سقط مجلس النواب في اختبار قانون الإيجار القديم، بحسب نواب المعارضة والمستقلين، الذين انسحبوا احتجاجًا على موافقة المجلس اليوم، نهائيًا على مشروع القانون المثير للقلق والسجال المجتمعي، الذي بمقتضاه يتم تحرير العلاقة الإيجارية للوحدات السكنية خلال 7 سنوات وغير السكنى خلال 5 سنوات، مع تحريك الإيجار شهريًا بواقع 250 جنيها من بداية العمل بالقانون، كحد أدنى، ولحين انتهاء لجان الحصر من عملها بتحديد وتمييز المناطق السكنية لتحديد القيمة الإيجارية للوحدة خلال 3 أشهر من تاربخ العمل بالقانون.
وتنص المادة (2) من مشروع تعديل قانون الإيجار القديم على أن "تنتهي عقود إيجار الأماكن الخاضعة لأحكام هذا القانون لغرض السكني بانتهاء مدة 7 سنوات من تاريخ العمل به، وتنتهي عقود إيجار الأماكن للأشخاص الطبيعية لغير غرض السكنى بانتهاء مدة خمس سنوات من تاريخ العمل به، وذلك كله ما لم يتم التراضي على الإنهاء قبل ذلك".
انسحاب المعارضة والمستقلين
وقرر ممثلو الهيئات البرلمانية للمعارضة والمستقلين الانسحاب من قاعة المجلس عقب تمرير المادة (2) من القانون بصيغتها الحالية، تأكيداً على الرفض النهائي للقانون بشكله الحالي، والانحياز الكامل للشعب المصري وحقوقه ومصالحه.

وأصدروا بياناً إلى الشعب المصري حمل توقيع أحزاب العدل والتجمع والمصرى الديمقراطى الاجتماعى، والنواب الآتى أسمائهم: عبد المنعم إمام، وضياء الدين داود، وأحمد الشرقاوى، وأحمد فرغلى، ومحمد عبد العليم داود، وعاطف مغاورى، ونبيل عسكر ، وهانى خضر ، واحمد بلال، وخالد الحداد، ومارسيل سمير، ويوسف الحسينى، وايهاب منصور، ومها عبد الناصر، وأميرة صابر، وأحمد دراج، وسحر بشير معتوق، وضحى عاصى، وزينب السلايمى، وسلمى مراد، وعلاء عصام، وسناء السعيد، وريهام عبد النبى، وسميرة الجزار.

وقال الموقعون على البيان:" انطلاقًا من مسؤوليتنا الوطنية والدستورية، ووفاءً واحترامًا للقسم الذي أقسمناه لحماية مصالح الشعب ورعاية حقوقه، فقد بذلنا منذ اللحظة الأولى لدخول مشروع تعديلات قانون الإيجار القديم كل جهد مخلص وأمين، سواء خلال مناقشات اللجان النوعية أو في الجلسة العامة، حفاظًا على استقرار الوطن وسلامة الجبهة الداخلية، وتقديم منتج تشريعي يحافظ على حقوق الملاك والمستأجرين بشكل متوازن، ومنعًا لمحاولات الحكومة استغلال فرصة حكم الدستورية لتشمل مراكز قانونية لم تكن محل حكم المحكمة الدستورية العليا، والتي اقتصر حكمها على مسألة تحريك الأجرة فقط".

وأضافوا أنهم سعوا جاهدين، خلال مناقشات الجلسة العامة اليوم، لاستثناء المستأجر الأصلي وزوجه وأولاده من إنهاء العلاقة الإيجارية، حرصًا على عدم المساس بحقوقهم الاجتماعية والإنسانية، وقدموا العديد من الحلول التي تحافظ على حقوق المستأجرين والملاك بتوازن مناسب، إلا أن كل المحاولات قد باءت بالفشل، ولم تستجب الحكومة لتلك المقترحات لتحقيق التوازن المطلوب، ولم تقدم حلولًا بديلة مرضية، وتم إقرار المادة (2) بشكل نهائي، إيذانًا بإغلاق باب الأمل في الوصول إلى حل تشريعي عادل.
مطالبة حزبية بإعادة النظر
من جانبه، استنكر الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي موافقة البرلمان على تعديلات قانون الايجار القديم.
وأوضح في بيان وصل "فكر تاني"، أنه على مدار يومين جرت مناقشات مكثفة لمشروع الحكومة بإجراء تعديلات على ما يُسمى بقانون الإيجار القديم، ما أدى إلى سيادة حالة من التفاؤل بعد الجلسة العامة التاريخية لمجلس النواب بالأمس، والتي تضامن فيها الكثير من نواب الأغلبية مع رأي نواب الحزب وباقي نواب المعارضة الحزبية والمستقلين بضرورة إجراء تعديلات جوهرية على مشروع الحكومة، وعلى رأسها المادة الثانية الخاصة بإنهاء العلاقة الإيجارية بعد مرور سبع سنوات من تطبيق القانون.

وأضاف الحزب أن نوابه فوجئوا اليوم بإقرار نواب الأغلبية لصياغة المادة الثانية كما جاءت بمشروع الحكومة، وهي المادة التي ستُعرِّض ملايين المصريين لإمكانية الطرد من منازلهم خلال سبع سنوات، دون مراعاة للآثار الاجتماعية الهائلة على هؤلاء المستأجرين، الذين سيبلغ عدد كبير منهم العمر الذي يستحيل معه التعرض للتشريد أو الانتقال لأماكن أخرى بديلة، في عمر يجب فيه أن تُصان وتحفظ كرامتهم.
وأكد الحزب أن نوابه أبدوا اعتراضهم منذ البداية على مناقشة قانون بهذه الحساسية، يمس بشكل مباشر ملايين المواطنين من المستأجرين والمالكين، في ظل غياب قواعد معلومات موثوقة ومحدّثة بشأن الوضع الاجتماعي والاقتصادي للسكان المتأثرين بالقانون. وهو ما أكده صراحة رئيس مجلس النواب أثناء مناقشة القانون، بل ووجّه اللوم للحكومة بسبب تقاعسها عن تقديم المعلومات المطلوبة، مما دفعه لتأجيل مناقشة القانون ليومين متتاليين.
واستنكر الحزب رفض الأغلبية كل محاولات نواب الحزب والمعارضة لحذف أو حتى تعديل المادة الثانية التي تمس السلم الاجتماعي، في ظل تغير مفاجئ في موقف الكثير من نواب الأغلبية بالمجلس بين عشية وضحاها، ما دفع الهيئة البرلمانية للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي إلى الانسحاب من الجلسة العامة لمجلس النواب وعدم استكمال مناقشة باقي مواد مشروع القانون، بعد إدراكها التام بوجود نية مسبقة لدى الأغلبية لتمريره دون مراعاة للجوانب الإنسانية والاجتماعية السلبية المترتبة على تطبيقه.
وطالب الحزب من وصفهم بـ" الجهات الحكيمة والرشيدة" في الدولة لمراجعة هذا الموقف بشكل عاجل ومحاولة إيقافه وإعادة النظر فيه، خاصة أن هذا القانون بصيغته التي يجري تمريرها يتجاوز ما طالب به حكم المحكمة الدستورية العليا بخصوص تحريك الأجرة وعدم ثباتها، حيث لم يتطرق حكم المحكمة من قريب أو بعيد إلى أي نوع من تحرير العلاقة الإيجارية بالكامل أو تعريض المستأجرين للطرد بعد أي فترة زمنية.
تشريع للتشريد
"نرفض أن نكون شهود زور على قانون لا يحل المشكلة المزمنة للإيجارات القديمة، بل ينقلها إلى كارثة اجتماعية جديدة. جئنا إلى البرلمان لنُشرّع من أجل الناس، من أجل العدالة والاستقرار،وليس لتمرير قوانين تفتقد للحد الأدنى من الإنصاف"، هكذا علق النائب فريدي البياضي، عضو مجلس النواب ونائب رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي على ما حدث.

وأضاف أن نواب حزبه انسحبوا بعد رفض الحكومة واللجنة المختصة إدخال أي تعديل جوهري على مادة الطرد، رغم التحذيرات المتكررة من آثارها الاجتماعية الكارثية على ملايين المواطنين”، مشيرًا إلى أن “ما حدث اليوم يُمثل تجاهلًا صارخًا للبعد الإنساني والاجتماعي، وتعاملًا مع المواطنين كأرقام في جداول الإحصاء، لا كأسر حقيقية مهددة بالتشريد".
وانتقد البياضي الاعتماد على بيانات وصفها بأنها “قديمة، وغير محدثة، وبعضها مشكوك في دقته”، معتبرًا أن من غير المقبول مناقشة قانون بهذه الحساسية دون امتلاك قاعدة معلومات اجتماعية واضحة وحديثة، خاصة في ظل أوضاع اقتصادية صعبة.
وحذر النائب من أن "الدولة، عبر هذا القانون، تتخلى عن التزاماتها الدستورية وواجباتها الأساسية في تحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير السلام الاجتماعي، وهو ما لا يمكن القبول به من أي ممثل حقيقي للشعب".
كارثة المادة الثانية
وكانت النائبة سناء السعيد، عضو مجلس النواب عن الحزب المصري الديمقراطي قدمت تعديلًا على مشروع قانون الحكومة للايجار القديم بحذف المادة الثانية، لكنه قوبل بالرفض.

وأوضحت في تعديلها أن تلك المادة ليست من مقتضيات حكم المحكمة الدستورية، موضحة أن حكم المحكمة الدستورية الأخير قضى بعدم دستورية ثبات قيمة الإيجار، وهو ما يوجب على السلطة التشريعية تنفيذ حكمها بتحريك القيمة الايجارية، أما إنهاء عقود الايجار ولو بتحديد مدد فإنه يخالف أحكام المحكمة الدستورية العليا الواضحة في أحكام سابقة كحكمها في الدعوى رقم ٧٠ لسنة ٨ قضاء دستوري في ٣ نوفمبر ٢٠٠٢ والذي قضت فيه بامتداد عقد الايجار قانونًا ليستفيد منه المستأجر الأصلي وفقًا لحكم المادة ( ١٨) من القانون ١٣٦ لسنة ١٩٨١ وللورثة المقيمين معه كالأولاد والزوج والزوجة والوالدين وفقًا للفقرة الأولى للمادة (٢٩) من القانون (٤٩) لسنة ١٩٧٧
وأضافت أن وجود المادة (٢) بهذا المشروع والتي تنهي العلاقة الايجارية بعد 7 سنوات تخالف الحكم الواضح والصريح لحكم المحكمة الدستورية بالقضية رقم ٧٠ لسنة ٨ ق، كما ان المادة (١٨) من القانون ١٣٦ لسنة ١٩٨١ والتي تمنع تمامًا إجبار المستأجر على إخلاء المكان، هذه المادة عُرضت على المحكمة الدستورية عدة مرات ولم تحكم مطلقًا بعدم دستوريتها بل قضت بالامتداد القانوني لعقد الايجار.
وأكدت أن انهاء العلاقة الايجارية للأشخاص الطبيعيين لغير غرض السكن ستؤدي لكوارث اجتماعية وصحية ففي ظل طرح الحكومة لمئات المنشآت الصحية للقطاع الخاص بموجب قانون تنظيم منح التزام المرافق العامة لإنشاء وإدارة وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية رقم 87 لسنة 2024 ف٧٥٪ من الأطقم الطبية سيكونون معرضين للاستغناء عنهم ونحن هنا نطردهم من العيادات والصيدليات فلن يكون أمام المرضى من الطبقات الوسطى والدنيا مكانا للعلاج.
وقالت :" يكفي أن القانون الخاص بالايجار غير السكني قد رفع الإيجارات ونأتي هنا لنضاعفها 5 مرات ونجعل زيادة سنوية ١٥٪ ثم نطردهم ونغلق عياداتهم وصيدلياتهم ويضطرون للبحث عن أماكن جديدة وتراخيص جديدة، فكيف نأتي نحن ونخالف أحكام المحكمة الدستورية؟.
وأكدت النائبة ضرورة النظر لأحكام المحكمة الدستورية العليا كوحدة موضوعية، مطالبة بالنظر لأحكام محكمة النقض المتواترة والتي ترسي مباديء قانونية لا تؤكد فقط حق المستأجر بل تؤكد حقه في السكن الآمن المستقر له ولأسرته، فهو لم يستأجر سكنًا ليسكن فيه منفردًا بل استأجر لانه أصبحت له أسرة وبدونها لم يكن ليفكر في مجرد البحث عن سكن فهو كفرد بالتأكيد كان ساكنًا.
وقالت في ختام تعديلها :" أرجو ألا ننهي فصلنا التشريعي هذا بمخالفة دستورية ستؤدي لكوارث اجتماعية سيصيب معظمها كبار السن وأصحاب المعاشات ومعظمهم تحت خط الفقر ويحتاجون لحماية اجتماعية.. بلاش نخليها ميتة وخراب ديار".
حكم بالإخلاء الجماعي
"غلق باب الأمل وفتح نوافذ الخوف"، هكذا علقت النائبة ريهام عبد النبي، عضوة مجلس النواب عن حزب المصري الديمقراطي الاجتماعي بمحافظة أسوان، ما حدث.

وقالت :" خضنا كنواب المعارضة والمستقلين، معركة حقيقية داخل البرلمان. ناقشنا، قدّمنا تعديلات، واقترحنا حلولًا متوازنة تحفظ حقوق الملاك دون المساس بالأمن السكني للمستأجرين الأصليين وأسرهم. لقد كان مطلبنا واضحًا وبسيطًا: استثناء المستأجر الأصلي وزوجه وأولاده من أحكام الإخلاء، احترامًا للحقوق الإنسانية والاجتماعية التي لا يمكن إغفالها أو التعامل معها وكأنها أرقام أو عقود تنتهي بقرار فوقي، لكن للأسف، قوبلت كل محاولاتنا بالرفض التام. لم تُبدِ الحكومة أي مرونة، ولم تقدّم بدائل منطقية، بل أصرت على تمرير المادة الثانية من القانون بصيغتها القاسية، وكأنها تصدر حكمًا بالإخلاء الجماعي".
وأضافت أنه أمام هذا الإصرار غير المفهوم على تغييب البعد الاجتماعي والتعامل مع الملف من منظور عقاري بحت، لم يكن أمامهم كنواب إلا اتخاذ موقف واضح وشجاع: الانسحاب من الجلسة العامة وإعلان الرفض الكامل لهذا المشروع بقانون، وإعلان موقف أمام الشعب المصري.
وأكدت أن هذا القانون، في صيغته الحالية، لا يُمثل حلاً عادلاً، بل ينحاز لفئة على حساب أخرى، ويُعرض آلاف الأسر للتهجير القسري دون توفير بدائل سكنية، وهو أمر لا يتسق مع مبادئ العدالة الاجتماعية ولا مع الدستور المصري.
العودة إلى المحكمة الدستورية

من جانبها، قالت النائبة الوفدية أميرة أبو شقة عضو اللجنة التشريعية والدستورية بمجلس النواب: "إنه بعد تمرير قانون الإيجار القديم في مجلس النواب اليوم، أن ما حدث ليس نهاية المطاف، فكم من قانوناً شط فيه المشرع عن أحكام الدستور وأعادته محكمتنا الدستورية العليا إلى صوابه".
وأضافت النائبة عبر حسابها الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "انسحابنا اليوم من مناقشات مشروع القانون بمجلس النواب هو تأكيد على رفضنا المعلن وسنواجه الحكومة في الجولة الثانية أمام المحكمة الدستورية فور دخول القانون حيث التنفيذ".