في غفلةٍ من الجميع، وبينما كان الناس نيامًا، صدر القرار. في الساعات الفاصلة بين ليل الخميس 16 أكتوبر وصباح الجمعة 17، استيقظ المواطنون/ات على صدمةٍ شديدةٍ؛ أسعار المواد البترولية ارتفعت. ومع بدء تطبيق الزيادة فعليًا على تعريفات النقل الخاص والجماعي، بدأ الألم الحقيقي يجد طريقه إلى جيوبهم، ليلتهم بند الانتقالات جزءًا إضافيًا من دخولهم وهم في طريقهم إلى أعمالهم/ن وجامعاتهم/ن ومدارسهم/ن.
هذه هي الزيادة الثانية خلال عام 2025 وحده، والتي بلغت نسبتها 13%، لكن المسؤولين خرجوا بتصريحاتٍ لم تجد نفعًا، مفادها أن هذه الزيادة الجديدة لن تؤثر على مستوى معيشة المواطن/ة. ظلت هذه الكلمات مجرد محاولةٍ بائسةٍ لامتصاص غضب الشارع، الذي رد على كل تصريحٍ رسمي بسخطٍ عبر مواقع التواصلِ الاجتماعي، معلنًا أن من اتخذ هذا القرار إنما قرر أن “يصعب عليهم حياتهم أكثر مما هي صعبة”.
وبحسب بيانٍ لوزارة البترول والثروة المعدنية، يتم تثبيت أسعار بيع المنتجات البترولية داخل السوقِ المحلي لمدة عام على الأقل، نظرًا لما تشهده الساحة المحلية والإقليمية والعالمية من أحداث.
ارتفع سعر بنزين 95 من 19 إلى 21 جنيهًا للتر، وارتفع سعر 92 من 17.25 إلى 19.25 جنيهًا للتر، وارتفع سعر بنزين 80 من 15.75 إلى 17.75 جنيهًا للتر، كما ارتفع سعر السولار من 15.5 إلى 17.5 جنيهًا للتر.

الحكومة في وادٍ والمواطن في وادٍ
بعد القرار، خرج بعض المحافظين في محاولة لطمأنة الشارع. حيث أكد عادل النجار محافظ الجيزة، أن المحافظة سوف تكون رقيبًا على أي تجاوز في رفع الأجرة خارج التسعيرة الرسمية. موضحًا في تصريحات صحفية: “أن الزيادة الجديدة تراعي مصلحة المواطن والسائق معًا، حيث تراوحت نسبة الزيادة في تعريفة الركوب بين 10% و15%؛ وكأنها نسبة بسيطة لا تؤثر على دخول المواطنين.
في المقابل، أعلنت هيئة النقل العام —وهي وسيلة المواصلات الأكثر استخدامًا داخل القاهرة الكبرى— عن زيادة أسعارِ تعريفة النقل الجماعي؛ حيث وصلت الزيادات في بعض الأوتوبيسات من 2 إلى 3 جنيهاتٍ كحد أدنى. أما سيارات النقل الأجرة الخاصة بالتنقل بين المحافظات فقد بلغت الزيادة فيها أحيانًا 21 جنيهًا، بحسب طول المسافة.

أما الهيئة القومية للأنفاق، فقد أعلنت أنه لا زيادة في أسعار تذاكر القطارات والمترو حتى الآن، وحتى كتابة هذا التقرير.
المواطن له رأي آخر
“باخد في اليومية 300 جنيه، كنت بدفع 35 جنيه مواصلات من إمبابة للقصر العيني، دلوقتي بدفع 55”.. تحكي ورد محمد، إحدى العاملات باليومية، لـ فكّر تاني.

تعمل ورد يومًا أو يومين على الأكثر في الأسبوع، ودخلها الشهري لا يتجاوز 2000 جنيه، تدفع منها نحو 440 جنيهًا للمواصلات فقط!. وتشير إلى أن أسعار الخضروات ارتفعت هي الأخرى خلال الأيام الماضية، متأثرةً بزيادة أسعار الوقود.
وتحكي أنها اضطرت إلى الإنتقال من محل سكنها في الصعيد إلى القاهرة، بعدما عجزت عن سداد ديون كانت قد اقترضتها أثناء تجهيز ابنتها الكبرى للزواج، وهو ما اضطرها إلى تسريب ابنيها الآخرين من التعليم، لعدم قدرتها على دفع المصروفات الدراسية، خاصةً أن أوراقهما ما زالت في مدارس محل سكنهم القديم.
“الرحمة يا حكومة”.. نداء عامل مفصول
لم تضع الحكومة في اعتبارها آلاف العمال والعاملات في الشركات والمصانع الذين تمّ فصلهم/ن خلال الفترة الماضية، ولم يتمكن أي منهم/ن من العودة إلى عمله/ا، ليجدوا أنفسهم/ن اليوم بلا دخلٍ ولا مصدر للرزق.
“أنا بقالي سنة ونص من غير شغل”.. يقول هشام البنا أحد العمال المفصولين من شركة سمنود للنسيج والوبريات، لـ فكّر تاني، عن الضغوط اليومية التي يواجهها بعد فصله تعسفيًا على خلفية احتجاجٍ عمالي في أغسطس 2024.

يعاني البنا من أمراض الضغط والسكر، وقارب سنه الستين، ما يجعل من فرص الحصول على عمل آخر أمرًا صعبًا للغاية، وبالإضافة إلى هذا، ترفض الشركة منحه أوراقه الشخصية واستمارة 6 ليتمكن من البحث عن عمل أخرى.
يقول البنا إن لديه ثلاثة أبناء، تمكن اثنين منهم التخرج من الجامعة وتبقى طفل آخر ما زاال بالتعليم. قبل الفصل من العمل، كان بند المواصلات وحده يصل لـ 2000 جنيه، في حين كان راتبه لا يتجاوز الـ 4000 جنيه، في ظل تعنت الشركة في تطبيق الحد الأدنى للأجور. واضطر لبيع بعض ممتلكاته لتلبية احتياجات أسرته الأسياسية وفي أضيق الحدود.
والآن بعد أن نفذت كل مدخراته، لا يعرف كيف يتجاوز الأزمة في ظل التصاعد المستمر في أسعار السلع المترتب على زيادة أسعار الوقود.
البنزين يرتفع والدخل يهبط
“بند المواصلات زاد 16 جنيه في اليوم” يقول حازم -اسم مستعار- لـ فكّر تاني، عن تجربته في أول يوم عمل بعد الزيادة. إذ ينتقل يوميًا من مدينة السادس من أكتوبر حيث يسكن، إلى مقر عمله في وسط البلد، وأصبحت تكلفة مواصلاته اليومية للعمل فقط 62 جنيهًا، أي ما يقارب 1800 جنيه شهريًا. هذا بالإضافة إلى المشاوير الأخرى، بحسب تعبيره.

ويتساءل حازم: “إزاي الناس هتعيش؟ إزاي الحكومة تقرر زيادة جديدة في أسعار البنزين، وتنعكس على كل حاجة في حياتنا من رغيف العيش لفواتير الكهربا ولحد الدوا والهدوم؟ واحنا مرتباتنا زي ما هي مابتتحركش؟!”.
