وسط انزعاج سياسي بين المعارضين، تلاحق قرارات بالاستبعاد من سباق الانتخابات، العديد من مرشحي المعارضة مثل هيثم الحريري، ومحمد عبد الحليم، وأحمد الشربيني، ومحمد أبو الديار، وعبد الرحمن فرغلي، بناء على أسباب يراها البعض مسيسة، فيما يراها البعض الآخر تطبيقًا لتفسير الهيئة الوطنية للانتخابات للقانون.
الانزعاج، وصل حد إرسال السياسي البارز محمد أنور السادات رئيس حزب الإصلاح والتنمية، وأحد أبرز المتحالفين انتخابيًا مع قائمة مستقبل وطن المعروفة إعلاميًا بالقائمة الوطنية من أجل مصر، رسالة عاجلة إلى المستشار حازم بدوي، رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات، يطالبه فيها بإصدار بيان سريع لتوضيح أسباب وملابسات استبعاد ورفض ترشح بعض ممثلي الأحزاب والمستقلين إعمالًا لمبدأ الشفافية والوضوح.
وبحسب الهيئة الوطنية للانتخابات، الجمعة الماضي، فقد تم استبعاد نحو 181 مرشحاً بشكل مبدئي، من إجمالي المترشحين، الذين بلغ عددهم 2826 مرشحاً على مستوى الجمهورية. كما تم استبعاد ثلاث قوائم انتخابية من نظام القوائم المغلقة. والمقرر أن تعلن الهيئة القائمة النهائية للمرشحين 23 أكتوبر الحالي.
ووفق مراقبين فإن استهداف واستبعاد بعض المرشحين المعارضين بناء على خلفيتهم السياسية لا يضر المستبعدين فقط، بل ينسحب بالضرر إلى أسرهم وعائلاتهم بالكامل، من أي مشهد سياسي أو انتخابي قادم.
أسباب محل جدل وسجال
كشف المرشح هيثم الحريري أن استبعاده من كشوف المرشحين لمجلس النواب 2025، يرجع إلى استثنائه من الخدمة العسكرية، فيما لا تعتبر الهيئة الوطنية للانتخابات الاستثناء بمثابة الإعفاء منها.
وقال الحريري في بيان:” إن هذا الأمر لا يمكن أن يتم إلصاقه بي، وبمساواتي بالمتهربين، أو المتخلفين عن أداء الخدمة العسكرية، علما بأنني تقدمت للخدمة العسكرية في أكتوبر ١٩٩٩، وتم استثنائي من الخدمة العسكرية بقرار السيد وزير الدفاع في يوليو ٢٠٠٠، مع أنني خريج كلية الهندسة يونيو ١٩٩٩”.
وأرفق الحريري مرشح حزب التحالف الشعبي الاشتراكي لانتخابات مجلس النواب 2025، عن دائرة محرم بك وكرموز ومينا البصل واللبان، كارنيه شهادة أداء الخدمة العسكرية، موضح بها أنه حصل على شهادة إعفاء من أداء الخدمة العسكرية.
وفي السياق نفسه، تقدّم الدكتور أحمد الشربيني، مرشح حزب الدستور والطريق الحر فى الستامونى-بلقاس-جمصة، بطعن على قرار استبعاده من الكشوف الأولية التي أعلنتها الهيئة الوطنية للانتخابات. تبين أن سبب الاستبعاد هو أن المرشح ما زال على قوة الاحتياط في القوات المسلحة. وهو ما يؤكد “سلامة موقف مرشحنا القانوني؛ فقد أتم أداء الخدمة العسكرية وتمت إحالته إلى قوة الاحتياط”.
وأوضحت هيئة دفاع المرشح أن قرار الاستبعاد يمثل توسعًا غير قانونى في تفسير النص، إذ نص الدستور والقانون صراحة على { أن يكون المتقدم للترشح قد أدى الخدمة العسكرية أو أُعفي منها قانونًا كشرط لصحة الترشح} ، وهو ما ينطبق على مرشح حزب الدستور.
وأضافت أنه نظرًا لنصوص الدستور والقانون التي تشترط ألا يقل سن المترشح عند فتح باب الترشح عن 25 عامًا، فلا يمكن أن يُفهم من ذلك اشتراط الانتهاء من مدة الاحتياط التي تصل إلى تسع سنوات، إذ يستحيل أن يكون المتقدم قد أتمّها في سن الخامسة والعشرين، وإذا أُخذ بهذا التوسّع في التفسير لَزم ببطلان ترشح مرشحي التمثيل الإيجابي للشباب الذين أدّوا الخدمة العسكرية ضمن نظام القوائم، بما يخلّ بتكافؤ الفرص ويمنعهم من مباشرة حقوقهم المدنية والسياسية، وبذلك ارتكز قرار هيئة الانتخابات على سبب لم يرد في نصوص الدستور والقانون.
محمد عبد الحليم، المرشح البرلماني عن حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، أكد استبعاده من الكشف المبدئي للمرشحين لانتخابات مجلس النواب 2025، بسبب تقارير طبية محل طعن.
وقال في بيان :”قدمنا التقرير التحليلي الذي يثبت بما لا يدع مجالًا للشك عدم تعاطي أي مواد مخدرة أو مسكرة، وهو ما يدحض تقرير المعمل الاسترشادي الموجه إلى الهيئة الوطنية للانتخابات والذي استندت إليه في قرار الاستبعاد”.
وأعلنت الحملة الشعبية لدعم المرشح المحتمل لانتخابات مجلس النواب 2025، محمد أبو الديار، استبعاد اسمه من قاعدة بيانات الناخبين بمحافظة كفر الشيخ.
وفي بيان على صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي، أوضحت أنه في البداية توقع أن هذا الاستبعاد حدث نتيجة خطأ مادي، فتقدم بطلب لمديرية الأمن بكفر الشيخ، وكذا بطلب للهيئة الوطنية للانتخابات.
وكشف حزب العدل عن استبعاد مرشحه عن دائرة منوف – السادات، عبدالرحمن فرغلي، من كشوف المرشحين، بسبب حصوله على استثناء من أداء الخدمة العسكرية.
الحزب أكد أن هذا التفسير المستحدث لمعيار الأهلية الانتخابية يفتح بابًا خطيرًا لتقييد الحقوق السياسية دون سند من نص قانوني صريح، خاصة وأن هناك سوابق برلمانية متعددة لنواب حصلوا على استثناء رسمي من الخدمة العسكرية ولم يُمنعوا من الترشح في دورات سابقة، الأمر الذي يستوجب إعادة النظر في هذا التوجه حفاظا على مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص المنصوص عليه في الدستور.
الاستبعاد الفني والسياسي
من جانبه، يقول هلال عبد الحميد، رئيس حزب الجبهة الديمقراطية المصرية، تحت التأسيس، والخبير البرلماني:” لا أعتقد أنه تم استبعاد مرشحين لأسباب سياسية واضحة في انتخابات البرلمان ٢٠١٥، لكن كان هناك استبعاد لأسباب فنية كنقص في المستندات، وتعاطي المخدرات، وكانت المرة الأولى، التي يطبق فيه الكشف على المرشحين، وعمل تحاليل لتعاطي المخدرات، وكان ذلك بحكم محكمة، بناء على دعوى للمحامي الشهير عمر جلال هريدي”.
ويضيف الخبير البرلماني لـ فكّر تاني “على ما أتذكر أن حوالي ٤٠٠ مترشح تم استبعادهم لهذه الأسباب، نقص مستندات، أو عدم أداء الخدمة العسكرية، وهو ما يختلف عن استبعاد هيثم الحريري، الذي تقدم لأداء الخدمة، والحصول على إعفاء، فهو لم يتهرب”.
ويوضح رئيس حزب الجبهة الديمقراطية أنه في حالة عدم استبعاد مرشح بعينه، يتم إسقاطه عمدا، بتغيير النتيجة “مثل ما حدث معي تحديدًا في دائرة ساحل سليم والبداري، وشنت كل الأجهزة حملة ضدي، وأنه تم استخدام كل وسائل الإعلام بالادعاء بأنني إخوان، وعلى الرغم من ذلك نجحت، وأُعلنت النتيجة، وتم تمزيق المحضر وإسقاطي، مع الدكتور عمرو الشوبكي بالدقي، الذي رفع دعوى بالنقض، وحصل على حكم بفوزه، ولكن لم ينفذ الحكم”
ويشير عبد الحميد إلى أنه في انتخابات مجلس النواب 2020 تم استبعاد أكثر من ١٠٠٠مرشح، وعاد منهم للسباق الانتخابي ٧٨٧ بأحكام قضائية.
وعن انتخابات برلمان 2025 يؤكد عبد الحميد أن الاستبعاد في هذه الانتخابات معظمه فني، ومن الواضح أن هناك استبعادا سياسيا لمرشحي المعارضة الحقيقيين، كهيثم الحريري، ومحمد عبد الحليم، وكلاهما ينتمي لحزب التحالف الشعبي الاشتراكي، ويتمتعان بشعبية كبيرة، وحزبهما رفض الدخول في قوائم النظام، أو حتى الدخول في مفاوضات مع الأجهزة، فتم استهداف المرشحين، وأعتقد أن القضاء سيعيدهما، وتبدأ مرحلة الاستبعاد بطرق انتخابية.
تأثير على الأسر والعائلات
بدوره يحذر كرم عبد الحليم، مرشح حزب العيش والحرية، تحت التأسيس، لمجلس النواب 2025، في حديثه لـ فكّر تاني: من أن ” استبعاد المرشحين، وبالأخص المعارضين، يؤثر على أسرهم وعائلاتهم أيضا، فإذا كان المرشح المستبعد من خوض الانتخابات يتأثر في عمله أو في مباشرة حقوقه السياسية، فإن أسرته أيضا تدفع التمن.
ووصف عبد الحليم استبعاد المرشحين بأنه قرار بالمنع غير مباشر، ينسحب على باقي أفراد العائلة كما حدث مع هيثم الحريري لمجرد أنه ابن المناضل أبو العز الحريري، إضافة إلى تعرض البعض لضغوط وتلاعب في نتائج تحاليلهم في المعامل، وهو ما يؤثر على سمعتهم وسمعة أسرهم، بدون أي مبرر.
ويشير المرشح لمجلس النواب 2025 إلى أن كل ذلك يدعوهم للتمسك بوجودهم داخل البرلمان بالطرق القانونية، بالرغم أن هناك طرفا ثانيا لا يريد “أن نكون طرفًا من بداية العملية الانتخابية بشكل نزيه وعادل”.
مخالفة صريحة للقانون
قانونيًا، قال المحامي الحقوقي خالد علي في وقعة استبعاد هيثم الحريري:” إن محكمة مجلس الدولة ببني سويف حكمت في شأن هذه الحالة بأن قرار اللجنة باستبعاد المرشح يفتقد إلى السبب الصحيح قانونًا وواقعًا، ويُعد مخالفة صريحة للقانون، مما يوجب إلغاءه، وتصحيح الأمر بالحكم بإدراج اسمه في القائمة النهائية للمرشحين على النظام الفردي لانتخابات مجلس الشعب 2025، مع تنفيذ الحكم بمسودته وبدون إعلان وإلزام الجهة الإدارية المصروفات”.
وفي سياق متصل، انتقد المهندس باسم كامل عضو مجلس الشيوخ في بيان القرارات الصادرة باستبعاد عدد من المرشحين من انتخابات مجلس النواب، وعلى رأسهم هيثم أبو العز الحريري، النائب السابق عن دائرة محرم بك بالإسكندرية، إلى جانب آخرين تم استبعادهم دون تسبيب قانوني واضح أو سوابق قضائية معروفة.
وأضاف أن هيثم الحريري خاض الانتخابات أكثر من مرة ومارس حقه الدستوري في الترشح، مما يجعل العودة لاستخدام مبررات غير منطقية أو غير مستندة إلى نصوص قانونية أمرا مقلقا ويمس مبدأ تكافؤ الفرص وسلامة العملية الانتخابية، موضحاً أن هذه القرارات تبعث برسالة سلبية للرأي العام وتمس الثقة في نزاهة المنافسة، في وقت نحتاج فيه إلى خطوات تعزز المشاركة لا تقيدها.
وطالب كامل بأن تعيد الهيئة الوطنية للانتخابات النظر في قرارات الاستبعاد وتوضح أسسها القانونية، وضمان الشفافية وتكافؤ الفرص لجميع المرشحين دون استثناء، وتمكين المستبعدين من الطعن أمام القضاء الإداري دون عوائق أو تأخير، ومراجعة معايير الترشح لتكون واضحة ومتسقة مع الدستور والقانون.
وأعلن تضامنه الكامل مع هيثم الحريري وكل من تم استبعاده ظلما أو خطأ، وأثق في أن القضاء المصري سينصفهم كعادته، صونا لحق كل مواطن في الترشح والمشاركة، مؤكدًا أن احترام القانون وتطبيقه بعدالة هو الأساس لترسيخ الثقة وبناء دولة المواطنة والمساواة، والوصول إلى دولة ديمقراطية مدنية حديثة.
أسباب متعددة
ولاحق الاستبعاد عدد من المرشحين في انتخابات مجلسي النواب في 2015 و2020، لأسباب متعددة، يراها البعض مبررة قانونًا على عكس ما يحدث الآن.
واستبعدت المحاكم الابتدائية بجميع المحافظات عددا من المرشحين لمجلس النواب 2015 من خوض الانتخابات بسبب عدم استيفاء ملفاتهم، بالإضافة إلى تأكيد نتائج الكشوف الطبية لتعاطيهم الأفيون والترامادول والبانجو والحشيش والمهدئات وغياب المؤهلات الدراسية، والتهرب من الخدمة العسكرية.
وبلغ عدد المستبعدين حينها 346 مرشحا في جميع المحافظات، أبرزهم رجل الأعمال أحمد عز، ولفتت الهيئة الوطنية للانتخابات، وقتها، إلى أن سبب استبعاد أحمد عز هو فتح حساب بريدي غير صحيح، وصدور قرار من النائب العام بالتحفظ ومنعه من التصرف في أمواله.
وفي عام 2020، استبعدت اللجنة المشرفة على انتخابات مجلس النواب 2020، عددا من المترشحين في بعض محافظات الجمهورية لأسباب طبية، بعد ثبوت تعاطيهم المواد المخدرة، حسبما أظهرت نتائج الكشف الطبي، والذي يشمل الكشف النفسي وتحليل المخدرات.
وفي محافظة الشرقية، تم استبعاد 6 متقدمين لثبوت تعاطيهم المخدرات، بعد توقيع الكشف الطبي عليهم.
وفي القليوبية، أثبتت التقارير الطبية إيجابية نتائج تحاليل 3 من المتقدمين لانتخابات مجلس النواب 2020، لتعاطي المواد المخدرة، من بين 243 مرشحا. وفي الدقهلية، تم استبعاد 17 مرشحاً، بينهم 3 سيدات، وفي محافظة المنوفية تم استبعاد 4 من المتقدمين إلى لجنة تلقى طلبات الترشيح لانتخابات مجلس النواب 2020 من قوائم المرشحين، لأسباب طبية، من 375 مرشحاً محتملاً.