لبنان المأزوم: أبعد من أزمة المصارف ونهاية “الطائف”

كريم فرحات

لا تعدو الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في لبنان وحالة الانسداد السياسي، كونها أمراً مباغتاً أو عرضياً، فمعضلة تشكيل الحكومة وإجراء الانتخابات، هي من بين المشكلات المزمنة والتقليدية في بنية النظام السياسي الذي يعتمد المحاصصة الطائفية. وتعكس تعقيدات الوضع الداخلي بلبنان حدود التوترات الإقليمية، ورهانات القوى الخارجية، لا سيما في ظل تشابك المصالح وتقاطعاتها حول ملفات عديدة، من بينها الأزمة السورية والصراع باليمن، فثمة أطراف عديدة محلية تؤدي أدواراً وظيفية، علنية وسرية، لأطراف إقليمية متفاوتة.    

قبل نحو ثلاثة أعوام، دشنت الانتخابات التشريعية اللبنانية، بعد تعطلها لبضع سنوات، على خلفية مقاطعة قوى “8 آذار”، وتحديداً حزب الله، الجلسات، ومنع استكمال النصاب القانوني، ما تسبب في تعثر انتخاب رئيس الجمهورية. ووقع لبنان في فراغ رئاسي لعامين ونصف العام تقريبا، الأمر الذي كان يبرز درجة الاستقطاب الإقليمي والخصومة السياسية القائمة. وكان حزب الله يضغط لجهة منع صعود أية قوى ترفض تدخلاته الخارجية، السياسية والميدانية، كما هو الحال في سوريا، أو تصعيده المستمر ضد إسرائيل لحساب “الولي الفقيه”. وفي جملة أخرى، وضع لبنان كورقة ضغط تكتيكية لحساب مصالح إيران الخارجية.

ولذلك، قال مستشار المرشد الإيراني علي أكبر ولايتي، إن “هذا الانتصار وتصويت الشعب اللبناني للائحة المقاومة (يقصد حزب الله)، ناتج عن تأثير السياسات اللبنانية الراهنة، في الحفاظ على استقلال ودعم سوريا أمام الإرهابيين”. كما وصف ولايتي نتائج الانتخابات اللبنانية بأنها “جاءت استكمالاً للانتصارات العسكرية اللبنانية، بقيادة حزب الله، في مواجهة الكيان الصهيوني”. كما عدّ الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، تقدم الثنائي الشيعي في الانتخابات، بأنه “نصر سياسي ومعنوي لخيار المقاومة”. بينما اعتبر أن تركيبة المجلس النيابي الجديد تشكل ضمانة وحماية وقوة كبيرة لحماية خيار “المقاومة”.

يبدو الواقع السياسي اللبناني غائماً وملغماً، رغم محاولات أو بالأحرى مبادرات عديدة، من بينها المبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لحلحة الأوضاع المأزومة، والتي بغت درجاتها القصوى مع انفجار مرفأ بيروت. وفي ظل متوالية الإخفاقات والأزمات التي يقع تحت وطأتها اللبنانيون، فقد بلغت الأوضاع حداً يتجاوز ما سجلته ذاكرتهم باتجاه الحرب الأهلية، الممتدة من منتصف سبعينات القرن الماضي وحتى مطلع التسعينات. فأكثر من مائتي شخصاً قتلوا بعد انفجار المرفأ، في لحظة منفلتة اهتزت فيها نحو 50 ألف بناية سكنية ببيروت. كما سمع دوي الانفجار في سوريا والأردن وفلسطين واليونان. وسجلت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية أن الانفجار يعادل طاقة زلزال بقوة 3.3 درجة على مقياس ريختر.

فاقم انفجار مرفأ بيروت، العام الماضي، من مشاعر الضغط والإحباط الذي يستبد بالواقع اللبناني. إذ إنه جاء في لحظة قصوى من تدني وانهيار الوضع الاقتصادي، وتداعياته المجتمعية والمعيشية، وقد ارتفعت معدلات الفقر لنحو 50%. فضلاً عن انسداد المشهد السياسي بين القوى أو بالأحرى الطبقة السياسية التي تحكم منذ اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية، وفرض مبدأ المحاصصة الطائفية. بينما تحشد قوى المجتمع المدني وآخرون عناصرها، لاستكمال موجة جديدة من الاحتجاجات التي بدأت مع تظاهرات “طلعت ريحتكم”، وذلك على خلفية فشل النظام السياسي في معالجة أزمة النفايات، عام 2015، وانتهت إلى ثورة “17 تشرين”، عام 2019.

وفي ما يتصل بالوضع الاقتصادي الذي يسجل إخفاقات متتالية، قال حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، مؤخراً، إن الاحتياطي الإلزامي انخفض إلى 12.3 مليار دولار. كما أن حصول لبنان، بموجب اتفاق مع صندوق النقد الدولي على دعم يراوح بين 12 و15 مليار دولار، سوف يساعد على تحريك الاقتصاد، مجدداً.

 وأضاف: “حصتنا في صندوق النقد هي أربعة مليارات ويمكن أن تأتي دول وتضيف عليها عبر صندوق النقد، ويمكن أن نصل عادة إلى مبلغ يتراوح بين 12 و15 مليار دولار. هذا المبلغ يساعد لبنان لينطلق مجدداً ويستعيد الثقة”.

كما أقر حاكم مصرف لبنان، أن سعر الصرف الرسمي “لم يعد واقعياً”، وذلك إثر فقدان الليرة اللبنانية أكثر من 90% من قيمتها أمام الدولار، خاصة في ظل تباين واختلاف أسعار الصرف داخل المصرف المركزي وفي السوق الموازية.

وقال سلامة إن سعر 1507 ليرات للدولار المعتمد رسمياً منذ العام 1997 “لم يعد واقعياً اليوم” بعدما “خدم” الاقتصاد وجعل “الوضع الاقتصادي والاجتماعي جيداً في لبنان خلال 27 عاماً”، ومن ثم، لا يمكن تأمين سعر الصرف بدون تفاوت بمعزل عن استقرار سياسي وقبل اتفاق مع صندوق النقد الدولي.

منذ أكتوبر الماضي، تجدد السجال السياسي والقانوني بخصوص قانون الانتخابات، إذ ينتظر اللبنانيون قرار المجلس الدستوري للبت فيه، بعد الطعن المقدم من التيار الوطني الحر، والذي يرأسه الوزير السابق جبران باسيل وصهر رئيس الجمهورية ميشال عون. وبحسب القانون فإنه “إذا لم يصدر قرار المجلس الدستوري ضمن المهل القانونية، يكون النص المطعون به ساري المفعول وينظم محضر بالوقائع، ويبلغ رئيس المجلس المراجع المختصة عدم توصل المجلس إلى قرار”.

وعليه، قال رئيس المجلس الدستوري، طنوس مشلب إن “ليس لدينا الكثير من الخيارات، فإما أن نقبل الطعن أو نرده، وفي حال لم يتأمن النصاب (أي حضور 8 من أصل 10) في التصويت، سنصدر لا قرار”.

وأضاف: “يهمنا إرضاء أكبر عدد من الناس، ولكن في الدرجة الأولى، يهمنا أن يكون قرارنا منسجما مع الدستور، ولا يمكنني الكشف عن نتيجة القرار الآن لأن هناك سرية، وعلينا انتظار اليومين المقبلين”.

ورغم تأكيدات سياسية لبنانية وأممية بأن عام 2022 سوف يشهد إجراء الانتخابات اللبنانية، بصورة طبيعية، في الموعد دونما تأخير، والمزمع إجراؤه في منتصف مايو العام الجديد، لكن ثمة معوقات عديدة إجرائية وسياسية ما تزال تهدد حدوث الاستحقاق الانتخابي. وأكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الذي زار لبنان، منتصف الشهر الجاري، أنه يسعى للتوصل لتسوية سياسية لإنهاء الأزمات، بالإضافة لتصفية أزمة ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، وقال: “آن الأوان لزعماء لبنان أن يتحدوا”.

وخلال لقاء الأمين العام للأمم المتحدة مع رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، قال الأول إن الأمم المتحدة ستعمل على تعبئة المجتمع الدولي لدعم لبنان على المسار الانساني والانمائي وإعادة هيكلة الأمور المالية والاقتصادية. وتابع: “قمت بزيارة إلى مرفأ بيروت وأعرف المعاناة وإرادة الناس لمعرفة حقيقة الانفجار”.

كما لفت غوتيريش إلى أن رئيس مجلس النواب، قد تحدث عن “الانتهاكات المتكررة للمجال الجوي اللبناني وتناقشنا في ضرورة أن يقدم المجتمع الدولي دعما إضافيا للجيش”. وشدد الأمين العام للأمم المتحدة على أنه “لن ندخر جهدا من أجل التوصل لحل سريع لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل ليتسنى للبنان الاستفادة من الموارد الموجودة فيه”.

وبينما يقول الرئيس اللبناني ميشال عون، أن بلاده تحتاج لست أو سبع سنين للخروج من أزماتها، فإن أي شكل سياسي قائم أو استحقاق انتخابي قادم، سيظل بمثابة إطار هش لدولة تحولت إلى مربعات مذهبية وأمنية، بينما تخضع لإدارة قوى محلية تحقق إرادة ومصالح مرجعياتها الخارجية.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة