كيف يستفيد اقتصاد مصر من الحرب “الإسرائيلية ـ الإيرانية”؟

مع اقتراب الحرب “الإسرائيلية ـ الإيرانية”، التي أثّرت بشكل سريع على الاقتصاد المصري من نهايتها، تدور تساؤلات حول الدروس المستفادة التي ينبغي على الحكومة المصرية أن تدرسها بعناية، وأن تدرجها ضمن أجندتها المستقبلية، لتجنّب ضرر متكرر قد يلحق بالسوق المحلية جراء أي أحداث عالمية.

وقد أظهرت الحرب خطورة اعتماد الحكومة على مصادر طاقة غير مستدامة، لا سيما في ملف الغاز، إذ عانت مصر من توقّف واردات الغاز من إسرائيل، وهو ما دفع الحكومة إلى اتخاذ إجراءات صعبة، من بينها وقف الضخ إلى الصناعات كثيفة الاستهلاك، مثل صناعة الأسمدة.

وحتى بعد استئناف الضخ، عقب توقف دام نحو خمسة أيام، لم تتجاوز الكميات المُورّدة 80 مليون قدم مكعب يوميًا، مع وعود برفعها إلى 650 مليون قدم مكعب يوميًا، مقارنةً بنحو مليار قدم مكعب يوميًا كانت القاهرة تحصل عليها قبل اندلاع الحرب بين إسرائيل وإيران.

ماذا لو استمرت الحرب لأشهر؟

لو استمرت الحرب “الإسرائيلية ـ الإيرانية” لعدة أشهر فقط، لكانت قد شكّلت ضغطًا كبيرًا على الموازنة العامة للدولة خلال العام المالي 2025/2026، خصوصًا فيما يتعلق بالمستهدفات الخاصة بأسعار النفط والدولار والتضخم. فكل زيادة بمقدار دولار واحد في السعر العالمي لبرميل النفط مقارنةً بالتقديرات المدرجة في الموازنة، تُضيف عبئًا ماليًا يتراوح بين 4 و4.5 مليار جنيه سنويًا.

في مستهدفاتها لأسعار النفط، افترضت وزارة المالية أن يسجّل متوسط سعر البرميل نحو 75 دولارًا، مقابل 82 دولارًا في الموازنة الحالية. إلا أنه إذا ارتفع السعر إلى مستوى 100 دولار، فقد يتجاوز العبء الإضافي على الموازنة نحو 100 مليار جنيه، وهو ما يفوق قيمة دعم الوقود المُقدّرة بـ75 مليار جنيه في مشروع الموازنة الراهنة.

ويتوقّع بنك “جولدمان ساكس” أن يبلغ سعر خام برنت 90 دولارًا للبرميل بسبب تداعيات الحرب، بينما يرجّح بنك “باركليز” البريطاني أن يؤدي اتّساع نطاق النزاع إلى تجاوز سعر النفط حاجز 100 دولار للبرميل.

وقد أكّد محمد الحمصاني، المتحدث باسم مجلس الوزراء، أن الدولة تمتلك بنية تحتية قوية لاستيراد الغاز المسال، مشددًا على أن احتياجات الصيف ستكون مؤمّنة، لكنه أشار في مداخلة تليفزيونية إلى أن “الدولة تأمل ألّا تشهد الأوضاع الإقليمية مزيدًا من التدهور، بما قد يفرض أعباء إضافية”.

وفي هذا السياق، أجرى رئيس مجلس الوزراء، مصطفى مدبولي، زيارة ميدانية مؤخرًا إلى منطقة العين السخنة، لمتابعة تجهيز سفينتي التغويز الثانية والثالثة، مع قرب وصول سفينة رابعة خلال الفترة المقبلة، وذلك تمهيدًا لربطها بالشبكة القومية، بهدف تجنّب تخفيف الأحمال الكهربائية واستئناف ضخ الغاز إلى المصانع بشكل كامل.

الضغط على موارد مصر الدولارية

تسلّط الحرب “الإسرائيلية ـ الإيرانية” الضوء على أهمية تعزيز قدرات مصر الإنتاجية وزيادة مصادرها من العملة الصعبة، سواء عبر موارد داخلية كالتصنيع والتصدير، أو من خلال دعم استثمارات خارجية مستقرة، وذلك لتفادي أزمات متكررة في سوق الصرف.

وقد شكّل تراجع إيرادات قناة السويس أحد أبرز مظاهر هذا الضغط، إذ انخفضت بنسبة 60% خلال عام 2024، نتيجة هجمات جماعة الحوثي اليمنية على سفن الشحن في البحر الأحمر، في إطار مساعيها للضغط على إسرائيل لوقف الحرب في غزة.

هذا التراجع انعكس على الحصيلة الضريبية المتوقعة من القناة، حيث خفّضت وزارة المالية تقديراتها إلى 121.7 مليار جنيه، مقارنة بـ157.2 مليارًا في العام المالي الحالي، مع اتجاه العديد من الخطوط الملاحية إلى طريق رأس الرجاء الصالح كبديل أكثر أمنًا.

كما بدأت عائدات السياحة، ثاني مصادر العملة الصعبة، في التراجع، حيث سجلت شركات عاملة في القطاع معدلات إلغاء حجوزات تجاوزت 10% منذ الجمعة الماضية، إلى جانب شبه توقف في الحجوزات الجديدة، ما يهدد خطط الحكومة الهادفة إلى رفع إيرادات القطاع خلال المواسم المقبلة.

هدايا تذكارية أثناء زيارة السياح لأهرامات الجيزة في القاهرة في 19 أكتوبر 2011. (رويترز)
هدايا تذكارية أثناء زيارة السياح لأهرامات الجيزة في القاهرة في 19 أكتوبر 2011. (رويترز)

وفي السياق ذاته، أعلنت وزارة السياحة والآثار تأجيل افتتاح المتحف المصري الكبير، الذي كانت الحكومة تراهن عليه لجذب أكثر من 5 ملايين سائح مهتم بالآثار. وأكدت الوزارة أنه لم يتم تحديد موعد رسمي للافتتاح بعد، نافية صحة ما تردد بشأن تحديد يوم 4 نوفمبر موعدًا لذلك.

ومن جهة أخرى، يبرز التصدير كأحد الموارد الأساسية التي تراهن عليها الدولة في تعزيز احتياطاتها من النقد الأجنبي. وقد خصصت الحكومة دعمًا بقيمة 44.5 مليار جنيه لدعم الصادرات في العام المالي الحالي، إلا أن هذا المورد يظل مرهونًا باستقرار إمدادات الطاقة، خصوصًا في ظل ما شهدته بعض الصناعات التصديرية ـ مثل الأسمدة ـ من انخفاض في كميات الغاز المورّدة إليها خلال الأزمة الأخيرة.

أدوات الدين المصرية لا تزال جاذبة

مع بداية الحرب “الإسرائيلية ـ الإيرانية”، تصاعدت المخاوف من إمكانية خروج الأموال الساخنة المستثمرة في أدوات الدين الحكومية، وهو ما بدأ يتحقق بالفعل، إذ تلقت البنوك المصرية طلبات من بعض المستثمرين الأجانب للخروج الجزئي، وقامت بتوفير التمويل اللازم، مما أدى إلى زيادة الضغط على الدولار، الذي اقترب سعر صرفه من مستوى 51 جنيهًا.

هذا السيناريو أعاد إلى الأذهان أزمة العام 2022 خلال الحرب الروسية الأوكرانية، التي شهدت خروج ما يقارب 20 مليار دولار من السوق المصرية.

رئيس مجلس الوزراء، الدكتور مصطفى مدبولي، علق على هذه التطورات مؤكدًا أن “دخول وخروج الأموال الساخنة أمر طبيعي، ومصر لم تعد تعتمد عليها ضمن مكونات الاحتياطي الأجنبي منذ عام 2022″، في محاولة لطمأنة الأسواق.

وقد شهد الدولار قفزة حادة عقب الضربة الأميركية التي استهدفت منشآت نووية إيرانية، ليرتفع سعره إلى ما يقارب 51 جنيهًا، قبل أن يتراجع نسبيًا إلى مستوى 50.75 جنيه للشراء و50.85 جنيه للبيع.

الدولارات (وكالات)
دولارات (وكالات)

وفي السياق ذاته، تزايدت المخاوف في قطاع العقارات من موجة ارتفاع جديدة في التكاليف وأسعار مواد البناء، في ظل التعاقدات طويلة الأجل الممتدة لأكثر من 15 عامًا، والتي باتت شائعة في السوق المحلية، مما يزيد من أعباء الشركات العاملة في هذا القطاع الحيوي.

غير أن الأزمات غالبًا ما تدفع الأفراد للبحث عن ملاذات آمنة لحماية مدخراتهم، وهو ما ينعكس بوضوح في ارتفاع الطلب على العقارات خلال فترات التوتر الإقليمي.

وبناءً على ذلك، ترى دوائر اقتصادية أن بإمكان الحكومة المصرية تعزيز فرصها في تصدير العقار المصري إلى الخارج، مستفيدة من المخاوف الأمنية التي بدأت تتصاعد في بعض دول الخليج، خاصةً في ظل استضافتها لقواعد عسكرية أميركية قد تكون أهدافًا محتملة لهجمات انتقامية ردًا على سياسات واشنطن في المنطقة.

ما المخاطر التي تواجه الاقتصاد المصري؟

تشير الأزمة الناجمة عن الحرب “الإسرائيلية ـ الإيرانية” إلى ضرورة إعادة ترتيب أولويات الحكومة المصرية، خاصة فيما يتعلق بإدارة المخاطر الاقتصادية. فمع تصاعد التوتر الإقليمي، برزت تحديات رئيسية مثل تقلب سعر صرف الجنيه، وصعوبة الوفاء بالتزامات الديون الخارجية، إضافة إلى تفاقم أزمة الطاقة، وعجز الإمدادات المحلية عن تلبية الطلب المتزايد على الغاز الطبيعي.

وتُعد هذه المخاطر فرصة حقيقية لإعادة النظر في هيكل الاقتصاد المصري، من خلال تنويع مصادر الدخل وترشيد الاستثمارات القائمة، بما يسمح بتنفيذ إصلاحات جذرية تسهم في تعزيز المرونة الاقتصادية.

كما تفتح الأزمة الباب أمام التوسع في مصادر الطاقة البديلة، والبحث عن شركاء دوليين جدد لتأمين الاحتياجات المحلية، بعيدًا عن الاعتماد المفرط على الموردين التقليديين.

منصة نفط بحرية (وكالات)
منصة نفط بحرية (وكالات)

وتوصي الخبرات الاقتصادية بضرورة بناء قدرات الدولة على محاكاة سيناريوهات الأزمات، مثل ارتفاع أسعار الطاقة أو تراجع قيمة العملة، من أجل اختبار الاستجابة الحكومية للصدمات المستقبلية.

ويشمل ذلك تنويع طرق التجارة، وتوسيع قاعدة العملات الأجنبية المتاحة، إلى جانب إجراءات طارئة لضبط الأسعار، وتفعيل تدخلات مباشرة لتجنّب أي تعثّر اقتصادي محتمل، كما لو أن الحرب لا تزال مستمرة.

ومنذ الأزمة المالية العالمية عام 2008/ 2009، دعت تقارير اقتصادية محلية إلى تقليل الاعتماد على التدفقات الرأسمالية الأجنبية والاقتراض الخارجي، والتركيز على تحفيز المدخرات المحلية.
وقد طُرحت توصيات مهمة، مثل ربط الجنيه المصري بسلة من العملات بدلاً من الاعتماد الحصري على الدولار، وهي خطوة أعلن البنك المركزي عن تبنيها، دون أن تدخل حيّز التنفيذ حتى الآن.

ويبرز كذلك ضرورة إعادة النظر في هيكل الإنتاج الصناعي القابل للتصدير، نظرًا لاعتماد العديد من الصناعات المصرية على مستلزمات إنتاج مستوردة بنسبة كبيرة. وتشير التقديرات إلى أن 17.8% من مدخلات صناعة الغزل والنسيج، و24.1% من صناعة الملابس الجاهزة، و38.7% من الصناعات الجلدية، تعتمد على خامات أجنبية.

ومع ارتفاع سعر الدولار، تتضاعف تكلفة الإنتاج، ما يؤثر على قدرة المنتجات المصرية على المنافسة في الأسواق. وهو ما يستدعي بناء قاعدة إنتاجية محلية أكثر صلابة، تُعفي البلاد من التأثر المباشر بالتقلبات الإقليمية والدولية.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة