إقامة جمهورية جديدة بعد تحول كبير شهدته مصر منذ عام 2011. كانت التحولات في بدايتها سياسية في المقام الأول، وتبعتها تحولات اقتصادية واجتماعية.

في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية الراهنة، محليًا ودوليًا، نحن في أشد الحاجة لبناء جمهورية جديدة حديثة ومتطورة، ومختلفة تمام الاختلاف عن الجمهورية التي نعيش فيها منذ يوليو 1952، وعدم الايتجابة لمتطلبات هذا التطور العالمي المتغير والمتجدد دائمًا، على الصعيد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، جعلنا نتخلف كثيرًا عن الركب العالمي ومسيرته المتطورة.

لبناء الجمهورية الجديدة لابد أن نبدأ من أول السطر، وتكون البداية بإحداث تغيير جذري ونوعي في فلسفة بناء الدولة، ليس مجرد تعديلات على القشرة الخارجية من دون تغيير الجذور التي تقوم عليها هذه الدولة من الأساس, فتغيير وتطوير المنظومة التعليمية و الصحية والثقافية وغيرها من دون تغيير فلسفة بناء الدولة – مع الأسف- لن يصل بنا إلى الدولة المراد نشأتها، بل سيكون بمثابة وقوف في المكان وعدم تحقيق تقدم ملحوظ ومثمر.

 يعد شكل الدولة ومفهومها حجر الأساس لبناء الجمهورية الجديدة، على أن يتم التوافق على هذا الشكل والمفهوم، لننطلق منه إلى تحقيق النهضة المرجوة والاستقرار والرخاء والتقدم، فالدولة بمفهومها الواسع الشامل هي مجتمعًا منظمًا سياسيًا، تحت حكومة واحدة مستقلة، داخل إقليم محدد، وجميعها عناصر متوفرة تمامًا في الدولة المصرية، لكن السؤال هنا عن شكل هذه الدولة، أو بمعنى أدق ما نريد أن تكون عليه الدولة المصرية في الجمهورية الجديدة؟

والجواب: نريدها دولة مدنية حقيقية، تترسخ فيها كافة أركان الدولة المدنية الحديثة، ولا نقصد بالدولة المدنية أنها مقابل للبداوة أو العسكرية أو الدينية فقط، ولكننا نتعامل مع المصطلح بمفهومه الأشمل والأوسع، وهو الدولة التي تقوم على القانون الدستوري والتعددية الفكرية والاجتماعية والسياسية، في إطار ديمقراطي وتنموي، أساسه الحرية بمفهومها الإنساني الحديث، وأن يكون لهذه الدولة مشروع نهضوي قومي عملاق تسعى لتحقيقه, وأن تكون دولة مؤسسات حقيقية تمثل الإنسان المصري بكافة أطيافه الفكرية والثقافية والأيديولوجية، ولاتسيطر فيه فئة واحدة على بقية فئات المجتمع.

فالجمهورية الجديدة التي نتمناها هي الدولة المدنية الديمقراطية القائمة على القانون والتشريع وتفصل الدين عن الدولة ويتساوى فيها جميع المواطنين أمام القانون وفقاً لمبدأ المواطنة وتستند لمجموعة من القيم والمباديء أساسها التسامح وقبول الآخر، والمساواة في الحقوق والواجبات، واحترام القانون والتعايش السلمي المشترك، ورفض ونبذ العنف، وإرساء القيم الإنسانية المتفق عليها عالميًا.

ولتحقيق تلك الجمهورية الجديدة المرجوة  القائمة على فلسفة الدولة المدنية الحديثة، يجب أن تبنى على مجموعة من الأسس، في مقدمتها الديمقراطية الليبرالية، وفصل الدين عن السياسة، وسيادة القانون، وتتواجد فيها مجموعة من مستلزمات الحكم مثل المواطنة، والمجتمع المدني، وثقافة التعددية.

ولإرساء الديمقراطية الليبرالية لابد أن نتفق على أن ذلك المبدأ هو وسيلة الدولة المدنية لتحقيق المنفعة العامة وصالح المجتمع وإنها وسيلة الدولة للحكم الرشيد وانتخاب السلطة وانتقالها وإعتماد الآليات الديمقراطية المختلفة كالانتخاب واحتكام لرأي الاغلبية وتداول السلطة وغيرها من أدوات الديمقراطية الرشيدة، بالإضافة إلى فتح المناخ العام للتعبير عن الرأي، وفتح المجال للجمعيات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني، ومساعدة الأحزاب السياسية لتطوير منظوماتها وأدائها، وكذلك النقابات المهنية والاتحادات العمالية وغيرها من جماعات الضغط والمصالح.

لا تسمح الجمهورية الجديدة بفرض أي سلطة دينية أو ثقافية على المواطن بشكل خاص، وعلى المجتمع بشكل عام، ولا تلزم أي مواطن بالالتزام بأي دين أو عقيدة، وكذلك تفصل التشريعات السماوية عن القوانين، بما يترتب عليه من فصل وظيفي وتنفيذي بين السلطة السياسية المدنية والسلطة الدينية،  وعدم السماح بتدخل السلطتين في شئون بعضهما البعض، وهذا لا يعني معاداة الدين والعقائد، بل تعني رفض استخدام الدين لتحقيق أهداف سياسية, فالدولة لاتعادي الدين – أي دين- ولكن تتعامل معه كانتماء شخصي بين المواطن وما يؤمن به، وتكفل له في نفس الوقت حرية الانتماء والاعتقاد، وإقامة الشعائر الخاصة به، وعدم منعه من دين معين أو فرضه عليه.

تعزز الجمهورية الجديدة مبادئها وقيمها الحديثة من خلال سيادة القانون، عبر المساواة بين كافة المواطنين أمام القانون، وكذلك على العلاقة بين كافة السلطات الوطنية ومؤسسات الدولة، على أن تقوم تلك القوانين على المساواة وعدم التمييز بين المواطنين من حيث الجنس أو اللون أو الدين أو العرق أو اللغة، ليتحقق من ذلك سيادة وتطبيق النظام في المجتمع والمساواة أمام القضاء، بحيث يستطيع كل مواطن اللجوء للقضاء للدفاع عن حقوقه، وإرساء مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين، والابتعاد عن أي وسيلة غير قانونية.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة