برلمان 2025: معركة الاختيار الواعي

منذ عام 2011 وأنا أسير في طريقٍ وعرٍ لم يكن قط مفروشًا بالوعود ولا ممهّدًا بالراحة، بل مُحمّلًا بالتحديات، ومعبّدًا بالعزيمة والإيمان بأن خدمة الناس ليست شعارًا يُرفع، بل مسئولية والتزامٌ يُعاش في كل يوم.. خمسة عشر عامًا من المجهود والسعي والمعارك، لم أبتغِ منها جاهًا ولا منصبًا، بل أن أكون صوتًا للناس وذراعًا لحقوقهم، أعمل لأجلهم لا لأجل نفسي.

بداية الطريق: السياسة كواجب لا مهنة

دخلتُ المعترك السياسي مؤمنًا أن السياسة ليست مهنة تُمارس عند الحاجة، بل مسؤولية تُحمَل على الكتفين، وميثاق شرفٍ بين الإنسان وضميره في المقام الأول وبابا لخدمة الناس، وأن الانتماء لا يُقاس بمكان الميلاد أو حدود الجغرافيا، بل بقدر ما يقدّمه الإنسان من وقتٍ، وجهدٍ وصدقٍ لأهله ومجتمعه.

الدكتور محمد فؤاد
الدكتور محمد فؤاد

لم أولد في العمرانية، لكنها أصبحت وطنًا بمعناه الكامل، انتميت إليها بالعمل لا بالمصادفة، وبالناس قبل المكان.. من أهلها الطيبين تعلمت البساطة، ومن بيوتها العامرة استلهمت الصبر، ومن وجوه ناسها استمددت العزيمة لأكمل الطريق معهم شركاءَ حلمٍ ومسيرةٍ، لم تفرقنا سوى أمور خارجية لا تتعلق بهم ولا بي.

في تلك الدائرة الصغيرة التي تحمل على كتفيها أثقال المشكلات وتطلعات الأمل، تعلمت أن السياسة الحقيقية تبدأ من الناس، لا من فوقهم، وأن من أراد أن يخدمهم حقًا عليه أن يكون بينهم، يسمعهم قبل أن يخاطبهم، ويشاركهم قبل أن يعدهم.. السياسة ليست وعدًا في موسمٍ انتخابي، بل حضورٌ دائم، ومسؤوليةٌ مستمرة، ووفاءٌ للعهد الذي لا ينكسر بعد التصويت.

2011: معركة الهوية والوعي الأول

كانت البداية في عامٍ عصيب، حين خضنا معركة الهوية عام 2011 دفاعًا عن دولةٍ مدنية لا تُختطف باسم الدين ولا تُحسم لصالح جماعة.. لم تكن مواجهةً سهلة، إذ كانت الثقافة السائدة آنذاك تجعل مجرد المنافسة أمرًا أقرب إلى المستحيل، لكن الضرورة كانت تقتضي أن نقف، وأن نعلن أن مصر لا تُحكم بالشعارات، بل بالوعي والضمير والمسؤولية.

ميدان التحرير في يناير ٢٠١١- أرشيفية
ميدان التحرير في يناير ٢٠١١- أرشيفية

تلك التجربة كانت الأولى في اختبار المعنى الحقيقي للموقف، حين يصبح الاختيار بين الخوف والواجب، وبين الصمت والوقوف في وجه التيار.. ساندني فيها معدن الناس الأصيل، وخرجت منها على يقينٍ بأن الوعي يمكن أن يفرض نفسه مهما بدا المشهد معتمًا، وأن الفكرة الجيدة لا تحتاج إلى ضجيجٍ كي تحظى بالدعم.

2015: الوعي في وجه المال السياسي

ثم جاءت 2015، وكانت معركةً من نوعٍ آخر.. معركة الوعي في وجه المال السياسي الجارف، وخضتها مستندًا إلى ما رسّخته تجربة 2011 من يقين، وإلى رفاق طريقٍ ما زالوا في القلب والذاكرة والعون، آمنوا أن السياسة شراكة في المبدأ قبل أن تكون تحالفًا في المصالح.

إيهاب منصور
إيهاب منصور

عملتُ حينها كتفًا إلى كتف مع الزميل النائب إيهاب منصور، ونجحنا معًا في أن نصنع سابقةً مشرفة في تاريخ الدائرة، حين اختار الناس أول نائبٍ مسيحيٍّ فردي في العمرانية، بل وربما في الجيزة بأسرها، ولم يكن ذلك مجرد فوزٍ انتخابي، بل كان انتصارًا لضمير الوطن الحي، الذي يفرّق بين الصوت الحر والصوت المبيع، بين الوعي والضجيج، بين الانتماء الحقيقي والمصلحة العابرة.

كان ذلك مشهدًا وطنيًا نادرًا، جسّد معنى مصر التي نحلم بها، مصر التي لا تعرف طائفيةً ولا إقصاء، ولا تنحاز إلا للكفاءة والإخلاص.. يومها أدركت أن الضمير الجمعي للشعب، مهما بدا صامتًا، يبقى أقوى من أي دعاية، وأصدق من أي مال، وأبقى من كل حسابات السياسة.

2020: معركة الحق التي لم تنتهِ بعد

أما انتخابات عام 2020، فكانت التجربة الأصعب والأكثر صدقًا في مسيرتي.. معركة نزيهة خضناها بشرفٍ وثبات، أثبتت نتائجها أن الناس اختارت بوعيٍ، وأن العمرانية قالت كلمتها بثقةٍ رغم ضجيج المغريات وملايين الجنيهات التي أغرقت الشوارع.

كانت مواجهةً بين من يملك المال ومن يملك الإيمان بالناس، وقد انتصر في الميدان ضمير الناخب قبل أن تعانده الأرقام، لتدخل النتيجة ساحات القضاء في قضيةٍ ما زالت منظورة حتى اليوم.

مجلس النواب (Credit: Asmma Waguih - Pool/Getty Images)
مجلس النواب (Credit: Asmma Waguih – Pool/Getty Images)

ورغم أنني غادرت المعركة، إلا أنها لم تغادرني، فبعض التجارب، مهما مرّ عليها الزمن، تظل تسكن الذاكرة كأنها حدثت بالأمس.. كنت مؤمنًا أن الخسارة الحقيقية لا تكون في فقدان المقعد، بل في التنازل عن المبدأ.

خرجت من تلك التجربة أكثر تصميمًا على أن السياسة شرفٌ يُصان، لا وسيلة تُستغل، وأن الطريق نحو خدمة الناس قد يطول، لكنه لا يُختصر، لأن الفكرة التي تؤمن بها لا تموت بالاستيلاء قط، بل تزداد حياةً كلما اختبرها الواقع. ان الحياة تُكسب بالتراكم وبالنقاط لا بالضربة القاضية.

2025: معركة الاختيار الواعي

واليوم، وأنا أتهيأ لاستحقاق عام 2025، أعود من موقعٍ جديد، لكن بروحٍ قديمة لم تنكسر، روحٍ تعرف الطريق وتؤمن أن خدمة الناس لا تنتهي بمرحلةٍ ولا تُقاس بموقع، وإنما هي عقيدة حياة.

أعود ضمن القائمة الوطنية لانتخابات مجلس النواب، ممثّلًا لحزب العدل عن محافظة الجيزة، محمّلًا بتجربة عمرٍ من الإصرار والعمل، مؤمنًا بأن السياسة ما زالت قادرةً على أن تكون أداةً للإصلاح لا ساحةً للمصالح، وأن صوت الناس – متى اجتمع على الحق – لا يُهزم، وإن تغلبت عليه قوى قهرية، فإنه يعود، لأن الحق لا يُغلب، ولأن الحقيقة، وإن توارت، لا بد أن تظهر يومًا.

نموذج النائب المتفرغ لخدمة الناس

من هذا الإيمان، أعلنت دعمي الكامل للزميل إبراهيم العجمي، مرشّح حزب العدل “فردي” عن دائرة العمرانية، الذي يمثّل نموذجًا سياسيًا يستحق الرهان، موقفي هنا ليست مجاملة، بل قراءة لتجربةٍ نضجت بالاحتكاك والعمل، فقد عرفت فيه عقلًا متزنًا، وقلبًا يؤمن بالناس قبل المقاعد، وبالفكرة قبل المكسب، كما يملك من الوعي والالتزام ما يؤهله حقًا ليكون صوتًا نزيهًا للعمرانية، ومدافعًا صادقًا عن مصالح أهلها في كل موقع. ويحمل معه كما أحمل برنامج حزبي طموح ربما هو الأكثر اكتمالا بين ما هو مطروح على الساحة.

إنه يحاول استحداث نموذج “النائب المتفرغ” الذي يجعل من خدمة الناس عمله اليومي، لا ترفًا ولا شعارًا.. نموذج نائبٌ يضع حاجات المواطنين قبل أي اعتبار، ويؤمن أن العمل العام ليس وجاهة اجتماعية، بل مسؤولية أخلاقية أمام الله والضمير والناس.

إبراهيم العجمي لا يملك مالًا ولا نسبًا في المنطقة ولا إرثًا سياسيًا، لكنه يملك ما هو أثمن: الصدق.. وفي تقديري فهو يمثّل جيلًا جديدًا من السياسيين الذين يثبتون أن النجاح لا يُقاس بالنفوذ، بل بالإخلاص والنية الخالصة، كما أنه نموذج يعطي الأمل لجيلٍ كامل بأن الطريق إلى البرلمان لا يُعبد بالمال ولا بالعشيرة و لا بواقعة الميلاد، بل بالإيمان والالتزام.

العمرانية قادرة على صنع الفارق

أعلم أن الناس أُرهقت، وأن الثقة بالسياسة تراجعت، لكنني مؤمن أن العمرانية قادرة دائمًا على المفاجأة، على أن تختار طريق الوعي لا طريق المصالح، فهي الدائرة التي قاومت التطرف بشجاعة، ورفضت المال السياسي بكرامة، ووقفت في وجه الإقصاء بوعيٍ ومسؤولية.

إنني أوجّه ندائي لكل أهل العمرانية أن يجعلوا من هذه الانتخابات لحظة وعيٍ جديدة.. أن يثبتوا أن الأمل لا يموت ما دامت النية خالصة، وأن الإصلاح لا يحتاج إلى معجزة، بل إلى صدقٍ وشجاعة، وأن يختاروا نموذجًا مختلفًا: نائبًا متفرغًا لخدمتهم، صادقًا معهم، يحمل قلبًا مفتوحًا وإرادةً لا تلين.

معركة قيم لا مقاعد

أنا لا أطلب تأييدًا شخصيًا، بل وقفةً مع فكرة.. فكرة مضمونها أن السياسة يمكن أن تكون شريفة، وأن العمل العام يمكن أن يعود إلى أصله النبيل وهو خدمة الناس، وعندي ثقة في أن العمرانية سوف تظل لا تُقاس بحجم ناخبيها، بل بوعيهم، ولا تُصنَع بتاريخها فقط، بل باختياراتها في اللحظات الفاصلة.

فهذه ليست معركة أصوات، بل معركة قيم، وليست منافسة على مقعد، بل دعوة لبقاء الأمل.. فهل تختار العمرانية العَدل..أم تترك الميدان للصدفة؟

|الآراء الواردة لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لمنصة فكر تاني

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة