خطة تقسيم غزة: هل تتحول إلى شرقية وغربية؟

في أعقاب حرب إبادة تركت قطاع غزة ركامًا، تطرح الولايات المتحدة خطة أخرى جدلية ربما لاتُفضي إلى إعادة الإعمار فحسب، بل إلى إعادة هندسة الواقع الجغرافي والسياسي للقطاع، وتقسيمه إلى شطرين: غربي وشرقي.

الخطة، التي تحمل بصمات جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي ومبعوثه السابق، تقوم على فكرة جذرية: تقسيم غزة وظيفيًا إلى منطقتين، إحداهما “آمنة” تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية، وأخرى متروكة لنفوذ حركة حماس المتبقي. ومن خلال ربط تدفق مليارات الدولارات اللازمة للإعمار بشكل حصري بالمنطقة الخاضعة لسيطرة إسرائيل، تسعى واشنطن لضغط أقصى لنزع سلاح الحركة وتفكيك سلطتها.

هذه الرؤية تصطدم بواقع تعقيد تشكيل القوة الدولية التي يُفترض أن تحفظ الأمن وتتسلم السلاح، إذ تعرقله خلافات جيوسياسية حادة أبرزها “الفيتو” الإسرائيلي على أي دور تركي وقطري، وشروط صارمة تضعها السعودية والإمارات، اللتين تشترطان النزع التام لسلاح حماس قبل المساهمة بدولار واحد.

وفي ظل هذا الجمود، يتبلور في جنوب القطاع حيث السيطرة الإسرائيلية نموذج أمني بديل، يعتمد على ميليشيات محلية ذات سجل إجرامي يجري تأهيلها إعلاميًا، مما يهدد بتحويل مهمة تحقيق الاستقرار إلى وصفة لإشعال فوضى طويلة الأمد.

الخطة الأمريكية للتقسيم: الإعمار مرهون بالأمن

جوهر المقاربة الأمريكية الجديدة، التي كشفت عنها “وول ستريت جورنال” وظهرت بعض تفاصيلها في مؤتمر صحفي عقده جاريد كوشنر ونائب الرئيس الأمريكي، جيه دي فانس، في إسرائيل، هو فكرة تقسيم غزة إلى منطقتين متمايزتين.

الخطة ليست مجرد تصور بل واقع قد يفرض نفسه على الأرض؛ فقد رسم وقف إطلاق النار الذي رعاه ترامب خطًا أصفر على الخريطة يحدد منطقة السيطرة الفعلية للجيش الإسرائيلي، والتي تغطي حاليًا حوالي 53% من مساحة القطاع.

وفقًا للمقترح، فإن هذه المنطقة “الآمنة” ستكون المستفيد الحصري من جميع أموال ومشاريع إعادة الإعمار الدولية. الهدف، كما أوضحه كوشنر، هو “البدء ببناء غزة جديدة” في هذه المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية “لإعطاء الفلسطينيين الذين يعيشون في غزة مكانًا للذهاب إليه، ومكانًا للحصول على وظائف، ومكانًا للعيش فيه”.

وتتوافق هذه الخطة مع البند 17 في خطة ترامب الذي ينص على “إذا أخرت حماس أو رفضت هذا الاقتراح، فستنفذ النقاط المذكورة أعلاه في المناطق “الخالية من الإرهاب”، والتي ستسلمها القوات الإسرائيلية تدريجيًا إلى قوة الاستقرار الدولية”.

ورغم أن مسؤولين أمريكيين يؤكدون أن الخطة لا تهدف إلى التهجير القسري، هذه المرة من غرب القطاع إلى شرقه، إلا أن الخطوات الموازية قد تؤدي لذلك، فقد ذكرت رويترز أن هناك مقترح أمريكي بإنشاء “حزام غزة الإنساني” الذي يتألف من عدد يتراوح بين 12 و16 مركز مساعدات، ستتوزع على امتداد الخط الذي انسحبت إليه القوات الإسرائيلية داخل غزة وتخدم السكان على جانبي الخط.

تشييع جثامين شهداء فلسطينيين في مقابر جماعية (الجزيرة)
تشييع جثامين شهداء فلسطينيين في مقابر جماعية (الجزيرة)

هذا في الوقت نفسه الذي استبعد فيه وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، خلال زيارته إسرائيل أي دور لوكالة الأونروا، واصفًا إياها بأنها “فرع تابع لحماس”، ما يشير إلى أن “مؤسسة غزة الإنسانية”، التي واجهت انتقادات أممية وحقوقية وقتل في محيطها مئات الفلسطينيين خلال توزيع المساعدات، قد تعود ولكن في ثوب جديد.

هذا الواقع يثير مخاوف عميقة لدى الفصائل الفلسطينية والوسطاء العرب من أن التقسيم المؤقت قد يتحول إلى أمر واقع دائم. وتعارض حكومات عربية بشدة فكرة تقسيم غزة، بحسب وول ستريت جورنال، معتبرةً أنها قد تؤدي إلى إنشاء منطقة عازلة إسرائيلية دائمة داخل القطاع، مما يقضي على أي فرصة مستقبلية لدولة فلسطينية متصلة الأراضي.

وكما تشير الباحثة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، تهاني مصطفى، فإن هذا السيناريو “قد يُفضي إلى ما يخشاه الفلسطينيون”، وهو تكرار لنموذج الضفة الغربية حيث تفرض إسرائيل سيطرةً أمنيةً كاملةً مع حصر الفلسطينيين في جيوب معزولة.

“سياسة الاحتلال في غزة خلال الإبادة هدفت إلى عزل المقاومة عن حاضنتها الشعبية وتقسيم الفلسطينيين بناءً على مواقفهم السياسية (مع المقاومة أو ضدها). ومن الأمثلة على ذلك فكرة “المدن الإنسانية” التي لم تنجح، والتي كانت ترمي إلى دفع السكان المدنيين إلى مناطق خاضعة لسيطرة الاحتلال أو قوى أمنية مرتبطة به، لعزل مؤيدي المقاومة وتجويعهم، لتسهيل مهمة إبادة المقاومة وحاضنتها الاجتماعية”، يقول ساري عرابي، الباحث في شؤون الحركة الوطنية الفلسطينية، لـ فَكّر تاني.

اقرأ أيضًا:
“غزة غير صالحة للسكن”.. لماذا هو مصطلح إسرائيلي بامتياز؟

وبالتالي، والحديث للباحث، يريد الاحتلال أن يستغل موضوع إعادة الإعمار ورفع الحصار وفتح المعابر أداة للابتزاز والضغط والعقوبة على الفلسطينيين داخل قطاع غزة وأيضًا أداةً لتقسيم الفلسطينيين على أساس الموقف السياسي.

لكن يزيد صايغ، الباحث الرئيسي في مركز كارنيجي للشرق الأوسط في بيروت، يعتقد أن هذه العملية ليست أحادية الاتجاه. بمعنى أن “كل شيء يعتمد على كيفية عمل الأطراف المختلفة سياسيًا للدفع نحو نتيجة أو أخرى”.

ويوضح لـ فَكّر تاني “تتضمن خطة ترامب عناصر قد تسير في اتجاهين متعاكسين. من ناحية، قد تُفضي إلى مزيد من ترسيخ سيطرة إسرائيلية لا نهاية لها. لكن من ناحية أخرى، تتصور الخطة انسحابًا إسرائيليًا إضافيًا إلى حدود غزة الأصلية، وإرساء أمن ورقابة دوليين، إلى جانب حرية تنقل الأفراد وإنعاش الاقتصاد -وهذا يعني بالضرورة حرية حركة البضائع، والوصول إلى أسواق الائتمان، والطاقة إلخ- وكل ذلك من شأنه أن يُنهي فعليًا السيطرة الإسرائيلية على غزة”.

في هذه الحالة، ستكون هناك “استمرارية إقليمية” داخل غزة، بحسب صايغ، وإمكانية أن تعتبر الدول التي اعترفت بدولة فلسطين غزة الوحدة الإقليمية الأولى لهذه الدولة، وأن تسعى لتوسيعها إلى الضفة الغربية والقدس الشرقية.

“لهذا السبب أتوقع أن يُفشل نتنياهو الاتفاق، ربما ليس فورًا ولكن حتمًا سيفعل ذلك. ولهذا السبب أيضًا، يجب على جميع الفصائل الفلسطينية وجميع الأطراف الدولية (الحكومات والتضامن الشعبي) مواصلة الضغط على إدارة ترامب للسعي إلى التنفيذ الكامل لخطته، وعلى الاتحاد الأوروبي لتنفيذ العقوبات التي هدد بها ضد إسرائيل، مع مواصلة دفعهم لتنفيذ خطط إعادة الإعمار والسلام الفرنسية-السعودية والعربية”، يستدرك المفاوض الفلسطيني الأسبق.

الفراغ الأمني: قوة دولية معلقة وشروط خليجية صارمة

تبقى الترتيبات الأمنية هي حجر العثرة الأكبر أمام أي تقدم. فالخطة الأمريكية، كما يشير تحليل لمعهد واشنطن، لا تُفصّل عملية نزع السلاح بشكل واضح، من حيث تحديد المسؤول عنها وتوقيتها وكيفيتها، وحتى تعريف السلاح المستهدف.

عناصر كتائب القسام (وكالة الأنباء الأوروبية)
عناصر كتائب القسام (وكالة الأنباء الأوروبية)

وتشير دانا سترول، نائبة وزير الدفاع الأمريكي السابقة لشؤون الشرق الأوسط، إلى أنه من غير المرجح أن تلتزم أي حكومة عربية بنشر قواتها في غياب ضمانات بأن جنودها لن يتعرضوا لهجوم من “حماس” أو “إسرائيل”.

وتضيف أن دولًا مثل “قطر وتركيا ومصر ستكون حاسمة في الحفاظ على الضغط على بقايا حماس لتجنب التدخل في عمل القوة الدولية”. لكن حتى هذا الضغط يواجه عقبات، أبرزها الرفض الإسرائيلي القاطع لأي دور تركي، حيث أبلغ نتنياهو واشنطن أن الوجود العسكري التركي في غزة “خط أحمر”.

علنًا تنفي حماس نيتها تسليم السلاح إلا مع إقامة دولة فلسطينية. لكن خلف الكواليس، وفي قنوات التفاوض غير الرسمية، يدور نقاش معقد حول تعريف “نزع السلاح” نفسه، وهو ما يكشف عنه بشارة بحبح، الذي يوصف بالوسيط غير الرسمي بين حماس والولايات المتحدة.

يوضح بحبح أن الأفكار المطروحة لا تعني بالضرورة تجريد حماس من كل سلاح، بل تم طرح تعريف محدد لنزع السلاح يعني التخلي عن “السلاح الثقيل” الذي “يمكن أن يقتل أربعة أو خمسة أشخاص أو أكثر في آن واحد”.

ويشير إلى أنه في المقابل “لم يتم الكلام عن الأسلحة الفردية”، مما يعني وجود صيغة محتملة تسمح للحركة بالاحتفاظ بقدرة دفاعية محدودة، مؤكدًا أنه إذا لم تتعامل الحركة “بذكاء مع هذا الموضوع”، فإن ذلك قد يعرقل بشكل كبير عملية إعادة الإعمار والانسحاب الإسرائيلي.

لكن حتى هذه الصيغ الوسطية تصطدم بمواقف حاسمة من لاعبين إقليميين رئيسيين. فغياب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ورئيس الإمارات محمد بن زايد عن قمة السلام في شرم الشيخ لم يكن مجرد غياب بروتوكولي، بل كان رسالة سياسية واضحة، وصفها المحلل السياسي لصحيفة هآرتس، تسفي برئيل، بأنها “مقولة حادة”.

لقد أوضحت الدولتان أن مشاركتهما في أي خطة مستقبلية لغزة مشروطة بأمر واحد فقط: “نزع سلاح حماس وإبعادها كمنظمة أو كحركة عن القطاع”. بالنسبة لهما، فإن بقاء حماس، التي تعتبرانها امتدادًا خطيرًا لجماعة الإخوان المسلمين وإيران، هو تهديد مباشر للاستقرار الإقليمي ويقضي على أي فرصة لسلام حقيقي. ما يعني أن أهم مصدرين محتملين لتمويل الإعمار يرفضان أي حل وسط لا يؤدي إلى القضاء الكامل على الحركة.

يعتقد يزيد صايغ أن حماس ستقبل على الأقل بنزع سلاح جزئي “ربما يكون هذا أحد خياراتها القليلة إذا أرادت البقاء كقوة سياسية. ففي نهاية المطاف، من شبه المؤكد أنها فقدت الكثير من قدراتها العسكرية، وليس لديها أمل يُذكر في إعادة بناء نفسها مستقبلًا كحركة مقاومة مسلحة كما فعلت بين عامي 2005 و2023”.

ويصف ساري عرابي المطالبة بنزع السلاح بأن “الهدف الحقيقي من وراء هذه المطالبة، من قبل الاحتلال وبعض الأطراف، هو إنهاء ظاهرة وفكرة المقاومة ذاتها. إنه يمثل محاولة لتجريم وتأثيم مبدأ المقاومة، حيث أن تسليم المقاوم سلاحه هو بمنزلة استسلام وإقرار بفشل فكرة المقاومة. طرح هذه القضية بهذا الشكل لم يكن ليتم لولا فرض الإبادة الجماعية على غزة، مما دفع فصائل المقاومة إلى التعاطي معها بقدر من المناورة في ظل الخيار بين استمرار الإبادة والبحث عن مقاربات أخرى”.

تشير مجموعة الأزمات الدولية، ومقرها بروكسل، إلى أن الهدنة الحالية مجرد مرحلة أولى من خطة طويلة الأمد “غامضة وطموحة ومثيرة للجدل”. وهنا يكمن الخطر الأكبر في أن التقدم قد يتعثر إلى أجل غير مسمى، مما يجعل الأطراف غارقة في هذه المرحلة.

وهذا السيناريو “قد يؤدي إلى ترسيخ الوجود والسيطرة الإسرائيلية في غزة، وتطبيع مجرد بقاء الفلسطينيين دون أمل في التعافي، وربما تشجيع نزوح فلسطيني كبير. كما أنه قد يرسم تقسيم غزة بشكل رسمي”.

نموذج رفح: رهان “الظاهرة الانفصالية”

في ظل هذا الجمود، يتجه اهتمام الاحتلال نحو بدائل أمنية محلية، وتحديدًا شخصية ياسر أبو شباب والتنظيمات المشابهة له مثل حسام الأسطل في خانيونس وأشرف المنسي شمال غزة.

ياسر أبو شباب الذي يقود ميليشيا مسلحة تتعاون مع الاحتلال ضد الفلسطينيين في غزة (صورة نشرتها صحيفة يديعوت أحرونوت)
ياسر أبو شباب الذي يقود ميليشيا مسلحة تتعاون مع الاحتلال ضد الفلسطينيين في غزة (صورة نشرتها صحيفة يديعوت أحرونوت)

هذا التوجه يجد تفسيرًا له في تحليل للباحثة الإسرائيلية نعومي نيومان، التي ترى أن الكيانات المناهضة لحماس تفتقر حاليًا للقدرة على الصمود دون دعم خارجي، وبالتالي يجب على “إسرائيل” أن تتصرف بشكل استراتيجي لدمج ميليشياتها تدريجيًا في مناطق تسيطر عليها، مع الهدف طويل الأجل المتمثل في وضعها تحت سلطة “السلطة الفلسطينية”، التي ترفض إسرائيل أي دور مستقبلي لها.

وتلعب وسائل الإعلام السعودية والإماراتية، دورًا في “تلميع” ظاهرة أبو شباب. فقد روّجت قناة “العربية” السعودية لمحاولة ياسر و”قواته الشعبية” تأسيس حكومة في شمال رفح، واصفةً كيانه بأنه “دولة داخل الدولة”، حيث تتوفر أجهزة أمنية ومستشفى ومدرسة، في “ساحة تبدو خارج زمن الحرب”.

وتوجت هذه الحملة بظهور زوجته، آمنة أبو شباب، في فيديو ترويجي نشرته وسيلة إعلام إماراتية، تقدم فيه نفسها كامرأة أكاديمية تتحدث بخطاب إنساني، مدعية أن “مشروع المناطق الإنسانية لم يبنَّ على مصالح سياسية ضيقة، وهو الآن حديث العالم”.

يرى الباحث ساري عرابي، أن هذه الظواهر تتماهى مع أحد أهداف الاحتلال الرئيسية هو إلغاء التمثيل السياسي الفلسطيني (برفض حماس وفتح والسلطة) وشطب الهوية القومية للشعب الفلسطيني. لتحقيق ذلك، “يسعى لتكريس ميليشيات أمنية/مافيوية مرتبطة به، يمنحها الشرعية عبر إدارة الإعمار والمساعدات لتكون نموذجًا بديلاً بلا هوية سياسية أو وطنية”. لكنه يصفها بأنها نبتت على “هامش الإبادة” وستبقى معزولة نتيجة افتقادها الشرعية.

مؤخرًا، بدا أنه هناك خطوات تتخذ لإكساب هذه التنظيمات شرعية سياسية. ومن الأمثلة على ذلك، انتقال مؤسس حراك “بدنا نعيش” (المناهض لحماس منذ 2019)، مؤمن الناطور، إلى مناطق سيطرة “أبو شباب” للحماية من استهداف حماس. بالتزامن، نشر الناطور مقالًا في “واشنطن بوست” يتهم فيه حماس بمحاولة تدمير “السلام” والسيطرة على غزة.

يلفت أستاذ العلوم السياسية، طلال أبو ركبة، في حديثه مع فَكّر تاني إلى أن “هذا النموذج هو نموذج لحظي مرتبط بمصالح الاحتلال الآنية.. ولن يبقى لها أو لأي جماعة عصبوية مماثلة أي وجود حقيقي في قطاع غزة، فهذا مصير محتوم في الحالة الفلسطينية”.

“الخلفية الاجتماعية والتعليمية والثقافية والوطنية لأبو شباب لا تحظى بالإجماع بأي شكل ولا يمكن قبولها في المجتمع الفلسطيني، حتى وإن كانت الأحزاب الفلسطينية فشلت أو الطبقة السياسية برمتها أصابها التكلس.. كما أن بإمكانه أن يجد امتدادًا عائليًا له في شرق رفح لكن حتى على مستوى المحافظة نفسها لا يوجد له امتداد حقيقي بمعنى غطاءً اجتماعيًا عائليًا عشائريًا”، يضيف أبو ركبة.

الآفاق المستقبلية: إعمار صعب في ظل فراغ سياسي

في المحصلة، تجد غزة نفسها عالقة في حلقة مفرغة. فالخطة الأمريكية تتجاهل أن إعادة الإعمار ليست عملية هندسية بل سياسية بالدرجة الأولى. ولا يمكن بناء مستقبل مستقر على أسس هشة وبدون معالجة الأسباب الجذرية للصراع.

وهنا، يعتمد الكثير مجددًا على السياسة “كيف تتعامل الفصائل الفلسطينية المختلفة مع هذا التحدي، وقبل كل شيء من خلال طرح أشكال جديدة من العمل السياسي والقيادة. هذه هي المشكلة المركزية: غياب القيادة السياسية الفعالة لدى أي فصيل أو جماعة فلسطينية. بالتأكيد ليس فتح أو السلطة الفلسطينية ومحمود عباس، ولكن أيضًا ليس حماس”، وفق تعبير صايغ

ويعتبر أنها جميعًا فشلت وانتهى نموذجها التنظيمي والسياسي في التسعينيات، “لكنها نجت من خلال التمسك بسلطة “الدولة” في الضفة الغربية وغزة، على الرغم من عدم طرحها نماذج جديدة للسياسة الداخلية أو حلول للتحرر الوطني. لا يمكننا أن نتوقع منها الآن تحقيق نتائج أفضل. لذا، السؤال هو: هل يمكن استخدام الوصاية الدولية على غزة للسماح بظهور قيادات جديدة من مجتمع فلسطيني مُدمر؟”.

ينظر المواطن الغزاوي، بحسب أبو ركبة، بقلق بالغ إلى الخيارات القائمة، التي تنذر بـ “إعادة هندسة ديموغرافية” عبر نموذج أمريكي/إسرائيلي يقسّم غزة إلى مناطق “إعمار” تحت السيطرة الإسرائيلية ومناطق “دمار” خارجها.

هذه الوصفة “هي تحويل للتهجير القسري إلى تهجير ناعم”، وتثير تخوفات من نزع الصفة الوطنية عن السكان وتقسيمهم بناءً على معايير أمنية تحدد من يدخل مناطق الإعمار؛ ما يهدد بتفكيك بنية الهوية الوطنية وتمزيق أسس المجتمع والعلاقات الاجتماعية في القطاع.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة