في حوار جديد من حوارات سجال “البرلمان 2025” على منصة فَكّر تاني، يتحدث الدكتور عمرو هاشم ربيع مستشار مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية والسياسية عضو مجلس أمناء الحوار الوطني، عن رؤيته للمشهد الانتخابي بعد إعلان معظم نتائج انتخابات مجلس الشيوخ 2025، وتطلعاته لمواصفات اقتراع مجلس النواب 2025.
يحذر الأكاديمي البارز الذي اشتبك على مدار عقود مع الشأن البرلماني والسياسي، من استمرار العقلية التي تدير المشهد على ما هي عليه، ويقدم روشتة عاجلة لإصلاح المشهد السياسي والانتخابي، ليس من بينها الاقتراب من مدد الرئاسة بتعديل دستوري، كما تتحدث دوائر في الموالاة.
ويشعر عضو مجلس أمناء الحوار الوطني بخيبة الأمل بعد الجمود الذي طال الحوار الوطني، واستمرار ما يصفه بـ”فزاعة الإخوان”، ويدعو إلى عقد اجتماعي جديد وانفراجة سياسية تسع الجميع تحت مظلة عدالة انتقالية تحترم الدستور.

عَوَز سياسي
في البداية، كيف ترى المشهد السياسي الراهن؟
فيما يتصل بالمشهد السياسي والوضع الداخلي، فإن هناك كثيرًا من المعوقات والمشكلات المرتبطة بالمجال العام في مصر. نحن في حالة “عَوَزٍ”، إن جاز التعبير.
بالطبع، هناك مشكلات كثيرة تحيط بالسلطة السياسية في مصر منذ عدة عقود، سببها بالأساس هو الخلاف بين السلطة والإخوان.
وأيّاً كان وضع هذه السلطة، سواء كان فيها عسكريون أم مدنيون، فقد كانت هناك مشكلات مع جماعة الإخوان المسلمين. ولم تكن الجماعة وحدها من يتحمل عبء هذا الخلاف، بل كان المواطن العادي هو من يتحمله بشكل أكبر.
أحيانًا، كانت هذه الخلافات تبرز على السطح بشكل حقيقي وكبير، وأحيانًا أخرى كانت تُستخدم كـ “فزّاعةً” من قبل هذا الطرف أو ذاك؛ فالإخوان كانوا يستخدمون أُطرهم الإعلامية في النقد الشديد، وأحيانًا الجارح، كما استخدموا بعض الأساليب العنيفة.
وكذلك كانت السلطة تستخدم هذا الصراع أو الخلاف “فزّاعةً” لم تكن موجودة في بعض الأحيان، بالذات في هذه الأوقات.
وفي الفترة الحالية، أصبحت الأمور تتسم بهدوء نسبي مقارنة بما كان يحدث في أعوام 2013 و2014 و2015، ولا أقول هدوءًا كاملًا.
توابع هذه الفزّاعة
وما توابع تلك “الفزّاعة” على المشهد السياسي؟

أثّر هذا الوضع على المناخ والمجال العام، وأدى إلى حالة من التضييق والشلل، ومن ثم إلى موت السياسة وتقويضٍ سيرورة المجتمع المصري والمجالات التي يمكن أن تكون أساسًا لانفتاح المجال العام.
نتحدث هنا عن السلطة التشريعية ممثلةً في البرلمان، والنظام الحزبي، والمجتمع المدني، ووضع السلطة القضائية، ونتحدث عن الحبس الاحتياطي، وأوضاع الإعلام وحرية الرأي والتعبير؛ فكل هؤلاء تأثروا.
مصر بحاجة إلى إعادة نظر في هذه المساحات المتضررة، وربما تحتاج إلى تغيير، وليس مجرد إصلاح، وذلك حتى تكون هناك درجة من الانفتاح، تشكل نوعًا من الأريحية للمواطن ومناخًا جيدًا يستطيع من خلاله ممارسة الشأن العام.
القائمة المطلقة تزوير – من الأساس – لإرادة الناخبين.. نتائج المقاعد الفردية عجيبة وتطرح علامات استفهام.. وتجربة مجلس النواب 2020 مرتبطة بتكوينه القائم على هندسة العضوية بالقانون، وتكييفها على ما يحلو للسلطة
“تجميد” الحوار الوطني
في هذا الإطار، هل خسرت مصر بما يُمكن تسميته “تجميد” الحوار الوطني؟
بلا أدنى شك، مصر خسرت، لأن الحوار الوطني هو حوار بين القوى السياسية الموجودة على الساحة والتي تنبذ العنف.
من الناحية الفعلية، لم يتم تجميد الحوار الوطني، ولا يوجد إعلان بذلك، ولكن وضعه الحالي هو الجمود، وهذه واحدة من حالات الخسارة.

ورغم أن مردود الحوار الوطني كان محدودًا، إلا أنه كان يتضمن قدرًا من التعاطي بين السلطة والمعارضة، وكان هناك هامش من هوامش التلاقي أو الحديث، بغض النظر عما إذا كانت هناك استجابة أم لا.
في تقديري، كان هناك تلاقٍ، لكن الاستجابة كانت محدودة.. محدودة، ولكن التلاقي موجود. أما الآن، ومع حالة الجمود هذه، يصبح حتى هذا الهامش الشكلي للتلاقي بين السلطة والمعارضة غائبًا، وتصبح الأمور أكثر صعوبة.
من يقف وراء تجميد الحوار الوطني؟
لا أعرف، ولا أستطيع أن أقول؛ ليس لأنني لا أريد، بل لأنني لا أعرف بالفعل.
ما يحدث ينسجم مع الأمور الأخرى المتعلقة بتقويض المناخ العام، وهو ما رأيناه في انتخابات الشيوخ، ونتمنى ألا نجد المشهد ذاته في انتخابات النواب.

نرى الإعلام يعيش في حالة من حالات التقييد على حرية الرأي والتعبير، ونرى ذلك في السلطة التشريعية وأوضاعها، وكيف كان مجلس النواب يعمل بشكل يكاد يكون مبتوت الصلة عن التأييد الشعبي.
لا يجب أن يتكرر ما حدث في تعديلات 2019، خاصة فيما يتعلق بمدة الرئاسة، ولا يجب أن تكون الأخطار الخارجية مبررةً لتقييد الداخل.. نحن بحاجة إلى عقد اجتماعي جديد وانفراجة سياسية حقيقية
مشهد عبثي
نتوقف عند انتخابات مجلس الشيوخ.. ما تقييمك لما جرى؟
كنا أمام مشهد عبثي إلى حد كبير. وكانت هناك مشكلات في الترشيح والاقتراع، وحتى في إدارة العملية الانتخابية من قبل الهيئة الوطنية للانتخابات، بالإضافة إلى الشق الخاص بالرقابة على العملية الانتخابية الذي كان غائبًا.
إجمالًا، كان هذا مناخًا عبثيًّا إلى حدٍّ كبير.

“الإخوان” هم الرابحون
من كسب هذه المعركة؟ الداعون للمقاطعة أم المشاركون تحت شعارات “الحيز المتاح” و”القبول بالوضع الراهن”؟
جماعة الإخوان هي الرابحة من هذه الانتخابات، لأنها استطاعت تشويه صورة النظام، وأفلحت في ذلك لأن المشهد كان عبثيًا. وقد مكّنها النظام من ذلك، فبدلًا من أن يكون هناك انفتاح، ساد انغلاقٌ منح الجماعة سلاحًا لمواجهة السلطة في مصر.
أعتقد أن هذه هي الجهة الرابحة في هذا المشهد، وهو أمر لم يكن مطلوبًا ولا مدعاة للسرور بالمرة.
الذي يدعو إلى السرور هو أن تعمل على إحياء السياسة من خلال انتخابات حرة نزيهة شفافة محايدة، تكون فيها القوى متكافئة، وتقف السلطة على مسافة واحدة من جميع الفرقاء، وهذا لم يحدث.
لدينا أربعة أحزاب أطلق عليها “الأحزاب المتدلعة” هي: مستقبل وطن، وحماة الوطن، والجبهة الوطنية، والشعب الجمهوري.. الحزب الوطني أيام مبارك كان يسمح بدخول الإخوان، والوفد، والتجمع، وحزب العمل للانتخابات، لكن أيام حزب مستقبل وطن سيئة.. لست متحمسًا لتجربة “تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين” لأنها تُدار من قبل جهات رسمية
ليست انتخابات
في تفاصيل المشهد.. قائمة مطلقة تفوز بلا منافسين، كيف رأيت ذلك؟
مبدئيًا، نظام القائمة المطلقة هو تزوير مطلق، أو في أفضل الظروف يمكن تسميته “تزكية”، وليس انتخابًا.
عندما يكون لدي قائمتان، كل منهما تضم 100 مرشح لمجلس يتكون من 100 مقعد، لو استخدمنا “القائمة النسبية” وفازت قائمة بنسبة 75% والأخرى 25%، فسيتم تمثيل كل منهما في المجلس بهذه النسبة. لكن في “القائمة المطلقة”، القائمة التي تحصل على 51% من الأصوات تأخذ 100% من المقاعد، وهذا تزوير لإرادة الناخبين الذين صوتوا للقائمة الأخرى.
وما زاد الأمر سوءًا أن القائمة المطلقة في هذه الانتخابات كانت واحدة فقط، فلم يعد للناخب أي حق في الاختيار، وهذه لم تعد انتخابات.

عجائب “الفردي”
وماذا عن نتائج المقاعد الفردية التي شهدت “أصفارًا” عديدة لأحزاب المعارضة والمرأة والمستقلين، مقابل سيطرة تامة لأحزاب الموالاة؟
الأمر في المقاعد الفردية يثير العجب ويطرح علامات استفهام: كيف يكون هناك صفر للمستقلين، وصفر للمرأة، وصفر للأحزاب الأخرى؟
سأعطيك مؤشرًا مهمًا ليتضح المشهد أكثر. بالنظر إلى قوائم المرشحين على المقاعد الفردية في المحافظات، نجد مثلاً في محافظة القاهرة مطلوب 10 مقاعد، والمرشحون من الأحزاب الأربعة الموالية هم 10 بالضبط. وفي محافظة الجيزة مطلوب 8، والمرشحون منهم 8 بالضبط.

في كل المحافظات الـ27، عدد مرشحي هذه الأحزاب يساوي بالضبط عدد المقاعد المطلوبة لكل محافظة!
لم يحدث حتى أن حزبًا منهم نافس الآخر، بل هي مقسمة سلفًا. هذه ليست صدفة، ولكنها أحزاب أطلق عليها “الأحزاب المتدلعة”. كيف يكون عدد المرشحين مساويًا لعدد المقاعد المطلوبة؟ هذا يعني أن الأمر مُخطط له، ويشير إلى غياب الحياد والشفافية في إدارة العملية الانتخابية.
والشيء بالشيء يُذكر، أن من الغرائب التي رصدتها أن حزب “الجبهة الوطنية”، الذي كان يتردد دائمًا أنه حزب القبائل، ليس له مرشحون في شمال سيناء وجنوبها، ولا الوادي الجديد ولا مطروح، وهي محافظات قبلية.
الدور الرقابي لبرلمان 2020 كان في حالة موات، والأداء التشريعي محل جدل كبير
مستقبل وطن والحزب الوطني

هل يعيد حزب “مستقبل وطن” تجربة “الحزب الوطني”؟ وهل باتت هزيمته انتخابيًا مستحيلة؟
حزب “مستقبل وطن” يفعل ما هو أسوأ من “الحزب الوطني” بكثير.
الحزب الوطني أيام مبارك كان يسمح بدخول الإخوان، والوفد، والتجمع، وحزب العمل.
رأينا عشرات النواب للإخوان، و60 نائبًا لحزب العمل عام 1987، و30 نائبًا للوفد عام 1984.
كان هناك حد أدنى من قبول الآخر ولو بشكل هامشي، أو حتى بشكل مسرحي أو كاريكاتيري. الآن، حتى هذا الشكل الكاريكاتيري أو المسرحي لم يعد موجودًا.
المال السياسي في انتخابات الشيوخ كان كثير جدًا، ولم يكن بهدف الفوز، بل بهدف حشد الناخبين، وتكرار نموذج انتخابات الشيوخ في انتخابات مجلس النواب القادمة، سيجعل المشهد أكثر عبثية، ولكن لدى طريقة لإصلاح الوضع
مجلس النواب 2025
ماذا يعني تكرار نموذج انتخابات الشيوخ في انتخابات مجلس النواب القادمة؟
سيكون المشهد أكثر عبثية. ولكن بدلًا من الحديث عما سيحدث لو تكرر، يجب أن نتحدث عن كيفية إصلاح الوضع في انتخابات النواب.
بالطبع، من الصعب أن نغير الدستور ونلغي القائمة المطلقة الآن، ولكن ليس صعبًا أن نخلق تنافسًا بين القوائم.
دعوا الجبهة الوطنية تشكل أربع قوائم، ومستقبل وطن أربع قوائم، والشعب الجمهوري، وغيرهم في كل قطاع انتخابي.

لماذا لا يُسمح بهذا الهامش؟ لماذا لا تُمنح فرصة للمستقلين والمرأة؟ ولماذا تضع الهيئة الوطنية للانتخابات رموز الأحزاب الأربعة في بداية القوائم بكل المحافظات؟ غيروا هذا في انتخابات النواب.
يجب أن تكون هناك شمعة مضيئة في آخر النفق، ويجب أن نتحدث عن كيفية جعلها مضيئة في انتخابات مجلس النواب المقبلة من أجل مناخ منير يمتد إلى الإعلام والمجتمع المدني؛ فالديمقراطية ليست انتخابات وفقط، بل مناخ عام مناسب يؤهل لتعزيز مستويات الديمقراطية.
برلمان 2010
بناءً على تجربة “الشيوخ”، يتحدث البعض أننا بصدد برلمان 2010، بينما تقول دوائر الموالاة إنهم بصدد برلمان “الجمهورية الجديدة”.. أين تقف؟
إن تجنب المثالب التي حدثت في انتخابات الشيوخ 2025 هو الطريق للابتعاد عن صناعة نموذج برلمان 2010. وكل همي الآن هو ألا نصل إلى ذلك النموذج، وفقًا لما شرحته.
برلمان ما يحلو للسلطة
قبل الحديث عن مجلس النواب القادم، ما تقييمك للبرلمان الحالي وما قدمه؟

تجربة مجلس النواب مرتبطة بتكوينه؛ فالنظام الانتخابي الذي أتى به كان مهيكلًا على التعيين أو التزكية بالقائمة المطلقة، التي لا تستخدمها سوى 5 دول في العالم من بينها مصر، ما أدى إلى هندسة العضوية بالقانون، وتكييفها وفقًا لما يحلو للسلطة. وبالتالي، كانت المخرجات كما هو متوقع.
لا أرى أنه كان هناك أداء تشريعي كبير. أما الدور الرقابي للبرلمان، فقد كان في حالة موات.
قد تكون هناك مشروعات قوانين كثيرة تحولت إلى قوانين، لكن الأداء كان محل جدل واسع في قضايا مثل: قانون الإيجار القديم، الذي يمس الملايين، ويعرف علماء الاجتماع توابعه، وقانون الإجراءات الجنائية الذي تلاحقه عشرات الملاحظات الحقوقية، وحتى قانون تنظيم الفتوى الذي تدخلت فيه الحكومة لتعطي وزارة الأوقاف دورًا فيه، وكأنه لا يوجد في مصر الأزهر ودار الإفتاء.
كيف للحكومة أن تشارك في الإفتاء بوزارتها؟ هل يريدون أيضًا أن تفتي الحكومة؟
الحوار الوطني في حالة “تجميد” دون إعلان ولا أعرف من السبب.. دستور 2014 تحدث عن قانون “عدالة انتقالية” بمدة زمنية محددة، وقد انتهت المدة ولم يصدر القانون.. العدالة الانتقالية لا تعني العفو عن “الإخوان”
تعديل الدستور
البعض يرى أن البرلمان القادم مهم لطرح تعديل الدستور للنقاش. كيف ترى هذه المسألة؟
لا يجب أن يتكرر ما حدث في تعديلات 2019، خاصةً فيما يتعلق بمدة الرئاسة.
هناك مادة في الدستور تنص على أن الأمور الخاصة بالمكاسب الديمقراطية، بما فيها مدة الرئاسة والحقوق الديمقراطية، لا يجوز المساس بها. هذه المادة أصبحت من صلب الدستور.
إذا أردت تغيير مدة الرئاسة و”تصفير العداد” مرة أخرى، يجب تغيير الدستور بأكمله، وليس تعديله.

هل مصر في حاجة إلى تغيير الدستور؟
لا. مصر ليست بحاجة لتغيير الدستور، بل لتعديله، خصوصًا لإلغاء بعض مواد تعديلات 2019 التي خرجت في مناخ مختلف وفي وجود “فزاعة الإخوان” أيضًا، مثل: محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري، وإلغاء نظام “الكوتة” الذي يشل الحركة تمامًا ويصنع مجالس “على المزاج”، ونظام المحليات الذي يتذرع البعض بصعوبة تطبيقه.
أكرر أن هناك تعديلات مطلوبة، لكن ليس من بينها مدد الرئاسة.
سيطرة المال على السياسة
بعض الأحزاب، مثل التجمع والتحالف الشعبي الاشتراكي، اشتكت عدم قدرتها على الترشح بسبب الرسوم المبالغ فيها، واعتبرت ذلك “تمييزًا طبقيًا”. ما رأيك؟
طبعًا، لا شك أن القدرات المالية تتحكم الآن في إدارة المشهد الانتخابي.
هناك شق مالي يتعلق بالرسوم، وشق آخر يتعلق بالإنفاق على الدعاية الانتخابية الذي يصل لمئات الآلاف، وهو ما يتجاوز الحد القانوني دون رقابة حقيقية.
الهيئة الوطنية للانتخابات، ومن قبلها اللجنة العليا، لم تشطب مرشحًا واحدًا بسبب تجاوز سقف الإنفاق. إذن، لا توجد رقابة فعلية، وهذا يكرس سيطرة المال على السياسة.

كيف رأيت المال السياسي في انتخابات الشيوخ؟
المال السياسي في انتخابات الشيوخ كان كثيرًا جدًا، ولم يكن بهدف الفوز، لأن القائمة المطلقة كانت محسومة سلفًا وبلا منافس، بل كان بهدف حشد الناخبين للوصول إلى نسبة الـ5% المطلوبة، وإلا فإن الانتخابات كانت ستسقط.
في تقديري، كان كل هذا الزخم الإعلامي الرسمي هدفه الوصول إلى هذه النسبة.
طعن سياسي مبكر
بعض أحزاب الحركة المدنية أعلنت مقاطعتها القائمة المطلقة في انتخابات النواب، مع الاكتفاء بالترشح على المقاعد الفردية. ألا يطعن ذلك في الانتخابات مبكرًا؟
بالطبع من الناحية السياسية، هذا يطعن في الانتخابات المقبلة، ويؤكد أن هناك أزمة و”عوارًا”.
عندما تكون الانتخابات فاقدة للمعارضة، ماذا نسميها وقتها؟
يجب أن نتحدث عن ضرورة فتح المجال للمعارضة المدنية حتى لا يكون الصراع فقط بين السلطة والمعارضة الدينية.
تنسيقية الشباب
كيف تنظر لتجربة “تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين” التي حصلت على مقاعد بالقائمة؟
لست متحمسًا لها، لأنها تُدار من قبل جهات رسمية.

أريد أن تكون الأحزاب والقوى السياسية جماهيرية وذات طابع شعبي، لا أن تكون برعاية جهة رسمية.
بدلًا من إنشاء كيانات كهذه، كان يجب تمكين الأحزاب القائمة ومنحها مساحة للعمل والتعبير عن نفسها.
الهيئة الوطنية للانتخابات
كيف رأيت دور الهيئة الوطنية للانتخابات، وما رسالتك لها؟
يجب أن تكون محايدة وشفافة بشكل أكبر، ولذلك أدعو إلى أن تكون هيئة إدارية، لأن مكان القضاة على منصة القضاء.

لا يصح أن تكون للهيئة رجل بالخارج ورجل بالداخل؛ فهي تتحدث بصفتها هيئة من القضاة، ولكنها تمارس عملًا إداريًا.
يجب أن تكون هناك “رقابة” فعلية على الانتخابات، وليست مجرد “متابعة”، وأن تكون مفتوحة للمجتمع المدني المصري والأجنبي.
لا يصح منع وكلاء المرشحين من حضور الفرز، فهذا مخالف لنص القانون. ولا يصح أن تكون قوائم المرشحين مرتبة سلفًا.
الرئيس السيسي تحدث قبل أيام عن الإعلام وقال إننا نريد للدنيا أن تنفتح. هذا كلام جيد جدًا، وهذه لمبة مضيئة يجب أن نبني عليها بقرارات عفو عن سجناء الرأي الذين لم يتورطوا في دم أو عنف
الإشراف الإداري
ألم تكونوا أنتم من طالب بالإشراف القضائي على الانتخابات منذ 2006؟
هذه مرحلة وانتهت. اجعلوها إدارية، وغيّروا مواقع إشراف الموظفين.
كل مكان به الجيد والرديء، وبالتالي يجب عدم التعميم.
لا توجد دولة يقف فيها القضاة على صناديق الاقتراع إلا مصر والكويت التي أخذت التجربة عنا.
تجاوز فزاعة الإخوان
كررت كثيرًا مصطلح “فزّاعة الإخوان”. هل ترى أن استهلاكها بلغ حدًا مبالغًا فيه وأننا بحاجة لتجاوزها؟
نعم. لا بد من تجاوزها بشكل جدي، يجب أن تمضي البلاد قدمًا.
دستور 2014 تحدث عن قانون “عدالة انتقالية” بمدة زمنية محددة، وقد انتهت المدة ولم يصدر القانون.

العدالة الانتقالية لا تعني العفو كما يروج البعض، بل تعني المحاسبة لمن أخطأ، والتعويض، والاعتذار، والتسامح، والمصالحة.
يجب أن ينتهي مناخ الكراهية، وأن يسود مناخ آخر، حتى لو مُنعت جماعة الإخوان من تشكيل حزب سياسي.
يجب ألا يتحمل المواطن العادي تبعات هذا الصراع. لا بد من صنع عقد اجتماعي وسياسي جديد. مصر كبيرة وعريقة وبرلمانها قائم منذ 1866، وهي تحتاج إلى ذلك.
مطالب الانفراجة السياسية
البعض يطالب بانفراجة سياسية تسع الجميع، خاصةً في ظل الأخطار الإقليمية. هل أنت مع هذا المسار؟
بكل تأكيد وبشدة، يجب البدء في انفراجة سياسية.
“إسرائيل”، وهي في قلب الصراع منذ عام 1948، هل علّقت انتخاباتها مرة واحدة؟ هل فرضت قانون طوارئ أو سجنت الناس بالحبس الاحتياطي؟
لا يجب أن تكون الأخطار الخارجية مبررة لتقييد الداخل.
نهاية النفق
في ظل هذه العقلية التي تدير المشهد، إلى أين تتجه مصر؟
لو استمرت مصر على هذا الحال، فستكون هناك مشاكل كثيرة؛ سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا على المواطن المصري.
مناخ التضييق يؤدي إلى انفجار، هكذا يقول الجميع، ولكن لماذا ننتظر حتى نصل إلى هذه المرحلة؟ والمولى عز وجل يقول: “أَوَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ”، في دعوة إلى أن نتعلم من الماضي.
لذا، بدلًا من أن أقول إن تكرار المشهد سيؤدي إلى كذا، أقول إنه يجب ألا يتكرر، وعلينا أن نتخذ خطوات معينة كي لا يتكرر.
دوري أن أنير لمبة في نهاية النفق، لا أن أقول دائماً إنها مظلمة.

الرئيس السيسي تحدث قبل أيام عن الإعلام وقال: “إننا نريد للدنيا أن تنفتح”. هذا كلام جيد جدًا، وهذه لمبة مضيئة يجب أن نبني عليها، من خلال قرارات عفو عن سجناء الرأي الذين لم يتورطوا في دم أو عنف.
هؤلاء يجب أن يخرجوا ليشاركوا، ونفتح لهم المناخ ليشاركوا.
