ليالٍ بلا نوم وعقول مرهقة.. “القلق الاقتصادي” وباء صامت

تتمدد على السرير تراقب سقف غرفتها وتنتظر النوم، هكذا هو ليل يمنى.. مزيد من التوتر والقلق. بعدما تقضي طوال النهار بين فناجين القهوة التي تتجاوز العشرة.

يمنى -اسم مستعار- تعيش النصف الثاني من عشريناتها وسط حالة مستمرة من القلق والخوف، تسكن مع والدتها بعد وفاة والدها، ولا يكفي معاشه احتياجاتهما، خاصةً بعدما مرضت الأم، ويتكلف علاجها كل المعاش تقريبًا، بالكاد يكفي!.

بين الأرقام تعيش يمنى يومها، تدور من هنا إلى هناك وهي تبحث عن حل، تعمل في التطريز مرة، ثم تقرر أن تساعد في تنظيف البيوت. لكن مع ارتفاع أسعار الدواء المستمر لا يتوفر لها أي من الطمأنينة التي تتمناها. فلم تستطع بتعليمها المتوسط -دبلوم تجارة- أن تحصل على فرصة عمل جيدة، وعندما عملت في مكتب محامي لم تمض شهور حتى اضطرت أن تتركه بسبب ظروف مرض والدتها.

“مش بعرف أنام، ممكن اليوم كله أنام فيه ساعتين بس!.. والصداع طول الوقت ملازمني، دا غير الهالات السودا اللي تحت عيني ومفكرتش أروح لدكتور عشان موضوع النوم. لأني باختصار.. معنديش الرفاهية دي”.

اضطرابات النوم

وسط وتيرة حياة صعبة يعيشها المصريون أصبح القلق جزءًا من يومنا يدير حياتنا وينتج لنا عددًا كبير من مصابي اضطرابات القلق والاكتئاب، والذي لا يسعى العدد الأكبر منهم/ن لتلقي مساعدة نفسية محترفة.

يعيش محمود سالم حالة من الأرق المستمر منذ 6 شهور تقريبًا، وذلك بعدما طُرد من عمله الثاني، حيث كان يعمل محاسب في إحدى الشركات بعد الظهر، ولم يعد يعمل الآن إلا في أحد المصانع صباحًا.

محمود 32 عامًا، ويقول لـ فكّر تاني، إن الراتب الواحد لم يعد يكفي احتياجاته هو وأولاده الثلاثة وزوجته، ويسعى الآن للبحث عن عمل ولكنه لا يجد شيئًا مناسبًا: “كل حاجة في إيد ربنا بس قلة النوم والتفكير مأثر على كل حاجة في حياتي. بقيت عصبي وبزعق طول الوقت مع الولاد ومش طايق حد والقهوة والشاي مش عاملين حاجة”.

يوضح محمود أن أحد أصدقائه نصحه بأخذ مهدئات وفكر في تناولها ولكنه تراجع عن ذلك عندما عرف أنها مع الوقت قد تسبب الإدمان.

أوضحت الأمانة العامة للصحة النفسية مصطلح اضطرابات النوم بأنه الحالات التي يحدث فيها تغيرًا في جودة النوم، أو توقيته، أو مدته، وتؤثر على قدرة الشخص على ممارسة حياته بشكل طبيعي أثناء الاستيقاظ.

يمكن أن تسهم اضطرابات النوم في العديد من الأمراض الطبية الأخرى، وقد يكون بعضها عرضًا مباشرًا لاضطراب نفسي موجود بالفعل لدى الشخص. وترتبط أكثر من ٥٠٪ من حالات الأرق بالاكتئاب أو القلق أو الضغط النفسي. وغالبًا ما تكون نوعية أعراض الأرق لدى المريض مؤشر لدور المرض النفسي في عدم قدرة الشخص على النوم.

وقد ذكر موقع المعاهد الوطنية للصحة أن قلة النوم ترتبط بمجموعة من النتائج الصحية والاجتماعية السلبية، بما في ذلك ضعف الأداء الدراسي. وقد ارتبط انخفاض مدة النوم بسبعة من أصل خمسة عشر سببًا رئيسيًا للوفاة في الولايات المتحدة، بما في ذلك أمراض القلب والأوعية الدموية، والأورام الخبيثة، وأمراض الأوعية الدموية الدماغية، والحوادث، وداء السكري، وتسمم الدم، وارتفاع ضغط الدم.

وفي مؤسسة النوم الوطنية الأمريكية: الأرق أصبح مرض يصيب الأطفال والمراهقين والشباب وأيضًا كبار السن.

وحددت عدد ساعات مناسبة للنوم لمختلف الأعمال وكانت 14- 17 ساعة للمواليد الجدد، و12 – 15 ساعة للرضع، 11- 14 ساعة للأطفال الصغار، 10 – 13 ساعة لمرحلة ما قبل الدراسة، 9- 11 ساعة للأطفال في مرحلة الدراسة، 8- 10 ساعات للمراهقين، 7- 9 للشباب والبالغين، 7- 8 لكبار السن.

اقرأ أيضًا: 158.3 % نموًا بوارداتها.. ماذا يُخبرنا كوب القهوة عن اقتصاد مصر والمصريين؟

مسببات الأرق

توضح الدكتورة إيمان عبد الرحيم، مدرسة واستشارية الطب النفسي وطب النوم بكلية الطب جامعة القاهرة، في حديثها مع فكّر تاني، أن النوم الصحي ليس رفاهية، بل هو ركيزة أساسية للصحة الجسدية والعقلية. ومن بين أهم مخاطر عدم النوم الجيد يأتي القلق، لأن العقل لا يهدأ في الليل. القلق هو استجابة طبيعية للتوتر، ولكنه عندما يصبح مزمنًا أو شديدًا، يمكن أن يدخلنا في حلقة مفرغة.

الدكتورة إيمان عبد الرحيم

 وتبين استشارية الطب النفسي كيف يؤثر القلق على نومنا: “يظهر ذلك في صعوبة الدخول في النوم ‘الأرق الأولي‘، حيث يسبب القلق تنشيطًا فسيولوجيًا مفرطًا في الجسم. فبدلاً من أن يهدأ العقل والجسم قبل النوم، يبقى الجهاز العصبي الودي -المسؤول عن استجابة ‘الكر والفر‘- في حالة تأهب. ما يؤدي إلى تسارع في ضربات القلب، وتفكير مفرط “أفكار متسارعة، واجترار للمخاوف”، وصعوبة في استرخاء العضلات. كل هذه العوامل تجعل الاستغراق في النوم مهمة صعبة، بل ومستحيلة أحيانًا”. 

وتضيف استشاري طب النوم أن من بين الأعراض أيضًا الاستيقاظ المتكرر أثناء الليل ما يُعرف بـ “الأرق الأوسط”، فحتى لو تمكّن الشخص القلق من النوم، فإن مستويات التوتر المرتفعة يمكن أن تسبب استيقاظًا متكررًا. وأحيانًا يكون الاستيقاظ مصحوبًا بنوبات هلع ليلية أو كوابيس، أو مجرد شعور بالضيق يقطع النوم. 

وكذلك الاستيقاظ المبكر جدًا، هنا يستيقظ الشخص قبل موعده بساعات. أو اضطراب جودة النوم، ومعناه أن ينام الشخص لساعات ويستيقظ وهو يشعر بالإرهاق، إلى جانب الخوف من عدم النوم وهو ما يسمى بـ “قلق الأداء”. 

وتتحدث الدكتورة إيمان عن الاكتئاب وصلته بالنوم، وتقول: “إنه ليس مجرد شعور بالحزن؛ إنه اضطراب معقد يؤثر على كيميا الدماغ، ولهذا تأثير عميق على النوم. والعلاقة بينهما غالبًا ما تكون ذات اتجاهين: الاكتئاب يسبب اضطرابات النوم، واضطرابات النوم المستمرة يمكن أن تزيد من خطر الإصابة بالاكتئاب أو تفاقم أعراضه”. والأرق هو أحد الأعراض التشخيصية الأساسية للاكتئاب ويصيب حوالي 75% من مرضى الاكتئاب.. بحسب قولها.

اقرأ أيضًا: الذهب الأحمر.. لماذا غادر طبق اللحم موائدنا؟

اضطراب القلق والاكتئاب

تشرح الدكتورة نهال زين أخصائية الطب النفسي وعلاج الإدمان، المعنى المقصود من اضطراب القلق وتقول لـ فكّر تاني: الاضطرابات النفسية يشترك في مسبباتها أكثر من عامل، ومن ضمنها الجينات، والطباع الشخصية، ومن بينها العوامل البيئية كالضغوط الاقتصادية، مثل ألا يشعر الشخص باستقرار وظيفي بسبب أن التعاقد في عدد كبير من المؤسسات مؤقت ويصل لـ 6 شهور فقط!”، وتؤكد على أنه من الطبيعي أن يشعر هذا الشخص مع الوقت بالقلق. خاصةً لو أن طباعه الشخصية تساعد على ذلك. 

“الشخص الطبيعي يشعر بالقلق العادي، ولكن هناك من يصل لحد الإصابة باضطراب القلق العام. الكورونا حفزت ظهور القلق بشكل كبير، ولم تكن هي السبب المباشر، ولكنها كانت القشة التي قصمت ظهر البعير بعد أن تجمعت قبلها العديد من العوامل التي أدت لذلك”.

 وجاء عن منظمة الصحة العالمية أن الاكتئاب والقلق لهما تأثير كبير على سريان العمل، ويتسببان في فقدان ما يقرب من 12 مليار يوم عمل كل عام. ويمكن أن تؤدي حالات الصحة النفسية إلى انخفاض الأداء، والغياب عن العمل، وزيادة تنقل الموظفين.

التصميم عن منظمة الصحة العالمية على موقع فيسبوك

كما أكدت الصحة العالمية، أن الوصم والتمييز يؤثر على توظيف ذوي الحالات النفسية فقد يمنعهم من الحصول على وظيفة مناسبة والاحتفاظ بها، ويصعب من الاندماج مع الآخرين، وطالبت المنظمة من أرباب العمل دعم العمال الذين يعانون من حالات نفسية من خلال مرونة في عدد ساعات العمل، وتحديد وقت إضافي لهم لتنفيذ المهام، وإعادة إدماج العمل بعد فترات الغياب.

وصمة المرض النفسي

كما تؤكد الدكتورة نهال زين، أن وصمة المرض النفسي ما تزال موجودة في بعض المجتمعات دون الأخرى، رغم أن الأمر أصبح في نقصان وزاد الوعي لدى الناس أكثر من قبل، ولكن تلك الأفكار مسيطرة على البعض وتحول دون تلقيهم المساعدة المطلوبة. 

الدكتورة نهال زين

وهذا ما حدث مع منى سعيد 29 عامًا، فتقول لـ فكّر تاني: “بعد وفاة أمي عشت في جحيم، مكنتش بقدر أنام خالص لدرجة إني كنت بفضل صاحية لأيام، شكلي اتغير، بدأت أشوف حاجات مش حقيقية، فقدت قدرتي على الاتزان والحركة، كنت بسمع أصوات في دماغي مكنتش حقيقية، ولكن مقدرتش أروح لدكتور عشان كلام الناس”. 

وتكمل منى من محافظة البحيرة: “كنت متعلقة بأمي جدًا، هي الحياة بالنسبة لي. أخويا مكنش حاسس بي وهو له حياته، ولما قلت له أنا مبنامش قالي صلي ومتفكريش كتير!. بعدها بشهرين خالتي قررت إنها تاخدني لدكتور يساعدني من ورا أخويا، والحمد لله أنا دلوقتي أحسن وبقيت بنام أفضل وماشية على كورس علاج نفسي”.

اقرأ أيضًا: الجنيه العنيد.. تحدى التوقعات أم يخدعنا؟

ارتفاع المبيعات

ويؤكد مدير المركز المصري للحق في الدواء محمود فؤاد، أن مبيعات الأدوية النفسية والعصبية ازدادت في السنوات الأخيرة، فبدلًا من أن تكون في المراكز الأخيرة أصبحت في المركز الخامس ومراكز متقدمة، ما يعني أن المستخدمين زاد عددهم. 

محمود فؤاد

ويلفت محمود فؤاد لـ فكّر تاني، رغم أن الذهاب للطبيب النفسي شيء صحي جدًا، لكن زيادة مبيعات أدوية الاضطراب النفسي والاكتئاب زادت مبيعاتها وإعلاناتها أيضًا على “تيك توك”، ما يؤكد أن هناك مستجدات على المجتمع المصري.

ويضيف مدير الحق في الدواء، أن المشكلات النفسية الحالية، باستثناء الأمراض التي يولد بها الإنسان، تبدو ناتجة عن الوضع العام وتأثير عوامل مثل منصات التواصل الاجتماعي مثل “فيسبوك” و”تيك توك” التي تدفع الكثيرين للسهر. 

ويعتبر فؤاد هذا ظرفًا طارئًا يتطلب تدخل خبراء لتقييم الوضع وتحديد الأسباب الرئيسية لاضطراب النوم، متسائلًا عن دور الحروب والاضطرابات العالمية، وكذلك الأسباب الاقتصادية. ومشددًا على أهمية دراسة هذه المستجدات المجتمعية من قبل الخبراء النفسيين والاجتماعيين والسياسيين، أسوة بما يحدث في الدول المتقدمة التي تضع مبيعات الأدوية النفسية تحت الدراسة. ويؤكد أن الهدف ليس تحقيق الربح لشركات الأدوية، بل فهم المسببات؛ لأن اضطرابات النوم والاكتئاب تؤثر سلبًا على إنتاج الفرد والناتج القومي للدولة، مما يشكل مصدر خطورة.

بينما يقول الدكتور كريم كرم أمين صندوق المركز المصري للحق في الدواء: “الأدوية المنومة أو أدوية المخدرات يكون صرفها عن طريق روشتة، أما المهدئات العادية فلا نسمح بإعطائها بشكل غير منظم”. مؤكدًا على أن الظروف الاقتصادية سبب من أسباب اضطراب القلق والاكتئاب، ولكن الصيادلة لا يصرفون هذه الأدوية دون روشتة لأنها مضرة جدًا.

ويشير كريم لـ فكّر تاني: “تختلف المبيعات من مكان إلى آخر، ففي الأماكن مثل الزمالك والمهندسين يكون فيها استهلاك أكثر من بعض المناطق الأخرى”، مشيرًا إلى أن الناس عادة تبدأ باستخدام الأعشاب والمهدئات وصولًا للمهدئات القوية، وبالفعل يزيد نسبة صرفها في الصيدليات، لكن، بحسب قوله، “لا نستطيع تحديدها بشكل محدد لأنه لا توجد دراسة بذلك”.

الدكتور كريم كرم

ويشرح الدكتور كريم، أن  المريض الذي يكتب له الدكتور مهدئ أو منوم يذهب للصيدلي ويقوم بصرف الدواء، وعندما يريده من جديد يذهب ثانية وثالثة لشرائه، في الوقت الذي ربما يكون قد منعه الطبيب من تكراره، وهذا أيضًا خطر، أسعار المنومات تبدأ من 50 جنيهًا وتصل إلى 200 جنيه وأكثر.

وفي نفس السياق يوضح الدكتور ياسين رجائي مساعد رئيس هيئة الدواء لـ فكّر تاني: أنه من الصعب تحديد نسبة مبيعات نوعية معينة من الأدوية فهيئة الدواء تحدد ارتفاع مبيعات الأدوية بشكل عام، وذلك ما حدث، فقد سجلت مبيعات الأدوية في مصر ارتفاعًا ملحوظًا في عام 2024، ووصلت إلى 309 مليار جنيه، مقارنة بـ 216 مليار جنيه في عام 2023.

وصفة بدون طبيب

فيما يُحذر الدكتور أحمد أبو دومة عضو مجلس نقابة الصيادلة والمتحدث الإعلامي باسم النقابة، من تداول الأدوية المنومة والمهدئات ويقول لـ فكّر تاني: “أصبحت هذه الظاهرة الأكثر انتشارًا بسبب طبيعة الحياة التي تتجه نحو المادية والبعد عن حالة الصفاء الذهني التي تمتعت بها الأجيال السابقة مع التطور التكنولوجي ودخول مواقع التواصل الاجتماعي واعتبارها واحدة من لوازم الحياة، هذا ما أعطى الإنسان مزيد من الضغوط ومزيد من التوتر ومن ثم ظهر القلق سواء على الوضع الحالي أو المستقبل في ظل التحديات الاقتصادية وفي ظل التوترات العالمية التي تنقلها القنوات”.

الدكتور أحمد أبو دومة

ويضيف دومة أنه -وللأسف الشديد- هناك من يمقاوم هذه الضغوط باستخدام مضادات الاكتئاب ولكن هذه الأدوية ليست من ضمن الأدوية المصرح للصيدلي بنفسه ولكنها لا تصرف ولا تحدد جرعتها إلا بناء على توصية طبية وتذكرة طبية وروشتة من طبيب مختص لأن الجرعة حساسة وتحتاج إلى ضبط حسب كل حالة”.

“الدرجة الأعلى والأشد خطورة.. هي الأدوية المؤثرة على الحالة النفسية مثل المنومات والمهدئات، فالقانون واللوائح والقرارات الوزارية نظمت طريقة صرف خاصة لها، عن طريق روشتة طبية معتمدة من الطبيب مختومة بخاتم الطبيب نفسه ليتمكن الصيدلي من صرف هذه الأدوية، وعقب ذلك، يقوم الصيدلي بتسجيل هذه الروشتات بدفتر مسلم للصيدلية خصيصا لهذا الشأن من هيئة الدواء، وتتم متابعة هذا الدفتر ومتابعة الكميات الموجودة وتوافرها برقابة صارمة من مفتشي هيئة الدواء لضمان أن يصل لمستحقيه، وحتى لا يتسرب لغير المستحقين وأي دواء يتم اضافته يكون بقرار وزاري”.

ويرى أبو دومة أن صيدليات الدخلاء “آفة في المجتمع”، لكن مع وجود هيئة الدواء نضمن الرقابة والتفتيش على الصيدلية التي تتسلم الأدوية النفسية ولا يتم بيعها إلا عن طريق الشركة المصرية لتجارة الأدوية، ولا يجوز أن يطلبها الصيدلي من أي شركة خاصة ويتسلمها شهريًا من خلال الصيدلي نفسه ويوقع على استلامها.

“المعيار الأساسي أن الدواء لا يتم تداوله ولا صرفه ولا استخدامه الا من خلال توصية طبية ولا يتم التعامل مع الدواء إلا من خلال طبيب يشخص الحالة ويكتب الدواء المناسب، أما تجربة الأدوية بناء على نصائح الأصدقاء فهي تؤدي إلى نتائج وخيمة تؤثر على صحة المصريين”.

اقرأ أيضًا: دردشات الـ AI.. وهم الـ “طبطبة” الرقمية

القلق الاقتصادي 

القلق الاقتصادي أو القلق المالي مصطلح بات معروفًا خلال السنوات الماضية في الوقت الذي أشارت فيه عدد من الدراسات أنه أصبح أحد أنواع القلق التي يعاني منها الناس في كل بلدان العالم، حيث أشارت التقارير أن 72% من الشعب الأمريكي يعانون من القلق المادي وغياب الأمان المالي.

ويشرح الخبير الاقتصادي الدكتور أحمد شوقي عن معاناة المواطن مع عدم الأمان المادي: “لو كان دخله 7 آلاف جنيه أو 10 آلاف جنيه أصبح يتنازل عن بعض الاحتياجات حتى يستطيع توفير متطلباته المهمة في حدود إمكانياته والدخل الخاص به وذلك في ضوء ارتفاع معدلات التضخم، فهناك قلق مستمر من ارتفاع المحروقات، والذي لا يقابله ارتفاع في المرتبات، وبالطبع يكون له أثر نفسي على المواطن ولابد أن يشعر بالقلق المستمر ويسأل نفسه باستمرار كيف سأوفر احتياجاتي وخاصة أن مع ارتفاع المحروقات ترتفع أسعار كل السلع الأخرى والخدمات”.

الدكتور أحمد شوقي

“ويضيف شوقي في كلامه مع فكّر تاني: “يفكر المواطن في فرصة عمل إضافية ما يزيد من الضغط المتعرض له. والأسرة المكونة من طفلين مثلًا كيف يوفر احتياجاتهم بهذا المبلغ!!”. موضحًا المواطن المصري أصبح الآن يفكر إن كان يستطيع إنجاب طفل ثان، والطبقة المتوسطة تآكلت وأصبحت تعاني بشكل كبير جدًا في ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة.

“بدأت الشركات الخاصة بالتمويل الاستهلاكي في الظهور بشكل كبير ونشاط زائد ما يزيد من أعباء سداد الدين، وبالضرورة سوف يؤثر سلبًا على دخل المواطن”.

بيانات تنذر بالخطر

يشير المسح القومي للصحة النفسية المنتهي في 2017 والذي أعلنته وزارة الصحة المصرية في أبريل 2018 بناءً على دراسة لعينة بشرية قوامها 25095 مواطنًا في جميع محافظات مصر، أن 25 % من الشعب المصري يعانون من اضطرابات نفسية.

وذكرت منظمة الصحة العالمية أن اضطرابات القلق من أكثر الاضطرابات النفسية شيوعًا في العالم، إذ أصابت 301 مليون شخص في عام 2019. وذكرت المنظمة أن اضطرابات القلق تنتج، مثل سائر حالات الصحة النفسية، عن تفاعل معقد بين عوامل اجتماعية ونفسية وبيولوجية. ويمكن لأي شخص أن يصاب بأحد أنواع اضطرابات القلق، لكن الأشخاص الذين مروا بتجارب من سوء المعاملة أو الخسائر الفادحة أو غيرها من التجارب السلبية يكونون أكثر عرضة للإصابة بأحد هذه الاضطرابات.

كما نوهت منظمة الصحة العالمية أنه يموت كل عام ما يقرب من مليون شخص بسبب الانتحار؛ 86٪ منهم في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل. والانتحار من بين الأسباب الرئيسية الثلاثة للوفاة بين الشباب تحت سن 25، وهو يمثل 10%-20% من وفيات النساء حتى سنة واحدة بعد الولادة. إن وسطي معدل الانتحار بالنسبة لبلدان إقليم شرق المتوسط هو 4.90 لكل 100000 شخص، مقارنة مع 6.55 بالنسبة لجميع دول العالم.

وأكدت المنظمة في تقريرها العالمي للصحة النفسية الصادر عام 2023، ارتباط الأزمات الاقتصادية بتدهور الصحة النفسية وزيادة معدلات الانتحار، وخطر الاكتئاب والقلق.

كما نشرت مجلة “ساينس” العلمية، في ديسمبر 2020، دراسة تؤكد أنه على النقيض من الأفكار السائدة مسبقًا، فإن أمراض القلق والاكتئاب ليست أمراضًا مرتبطة بالثراء، إذ أن الأشخاص من ذوي الدخول الأدنى أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب أو القلق بنحو 1.5 إلى 3 مرات من الأغنياء.

اقرأ أيضًا:أطفال على تراب الأرض.. بين حضن الأم وقسوة الحقل

الدولة وخطة الدعم النفسي

وعما تتحمله الوزارة من ميزانية للصحة النفسية ذكر الدكتور إسلام عنان الرئيس التنفيذي لشركة أكسيت للأبحاث خلال المبادرة الرئاسية لدعم الصحة النفسية “صحتك سعادة” في نوفمبر الماضي، أن هذه المبادرة هي تجسيد لحرص الدولة على دعم الصحة النفسية للمواطن المصري وتحسين الصحة النفسية للمواطنين عامةً.

مؤكدًا أن الصحة النفسية تلعب دورًا مهمًا في الوقاية من العديد من الأمراض، حيث أن أكثر من 1.1 مليار شخص حول العالم يعانون من اضطرابات نفسية أو إدمان، ومع ذلك، فإن 80% من هؤلاء لا يسعون للحصول على العلاج المناسب، حيث تشير الإحصائيات أن العبء الاقتصادي العالمي المرتبط بالصحة النفسية يصل إلى 5 تريليون دولار.

أما في مصر فتم حساب العبء الاقتصادي للاضطرابات النفسية ما بين 4 إلى 12 مليار دولار سنويًا، بحسب عنان، ما يؤثر سلبًا على الإنتاجية والنمو الاقتصادي، مما دعا مصر إلى الاهتمام بجودة حياة المواطن المصري وليس فقط العلاج والوقاية من الأمراض، وقد تم بالفعل توفير 66 مليار جنيه مصري من خلال المبادرات الصحية العامة التي أطلقتها الدولة، مع 115.6 مليون زيارة لمبادرات الصحة العامة.

الأمانة العامة للصحة النفسية تم انشائها عام 1997 وكانت تتبع مديريات وزارة الصحة إلى أن تقرر بعدها ضم مستشفيات الصحة النفسية لجهة إدارية موحدة تشرف عليها بعد أن كانت تخضع للمديريات الصحية المختلفة، وقد اشتمل قرار الضم على المستشفيات الكبرى وهي: مستشفى العباسية ومستشفى حلوان ومستشفى مصر الجديدة ومستشفى الخانكة ومستشفى المعمورة لديوان عام وزارة الصحة وذلك بقرار جمهوري صدر 21-9-1997، ثم توالى بعد ذلك انضمام المستشفيات المختلفة إلى الأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان ليصل عددها حاليًا إلى 20 مستشفى ومركزًا لتقديم خدمات الطب النفسي وعلاج الإدمان في معظم محافظات جمهورية مصر العربية.

وتقول الدكتورة نهال زين، أحد مؤسسي المنصة الالكترونية للأمانة العامة للصحة النفسية، أن هناك مستشفيات حكومية تابعة للأمانة العامة للصحة النفسية ووزارة الصحة ومنها فروع منتشرة على مستوى المحافظات، وتقدم خدمات العلاج النفسي ودخول المنشأة بسعر رمزي في وجود الأطباء، وتوفر كذلك منصة إلكترونية ويقدم الأطباء جلسات مجانية رغم الكثافة.

وتشرح نهال، أن المنصة لم تكن تعمل بشكل مداوم ولكن بعد “كورونا” أصبحت هناك حاجة ملحة لتقديم خدمات للمواطنين طوال اليوم، وخاصة مع انتشار اضطرابات القلق من الفيروس، وتؤكد، على خصوصية المريض في أي شكوى.

الخط الساخن للأمانة العامة للصحة النفسية في مصر: هو 16328. يمكنك الاتصال بهذا الرقم لطلب استشارات نفسية مجانية على مدار 24 ساعة.

وتظهر إحصائيات الموقع أن عدد حجوزات الموقع مؤخرًا يصل إلى 1074 حالة، وعدد المرضى 13436، بينما يقدر عدد الأطباء النفسيين 25، وعدد المعالجين 7.

كما أن هناك خط ساخن للدعم النفسي يعمل لمدة 24 ساعة يطلب الشخص المساعدة سواء للاستشارة النفسية وللطوارئ مثل أن يكون هناك أفكار انتحارية، وبها عيادة خاصة بالمرأة، المراهقين، الصدمات، علاج الإدمان، وكبار السن.

مراكز المساعدة

وتعد مؤسسة مرسال الخيرية، أحد الأماكن الهامة التي تقدم خدمة العلاج النفسي، فلديهم فريق كامل يتضمن متخصصين في مجال الصحة النفسية وكذلك فريق منسقين يتابعون مع الحالات سواء كأفراد او مجموعات.

ويشير الدكتور باهر محمود مدير العلاقات العامة في مؤسسة مرسال عن تقديم الخدمة لعدد كبير من المرضى: “عدد المستفيدين من خدماتنا حتى الآن 910 مسجلين في قوائمنا ويتم تقديم الخدمة اليهم بشكل مستمر، ويوجد نسب تحسن كبيرة في الحالات سواء كانت مزمنة او عادية”.

الدكتور باهر محمود

ويحكي باهر لـ فكّر تاني، عن التحديات التي تواجههم: “أكبر تخوف للناس يكون من تعرض البيانات الشخصية للإفصاح، ولكننا في مرسال لدينا سياسات حازمة وصارمة بشأن سرية بيانات المستفيدين من خدماتنا عمومًا وليس فيما يتعلق بالصحة النفسية فقط، ويتم الاحتفاظ بالملفات الخاصة بالحالات مع الموظفين المعنيين فقط وتحفظ في مكان مغلق وغير مسموح بتصفحها”.

ويؤكد أيضًا، أن الخوف من الوصمة ما يزال له أثر: “نعم التخوف موجود، لكن النسبة انخفضت خاصةً بعد كورونا حيث أدرك المجتمع، أن الدعم النفسي ليس رفاهية بسبب ما تعرضوا له خلال هذه الأزمة، ونقدم في مرسال خدمة الدعم النفسي عبر الإنترنت للحالات التي لديها تخوف من الذهاب للعيادات النفسية أو الذين ليست لديهم رغبة في معرفة عائلتهم بتلقيه للعلاج النفسي”.

وتقدم مرسال الخدمة بسعر مناسب ومجاني لحالات مستحقة، فأسعار العيادات مُخفضة لجميع الحالات حتى لو كانت خاصه “غير مسجلة كحالة على قوائم المؤسسة”، ويوجد حالات تستفيد من العلاج النفسي بشكل مجاني بالكامل من حيث “الكشف والمتابعة والجلسات والعلاج والحجز في المصحة”.

ويرى مدير العلاقات العامة بمرسال أنه ما زال ينقص الصحة النفسية في مصر الكثير ويشرح: “بالرغم من الجهود الكبيرة للدولة في مجال الصحة النفسية، إلا أن هناك العديد من الأماكن التي تحتاج إلى توعية بالصحة النفسية وتوفير الخدمة الطبية، وهو الهدف الذي نسعى لتحقيقه في مرسال، ومن ضمن خطواتنا لتحقيق هذا الهدف هو تقديم الخدمة عبر الإنترنت لضمان الوصول لأكبر عدد ممكن من راغبي الحصول على خدماتنا”.

هذا إلى جانب مستشفيات الأمانة العامة للصحة النفسية والمنتشرة في عدد من محافظات مصر توجد أيضًا عدد من العيادات والمراكز التي تقدم الخدمة والدعم النفسي، والتي يشرف عليها عدد من المعالجين والمعالجات النفسيين من مستشفيات متخصصة تم تأهيلهم/ن بشكل كامل ووافٍ، وعمل عدد منهم في مستشفى العباسية للصحة النفسية وعلاج الإدمان.

كما أطلقت مستشفى عين شمس التخصصي عيادة لعلاج أمراض النوم وذلك يوم الإثنين من كل أسبوع، لأن النوم يؤثر على الصحة العامة والسلامة النفسية وطبيعة الحياة.

كما حذرت الدكتورة إيمان عبدالرحيم من الأخصائيين النفسيين غير المؤهلين والذين ينشرون فيديوهات على مواقع التواصل للكسب ويستخدمون طرق للعلاج غير صحيحة وغير معترف بها. ونصحت إيمان، أن يلجأ المرضى ولمن يحتاج لدعم نفسي إلى مستشفيات الأمانة العامة والصحة النفسية الموجودة في كل المحافظات.

اقرأ أيضًا: خطوط أمامية منسية.. صرخات الممرضات من خلف أسوار المستشفيات

الاسترخاء والمرونة النفسية

المرونة النفسية هي القدرة على التكيف مع المواقف الصعبة والتعامل معها بفعالية، والنهوض بعد النكسات، والاحتفاظ بحالة نفسية جيدة في مواجهة الشدائد، كما تشرح أخصائية الطب النفسي وعلاج الإدمان الدكتورة نهال زين، معنى المرونة النفسية، وتقول أن مواجهة الأشخاص للأزمات النفسية يختلف تبعًا لقدرتهم على المرونة: “تختلف المواجهة من شخص لآخر، والمرونة النفسية، هي عدد من السمات الشخصية وطرق التفكير والدعم ومهارات مختلفة قد تسمح بتجاوز مشكلات لا يتجاوزها آخرون”. 

والمرونة النفسية أيضًا، هي القدرة على التركيز بالكامل على الوقت الحاضر، والتفكير بانفتاح، والعمل على تطوير حياة الفرد بطرق هادفة ذات معنى شخصي، وتشير الأبحاث أن الصحة النفسية تحسن من أداء العمل والرضا الوظيفي وكذلك من الصحة النفسية للأفراد، كما أنها تساعد على الإبتكار والتعامل مع المواقف بشكل سلس.

وتوضح نهال، أن هناك مجموعة من الأدوات التي تحسن من الاسترخاء النفسي: “هناك تمارين وأنشطة وتطبيقات لها علاقة بتمارين الاسترخاء أو اليقظة الذهنية. تعمل على تنظيم المشاعر، وأرشح هذه التطبيقات لأنها تساعد ولكن الموضوع يعتمد على حسب شدة الأعراض، فقد تكون هذه التطبيقات كافية، وقد تكون غير كافية، فلو كان الشخص مريض قلق مزمن لا يستطيع أن يقوم بتمارين استرخاء أو تنفس”.

وذكر موقع مايو كلينيك أساليب الاسترخاء ومنها: “التنفس العميق، والتدلي، والتأمل، واليوجا، والعلاج بالفن، والعلاج بالعطور، وبالماء”.

كما أكد الدكتورة نهال، على أهمية التفكير الإيجابي وممارسة التمارين الرياضية، واتباع نظام غذائي صحي، والحصول على قسط كاف من النوم، وقضاء الوقت في الأماكن المفتوحة، باعتبار أن تلك العوامل تساعد على التغلب على التوتر.

اليوم.. أصبحت فرص العلاج متوفرة أمام المريض النفسي وعليه ألا يستسلم لمرضه، ولا يستسلم لفكرة يفرضها عليه الآخرين، فالمريض النفسي لا يعاني من ضعف إيمان، وليس شخصًا مرفهًا كما يقول البعض. ومن ثم فإن كسر تلك الوصمة مسؤولية الجميع وعلينا جميعًا أن نتكاتف لمساندة تلك الفئة. لذا، إلى كل مريض نفسي كما يقول المثل الياباني الشهير “اسقط سبع مرات وانهض في الثامنة” وإياك أبدًا أن تستسلم.

ولطلب المساعدة، قائمة بالمستشفيات التي تقدم خدمة العلاج النفسي بالمجان أو بسعر رمزي:

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة