لم يكن تخصيص 25% من مقاعد البرلمان للمرأة حدثًا إداريًا أو رقمًا في القانون، بل وعدًا كبيرًا بشروق سياسي جديد.
استقبلناه بحفاوة كأنه بوابة العدالة المنتظرة. حلمنا أن تكون تلك النسبة شهادة ميلاد جديدة للمرأة المصرية في ساحة القرار، أن يفتح القانون الباب للمجتهدات، وأن تصل إلى مقاعد السلطة نساء يعرفن معنى الكفاح والصوت والموقف. لكن الحلم انقلب.
فبدل أن يكون القانون طريقًا للتمثيل الحقيقي، صار وسيلة لتجميل الصورة. وبدل أن نرى امرأة تمثل النساء، رأينا امرأة تجمع كل الصفات إلا صفة المرأة نفسها.

من شعار التنوع إلى فخّ الجمع بين الصفات
كانت الفكرة في بدايتها نبيلة، أو هكذا قيل. الدولة تريد أن تُمثل كل الفئات: الشباب، المسيحيين، ذوي الإعاقة، الريفيات، وكل من عانوا من التهميش. لكن التنفيذ جاء كمن يخلط الألوان بلا وعي حتى يفقد المعنى.
فجأة، ظهر مفهوم “المرأة الجامعة”، التي تجمع كل الصفات في شخص واحد: شابة؟ عظيم. من ذوي الإعاقة؟ ممتاز. من الريف؟ رائع. مسيحية؟ رائع جدًا. إذن هذه هي “الأنسب”. وهكذا تم تحويل مبدأ التنوع إلى معادلة رقمية خالية من الروح. والنتيجة: لا أحد يسأل عن الكفاءة أو الموقف أو التاريخ، لأن الاختيار صار لعبة صفات لا معركة كفاءة.

تمكين على الورق… ووصاية في الواقع
ما سُمي تمكينًا صار في الحقيقة وصاية. تُكتب الأسماء في الغرف المغلقة، تُوزع المقاعد بالترضية، تُرسم القوائم كما تُرسم اللوحات، كل لون له مكانه المحدد مسبقًا. وفي النهاية يُقال: “انظروا كم هي متنوعة القائمة!”، بينما الحقيقة أن التنوع صوري. هي لوحة جميلة رسمها فنان واحد يمسك بالفرشاة كلها. المرأة التي تصل بهذه الطريقة لا تمثل مجتمعها، بل تمثل من اختارها. وجودها ليس صدى لصوت الناس، بل انعكاس لقرار فوقيّ. إنها ديكور سياسي فاخر يخفي خلفه فراغًا حقيقيًا في التمثيل.

حين تصبح الصفة أهم من الموقف
لم يعد المهم أن تكون للمرأة تجربة أو فكرة أو رؤية، المهم أن تستوفي الشروط الشكلية. فتاة من ذوي الإعاقة؟ ممتاز. شابة من الريف؟ أفضل. المهم أن “تكتمل الصورة”. وهكذا أُقصيت نساء النضال الحقيقي، نساء الشارع والميدان والمؤسسة والمبادرة، لصالح من يصلحن لتكميل النسب. تم استبدال الموقف بالصفة، واستُبدل الكفاح بالتوازن، واستُبدلت الإرادة بالتعليمات. أصبح الحضور واجبًا بروتوكوليًا لا فعلًا سياسيًا. وتحولت المرأة التي كانت تُقاتل لتُسمِع صوتها، إلى صورة على الجدار تُعرض وقت الحاجة ثم تُنسى.
القوائم المغلقة… وسرقة صوت الناخب
حين تُغلق القوائم، يُغلق معها حق الناس في الاختيار. المرأة التي تصل بالقرار تفقد أهم ما يمنحها القوة: ثقة الناس. المقعد الذي يُمنح يمكن أن يُسحب، أما المقعد الذي يُنتزع بإرادة الناخبين فهو الذي يصمد.
ومع الوقت، يتسلل الشك إلى المجتمع: إذا كانت المرأة لا تفوز إلا بالدفع من فوق، فهل تستحق أن تبقى؟ هنا يبدأ الانهيار الصامت للتمكين الحقيقي.
لأن المرأة التي تُختار لتُكمل الصورة تُصبح مدينة دائمًا لمن اختارها، لا لمن منحها صوته. وهكذا تفقد استقلالها الرمزي، وتتحول إلى جزء من آلة سياسية تُدار لا تُشارك.

الصورة تكتمل… والمعنى يختفي
في كل دورة انتخابية، تُعاد اللعبة ذاتها بتفاصيل مختلفة. تُعرض صور كثيرة لنساء مختلفات، لكن قليلاً منهن من يعرفها الشارع.
يغيب الوجوه التي يعرفها الناس — تلك التي صنعت حضورها في العمل الأهلي والسياسي — لتحضر وجوه لا تاريخ لها إلا الاسم في القائمة.
يُعاد تدوير نفس النمط: مزيج من الصفات، شكل جميل، حضور صامت، تمثيل بلا تمكين. وهكذا يكتمل المشهد أمام الكاميرا، بينما في الواقع تنحسر الفكرة. فبدل أن نُشجّع المرأة على الصعود بذاتها، نُعيدها إلى مقعد المتفرج باسم القانون.
التمكين الزائف أخطر من الإقصاء الصريح
الإقصاء الصريح كان واضحًا، يُقاوم ويُعرّى. أما الإقصاء المغلف بالتمكين فهو الأخطر، لأنه يبتسم في وجهك وأنتِ تُقصين. يلبس ثوب العدالة وهو يسرق المعنى من الداخل.
المرأة التي تُختار بصفةٍ لا بذاتها تُصبح شاهدًا على تمثيلها الزائف. والمجتمع حين يرى ذلك، يبدأ في تصديق الكذبة: أن المرأة لا تصل إلا بالمساعدة، ولا تبقى إلا بالترضية. وهكذا يُزرع الشك في وعي الناس، لا بالقول، بل بالفعل. أخطر ما في الجمع بين الصفات أنه يجعل المرأة استثناءً لا قاعدة، استكمالًا لا أساسًا، رمزًا بلا مضمون.
المرأة المصرية… كاملة بذاتها
المرأة المصرية لا تحتاج لمن يعرّفها.
هي التي كتبت التاريخ بدمها وصبرها منذ 1919. هي التي بنت، وربّت، وصمدت، وعلّمت، وتحدّت كل سقف. هذه المرأة لا تطلب استثناءً ولا نسبة، بل عدلًا.
لا تريد أن تُختار لأنها تجمع الصفات، بل لأنها تملك الموقف. المرأة المصرية لا تحتاج أن تكون شابة أو ريفية أو من ذوي الإعاقة لتُعتبَر رمزًا.
يكفي أن تكون امرأة تعرف طريقها لتُصبح كل ذلك. فلتسقط نظرية “المرأة الجامعة”، ولتُولد من جديد “المرأة الحرة” — المرأة التي تمثل نفسها، وتدافع عن حقها، وتنتزع مكانها لأنها تستحقه لا لأنها تملأ فراغًا.
نريد تمكينًا لا تلوينًا
آن الأوان لأن تقولها المرأة بوضوح: “لن أكون ديكورًا سياسيًا باسم التمكين.” نريد تمكينًا حقيقيًا لا شكليًا، تمثيلًا نابعًا من الإرادة لا من الحسابات.
نريد أن نُختار لأننا نستحق، لا لأننا نُكمل الصورة. فالمرأة ليست مزيج صفات تُجمع على ورق، بل روحٌ كاملة لا تُختزل. الجمع بين الصفات قتل للمعنى، والتفرّد بالهوية هو الطريق الوحيد للصدق.
المرأة المصرية لا تحتاج أن تُمنح مقعدًا، بل تحتاج أن تُستمع. وحين تُستمع إليها بصدق، ستعرف الدولة كلها أن التمكين الحقيقي يبدأ من جملة واحدة:
أنا امرأة مصرية… كاملة بذاتي
