مع إغلاق باب الترشح لانتخابات مجلس الشيوخ في جميع محافظات الجمهورية، برزت ظاهرة لافتة تتمثل في تراجع عدد المرشحين مقارنة بالدورة السابقة التي شهدت انطلاقة المجلس في شكله الجديد كوريث لمجلس الشورى.
فقد انخفض عدد المتقدمين من 787 مرشحًا في انتخابات 2020 إلى 420 مرشحًا فقط في الدورة الحالية، بما يمثل تراجعًا بنسبة تقترب من 40%، وهو ما يطرح تساؤلات مشروعة حول أسباب هذا الانخفاض وأبعاده.
هذا التراجع العددي لا يمكن قراءته بمعزل عن السياق السياسي والاجتماعي، إذ يعكس – بنظر العديد من المتابعين – تراجعًا في ثقة قطاعات من المواطنين والقوى السياسية في فاعلية وجدوى العملية الانتخابية، وسط مناخ يراه البعض غير محفز للمشاركة السياسية الفعّالة.

أسوان كمثال
فعلى سبيل المثال، شهدت محافظة أسوان، ذات الطبيعة الجغرافية الواسعة، تراجع عدد المرشحين من 12 مرشحًا في الدورة السابقة إلى 8 مرشحين فقط في هذه الدورة، مما يعكس حجم العزوف الذي طال حتى المناطق الحدودية ذات الخصوصية السياسية والاجتماعية.

ويرجع بعض المحللين هذا التراجع إلى عدة أسباب متشابكة، من أبرزها محدودية الصلاحيات الدستورية لمجلس الشيوخ، إذ يقتصر دوره على الجوانب الاستشارية، دون امتلاك أدوات رقابية فعلية، ما يفقده كثيرًا من الجاذبية لدى الطامحين في التأثير وصنع القرار.
كما أن التوزيع الجغرافي الواسع للدوائر الانتخابية – حيث تشمل الدائرة الواحدة محافظة بالكامل– يُعد عائقًا ماديًا ولوجستيًا أمام المرشحين، خاصة في ظل فترة دعاية انتخابية قصيرة لا تتيح التغطية الكافية لكامل الدائرة.
ويُضاف إلى ذلك ارتفاع كلفة الترشح من رسوم ومصاريف الكشف الطبي، إلى نفقات الدعاية والإعلان، وهو ما يجعل الترشح مغامرة باهظة الكلفة لا يستطيع الكثيرون خوضها.
الأحزاب والترشح
وعلى صعيد آخر، سُجل تراجع ملحوظ في عدد الأحزاب السياسية المشاركة في انتخابات مجلس الشيوخ لعام 2025، حيث شارك فقط 32 حزبًا من أصل 105 حزبًا مُسجلًا رسميًا، من بينهم 20 حزبًا لم يتجاوز عدد مرشحيهم 5 مرشحين، وهو ما يعكس بدوره تراجعًا في فاعلية مشاركة الأحزاب السياسية وأدائها التنافسي في الاستحقاقات الانتخابية، ويثير التساؤلات حول جاهزية الأحزاب لخوض معارك انتخابية حقيقية ومدى حضورها في الشارع السياسي.

في المحصلة، فإن تراجع عدد المرشحين يُنذر بضعف التنافسية ويطرح تساؤلات حول مدى الإقبال الشعبي على التصويت، وهو ما يفرض على الدولة والأحزاب السياسية مراجعة الآليات والتشريعات المنظمة للعملية الانتخابية لضمان أوسع مشاركة ممكنة.
فالمشاركة السياسية ليست مجرد إجراء شكلي، بل هي جوهر النظام الديمقراطي وضمانة حقيقية لاستقرار الوطن وتعزيز أمنه الداخلي، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا عبر توفير بيئة سياسية حاضنة ومحفزة، تعيد ثقة المواطنين في أن لصوتهم معنى ولرأيهم تأثير.
