نواب بلا اقتراع.. الموعودون بجنة “الشيوخ” 2025

مع ترقب الوسط السياسي لقرار الرئيس عبد الفتاح السيسي بتعيين 100 عضو بمجلس الشيوخ، يتعالى الجدل في الأوساط السياسية والمجتمعية: هل ستكون الاختيارات الجديدة قادرة على مواجهة التحديات الجيوسياسية والاستراتيجية المعقدة التي تواجه مصر، أم ستكون مجرد تكرار لتجربة مجلس 2020 التي وصفها منتقدون بـ”عديمة الجدوى” و”الشكلية”؟

ويسود الوسط السياسي المعارض شعور عميق بالإحباط والتشاؤم من جدوى المعينين، فضلًا عن المجلس برمته، الذي يرون أنه لم يقدم دورًا ملموسًا. ورغم ذلك، لا تزال بعض أحزاب المعارضة المعروفة باسم “ثلاثي الحيز المتاح” (المصري الديمقراطي، والإصلاح والتنمية، والعدل) تبحث عن موطئ قدم لها في قائمة المعينين، وسط حديث عن فرص جيدة لهم، فيما تترقب قيادات بأحزاب الموالاة الأسماء عن كثب، آملة في الحصول على نصيب من التعيينات.

اقرأ أيضًا: انتخابات مجلس الشيوخ 2025.. تغطية مفتوحة

بورصة الأسماء.. أيهم أقرب للشيوخ؟

في الغرف المغلقة، تدور بورصة من التوقعات حول الأسماء التي ستشملها قائمة المعينين، والتي ترجح مصادر لـ فَكّر تاني أن تصدر في شهر أكتوبر المقبل، في خطوة مماثلة لقرار مجلس الشيوخ الماضي الذي صدر في 17 أكتوبر 2020.

ووفق مصدر سياسي بارز، فإن الترجيحات تدور حول “ترضية محتملة” لجميع الأطراف الفاعلة في تشابكات المشهد العام والانتخابي، خاصة بعد الانتخابات الأخيرة لمجلس الشيوخ 2025.

حنا جريس
حنا جريس

ومن أبرز الأسماء المتداولة الدكتور هاني سري الدين رئيس لجنة الشؤون المالية والاقتصاد والاستثمار بمجلس الشيوخ 2020 ونائب رئيس حزب “الوفد”، وناجي الشهابي رئيس حزب “الجيل الديمقراطي”، وباسل عادل رئيس حزب “الوعي”، وتيسير مطر رئيس حزب “إرادة جيل”.

وعلى صعيد الأحزاب، وبعد رفض فريد زهران رئيس الحزب المصري الديمقراطي، فكرة تعيينه شخصيًا وطلبه من جهات التنسيق قبول قيادي بديل من الحزب، وتشير المصادر إلى أن حنا جريس نائب رئيس الحزب، سيكون على الأرجح في القائمة. وفيما يلتزم حزب “التجمع” الصمت، تتردد أنباء عن طرح اسم رئيسه السيد عبد العال، وهو ما أكدت النائبة أمينة النقاش عدم وجود معلومات مؤكدة حوله، مشيرةً إلى أن هناك تقليدًا باختيار رؤساء الأحزاب في قائمة المائة، لكنها لا تعرف إن كان سيتم تطبيقه هذه المرة أم لا.

هذا الصمت الحذر يلتزم به غالبية قادة الأحزاب الذين تم التواصل معهم، خشية أن تؤثر تعليقاتهم العلنية على فرصهم أو فرص مرشحي أحزابهم في قائمة المعينين النهائية.

مجلس الشيوخ (وكالات)
مجلس الشيوخ (وكالات)

“دفتر شروط”.. ما يقوله القانون وما حدث في 2020

ولفهم أبعاد قرار التعيين، لا بد من العودة إلى الإطار القانوني الحاكم والتجربة السابقة كنموذج استرشادي. فلا توجد معلومات مؤكدة حول التركيبة المحتملة، غير الحرص، وفق المراقبين، على وجود تمثيل واسع للمؤسسات العسكرية والأمنية والقضائية، والإعلام والصحافة والجامعات، والنقابات العمالية والمهنية، والأقباط والشباب.

فالقرار الرئاسي ليس مطلقًا، بل محكوم بضوابط واضحة حددها قانون رقم 141 لسنة 2020 بشأن مجلس الشيوخ. المادة “28” من القانون ترسم “دفتر شروط” دقيق للتعيين، حيث تنص على خمسة ضوابط أساسية:

  1. توافر شروط الترشح: يجب أن تتوافر في العضو المعين نفس الشروط اللازمة للترشح لعضوية المجلس.

  2. عدم تغيير الأكثرية: لا يجوز تعيين عدد من حزب واحد يغير الأكثرية النيابية بالمجلس، وهو ضابط يهدف للحفاظ على التوازنات التي أفرزتها الانتخابات.

  3. حياد الرئيس: يُحظر تعيين أي عضو من الحزب الذي انتمى إليه الرئيس قبل توليه منصبه، لضمان عدم المحاباة.

  4. عدم تعيين الخاسرين: لا يمكن تعيين شخص خاض الانتخابات في نفس الفصل التشريعي وخسرها، احترامًا لإرادة الناخبين.

  5. حصة المرأة: يجب أن تُخصص 10 مقاعد على الأقل للمرأة، لضمان تمثيلها.

وبالنظر إلى تجربة مجلس الشيوخ 2020، التي وصفها مراقبون بأنها كانت محاولة لـ”ترضية الجميع”، يمكن استقراء ملامح التوزيع المتوقع. فوفقًا لما نشره موقع “الأهرام أونلاين“، ضمت قائمة المعينين المئة آنذاك تمثيلًا واسعًا، حيث شملت: 20 سيدة، 19 من ضباط الجيش والشرطة، 12 من قيادات الأحزاب، 8 مسؤولين تربويين من المدارس والجامعات، 6 من النقابات العمالية والمهنية، 6 شخصيات شبابية سياسية، 6 إعلاميين وممثلين، 5 من الكنيسة القبطية، وقاضيين، بالإضافة إلى 16 شخصية عامة.

شهادة خبرة 2020.. جدل “الدور المفقود”

رغم أن التعيين إجراء دستوري، فإن الانتقاد الأبرز الذي يواجه التجربة السابقة هو غياب الأثر الملموس للمجلس وأعضائه المعينين.

السياسية والروائية منى شماخ، تؤكد أن التجربة منذ 2020 لم تترك أثرًا يُذكر، لا في أداء المجلس ولا في حياة المصريين، موضحةً أن المجلس نفسه يقوم بدور محدود، وكان يفترض أن يساهم أعضاؤه المعينون في توسيع هذا الدور، لكن مساهماتهم بقيت هامشية.

منى الشماخ
منى الشماخ

وتعزو شماخ هذا العجز إلى أن “منطق الولاء السياسي يغلب على معايير الكفاءة والاستقلالية”، مما جعل التعيين مجرد وسيلة لتعزيز الانسجام داخل المجلس بدلًا من إثراء الحياة العامة.

ويتفق معها في الرأي هلال عبد الحميد رئيس حزب الجبهة الديمقراطية (تحت التأسيس)، الذي يرى أن مجلس الشيوخ برمته “زائد ولا طائل منه”، واصفًا الأمر برمته بأنه “مجاملات وحصانة لناس”.

هلال عبد الحميد رئيس حزب الجبهة الديمقراطية المصرية تحت التأسيس - صورة من المصدر
هلال عبد الحميد رئيس حزب الجبهة الديمقراطية المصرية تحت التأسيس – صورة من المصدر

وتذهب بهيجة حسين الكاتبة الصحفية وعضوة المكتب السياسي للحزب الشيوعي المصري، إلى ما هو أبعد من ذلك، فتؤكد أنها لم تشعر بأي تأثير للمعينيين أو حتى معظم المنتخبين، معتبرةً أن المجلس “سقط من على خارطة الحياة السياسية”.

غادة موسى
غادة موسى

وتضيف أنها تستشعر أن هؤلاء يتم اختيارهم بمنطق “مكافأة نهاية الخدمة”، وأنهم قاموا بالدور الذي اختيروا من أجله، وهو “اللادور”، في ظل أغلبية تابعة لحزب مستقبل وطن وأحزاب الموالاة.

وفي المقابل، هناك من يدافع عن التجربة ويرفض هذه الانتقادات الحادة.

الدكتورة غادة موسى أستاذة العلوم السياسية، لا تتفق مع تلك الآراء، موضحةً أن طبيعة المجلس “استشارية”، فهو لا يشرّع قوانين ولا يراقب الحكومة.

الدكتور محمد طه عليوة
الدكتور محمد طه عليوة

وبالتالي فإن دوره “قد يكون غير واضح” للعامة. وتكشف نقلًا عن أصدقاء خبراء لها بالمجلس أنهم “كانوا يقدمون دراسات مهمة في التخطيط العمراني والطاقة وأمور أخرى”.

ويدعم هذا الرأي الخبير الدستوري الدكتور محمد طه عليوة عضو مجلس الشيوخ، الذي يشير إلى أن مبدأ التعيين “مستقر دستوريًا وتاريخيًا”، ففي دستور 1923 كان الملك يعيّن خُمسي المجلس وليس ثلثه فقط. ويرى عليوة أن وجود أعضاء معينين من فئات محددة “يحقق نوعًا من التوازن والعقلانية”، مؤكدًا أن مؤسسة الرئاسة، بمساعدة أجهزة الدولة، تختار النواب بما يمثل “شيوخ الأمة بالفعل”، وهو نموذج مألوف عالميًا كما في مجلس اللوردات البريطاني.

“روشتة 2025”.. مطالب بالكفاءة لمواجهة المخاطر

الكاتبة الصحفية أمينة النقاش، رئيسة الاتحاد النسائي التقدمي بحزب التجمع، وعضوة مجلس الشيوخ 2025 تصوير هيثم محجوب - فكر تاني
الكاتبة الصحفية أمينة النقاش، رئيسة الاتحاد النسائي التقدمي بحزب التجمع، وعضوة مجلس الشيوخ 2025 تصوير هيثم محجوب – فكر تاني

وسط هذا الجدل، تتصاعد أصوات تطرح رؤيتها لما يجب أن تكون عليه تعيينات 2025 لتكون أكثر فاعلية.

النائبة أمينة النقاش عضوة مجلس الشيوخ عن حزب التجمع، ترفع شعار “الكفاءة أولًا وأخيرًا”، وتدعو القائمين على الترشيحات إلى التركيز على “الكفاءات الحقيقية”، بصرف النظر عن مواقفها السياسية.

وتضيف لـ فَكّر تاني: “الكفاءات ستفيد الدولة المصرية والمصلحة العامة والتطور الذي نريد أن نحدثه في المجتمع، وهذه فرصة أمام صانع القرار أن يأتي بنخبة المجتمع السياسية والثقافية والفكرية لوضع أسس لكيفية تطوير السياسات القائمة بأفكار جديدة”.

محمد أنور السادات رئيس حزب الاصلاح والتنمية
محمد أنور السادات رئيس حزب الاصلاح والتنمية

ومن جهته، يشدد محمد أنور السادات رئيس حزب الإصلاح والتنمية، على ضرورة أن تحقق الاختيارات القادمة “التنوع ومحاولة عمل توازن” بينها وبين الفئات والصفات التي تم انتخابها بالفعل في المقاعد الفردية والقائمة، رغم تأكيده أن الأمر برمته يخضع لتقدير الرئيس وعمليات الفحص والدراسة التي تجريها الأجهزة المعنية.

وتقدم الدكتورة غادة موسى، القيادية بحزب الوعي، رؤية أكثر تحديدًا للملفات التي تحتاج خبرات نوعية، مؤكدةً أن مصر تواجه تحديات جيوسياسية وجيواستراتيجية تتطلب وجود خبراء في ملفات حيوية.

وتشير إلى الحاجة الماسة لعلماء اجتماع وعلماء نفس ومثقفين لدراسة تحولات المجتمع، وخبراء لوضع رؤية اقتصادية تفهم عصر الرقمنة، ومتخصصين في الأمن السيبراني والقوى الناعمة، ومفكرين استراتيجيين للتصدي لملفات مثل نهر النيل وليبيا وفلسطين، مع ضرورة الاعتناء بالملف الزراعي والبيئي، لأن “من لا ينتج قوته لا يملك حريته”.

اقرأ أيضًا: هيثم الحريري: من مصلحة مصر وجود 60 نائبًا معارضًا ببرلمان 2025.. وتعديل الدستور مرفوض “حوار”

مفترق طرق.. بين الكفاءة والتوازنات السياسية

وفي النهاية، يقف قرار تعيين أعضاء مجلس الشيوخ المئة عند مفترق طرق حاسم. فمن ناحية، هناك الإطار الدستوري والقانوني الراسخ الذي يمنح رئيس الجمهورية هذا الحق كآلية لتحقيق التوازن وتمثيل الخبرات التي قد لا تجد طريقها عبر الصناديق الانتخابية.

ومن ناحية أخرى، تقف تجربة 2020 كشاهد عيان يثير أسئلة جوهرية حول الجدوى الفعلية لهذا التعيين، حيث يرى طيف واسع من السياسيين والمراقبين أنها لم تنجح في ترك أثر ملموس يتناسب مع حجمها.

والمشهد الآن منقسم بين تيارين: تيار يدافع عن التجربة معتبرًا أن دور المجلس استشاري بطبيعته وغير مرئي، وتيار آخر يطالب بأن تكون الاختيارات القادمة بمثابة تصحيح للمسار، تركز بشكل مطلق على “الكفاءة” لا “الولاء”، وتستجيب للتحديات المعقدة التي تواجه الدولة المصرية.

لذلك، لم يعد السؤال يقتصر على “من سيتم تعيينه؟”، بل يمتد ليشمل “لأي غاية سيتم التعيين؟”. وستكون القائمة النهائية التي سيكشف عنها الستار قريبًا، هي الإجابة العملية على هذا السؤال، وستحدد ما إذا كان مجلس الشيوخ 2025 سيصبح مؤسسة فاعلة ومؤثرة تساهم بخبراتها في رسم مستقبل السياسات العامة، أم سيظل، في نظر منتقديه، مجرد إجراء شكلي ومساحة للمجاملات السياسية تكرر تجربة “الدور المفقود”.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة