العودة الأمريكية من رحم الحرب الأوكرانية

 أحمد علي الدين

حسابات الحروب ليست بعدد الضحايا إطلاقًا، فمصر كانت طرفًا في حروب كثيرة على مر تاريخها، وفي عز لحظات انتصارها كان عدد الضحايا من الجنود المصريين أربعة أضعاف جنود الاحتلال، ومع ذلك نحتفل سنويًا بحرب أكتوبر، بغض النظر عن أعداد الضحايا. روسيا قدمت الكثير من الأرواح في الحرب العالمية الثانية، ومع ذلك يحتفلون به كُل عام، وهو مرحلة مفصلية في تاريخ روسيا الاتحادية.

هناك حاليًا آلاف التفسيرات والتحليلات للحرب الروسية الأوكرانية، السؤال الأهم من المستفيد؟!

بعد وصول دونالد ترامب على رأس السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية، بدأت اضطرابات كثيرة بين الإدارة الأمريكية وحلفائها في الغرب، ليس مع الحلفاء فقط، بل فقدت الولايات المُتحدة ريادتها لمؤسسات النظام العالمي، بسبب سحب دونالد ترامب الدعم المُقدم من أمريكا للمنظمات، بحجة عدم وجود عائد على المواطن الأمريكي منها. كانت خطوات دونالد ترامب إلى الخلف، سواء من أوروبا أو من على رأس المنظمات، يتبعها خطوات روسية صينية تحل محل أمريكا، أو تعرض نفس المساعدات. 

ومع وصول بايدن للسلطة، أعلن عن بداية خطته في إعادة العلاقات بحلفاء أمريكا، كاليابان التي بدأت تقارب صيني، وبعض دول أوروبا التي أصبحت تنظر لروسيا كحليف اقتصادي، أو بريطانيا التي انفصلت عن أوروبا كلها، وبدأت تبحث عن دور ريادي، ربما منافسًا للدور الأمريكي. كان لابد من حل لتلك المُعضلة!

منذ عام ٢٠١٤ والحكومة الأوكرانية تحارب في شرق البلاد ضد حركات انفاصلية روسية، وقامت الحكومة بالعديد من الانتهاكات في حق المواطنين، وفي نفس الوقت تدعم الحكومة الروسية الانفاصليين، وتُسلط الضوء على الانتهاكات في لوجانسك ودونيتسك، وفي نهاية عام ٢٠٢١، صرح الرئيس الأوكراني على لسان بايدن أن عضوية الاتحاد الاوروبي والناتو في يد كييڤ، انضمام أوكرانيا أو أي دولة مجاورة لروسيا لحلف الناتو هو تهديد للأمن القومي الروسي، والإدارة الأمريكية تعلم. بعد الوعد بعضوية الناتو بدأ بايدن يحذر الرئيس الأوكراني من هجمات روسية.

الآن وبعد التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا ، تحولت أمريكا من الساعي إلى جمع حلفائه إلى الحليف الأقوى، أرسلت أمريكا قوات عسكرية إلى أوروبا، والتصريحات واضحة من إدارة بايدن تفيد بأنه لا يمكن التدخل عسكريًا في أوكرانيا إلا إذا تعرض حلفائهم للخطر. الآن روسيا على مشارف حرب عصابات داخل أوكرانيا، حرب يتم فيها تسليح مدنيين تحت غطاء إعلامي دولي، ليس حبًا في النضال ولكن لإنهاك الروس.

الكرة الآن في ملعب زيلنيسكي الرئيس الأوكراني، إما يقبل بإقليمي لوجانسك ودونيتسك، ويوقع على اتفاق بعدم الانضمام للاتحاد الأوروبي، أو عاجلًا أم آجلًا ستسقط كييڤ في يد الروس. ما لا يدركه الرئيس الأوكراني حاليًا أنه بالفعل تم خداعه من حلف الناتو والإدارة الأمريكية، وأن كل الطمأنة الشفهية لم تساعده وقت اقتحام الجيش الروسي حدوده. أما روسيا ستصمد أمام العقوبات كما صمدت الصين، وربما التقارب الصيني الروسي في العقد الآخير نقل تجربة الصين في مواجهة العقوبات، الحل لن يأتي من أوكرانيا بل من أمريكا وحلفائها، حين تعترف أن العالم لا يمكن إدارته بشكله الحالي من خلال قوة واحدة مهيمنة على كل الأمور.

آسف لجميع الضحايا، بغض النظر عن انتمائهم، وحزين لتدخل القوى العظمي في شئون الدول الأقل قوة، سواء عسكريًا أو سياسيًا، وسعيد لوقوف النظام العالمي بهذا الشكل الضعيف والمكشوف، سواء من ناحية ضعف سيطرته، أو ازدواجية معاييره مع القضايا من نفس الخلفية.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة