محمد الباقر: العالم سيشهد حركة لجوء كبرى.. وقانون اللاجئين بمصر يحتاج إلى تصحيح (حوار)

في حوار خاص من حوارات " كيف تدير القاهرة ملفاتها الإقليمية؟، يتحدث المحامي والحقوقي المتخصص في شئون اللاجئين، محمد الباقر، بمناسبة اليوم العالمي للاجئين، حول ما تموج به الساحة الدولية من اضطرابات متلاحقة، خاصة في الشرق الأوسط، والتي يتوقع أن تؤدي إلى حركة لجوء كبرى، مشيرًا إلى أن ذلك له تأثيرات على مصر التي باتت مقصدًا للاجئين بحرص غربي متصاعد.

ويقدم الباقر تقييمًا مفصلًا لقانون اللجوء الجديد في مصر، مسلطًا الضوء على جوانب القوة والضعف فيه، والتحديات التي تواجه تطبيقه، ومقترحاته لمعالجة أوجه القصور.

كما يتطرق إلى أبعاد جديدة في مغزى صدور قانون اللجوء الجديد وتوابع إصداره بشكل كان مثار انتقاد من الحقوقيين المستقلين والمنظمات الحقوقية غير الحكومية، وبخاصة ما يتصل بتأخر إصداره لائحته التنفيذية وما يترتب على ذلك، فيما يؤكد أن هناك فرصة برلمانية لتصحيح ما جرى بتعديلات جديدة في القانون.

المحامي والحقوقي محمد الباقر مع الزميلين حسن القباني وداليا موسى في حوار خاص من حوارات فكر تاني بمناسبة اليوم العالمي للاجئين - تصوير محمد ليل
المحامي والحقوقي محمد الباقر مع الزميلين حسن القباني وداليا موسى في حوار خاص من حوارات فكر تاني بمناسبة اليوم العالمي للاجئين - تصوير محمد ليل

إلى نص الحوار

سنوات اللجوء والهجرة

في البداية.. كيف تقرأ مشهد اللاجئين في عالم يموج باضطرابات عدة؟

نحن على أعتاب مرحلة جديدة من موجات اللجوء والهجرة الكبرى حول العالم.

محمد الباقر - تصوير محمد ليل
محمد الباقر - تصوير محمد ليل

المؤشرات واضحة على أننا مقبلون على زمن بالغ التعقيد، في ظل تحديات تواجهها الدول والمجتمعات الدولية في التعاطي مع هذا الواقع، خاصة مع غياب استجابات فعّالة تحترم حقوق الإنسان، أو على الأقل تسعى لذلك.

اليوم، تتعدد بؤر الاضطراب في مناطق شتى: من الفوضى السياسية في ليبيا، إلى الحرب في اليمن، وجرائم الإبادة في غزة، والاعتداءات المستمرة على الأراضي الفلسطينية، وصولًا إلى النزاع المسلح في السودان، فضلًا عن توترات في مناطق أخرى مثل كشمير بين الهند وباكستان، والأزمة المستمرة في بورما (ميانمار).

جزء كبير من تفاقم هذا المشهد يعود إلى صعود التيارات اليمينية عالميًا، وما يصاحب ذلك من سياسات متشددة تجاه اللاجئين والمهاجرين، وكذلك تجاه دول الجنوب بشكل عام.

هذه السياسات، بلا شك، ستُفضي إلى اتساع رقعة الهجرة، سواء بشكل شرعي بحثًا عن حياة أفضل، أو عبر طرق غير نظامية بدافع النجاة. كما ستزيد من أعداد طلبات اللجوء الإنساني، في محاولة لحماية الأفراد وعائلاتهم من الأخطار، وضمان الحد الأدنى من الأمان لما تبقى من ممتلكاتهم.

إذا تحسن الوضع إقليميًا ودوليًا، فذلك سيسهم في أن يكون عملنا الداعم لمجتمعات اللاجئين أكثر تأثيرًا وإيجابية. هذا ما أتمناه.

غياب سيادة القانون الدولي

هل تتآكل ضمانات حماية اللاجئين في ظل غياب فاعلية القانون الدولي؟

الواقع يشير بوضوح إلى أن حماية اللاجئين تواجه تهديدًا متصاعدًا. فمع صعود دونالد ترمب مجددًا في الولايات المتحدة، وتنامي اليمين المتطرف في عدد من الدول الأوروبية، وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، أصبحت أوضاع اللاجئين حول العالم أكثر هشاشة وخطورة.

المحامي والحقوقي محمد الباقر أكد في حواره مع فكر تاني أهمية تصحيح قانون اللجوء الجديد عبر اعادة النظر فيه بمجلس النواب - تصوير محمد ليل
المحامي والحقوقي محمد الباقر أكد في حواره مع فكر تاني أهمية تصحيح قانون اللجوء الجديد عبر اعادة النظر فيه بمجلس النواب - تصوير محمد ليل

حتى المهاجرون لأسباب اقتصادية أو الفارون من مناطق النزاعات باتوا يواجهون أخطارًا جسيمة، سواء خلال رحلات الهروب برًا أو بحرًا، أو بعد وصولهم إلى وجهاتهم.

الخطاب السياسي في أوروبا يشهد تصعيدًا ملحوظًا ضد اللاجئين، بدءًا من الدعوات إلى إعادتهم قسرًا، مرورًا بمحاولات تغيير قوانين اللجوء، وانتهاءً باتفاقيات مع دول أفريقية لإعادة توطينهم خارج القارة، وكلها مؤشرات على تقويض منظومة الحماية الدولية.

كذلك، فإن التعامل مع اللاجئين في البحر، وحرمانهم من الوصول إلى بر الأمان، يعكس نهجًا يبتعد عن المبادئ الإنسانية، ويتجه نحو سياسات ردع قاسية وغير نزيهة.

الأمر لا يتوقف عند مرحلة الوصول، فحتى داخل بعض الدول الغربية، يتعرض اللاجئون والمهاجرون لترحيل تعسفي، كما حدث في عهد ترمب، حيث اتُخذت إجراءات صارمة طالت ليس فقط اللاجئين، بل أيضًا المقيمين الشرعيين، بمن فيهم طلاب وعاملون وأسر مستقرة.

الولايات المتحدة، كما تبدو اليوم، تحوّلت بالنسبة للكثيرين إلى بيئة غير آمنة، حتى لأولئك الذين لجأوا إليها سعيًا وراء الحرية أو الأمان، وهو ما يذكّر بفترة "المكارثية" في خمسينيات القرن الماضي، حيث كانت الاتهامات بالتآمر والخيانة تُستخدم سلاحًا لتكميم الأفواه.

في هذا السياق، اضطر العديد من النشطاء العرب وغيرهم إلى مغادرة الولايات المتحدة، خوفًا على سلامتهم الشخصية واستقرارهم العائلي.

أدعو إلى تصحيح قانون اللجوء، عبر سحبه وإعادته إلى مجلس النواب لإعادة النظر فيه بشكل كامل، مع فتح حوار مجتمعي حقيقي يشارك فيه المحامون والحقوقيون والمنظمات المحلية والدولية المعنية.

منافذ اللجوء الآمنة

ما هي المنافذ الآمنة المحتملة للاجئين في السنوات القادمة؟

رغم أن كندا لا تزال تُعد من الدول المناسبة نسبيًا للجوء، إلا أن الوصول إليها أصبح أكثر تعقيدًا من السابق. أما الولايات المتحدة، فهي في الوقت الراهن غير مستقرة سياسيًا وأمنيًا، ولم تعد تمثل خيارًا آمنًا كما كانت في السابق، خاصةً في ظل تصاعد الخطاب المعادي للمهاجرين، وتزايد السياسات التعسفية تجاه اللاجئين والمقيمين.

محمد الباقر - تصوير محمد ليل
محمد الباقر - تصوير محمد ليل

بعض الدول الأوروبية لا تزال تحتفظ بإمكانية تقديم الحماية، رغم صعود التيارات اليمينية فيها.
لكن المعضلة لا تكمن فقط في توفر الحماية القانونية، بل في القدرة على الوصول أصلًا إلى تلك الدول. فالمعابر الجوية والحدودية تشهد تضييقات متزايدة، وإجراءات غير قانونية تمارسها بعض شركات الطيران، أو حتى موظفو المطارات، بحق المسافرين في رحلات "ترانزيت" إلى أوروبا.

شهدنا حالات منع من السفر حصلت لمسافرين من دول أفريقية وأمريكية لاتينية، تم إيقافهم إن كانت رحلاتهم "ترانزيت" إلي دول مثل هولندا أو ألمانيا أو إيطاليا، لأسباب غير مبررة، يُشتبه أن خلفها دوافع عنصرية أو تمييزية.

الواقع يُحتّم اليوم إعادة النظر في مفهوم "المنفذ الآمن". فلم يعد كافيًا الحديث عن الدول التي تستقبل اللاجئين، بل يجب النظر إلى منظومة الوصول برمتها، وما يواجهه اللاجئون من عراقيل تبدأ في المطارات ولا تنتهي عند أبواب إدارات الهجرة.

حتى بعد الوصول إلى تلك الدول، كثير من اللاجئين يصطدمون بممارسات تعسفية، نابعة من التوجهات السياسية للأحزاب الحاكمة. ففي بلدان مثل ألمانيا، إنجلترا، وإيطاليا، هناك دلائل على أن بعض موظفي الهجرة يمارسون التحيز والرفض التعسفي، إما بتوجيهات غير معلنة أو انسجامًا مع عقيدتهم السياسية.

بصورة عامة، الغرب الذي طالما كان وجهة للاجئين، لم يعد الوصول إليه ميسورًا، كما أن الاستقرار فيه بات مشروطًا بعوامل سياسية واقتصادية متغيرة، تجعل من مستقبل اللجوء أكثر هشاشة من أي وقت مضى.

البوابة المصرية

هل أصبحت مصر بوابة آمنة لاحتواء اللاجئين الأفارقة ومنع عبورهم إلى أوروبا؟

في الواقع، ما يُرصد داخل بعض معسكرات اللجوء في دول أوروبية، مثل إنجلترا وبعض دول الاتحاد الأوروبي، يشير إلى أوضاع معيشية متدهورة، تصل أحيانًا إلى حد غياب الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية، إلى جانب تزايد التمييز والتضييقات من إدارات الهجرة، وخاصة في ظل تغيرات سياسية محلية تتجه نحو التشدد في التعامل مع قضايا اللاجئين.

في هذا السياق، جاء القرار الأوروبي الأخير بتصنيف مصر كـ"دولة آمنة"، وهو قرار يحمل أبعادًا تتجاوز الشأن المصري الداخلي. ورغم أن البعض قرأه كتهديد محتمل لملف النشطاء المصريين اللاجئين في الخارج، إلا أن التقدير الواقعي لهذا التصنيف لا يتعلق، في جوهره، بالمصريين الذين طلبوا اللجوء لأسباب سياسية أو شخصية.

الحقوقي والمحامي محمد الباقر أكد أن تصنيف الاتحاد الأوروبي لمصر بأنها دولة آمنة يقف وراءه تحقيق مصالح الأتحاد في ملف اللاجئين- تصوير محمد ليل
الحقوقي والمحامي محمد الباقر أكد أن تصنيف الاتحاد الأوروبي لمصر بأنها دولة آمنة يقف وراءه تحقيق مصالح الأتحاد في ملف اللاجئين- تصوير محمد ليل

القرار يعكس بالأساس مصلحة أوروبية مباشرة، تتمثل في تقليص تدفقات اللاجئين الأفارقة القادمين عبر مصر، والاعتماد عليها كمنطقة استقرار بديلة، يمكن أن يُعاد توطين هؤلاء اللاجئين فيها. بمعنى آخر، يُراد من مصر أن تكون "دولة عبور واستقرار"، بدلًا من أن تكون نقطة انطلاق نحو السواحل الأوروبية.

ولكن، هل ستنجح مصر في لعب هذا الدور؟ الإجابة ما زالت مرهونة بالتطبيق العملي. صحيح أن هناك مؤشرات على قبول مصر بهذا الدور من خلال الاتفاقات والدعم الأوروبي المرتبط به، لكن ما إذا كانت ستتحول فعليًا إلى دولة لجوء طويلة الأمد، فهذا أمر لم يتضح بعد، وسيُختبر مع مرور الوقت ومع تطورات المشهد الإقليمي والدولي.

مصر كمعسكر لجوء

هل تتحول مصر إلى معسكر كبير لإعادة توطين اللاجئين بديلًا عن أوروبا؟

هناك مؤشرات متزايدة توحي بإمكانية تحول مصر إلى نقطة مركزية في استراتيجية الاتحاد الأوروبي لاحتواء اللاجئين، سواء من حيث وقف تدفقهم نحو أوروبا، أو استقبال بعضهم مجددًا من داخلها، في إطار اتفاقيات شبيهة بنموذج "إنجلترا – رواندا". لكن تبقى التفاصيل التنفيذية محاطة بكثير من التعقيد.

السؤال الجوهري هو: هل تسمح البنية الأمنية والإدارية المصرية، بطبيعتها الحالية، بوجود مخيمات ضخمة على غرار "الزعتري" في الأردن أو النماذج الكينية؟ من غير المرجح ذلك. الهيكل الأمني المصري، والنهج السائد في التعامل مع قضايا الهجرة، لا يُظهران قابلية واضحة لاحتضان مثل هذه النماذج المفتوحة، سواء لأسباب تتعلق بالأمن، أو بالتركيبة الاجتماعية والسياسية الداخلية.

محمد الباقر لديه مشروع واضح لتصحيح قانون اللجوء ويحذر من التهاون في مسار تعديله - تصوير محمد ليل
محمد الباقر لديه مشروع واضح لتصحيح قانون اللجوء ويحذر من التهاون في مسار تعديله - تصوير محمد ليل

المكاسب المالية قد تشكل حافزًا للحكومة المصرية للقبول ببعض جوانب الخطة الأوروبية، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية التي تمر بها البلاد.

لكن توطين أعداد كبيرة من اللاجئين الأفارقة أو العرب داخل مصر، بدلًا من إعادة توطينهم في أوروبا، يبقى خيارًا محفوفًا بالشكوك، لا سيما مع ارتفاع عدد المسجلين لدى مفوضية اللاجئين في مصر، والذي تجاوز 900 ألف شخص، أغلبهم ما زال يأمل في التوجه إلى دول مثل أمريكا وكندا ودول الاتحاد الأوروبي.

إمكانية توقيع اتفاقات مشابهة لتجربة إنجلترا مع رواندا ليست مستبعدة من حيث الشكل، لكن فعالية هذه الاتفاقات على المدى البعيد واستمراريتها في الحالة المصرية تبقى محل تساؤل.
فالمعادلة الداخلية في مصر، بين التحديات الاقتصادية، والاعتبارات الأمنية، والضغط الدولي، تتطلب موازنة دقيقة يصعب تحقيقها دون تكلفة سياسية واجتماعية.

أعداد اللاجئين بمصر

بما أننا تطرقنا لفكرة الأعداد، هل مصر حقيقي فيها – حسب تصريحات المسؤولين – 9 ملايين لاجئ؟

لا، هذا الرقم غير دقيق إذا تحدثنا بلغة المفاهيم القانونية والمرجعيات الأممية. وفقًا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يبلغ عدد اللاجئين وطالبي اللجوء المسجلين رسميًا في مصر 985,179 شخصًا، أي ما يقارب المليون، من جنسيات متعددة أبرزها السودان، جنوب السودان، سوريا، إريتريا، إثيوبيا، واليمن.

انفوجراف عن تصنيف 9 مليون أجنبي مقيم في مصر - انفرجراف من المصدر
انفوجراف عن تصنيف 9 مليون أجنبي مقيم في مصر - انفرجراف من المصدر

أما الرقم المتداول رسميًا عن وجود 9 ملايين أجنبي على الأراضي المصرية، فهو لا يعني أنهم لاجئون بمفهوم الحماية الدولية. إذ تشير البيانات الرسمية إلى أن 10% فقط من هؤلاء مسجلون كلاجئين لدى المفوضية، بينما تتوزع النسبة الباقية كالآتي:

36% يقيمون بغرض العمل.

26% لأغراض التعليم.

16% للعلاج أو الزواج.

12% لأسباب متنوعة أخرى.

كما تُظهر الإحصاءات أن متوسط مدة الإقامة لهؤلاء الأجانب في مصر تتجاوز 11 عامًا ونصف، ما يعكس استقرارًا نسبيًا لدى شريحة كبيرة منهم، لكنه لا يعني بالضرورة أنهم ضمن فئة اللاجئين المحميين بموجب القانون الدولي.

بالتالي، من الضروري التمييز بين "اللاجئين" كمصطلح قانوني، وبين "الأجانب المقيمين" لأسباب متعددة، وهو ما يغيب أحيانًا في الخطاب العام والرسمي عند تناول ملف الهجرة واللجوء في مصر.

 أبعاد الأرقام الرسمية للاجئين

ماذا تستفيد مصر من إعلانها رقم 9 ملايين كلاجئين؟ وهل يمكن أن يضحك أحد على "الخواجة"؟

إعلان مصر أنها تستضيف 9 ملايين "لاجئ" لا يعكس بدقة الواقع القانوني المرتبط بتعريف اللجوء، لكنه يُفهم في سياقه السياسي التفاوضي.

الأرجح أن هذا الرقم يُستخدم كأداة ضغط وتضخيم في الخطاب الرسمي، بهدف تعزيز موقف مصر في المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي والدول الغربية عمومًا، خاصة في ما يخص الحصول على دعم مالي أو سياسي في ملف الهجرة واللجوء.

الرسالة التي ترغب القاهرة في إيصالها من خلال هذا الرقم هي أن البلاد تتحمل أعباء سكانية واقتصادية إضافية كبيرة، في ظل أزمات متعددة منها آثار جائحة كورونا، الحرب في أوكرانيا، أزمة تعويم العملة، والتوترات الإقليمية مثل ما يجري في غزة، وأن استمرار هذا الضغط السكاني قد يُفضي إلى فتح بوابات الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا.

 

لكن في حقيقة الأمر، 90% من هؤلاء "التسعة ملايين" ليسوا لاجئين بالمعنى القانوني المعتمد من الأمم المتحدة، بل هم مقيمون لأسباب متعددة: العمل، التعليم، العلاج، أو لأغراض اجتماعية مثل الزواج. وقد جاء معظمهم إلى مصر بمحض إرادتهم، ويساهمون في الاقتصاد المحلي، سواء من خلال دفع الرسوم الدراسية والصحية بالعملة الصعبة، أو عبر العمل في السوق المصري ودفع الضرائب.

كما أن غالبيتهم لا يتلقون مساعدات أو إعانات حكومية، بل يديرون حياتهم من خلال مواردهم الخاصة، ويدفعون رسوم الإقامة السنوية، وينخرطون في الدورة الشرائية، بل ويمارس بعضهم نشاطًا تجاريًا داخل البلاد. وتشير الإحصاءات إلى أن 94% منهم مضى على إقامتهم في مصر أقل من 15 عامًا، ما يعكس أن المقيمين هم في وضع أقرب إلى الاستقرار منه إلى وضع اللجوء الطارئ.

الخلاصة أن الرقم "9 ملايين" يُستخدم سياسيًا لتضخيم عبء الدولة واستقطاب الدعم الخارجي، وليس تعبيرًا دقيقًا عن عدد اللاجئين الذين تنطبق عليهم المعايير الدولية.

نحن بصدد تدشين وحدة لمساعدة قانونية للاجئين، من أجل تقديم الدعم القانوني والحماية القانونية لطالبي اللجوء واللاجئين

شماعة حكومية

هل تسبب السودانيون الوافدون إلى مصر مؤخرًا في أزمات معيشية كما يُشاع؟

بصراحة ووضوح، ما يحدث هو أننا كمجتمع وحكومة، وجدنا "شماعة" نُعلّق عليها أزماتنا المعيشية والاقتصادية. فالسودانيون لم يأتوا فجأة أو بكثافة غير مسبوقة تسببت في انهيار المنظومة، بل الحقيقة أن وجودهم في مصر يعود لسنوات طويلة.

قبل الأزمة السودانية الأخيرة، كان هناك قرابة 4 ملايين سوداني يعيشون في مصر بشكل طبيعي، يعملون، يدرسون، ويملكون شققًا، ويؤسسون مشروعات.

أما بعد اندلاع الحرب، فإن عدد الوافدين الجدد والمسجلين رسميًا لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين لا يتجاوز 600 ألف شخص.

فهل يُعقل أن هؤلاء هم من تسببوا في الزحام والتضخم وارتفاع الإيجارات، بينما الأربعة ملايين الذين عاشوا لعقود لم يُشار إليهم في السابق؟

الحقيقة أن التوقيت لعب الدور الأكبر في تأجيج هذا الخطاب. الوافدون الجدد وصلوا في لحظة حساسة تعاني فيها مصر من أزمات اقتصادية متراكمة: تعويم الجنيه، تداعيات كورونا، آثار الحرب في غزة، وتراجع القوة الشرائية للمواطنين. هذا المشهد أنتج حالة من الضيق المجتمعي، استغلها البعض لتحميل القادمين الجدد مسؤولية أزمة أعمق بكثير من وجود وافدين.

وللإنصاف، لا بد من التنبيه إلى أن أغلب السودانيين الذين وفدوا إلى مصر في هذه المرحلة هم من الطبقة الوسطى والعليا، ممن استطاعوا الخروج في ظروف الحرب. بينما الفئات الأشد فقرًا لجأت إلى دول الجوار مثل تشاد وإثيوبيا والصومال.

بالتالي، ما يحدث ليس أزمة سببها الوافدون، بل هو خلل في إدارة الملف داخليًا، وغياب لرؤية عادلة وتنظيمية. والدليل على ذلك أنه عندما جاء السوريون إلى مصر في وقت سابق، لم نر هذا التذمر، لأنهم وفدوا على مراحل، وفي وقت كانت فيه السوق المصرية أكثر استقرارًا وقدرة على الاستيعاب.

تصنيف مصر كدولة آمنة هو مصلحة للاتحاد الأوروبي لعدم قبول لاجئين أفارقة قادمين من مصر إلى أوروبا، لأن مصر دولة آمنة، وبلد لجوء، ويمكن أن يستقروا ويستوطنوا فيها.

ما العدد المتوقع للاجئين في مصر إذا صدرت اللائحة التنفيذية لقانون اللجوء؟

لديك مليون طالب لجوء مسجل في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، ولديك فوق ذلك 4 ملايين على الأقل من جنوب السودان والسودان والصومال وليبيا واليمن ضمن قائمة التسعة ملايين المعلنة يمكن أن يكونوا لاجئين محتملين بعد إصدار اللائحة.

هؤلاء الناس ممكن أن يكونوا لاجئين محتملين، فيتحولوا من أناس كانوا يدفعون ثمن إقاماتهم ومصاريفهم إلى أشخاص يندرج عليهم حقوقهم كلاجئين.

ولكن بشكل واضح. هل لدينا جانب تشريعي وتنفيذي وهيكلي يستطيع استيعاب المليون، وليس الأربعة ملايين؟ هذا سؤال في منتهى الأهمية.

هل يشمل قانون اللجوء الفلسطينيين؟ وهل يشكّل بوابة لتجنيسهم كما يُروّج؟

من الناحية القانونية، الفلسطينيون غير مشمولين بقانون اللجوء المصري الجديد، ولا باتفاقية اللاجئين لعام 1951.

فالاتفاقية، وتحديدًا في المادة D1، تستثني صراحةً أي شخص يتلقى المساعدة أو الحماية من وكالة متخصصة تابعة للأمم المتحدة، مثل وكالة "الأونروا"، التي تتولى دعم وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في مناطق مختلفة، ولأن مصر تلتزم بهذه الاتفاقية فالفلسطينيون لن تنطبق عليهم أحكام قانون اللجوء المصري.

إضافة إلى ذلك، هناك اتفاقية عربية صادرة عن جامعة الدول العربية، تنظّم وضع الفلسطينيين في الدول العربية، ومصر من الدول الموقعة عليها، بما يضمن التعامل معهم بوضع خاص، لا يُخل بالهوية الوطنية الفلسطينية ولا يُقحمهم في مسارات التوطين أو التجنيس.

وبالتالي، الزعم بأن قانون اللجوء المصري يمهّد لتجنيس الفلسطينيين أو توطينهم كمصريين يفتقر إلى الدقة، ويتجاهل السياقات القانونية والسياسية الإقليمية والدولية. بل إن ما يُروّج في هذا السياق يُعد قراءة سطحية وربما مُسيّسة.

عالقون في معبر رفح
عالقون في معبر رفح

أما عن خلفيات القانون، فهي تتعلق بملف اللجوء الدولي الأوسع، وخاصة ملف اللاجئين الأفارقة، الذين يمثلون التحدي الأساسي في العلاقة مع الاتحاد الأوروبي والدول الغربية، التي تضغط من أجل أن تتحول مصر إلى منطقة احتواء ومنع للهجرة غير النظامية نحو أوروبا.

وفي المقابل، فإن الدول الغربية، وعلى رأسها بعض الحكومات الأوروبية، لا تنظر إلى الفلسطينيين كأولوية في ملف الهجرة واللجوء، ولكن نظرًا للظرف الحالي فقط، فهذه الدول قد تكون مستعدة الآن لتسهيل هجرتهم بهدف تفريغ قضيتهم من بعدها السياسي والحقوقي.

الخلاصة: الفلسطينيون مستثنون قانونيًا من قانون اللجوء المصري والدولي، ولا وجود لأرضية قانونية أو سياسية تدعم فكرة تجنيسهم أو دمجهم كمواطنين مصريين في إطار هذا القانون.

تحديات الفلسطينيين

وفق بعض التقارير، الفلسطينيون المقيمون في مصر لديهم تحديات في العمل والاستقرار.. كيف يمكن حلها؟

التعامل مع الفلسطيني في مصر أمر أمني وحساس. الكل ينتظر فيه الإشارات الأمنية قبل التعامل مع ملفاتهم، سواء من يريد تسجيل شركة أو كل إجراءاتهم العامة، وهذا يحدث كذلك مع السوداني والسوري.

الأمور في النهاية تخضع لمراجعة أمنية التي تستغرق وقتًا طويلًا، وقد تكون سلبية.

التحدي الكبير هو كيفية ضبط الفلسفة الأمنية في التعامل مع ملف الجنسيات داخل مصر، بمعايير حقوقية واضحة.

ما تعليقك على أنباء "الترحيل القسري" لبعض المقيمين أو طالبي اللجوء أو اللاجئين بمصر؟

قبل الخوض في هذا الملف، من الضروري أولًا توضيح بعض المفاهيم. فحين يتم ترحيل صحفية مثلًا بسبب أنشطتها، رغم حيازتها لإقامة قانونية، فهذا لا يُعد ترحيلًا للاجئين، بل يُصنّف كـ"ترحيل أمني تعسفي" لشخص أجنبي مقيم، ترى الجهات المعنية أنه يمثل إشكالية ما.

أما الترحيل القسري، بمفهومه الدقيق، فينطبق على الأشخاص المسجلين لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وكذلك على من لم يُسجّلوا بعد، لأسباب تتعلق بالوضع المادي أو المعرفي أو نتيجة ظروف خاصة منعتهم من ذلك. وفي هذه الحالات، فإن الترحيل يُعد مخالفًا للقانون، لأنه يتم بحق أشخاص تنطبق عليهم صفة "لاجئ"، حتى لو لم تُستكمل إجراءاتهم بعد.

اللاجئ هو من غادر بلده فرارًا من خطر داهم على حياته أو سلامته، وسعى إلى الأمان في دولة أخرى. سواء بادر بالتسجيل أو لا يزال في انتظار الفرصة لذلك، يبقى محميًا بموجب القوانين الدولية. وبالتالي، ترحيله يُعد قسرًا وغير قانوني.

في المقابل، إذا كان الشخص مهاجرًا غير شرعي لا تنطبق عليه صفات اللجوء، وجاء إلى مصر لأغراض اقتصادية أو كان متورطًا في قضايا جنائية ببلده (مثل قضايا مالية أو جرائم عنف)، فهنا يُعامل وفق قوانين الهجرة غير النظامية، ويُعاد إلى بلده في سياق قانوني واضح.

إجمالًا، لدينا احتجاز غير قانوني، ولدينا ترحيل قسري لبعض اللاجئين، طبقًا للتقارير الأممية وطبقًا للتقارير الدولية.

 يجب إعادة صياغة قانون اللجوء ليكون شاملاً وتفصيليًا وإجرائيًا، بما يوافق الدستور المصري والاتفاقيات الدولية والمعايير الحقوقية، ويأخذ في الاعتبار الواقع المصري والإقليمي.

قانون اللجوء الجديد

نذهب إلى ملف قانون اللجوء الجديد بمصر.. ما أبرز ملاحظاتكم عليه؟

نحن أمام قانون يتسم بالقصور ويقيّد مساحة معالجة اللائحة التنفيذية لأي خلل أو نقص، إذ توجد موضوعات أساسية لم يتناولها أصلًا، وبالتالي يستحيل على اللائحة معالجتها لاحقًا.

من بين هذه الثغرات: غياب النصوص المتعلقة بأوضاع القاصرين غير المصحوبين، وعدم التطرّق لمراكز الاستقبال ومرافق اللجوء، أو التعليمات الخاصة بإجراءات الحدود البحرية والبرية والجوية مع طالبي اللجوء.

كما لا يوجد توضيح للفترة الانتقالية بين اختصاص المفوضية السامية لشؤون اللاجئين واللجنة الوطنية، أو الحق في التظلّم المباشر على قرارات اللجنة، ولا توجد نصوص تنظم قواعد البيانات وسجلات اللجوء، أو تضمن للاجئ حق الاطلاع على محاضر جلساته واستجوابه.

كذلك لم ينص القانون على حق العمل لطالبي اللجوء، بل اقتصر فقط على من تم الاعتراف بهم كلاجئين.

الأصل في قوانين اللجوء أن تكون تشريعات تفصيلية تنظم الإجراءات والضمانات بشكل دقيق، لا أن تقتصر على 38 مادة موجزة تتناول قواعد عامة وتُركّز على الجوانب الأمنية.

واحدة من أبرز الإشكاليات أيضًا هي تفويض السلطة التنفيذية صلاحيات واسعة لوضع القواعد والإجراءات، دون رقابة تشريعية فعلية. إذ يُحيل مشروع القانون جميع الجوانب الأساسية - كالتعريفات والحقوق والإجراءات والبنية المؤسسية - إلى لائحة تنفيذية تعدّها الحكومة منفردة، ما يفتح الباب لتطبيق القانون وفق تفسيرات متغيرة قد تستند إلى قرارات وزارية مؤقتة، ودون إطار قانوني شامل أو رقابة برلمانية ومجتمعية حقيقية.

فيما يخص تعريف اللاجئ، فإن الصياغة الحالية تُحمّل طالب اللجوء عبء إثبات جدية مخاوفه، وهو أمر يتعارض مع مبادئ الحماية الدولية، خصوصًا في الحالات التي يصعب فيها على اللاجئين تقديم أدلة مباشرة على الاضطهاد.

محمد الباقر لديه ما يقرب من 17 ملاحظة على قانون اللجوء الجديد- تصوير محمد ليل
محمد الباقر لديه ما يقرب من 17 ملاحظة على قانون اللجوء الجديد- تصوير محمد ليل
المستشار محمود وزير الشئون النيابية والتواصل السياسي أكد تحت قبة مجلس النواب أن مشروع قانون اللجوء يكفل الحقوق وفقا للمعايير الدولية - فيس بوك الوزارة
المستشار محمود وزير الشئون النيابية والتواصل السياسي أكد تحت قبة مجلس النواب أن مشروع قانون اللجوء يكفل الحقوق وفقا للمعايير الدولية - فيس بوك الوزارة

كما يضع القانون مهلة لا تتجاوز 45 يومًا لطالب اللجوء لتقديم طلبه بعد دخوله مصر، وهي فترة قصيرة لا تأخذ في الحسبان التحديات الأمنية والنفسية والمالية التي قد تعوق اللاجئين عن سرعة التقديم، مما يهدد بحرمان مستحقين فعليين من الحماية.

كذلك، لا يمنح القانون أي حماية قانونية مؤقتة لطالبي اللجوء أثناء دراسة طلباتهم، مما يتركهم عرضة لمخاطر الاحتجاز أو الترحيل القسري دون مظلة قانونية واضحة.

من النقاط الحرجة أيضًا: عدم إلزام اللجنة الدائمة لشؤون اللاجئين بتسبيب قرارات الرفض، وهو ما يقوّض الشفافية ويمنع طالبي اللجوء من ممارسة حقهم في الطعن على أسس قانونية. الأسوأ من ذلك، أن القانون لا يتيح لهم الطعن أمام اللجنة نفسها، مما يعني غياب مرحلة الاستئناف، وهو انتقاص صريح من معايير العدالة الإجرائية.

ويزداد القلق مع غياب النص على وقف تنفيذ قرار الترحيل أثناء نظر الطعن القضائي، مما قد يؤدي فعليًا إلى ترحيل الشخص قبل صدور حكم نهائي في قضيته، إضافة إلى أن القانون لا ينص بوضوح على حظر تسليم طالبي اللجوء إلى بلدانهم الأصلية حال رفض طلبهم، وهو ما يُعد تهديدًا مباشرًا لمبدأ عدم الإعادة القسرية المنصوص عليه بوضوح في القانون الدولي.

أما بشأن التدابير الاحترازية، فقد أجاز القانون وضع اللاجئ أو طالب اللجوء تحت هذه التدابير في حال تعلّق الأمر بـ"الأمن القومي أو النظام العام"، لكنه لم يحدّد ما هي تلك التدابير، أو طبيعتها، أو الجهة المختصة بتنفيذها، أو ما إذا كانت بقرار إداري أو حكم قضائي، وهو غموض مقلق.

فيما يخص حظر النشاط السياسي أو الحزبي، فذلك مبدأ يمكن تفهّمه، لكن القانون لم يوضّح إن كان هذا يشمل مجرد التعبير عن الرأي أو المشاركة في فعاليات تخص بلد اللاجئ عبر وسائل الإعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي. وإذا لم يكن هناك توضيح، فالتفسير الأقرب هو المنع التام.

كما أن مصطلح "النشاط العدائي" الوارد في القانون غامض وفضفاض، إذ قد يُفسّر مجرد انتقاد نظام الحكم في بلد اللاجئ على أنه نشاط عدائي، وهو أمر غير متوافق مع معايير حرية التعبير.

في المجمل، القانون بحاجة إلى مراجعة شاملة وتدقيق دقيق، لضمان تحقيق التوازن بين احترام التزامات مصر تجاه حماية اللاجئين، وبين الحفاظ على الأمن القومي بمنطق قانوني لا يسمح بالتأويل الفضفاض أو الغموض التشريعي.

أمريكا أصبحت دولة وقارة خطر، ليس على اللاجئين فقط، بل على الأجانب المقيمين للدراسة والمقيمين للعمل ومع الأسر. أمريكا أصبحت أشبه بالفترة المكارثية في الخمسينيات والستينيات.

مصطلحات فضفاضة

ولكن البرلمان ربط بين القانون بشكله الحالي وبين تعزيز الأمن القومي والنظام العام وقيم ومبادئ المجتمع المصري كما يراها، كيف تُعلق؟

هذه في الحقيقة واحدة من أكبر الإشكاليات في القانون، إذ اعتمد المشرّع على مصطلحات فضفاضة وغير محددة تعريفًا قانونيًا دقيقًا، مثل "الأمن القومي"، "النظام العام"، و"قيم ومبادئ المجتمع المصري"، لتكون مبررًا لرفض طلبات اللجوء. هذه العبارات، بصيغتها الحالية، تفتقر إلى الضبط القانوني والدستوري، مما يفتح الباب أمام تفسيرات تعسفية أو تقديرية قد تُستخدم لاستبعاد طالبي لجوء بناءً على معايير ذاتية، وليس وفقًا لضوابط قانونية منضبطة.

مجلس النواب
مجلس النواب

هذا يتناقض بوضوح مع المعايير الدولية التي تشدد على أن أسباب رفض اللجوء يجب أن تكون محددة، ومقيدة الاستخدام، وواضحة في القانون، حتى لا تتحول إلى أدوات للملاحقة أو الإقصاء، خاصة ضد الفئات الأكثر ضعفًا.

إضافة إلى ذلك، يفتح القانون الباب أمام سحب صفة اللجوء في أي وقت من أشخاص ينتمون إلى أفكار دينية أو اجتماعية لا تحظى باعتراف رسمي في مصر، وذلك بحجج مثل "مخالفة القيم المجتمعية" أو "عدم احترام التقاليد"، فضلًا عن "الإضرار بالأمن القومي". هذه المبررات، من دون تعريف قانوني واضح، قد تُستخدم لتقييد الحقوق الشخصية والدينية، وهو أمر ينتهك المبادئ الأساسية للحماية الدولية التي تقوم على احترام حرية الفكر والمعتقد والممارسة الدينية.

أما فيما يتعلق بإدراج طالب اللجوء على قوائم الإرهاب في مصر كأحد أسباب رفض طلبه، فهذه نقطة خلافية إضافية، إذ أن قوائم الإرهاب المصرية تعاني من غياب معايير الشفافية والعدالة الإجرائية، وهي محل انتقاد دولي واسع. عديد من الدول مثل الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، وكندا، ومنظومة الأمم المتحدة لا تعترف بمثل هذه القوائم كأساس قانوني للرفض أو الترحيل، ما يضع مصر في موقف يتعارض مع التزاماتها الدولية، ويثير القلق بشأن استخدام هذه الأداة كسلاح إداري ضد فئات مستضعفة تطلب الحماية.

غموض دور اللجنة وعلاقتها بالمفوضية

ما موقفك من اللجنة الدائمة لشؤون اللاجئين وهل شكلت إطاحة بمكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)؟

المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين- فيسبوك
المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين- فيسبوك

لا يحدد القانون بوضوح ولاية اللجنة الدائمة لشؤون اللاجئين، مما قد يؤدي إلى توسيع سلطتها التقديرية دون معايير واضحة، وهو ما قد يؤثر على نزاهة وشفافية عملية دراسة طلبات اللجوء وقرارات الترحيل والإجراءات الأمنية، إضافة إلى غياب تمثيل المجالس الوطنية والمنظمات غير الحكومية أو الخبراء المتخصصين ضمن اللجنة، وعدم وجود معايير مهنية أو فنية لتأهيل العاملين بها.

ولا يوضح القانون كيفية التعاون مع مكتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، المسؤول حاليًا عن إدارة أوضاع اللاجئين في مصر، كما لا يحدد الوضع القانوني للمكتب أو دوره بعد صدور القانون، ولا الإجراءات المتعلقة بمرحلة الاستقبال والتحويل، ولا يوضح وضع المسجلين لدى المفوضية وفقًا لحالتهم القانونية، مما يترك مجالًا للغموض وانعدام الشفافية والقلق على مصير أكثر من مليون لاجئ مسجلين لدى المفوضية.

كندا باتت مكان مناسب لللجوء، ولكن الوصول إليها ليس بالأمر السهل.وبعض الدول الأوروبية، رغم صعود اليمين، لا تزال أماكن مناسبة، ولكن السفر إليها في ظل التضييقات التي تحدث على المعابر ليس سهلاً.

باب غامض للتجنيس

البعض يخشى كذلك من فتح القانون لباب غير واضح للتجنيس.. ما رأيك؟

هذا سؤال جوهري.

المادة 27 من القانون تنص على أنه "يكون للاجئ الحق في التقدم للحصول على جنسية جمهورية مصر العربية وذلك عندما تتيح له ذلك القوانين ذات الصلة".

ما نص عليه القانون يقول "نعم" لإمكانية التجنيس. أما الواقع، فسنراه في الواقع. لكن الإشكالية هي أن اللائحة هي التي ستفصل هذا، ولا نعرف متى ستصدر أو ما سيكون محتواها.

هل منظومة الأمن القومي المصري، التي اعتدنا عليها خلال الستين عامًا الماضية، لديها استسهال في منح الجنسيات للاجئين كما يحدث في أوروبا؟

هذا تغير كبير في فلسفة المنظومة إذا تم.

نحن بصعوبة نمنح الجنسية للزوج أو الزوجة (للمصري/ة)، فهل سنفتح الباب لجنسيات مختلفة بظروف أمنية وحروب واضطهاد سياسي؟

أي مسعى لإنهاء أوضاع وأزمات المصريين بالخارج بسبب عملهم الحقوقي والسياسي هو مسعى طيب، ولكن الأمر مرتبط كله بالوضع السياسي بشكل عام.

اللائحة التنفيذية

تطرقت إلى اللائحة التنفيذية، هل يمكن أن تعالج هذه اللائحة القصور الذي ذكرتموه في القانون؟

الإشكالية تكمن في أن القانون الحالي مقيد للائحة التنفيذية.

ما لم يشمله القانون، لن تستطيع اللائحة أن تضيفه أو تفصله.

اللاجئون السودانيون بمصر أعلنت الحكومة المصرية أنهم ضيوف أكثر من مرة - مواقع الكترونية
اللاجئون السودانيون بمصر أعلنت الحكومة المصرية أنهم ضيوف أكثر من مرة (ا ف ب)

اللائحة هي تفصيل للقانون، وليست مصدرًا جديدًا للتشريع. وبالتالي، كل ما لم يذكره القانون، لا يمكن للائحة أن تتناوله.

وكل ما قيده القانون، لا يمكن للائحة أن تمنح فيه صلاحيات أوسع.

فالقانون مقيد للائحة، مما يعني أن اللائحة، حتى لو صدرت، لن تكون وافية، ولن تلبي رغباتنا، ولن تصلح العوار الموجود في القانون.

خطوات تصحيح القانون والمساندة

في ظل ما أُثير من ملاحظات.. ما هي رؤيتكم للخطوات الواجب اتخاذها لمعالجة أوجه القصور في هذا القانون ومساندة اللاجئين؟

من وجهة نظري، لا تكمن الإشكالية الرئيسية في اللائحة التنفيذية، بل في القانون ذاته، الذي يعاني من خلل بنيوي يحتاج إلى إعادة صياغة كاملة. وبالتالي، فإن الخطوة الأهم هي سحب القانون الحالي وإعادته إلى مجلس النواب لإعادة النظر فيه بشكل شامل.

محمد الباقر - تصوير محمد ليل
محمد الباقر - تصوير محمد ليل

ينبغي أن يُطلق حوار مجتمعي جاد، تشارك فيه النقابات، والمحامون، والحقوقيون، والمنظمات المحلية والدولية ذات الاختصاص، من أجل الوصول إلى تشريع دقيق، تفصيلي، وإجرائي، يتماشى مع الدستور المصري، ويلتزم بـ الاتفاقيات الدولية والمعايير الحقوقية، وفي الوقت ذاته يأخذ بعين الاعتبار الواقع المصري والإقليمي.

القانون يجب أن يكون هو الأصل، واللائحة التنفيذية تأتي مكملة لبعض الجزئيات فقط، لا أن تصبح وسيلة لسد فراغ تشريعي واسع. فالصيغة الحالية ستفتح الباب أمام تعدد التفسيرات الوزارية وتضارب القرارات الإدارية، ما سيُلقي بظلاله السلبية على حقوق اللاجئين وعلى سمعة الدولة المصرية في هذا الملف الإنساني.

المطلوب قانون واضح يشتمل على عدة مرتكزات منها :

تعريفات دقيقة لمفاهيم اللجوء.

آليات عمل اللجنة الدائمة لشؤون اللاجئين.

تنظيم مراكز الاستقبال وضمان حماية القاصرين غير المصحوبين.

ضمانات صارمة ضد التمييز.

إجراءات طعن وتظلم فعّالة، تضمن وقف أي قرار ترحيل حتى البت النهائي في الحالة.

شعار وحدة المساعدة القانونية للاجئين التي سيقدمها الحقوقي محمد الباقر - خاص من المصدر
شعار وحدة المساعدة القانونية للاجئين التي سيقدمها الحقوقي محمد الباقر - خاص من المصدر

كما إننا بصدد تدشين وحدة المساعدة القانونية للاجئين، للقيام بدورنا المهني والحقوقي في تقديم الخدمات قانونية والتوعية والدعم للاجئين وطالبي اللجوء داخل مصر.

وستبدأ أنشطتنا من وقت تفكير طالب اللجوء في القدوم إلى مصر لنكون بوابته في الحصول على المعلومات القانونية والحقوقية، وصولاً إلى التواصل المباشر معه من خلاله تقديم النصائح والاستشارات والتمثيل القانوني والتوعية بالتشريعات واللوائح والقرارات الإدارية المتعلقة بوضعه كطالب لجوء ولاجئي.

وهدفنا ضمان حقوق اللاجئين وحمايتها في مختلف المجالات القانونية، من تقديم المساعدة في طلبات اللجوء وإعداد الوثائق والتأهيل لجلسات الاستماع، والاستشارات القانونية للأحوال الشخصية، وقضايا الزواج والطلاق واثبات النسب واستخراج المستندات المتعلقة بها، والتدخل القانوني حال الاحتجاز والترحيل، ومساعدة اللاجئين في مراجعة عقود التمليك والإيجار والدعم في حالات الطرد منها.

كما نهدف إلى مساعدتهم في تأسيس الشركات والقضايا التجارية، وتمثيلهم في التحقيقات الجنائية، مع مساعدة في إجراءات تمكنهم من حقوقهم التعليمية والصحية والعمل، في محاولة منا للمساهمة في ضمان وصول اللاجئين إلى العدالة، تمتعهم بحياة آمنة وقانونية نحو استقرارهم ودمجهم مجتمعياً.

هذا الجهد سيترافق مع برامج توعية مجتمعية واسعة النطاق في المحافظات التي تضم أكبر عدد من اللاجئين وطالبي اللجوء، وعلى رأسها القاهرة، الإسكندرية، وأسوان، لضمان أن تكون هذه المجتمعات على دراية تامة بحقوقها وواجباتها ضمن الإطار القانوني المصري.

نحن كدولة ومواطنين نتعامل مع اللاجئين كشماعة نعلق عليها مشاكلنا الاقتصادية والسياسية

اللاجئون المصريون في الخارج

ننتقل إلى ملف اللاجئين المصريين في الخارج، ما تعليقكم على ما يطلق عليه "مبادرات العودة الآمنة للمصريين في الخارج" والإشكاليات المرتبطة بهذا الملف؟

فيما يخص المبادرات، هي مبادرات شخصية وفردية من بعض النشطاء وبعض الشخصيات العامة، في محاولة لحل بعض الملفات الخاصة ببعض النشطاء السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين بالخارج.

على ضفاف البوسفور فى تركيا يقع قصر بيبيك وهو مقر القنصلية العامة لمصر - فيسبوك
على ضفاف البوسفور فى تركيا يقع قصر " بيبيك "
على ضفاف البوسفور فى تركيا يقع قصر بيبيك وهو مقر القنصلية العامة لمصر - فيسبوك

منها ما يؤتي ثماره بناءً على رغبة الشخص في العودة إلى مصر، ومنها ما لا يتحقق. ولكن في النهاية هي مبادرات فردية وشخصية غير رسمية.

وبالتالي، أي مسعى لإنهاء أوضاع وأزمات المصريين بالخارج بسبب عملهم الحقوقي والسياسي هو مسعى طيب، ولكن الأمر مرتبط كله بالوضع السياسي بشكل عام.

ختامًا.. بمناسبة اليوم العالمي للاجئين، هل أنت متفائل بمستقبل أفضل للاجئين في هذه الأوقات المضطربة؟

محمد الباقر - تصوير محمد ليل
محمد الباقر - تصوير محمد ليل

نحن لا نملك رفاهية الإحباط ولا رفاهية أن نكون متشائمين.

فلدينا مساعي عمل وسنعمل فيها.

إذا كانت هناك تشريعات ولوائح معيبة، فسنعمل على إصلاحها، وسنقدم أوراق سياسات ونعمل في هذا النطاق لإصلاحها. وسنعمل على دعم مجتمعات اللاجئين داخل مصر.

وإذا تحسن الوضع إقليميًا ودوليًا، فذلك سيسهم في أن يكون عملنا أكثر تأثيرًا وإيجابية. هذا ما أتمناه.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة