ارتفع العجز الكلي للموازنة العامة للدولة إلى 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الأول من العام الحالي 2025/ 2026، مقابل 2.1% من الناتج المحلي الإجمالي، خلال الربع ذاته من العام المالي السابق 2024/ 2025، فاتحًا الباب لتساؤلات حول الأسباب في ظل إعلان وزارة المالية أكثر من مرة عن خطط لترشيد الإنفاق.
جاء العجز رغم ارتفاع الفائض الأولي بالموازنة (الفرق بين الإيرادات والمصروفات دون احتساب فوائد الديون) بنحو 88.7 مليار جنيه ليبلغ 178.7 مليار جنيه يعادل 0.9% من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل نحو 90 مليار جنيه تعادل 0.5% من الناتج المحلي الإجمالي في الربع ذاته من العام السابق.
خلال الفترة من (يوليو ـ سبتمبر 2025)، ارتفعت جملة الإيرادات العامة إلى 644.9 مليار جنيه مقابل 470.1 مليار جنيه خلال الفترة المقارنة، بزيادة قدرها 174.8 مليار جنيه، بينما بلغت المصروفات (دون الفوائد) نحو 455.8 مليار جنيه، لكن بإضافة الفوائد يقفز حجم الإنفاق إلى 1.15 تريليون جنيه، وهو السبب الرئيسي وراء ارتفاع عجز الموازنة.
قفزة كبيرة بالإيرادات.. الضرائب كلمة السر
حققت الإيرادات الضريبية نحو 566.2 مليار جنيه خلال الفترة من (يوليو ـ سبتمبر 2025) بزيادة تعادل نحو 152.9 مليار جنيه عن الربع ذاته من العام السابق، لتمثل الإيرادات الضريبية حوالي 87.5% تقريبًا من إجمالي الإيرادات.
وزارة المالية، أرجعت القفزة الكبيرة بالحصيلة الضريبية، إلى تحسن العلاقة مع مجتمع الأعمال وإيجاد حالة من الشراكة بين الطرفين، بالإضافة إلى دور ميكنة النظم في تطور الإدارة الضريبية، وتعافي النشاط الاقتصادي، وحل أزمة نقص النقد الأجنبي.

زادت المتحصلات الضريبية بفضل ضريبة الدخل التي ارتفعت بنحو 44.5 مليار جنيه بنسبة زيادة 44.3% لتسجل 145 مليار جنيه، والتي تحسنت بدورها من زيادة حصيلة ضريبة المرتبات المحلية إلى 37.6 مليار جنيه بنسبة زيادة 38.7%، وحصيلة النشاط التجاري والصناعي إلى 16.4 مليار جنيه بزيادة 39.8%، والضريبة على الشركات إلى 87.5 مليار جنيه بنسبة زيادة 50%، وحصيلة المهن الحرة غير التجارية لتسجل 2.5 مليار جنيه بزيادة 32%.
كما ارتفعت المتحصلات الضريبية من ضريبة القيمة المضافة بنحو 58.9 مليار لتسجل 243.7 مليار جنيه، بجانب ارتفاع حصيلة الضرائب على الممتلكات بنحو 27.3 مليار جنيه بنسبة زيادة 27.7% لتحقق 125.8 مليار جنيه، مقارنة بـ 98.6 مليار جنيه خلال الفترة المقارنة ذاتها.
ارتفعت أيضًا المتحصلات من الضرائب على التجارة الدولية (الجمارك) بنحو 8.6 مليار جنيه، لتبلغ 38 مليار جنيه في فترة الدراسة، والمتحصلات من الضرائب الأخرى بنحو 13.6 مليار جنيه لتحقق 13.6 مليار جنيه خلال الفترة المقارنة، في ضوء ارتفاع الحصيلة من إيرادات رؤوس أموال منقولة من البنك المركزي لتحقق 13.6 مليار جنيه.
الإيرادات غير الضريبية.. ماذا تستفيد الدولة من ملكيتها؟
تمثل الإيرادات غير الضريبية 12.5% من إجمالي الإيرادات لتمثل 87.8 مليار جنيه فقط، بينها 1.8 مليار جنيه منح وردت للخزانة العامة، وجاءت تلك الإيرادات من عدة مصادر أولها حصيلة بيع السلع والخدمات التي ارتفعت بنحو 6.8 مليار جنيه لتحقق 22.2 مليار جنيه، والثاني حصيلة الإيرادات المتنوعة التي بلغت نحو 35.6 مليار جنيه.
تمثل عوائد الملكية المصدر الثالث للإيرادات غير الضريبية، والتي ارتفعت بنحو 700 مليون جنيه لتحقق نحو 18.6 مليار جنيه خلال فترة الدراسة، وتتوزع بين العوائد المحصلة من شركات القطاع العام بـ 2 مليار جنيه لتحقق 2.3 مليار جنيه، وحصيلة إيرادات التعدين بمقدار 1.3 مليار جنيه لتسجل 2.2 مليار، وفوائد القروض المعاد إقراضها لجهات الموازنة إلى 5.2 مليار جنيه بنسبة زيادة 5.6%، وعوائد الهيئات الاقتصادية التي زادت بنحو 700 مليون جنيه، لتحقق 4.4 مليار جنيه.
تثير عوائد الدولة من شركات القطاع العام تساؤلات حول ضعف العائد من ملكيتها في الشركات، فوفق التقرير الثالث لمتابعة تنفيذ وثيقة سياسة ملكية الدولة، تملك 45 جهة حكومية 561 شركة، بناءً على حصر تم إجراؤه على ملكية الشركات الحكومية حتى نهاية شهر أغسطس 2025، مقابل 709 شركات في أغسطس 2024.
بحسب التقرير ذاته، فإن نحو 364 شركة من إجمالي الشركات الحكومية تحقق أرباحًا بما يمثل 65% من الإجمالي، في حين تسجل 78 شركة خسائر، بينما لا تحقق 14 شركة أي ربح أو خسارة، مع استبعاد 105 شركات لم يتم الانتهاء من قوائمها المالية التي تبين الربح والخسارة وقت الإعلان عن تقرير المتابعة الثالث.
أصبحت الشركات التي تملك الدولة 75% منها فأكثر 45.8% بإجمالي 257 شركة حكومية، بينما باتت تسهم بنسبة أقل من 25% في نحو 69 شركة تمثل 12.3% من الإجمالي، فيما تبلغ الشركات التي تتراوح نسبة ملكية الدولة فيها بين 25% إلى أقل من 50% حوالي 49 شركة، ومن 50% إلى أقل من 75% نحو 41 شركة.
الأمر ذاته للهيئات الاقتصادية التي لم تحقق للدولة سوى 4.4 مليار جنيه، رغم وجود 59 هيئة اقتصادية، وهو ما يعزز خطط الحكومة لمراجعة أوضاعها بالإبقاء على 29 هيئة اقتصادية في وضعها الحالي، وتصفية وإلغاء هيئة واحدة، ودمج 3 هيئات في أخرى، إضافة إلى تحويل 7 هيئات من هيئات اقتصادية إلى هيئات عامة.
وفقًا للخطط الحكومية، فإن المراجعة هدفها رفع كفاءة تلك الهيئات وزيادة مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي، إذ تتضمن إعادة هيكلة تفصيلية لكل هيئة وفق وضعها الجديد. حيث من المقرر تحويل بعض الهيئات إلى شركات قابضة أو هيئات عامة.

مصروفات الدولة.. قفزة كبيرة
في الربع الأول من العام المالي الحالي، سجل إجمالي المصروفات قفزة بنحو 323.4 مليار جنيه بنسبة نمو تناهز 40%، ليبلغ 1.15 تريليون جنيه مقابل 827.7 مليار خلال الفترة المقارنة، وكانت الفوائد هي كلمة السر إذ مثلت بمفردها حوالي 60.4% من إجمالي المصروفات.
حققت مدفوعات الفوائد 695.3 مليار جنيه خلال الربع الأول مقابل 451.9 مليار جنيه في الربع ذاته من العام السابق، لكن وزارة المالية قالت إنها ستكثف جهودها لتحسين إدارة الدين عبر توزيع أعباء مدفوعات الفوائد على السنة المالية، بالإضافة إلى تنويع مصادر التمويل عبر تقليل الاعتماد على حساب الخزانة الموحد والالتزام بالحدود القانونية.
تحاول وزارة المالية مواجهة تلك الزيادة في مدفوعات الفوائد عبر خطة لتحقيق حصيلة تتراوح بين 1.25 و1.5 مليار دولار من طرح 4 شركات حكومية قبل نهاية العام المالي الحالي (قبل 30 يونيو 2026)، على أن يتم توجيه نصف الحصيلة لسداد جزء من المديونية الحكومية، التي تقول إنها تراجعت بنسبة 10% خلال العامين الماضيين.
بالنسبة لبنود المصروفات الأخرى، ارتفع الإنفاق على الأجور وتعويضات العاملين بنحو 12.6 مليار جنيه بنسبة 8.6% ليحقق 159.2 مليار جنيه، وشراء السلع والخدمات إلى نحو 38.4 مليار جنيه، والإنفاق على الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية بنحو 41.1 مليار جنيه بنسبة 30.9% ليصل إلى 174.1 مليار جنيه، وشراء الأصول غير المالية (الاستثمارات) بنحو 27.2 مليار جنيه، ليحقق نحو 46.4 مليار جنيه، لتمثل المصروفات بدون الفوائد معًا حوالي 39.6% من المصروفات.
خطة للسيطرة على الديون والفوائد

ويقول مسؤول بالمالية إن الحكومة وضعت خطة للسيطرة على الديون والفوائد بوضع سقف للديون وهو ما أسهم في تراجع إجمالي دين أجهزة الموازنة العامة لتتراجع نسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي لنحو 85.6% في يونيو 2025 موزعًا بين 63.3% دينًا محليًا لأجهزة الموازنة، و22.3% دينًا خارجيًا مقارنة بـ 100.9% في يونيو 2017، موزعة حينها بين 84.1% دينًا محليًا لأجهزة الموازنة، و16.8% دينًا خارجيًا لأجهزة الموازنة.
الخبير الاقتصادي هاني توفيق، يقول إن الحكومات المصرية موّلت دائمًا الفرق بين صادراتها ووارداتها من تحويلات المصريين والسياحة وقناة السويس، والعجز الحالي سببه خدمة الدين التي تبلغ 28 مليار دولار هذا العام، موضحًا أنه لا حلَّ لسد هذا العجز إلا بتحفيز الاستثمار الأجنبي المباشر (وليس بيع الأصول)، للتشغيل والتصدير واستعادة التوازن.
وشدد توفيق على إزالة معوقات الاستثمار الأجنبي، وعلى رأسها انسحاب الدولة من المنافسة، وزيادة كفاءة تحصيل الضرائب التي تغطي 50% فقط من الخاضعين للضريبة.
