أدوية التخسيس.. حلم النحافة المميت

طارد حلم النحافة “هند” لشهور طويلة لدرجة دفعتها لطلب كبسولات للتخسيس “أون لاين” نصحتها بها صديقتها، ولم تعرف أن الخطر كان يترصد بها مع أول كبسولة ابتلعتها.

“بعد ساعتين من تناولها شعرت بمغص شديد وأصبت بإسهال بس اعتبرت أن الموضوع عادي وأن هذا من علامات فقدان الوزن كما كنت أسمع، واتصلت بصاحبتي عشان أسألها أكدت لي أن ما يحدث أعراض عادية جدًا”.

داومت هند (23 سنة) من محافظة القاهرة على تناول الكبسولات مرتين صباحًا ومساءً قبل تناول الطعام، ولكن حالتها كانت تسوء يومًا بعد يوم، وبدأ الألم يحاوطها، والمغص يزيد، وبعد أربعة أيام من تناوله بدأت تصيبها نوبات القيء، حتى جرت بها والدتها إلى المستشفى، وهناك أمرها الطبيب بالتوقف فورًا عن هذا الدواء.

ضغط مجتمعي يدفع لليأس

 لم تكن “نشوى” والتي تعيش بمحافظة الجيزة محظوظة مثل “هند” فبعد تنمر مستمر من عائلتها بسبب وزنها الذي تعدي 100 كيلو جرام قررت أن تفعل أي شيء حتى تتخلص من هذا الوزن وإن عرضت حياتها للخطر.

 

لم تكن نشوى تملك الكثير من المال فهي لا تعمل، ولم تذهب إلى طبيب حتى لا تتعرض للسخرية من عائلتها خاصة أنها جربت من قبل عمل دايت والمتابعة مع دكتور ولم تنجح، وعندما سمعت عن تلك الأعشاب السحرية التي تفقد الجسم 10 كيلو في أسبوعين أسرعت لشرائها من أحد العطارين.

استمرت نشوى (29 سنة) في تناول الأعشاب لمدة شهر دون أن تشعر بأي أعراض خطيرة، وبالفعل فقدت بضع كيلوجرامات على الميزان، وكان يدفعها الأمل لفقدان المزيد والاستمرار في شرب الأعشاب، حتى شعرت فجأة بآلام شديدة في الكلية.

أوهمت نشوى نفسها ان الأمر بعيد عند الأعشاب التي تشربها، ومر أسبوعان آخران وهي تواصل على تناولها، حتى ازداد الألم ولم تعد قادرة عليه، وذهبت إلى الطبيب لعمل بعض الفحوصات وتبين لها إصابتها بمشكلات في وظائف الكلية والكبد أيضًا.

متى يتحول لمرض نفسي؟

د. نهال زين
د. نهال زين

الدكتورة نهال زين أخصائي الطب النفسي وعلاج الإدمان تقول إن هناك أسباب نفسية قد تدفع الشخص نحو أدوية التخسيس وتوضح: “ممكن يكون الشخص لديه نقص في تقدير الذات ومشكلة في الصورة الذاتية، الوسواس القهري، وممكن يكون الشخص مصاب باضطرابات الطعام مثل اضطراب فقدان الشهية أو لديه هوس بعمليات التجميل ولديه شعور أنه يجب أن يغير من شكله، وهذا ممكن يصيب النساء والرجال أيضًا، والأطباء المستغلون يكتسبون على حساب مرضهم”.

تصف دكتور الطب النفسي العلاج وتقول: “العلاج نفسي، مثل العلاج المعرفي السلوكي، علاج زيادة تقدير الذات، نرى في العيادات حالات لأشخاص مصابون بضلالات بمعنى أن شخص يتوهم أن جسده به مشكلة في مكان ما ويصاب بهوس، وقد يتطلب دخول الشخص المستشفى وعلاجه من الذهان، وهناك أيضًا عوامل الضغط المجتمعي والتريندات والموضة والسعي للكمال وتقليد المشاهير”.

أدوية غير مرخصة

محمود فؤاد المدير التنفيذي لجمعية الحق في الدواء يقول: “هناك أدوية غير معتمدة تظهر على بعض التطبيقات وهي أدوية محظورة تعمل على المخ وتسبب مشاكل في الجهاز الهضمي والقلب وتسبب هبوط في الدورة الدموية، وهي ليست مسجلة وتباع أيضًا من خلال أكثر من 50 قناة من قنوات بير السلم التي لا نعرف لها صاحب وللأسف يستعينون في الإعلانات ببعض الفنانين وهذا يغري عدد من الأفراد الراغبين في الرشاقة”.

محمود فؤاد
محمود فؤاد

يضيف فؤاد: “هناك قانون ظهر وهو قانون 127 لسنة 1955 لتنظيم مهنة الصيدلة هناك تعديلات حصلت فيه ومن بينها أن من يقوم ببيع الدواء شخص حاصل على بكالوريوس الصيدلة من إحدى الجامعات وهذا سيحد من بعض المشكلات لأن هناك أشخاص منتحلي صفة يبيعون أدوية وهناك أصحاب صيدليات تركوها لآخرين للتربح وسافروا للخارج هناك 88 ألف صيدلية في مصر فيهم 15 ألف صيدلية متأجرين من الباطن وهناك بعضها يبيع أدوية منتهية الصلاحية”.

كريم كرم
كريم كرم

دكتور كريم كرم أمين صندوق المركز المصري للحق في الدواء يقول: “أغلب أدوية التخسيس المنتشرة أون لاين وعلى المواقع غير مرخصة ومهربة ولا يعرف أحد ما بداخلها، حتى أغلب العيادات تعمل على أدوية غير مرخصة من الخارج لأنها غير مسعرة ومكسبها كبير”.

ويحذر كريم: “الأصناف غير المرخصة فيها مادة سيبوترامين المحرمة دوليا تعمل على الجهاز العصبي وتعطي أمر بالشبع، أو بها كافيين بكمية كبيرة جدًا، ممكن تؤدي لسكتة قلبية وجلطات، وتسبب مشكلات كبيرة جدًا، أي دواء نوافق عليه يكون من تصريح من وزارة الصحة وحاصل على موافقة هيئة الدواء الأمريكية أو منظمة الصحة العالمية”.

وحذرت المنظمة المصرية لمكافحة المنشطات من مادة السيبوترامين ضمن الكثير من المواد الأخرى التي لها آثار جانبية خطيرة على الصحة العامة.

مخاطر تصل للوفاة

د. إيمان كامل
د. إيمان كامل

دكتور ياسين رجائي مساعد رئيس هيئة الدواء المصرية يشرح خطورة أدوية التخسيس غير المرخصة من هيئة الدواء: “نحذر باستمرار بعدم شراء أدوية غير مسجلة أو من على الانترنت وعلى المواطن أن يراجع هيئة الدواء لو هناك أعراض، للأسف هناك الكثير من الإعلانات عن عقاقير لم تحصل على موافقة من الهيئة”.

دكتور ياسين رجائي
دكتور ياسين رجائي

ويضيف أن إعلانات الأدوية لابد أن تكون بموافقة من الهيئة ولابد أن يكون برقم تسجيل من الهيئة والترخيص من وزارة الصحة. وخطورتها كبيرة جدًا وخاصة الحقن وتصل للوفاة، فممكن أن تكون طريقة الحقن خاطئة أيضًا، وفي الهيئة لا نسمح بإعلانات على الحقن لأنها تحتاج لإشراف طبي متخصص وهناك عدد محدود من الحقن الحاصلة على موافقة عالمية، ويقنن استخدامها في حالات السمنة الشديدة”.

وكان الفنان إدوار قد أعلن عن إصابته بشلل في المعدة بسبب حقن التخسيس الذي استمر عليها لفترة وبالفعل كان قد فقد حوالي 15 كيلو من وزنه

دكتورة إيمان كامل أستاذ ورئيس قسم بالمركز القومي للبحوث واستشاري التغذية تؤكد أن هناك أربعة أدوية فقط مرخصة من هيئة الدواء ووزارة الصحة لعلاج السمنة وهم: “أورليستات، ونالتريكسون بوبربيون، ليراجلوتايد، ترزابياتيد” وكل منها بتركيز معين ولا يمكن أن تؤخذ إلا تحت إشراف طبي، وما دون ذلك قد يدمر الجهاز الهضمي والكلية والقلب.

 أرق واكتئاب

لم يخاطر محمد عادل (38 سنة) بشراء دواء للتخسيس من على الانترنت او من أماكن غير مرخصة، ورغم أن الطبيب كتب له على دواء للتخسيس وحقق معه نتائج جيدة بعد 3 شهور من الاستمرار على تناوله، ولكنه أصيب بالأرق نتيجة هذا الدواء.

محمد يقول إن الطبيب أخبره أنه قد يكون عارض مؤقت، أو قد يكون هناك سبب آخر للأرق والاكتئاب، ورغم امتناعه عن تناول الدواء منذ 6 شهور مازال يشعر بالأرق بالإضافة لازدياد في ضربات القلب.

لعب على الهرمونات

دكتورة همسة الخالدي أخصائي التغذية العلاجية تؤكد أن أدوية التخسيس مجهولة المصدر تسبب الكثير من المشكلات كما أن الأدوية المرخصة أيضًا قد يكون لها تأثير على الهرمونات.

وتذكر بعضًا من هذه المخاطر وتقول: “بعض أدوية التخسيس وخاصة التي تتداخل مع الشهية والمخ تؤثر على هرمونات الغدة الدرقية وهرمونات الأنوثة “الأستروجين والبروجستيرون، كما أن بعضها يؤثر على التبويض ويقلل فرص الحمل مثل “مونجارو، و ويجوفي بالإضافة إلى تأثيرها على الجهاز الهضمي وضغط الدم والقلب”.

بدون روشتة

الصيدلي الدكتور أحمد إبراهيم إسماعيل يؤكد على خطورة تناول أي عقاقير للتخسيس بدون إشراف طبي حتى ولو كانت مرخصة، ويقول إن ما يصلح في العادي لشخص لا يصلح للآخر، وما يفيدني قد يضر غيري.

ويشير أحمد أن الجمهور أصبح يهتم بالصورة الخارجية بشكل كبير، ويحاول استغلال أي فرصة لينقص من وزنه والموضوع أصبح له بعد نفسي للكثيرين، ومن ثم قد يلجئون للصيدلية لطلب دواء نحافة دون أي روشتة، ويتم بيعه لهم في بعض الصيدليات.

يقول أحمد: “أنا لا أبيع دواء لمريض دون روشتة وخاصة إن كان دواء تخسيس أو دواء يمكن أن يؤثر عليه سلبًا وأنصحه عادة بعمل فحوصات قبل تناول أي دواء واستشارة طبيب مختص”.

ويرى أحمد إبراهيم أن هناك خطورة من وظيفة أخصائي التغذية التي لم تعد مقتصرة على الأطباء ويمارسها أي شخص حصل على دبلومة في التغذية لعام أو عامين.

تحذيرات عالمية

 وبعد انتشارها عالميًا حذرت عدد من المنظمات الطبية العالمية من مخاطر ادوية التخسيس وكان من بينها هيئة الدواء والغذاء الأمريكية والتي أدت أن الأدوية التي لم يتم التأكد من سلامتها وفاعليتها واستخراج الترخيصات اللازمة لها تؤدي إلى كوارث عاجلة أو آجلة، وحذرت الهيئة من عدد من نوعية الحقن التي أصبحت منتشرة لإنقاص الوزن مثل أوزيمبك، السكسيندا، والمونجارو.

كما حذر الموقع الطبي مايو كلينيك من تناول هذه العقاقير للمرأة وخاصة المرأة الحامل او التي تخطط للحمل أو حتى تلك التي تقوم بالرضاعة، لأن تلك الأدوية بها مواد تؤثر على الهرمونات بشكل كبير، كما أشارت مؤسسة القلب البريطانية في دراسة لها على أشخاص يتناولون أدوية مختلفة لفقدان الوزن يتراوح عددهم ما يقرب 17 ألف أن هذه العقاقير تسبب التهاب في البنكرياس، وشملت الآثار الجانبية الأخرى ارتفاعًا في خطر الغثيان أو القيء بنسبة 30%، وارتفاعًا في خطر الإصابة بالتهاب المفاصل بنسبة 11%، وارتفاعًا في خطر انخفاض ضغط الدم بنسبة 6%.

كما تحذر وزارة الصحة المصرية وهيئة الدواء على موقعها باستمرار من بعض الأدوية التي تحتوي على مواد خطرة وغير مرخصة وذلك بعد ظهور أعراض خطيرة على بعض المواطنين، ومنعت هيئة الدواء من الانجراف وراء أي إعلانات مضللة تستهدف الربح المادي فقط.

بلاغات ومنع تداول

” نبلغ إدارة العلاج الحر بالعيادات التي تعمل بهذه الأدوية المهربة وغير المرخصة وتقوم بمهاجمة هذه العيادات وعمل محاضر وغلق العيادة، وبالنسبة للأدوية غير المرخصة تكون موجودة أحيانا في بعض صيدليات الدخلاء وهذه تكون مسئولية هيئة الدواء وهي التفتيش المستمر، ويتم تحريز الدواء وعمل محاضر وغرامات لأصحابها، ولكن يظل أهم مصدر غير شرعي هو صفحات الانترنت التي تبيع الأدوية وقانون المسئولية الطبية والعيادات الطبية يحجمها إلى حد كبير وهناك أيضًا خطوات برلمانية لتعديلهما”، يقول دكتور كريم كرم.

ويضيف محمود فؤاد أن الحل في تغليظ العقوبات وهذا حدث جزئيا فمن يتم ضبطه يبيع أدوية وغير حاصل على بكالوريوس صيدلة يدفع غرامة تبدأ من 500 ألف جنيه وتصل لـ 500 ألف جنيه وسجن لمدة سنة، وقانون مزاولة مهنة الصيدلة يتم بحثه في البرلمان الآن هناك دول كبرى بها عقوبة بيع دواء مغشوش تصل لـ 15 سنة و10 سنوات، والهند تصل للإعدام، ونحن في مصر ليس لدينا مجرم في السجون بتهمة الغش في الدواء”.

د. علي عوف رئيس شعبة الادوية
د. علي عوف رئيس شعبة الادوية

ومن جهته يوضح دكتور علي عوف رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية : “القنوات التي تبث من خارج مصر للأسف ليس عليها قيود وهذه المروج الأكبر لأدوية التخسيس غير المرخصة، عندما تحدث مشكلة للعملاء لا نستطيع الوصول إليهم، الناس تمشي وراء سراب ويمكن أن تدفع حياتها ثمنًا. المجلس الأعلى للصحافة مع وزارة الداخلية وهيئة الدواء نقوم حاليا بعمل قانون للحد من هذه المشكلة بعد دخول عدد من المواطنين العناية المركزة بسبب عقاقير التخسيس، فالمواطن مسئول عما حدث له مادام اقبل على شراء علاج وهمي”.

أهمية الدور التوعوي

دكتور ياسين رجائي يؤكد أن هناك الكثير من الحملات التوعوية التي تتم من أجل تحذير المواطنين وخاصة الشباب من ادوية التخسيس وذلك من خلال المنصات وعلى مواقع الهيئة، يتم عمل ندوات أيضًا داخل قصور الثقافة، النوادي، الجامعات، المكتبات العامة، مراكز الشباب، وعلى المستوى القانوني هناك فرق تفتيش في كل الجمهورية أي مكان يبيع أدوية غير مسجلة تتحرز ويتم معاقبته بالغرامة والسجن أيضًا.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة