حرب إسرائيل - إيران.. أي تداعيات اقتصادية وكيف استعدت مصر؟

في خطوةٍ تعكس مدى القلق الرسمي من تداعيات التوترات المتصاعدة في المنطقة مع اشتعال الحرب بين إسرائيل وإيران، شكلت الحكومة المصرية "لجنة أزمات" رفيعة المستوى برئاسة مصطفى مدبولي، تضم في عضويتها محافظ البنك المركزي، ووزراء: الصناعة، والتخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، والكهرباء والطاقة المتجددة، والمالية، والتموين والتجارة الداخلية، والبترول والثروة المعدنية، بالإضافة إلى مُمثلي وزارة الدفاع، والداخلية، وممثلي جهاز المخابرات العامة، وهيئة الرقابة الإدارية، في دلالة على الطبيعة المركبة للمخاطر المحتملة.

وفقًا للمعلومات الرسمية، تتمثل المهمة العاجلة للجنة في دراسة التأثيرات المحتملة للصراع على الاقتصاد المصري خلال المديين القصير والمتوسط، ومتابعة انعكاساته على مؤشرات الاقتصاد الكلي، بهدف تحصين مسار الإصلاح الاقتصادي الجاري، بحسب المستشار محمد الحمصاني، المتحدث الرسمي باسم رئاسة مجلس الوزراء. وهو تحرك يطرح تساؤلات ملحّة حول طبيعة التداعيات المتوقعة على الاقتصاد الوطني، والأهم من ذلك: هل استعدت الحكومة المصرية جيدًا لهذه التداعيات؟

الموازنة تحت الضغط.. نحو تغيير المستهدفات

يقول مسؤول في وزارة المالية إن الأزمة الحالية لا تزال في مراحلها الأولى، ما يُبقي الرؤية المستقبلية غامضة، لكنه يشير إلى أن توقف إمدادات الغاز القادمة من الشرق يدفع مصر إلى زيادة استهلاكها من السولار والمازوت، ومن ثم يضع ضغوطًا مباشرة على مخصصات دعم المواد البترولية في مشروع الموازنة الجديدة، حال امتداد النزاع لفترة طويلة.

تُقدَّر مخصصات الدعم في الموازنة بنحو 154 مليار جنيه، مقرر بدء العمل بها مطلع يوليو المقبل بعد موافقة مجلس النواب.

يحذر المسؤول من أن استمرار الحرب يفرض على الوزارة مراجعة عدد من المستهدفات الأساسية، لا سيما مع تراجع الجنيه من 49.8 إلى 50.87 جنيه مقابل الدولار، فضلًا عن توقعات بارتفاع تكاليف الشحن العالمي نتيجة صعود أسعار النفط، ما يؤدي إلى زيادة أسعار استيراد القمح وسلع استراتيجية أخرى، ويضغط على بنود الإنفاق الحكومي.

وعلى جانب الإيرادات، يرى المسؤول أن موارد الدولة من السياحة قد تتأثر، خاصةً مع تأجيل افتتاح المتحف المصري الكبير، الذي تراهن عليه الحكومة لجذب نحو 5 ملايين سائح من المهتمين بالآثار، فضلًا عن تراجع محتمل في حجوزات السياحة بجنوب سيناء، خصوصًا في مدينة طابا.

وفي المقابل، يلفت إلى أن النفقات مرشحة للزيادة، خاصةً على صعيد تكلفة الفوائد، إذ إن استمرار التضخم وارتفاع أسعار السلع قد يدفع البنك المركزي إلى تأجيل خطط خفض الفائدة أو رفعها مجددًا، في محاولة للحفاظ على تدفق الأموال الساخنة، وذلك عقب خسائر سوق المال التي بلغت نحو 94 مليار جنيه في جلسة واحدة فقط الأسبوع الماضي.

سوق مصرية شعبية (ا ف ب)
سوق مصرية شعبية (ا ف ب)

وواصلت فوائد الدين الحكومي ارتفاعها خلال الأشهر العشرة الأولى من العام المالي 2024/ 2025، لتسجل نحو 1.65 تريليون جنيه، مقابل 1.25 تريليون في الفترة ذاتها من العام السابق، بزيادة نسبتها 32.5%. وتشكل هذه الفوائد ما يقرب من 53.8% من إجمالي مصروفات الموازنة العامة التي بلغت 3.07 تريليون جنيه، مقارنة بنسبة 50.9% في العام المالي السابق، وهو ما يعكس تصاعد أعباء خدمة الدين.

ويؤكد مسؤول المالية أن الوزارة مستمرة في خططها الهادفة إلى ترشيد الإنفاق وتحسين كفاءة التحصيل، مشيرًا إلى أن الحكومة تحتفظ بمخزون استراتيجي كافٍ من السلع الأساسية يكفي لمواجهة أي تطورات إقليمية في حال امتدت لفترة أطول.

كما تم التنسيق المباشر بين محافظ البنك المركزي حسن عبد الله ووزير المالية أحمد كجوك لتعزيز هذا المخزون وضمان استمرارية الإمدادات.

وفيما يتعلق بقطاع الطاقة، يؤكد المسؤول أن مصر تمتلك ثلاث محطات تغويز عائمة تعمل بكفاءة لتأمين احتياجات السوق المحلية من الغاز، إلى جانب توجيهات بتشغيل محطات الكهرباء باستخدام المازوت، مع إعادة تشغيل محطات السولار كبديل مؤقت لحين استقرار الأوضاع الإقليمية.

ميزان المدفوعات.. مُهدد على المدى القصير

يتوقع الخبير المصرفي هاني أبو الفتوح أن يؤدي ارتفاع أسعار النفط إلى زيادة فاتورة الواردات المصرية، ما يشكل ضغطًا إضافيًا على ميزان المدفوعات، خاصةً في الأجل القصير.

هاني أبو الفتوح
هاني أبو الفتوح

ويشير إلى أن استمرار التوترات الجيوسياسية قد يدفع بعض المستثمرين الأجانب إلى اتخاذ مواقف أكثر تحفظًا عبر التحوّط، ما قد يرفع من وتيرة الطلب المحلي على الدولار الأمريكي، إلا أنه يشدد على أن مدى تأثير هذه العوامل يظل مرتبطًا بمدة استمرار النزاع.

بحسب بيانات البنك المركزي، سجّلت معاملات الاقتصاد المصري مع العالم الخارجي خلال النصف الأول من العام المالي 2024/ 2025 عجزًا كليًا في ميزان المدفوعات بلغ نحو 502.6 مليون دولار، مقابل 409.6 مليون دولار خلال نفس الفترة من العام السابق. كما اتسع العجز في حساب المعاملات الجارية إلى 11.1 مليار دولار، مقارنة بنحو 9.6 مليار دولار، نتيجة ارتفاع عجز الميزان التجاري بنسبة 47.4% ليسجّل نحو 27.5 مليار دولار، إلى جانب تراجع الفائض في ميزان الخدمات بنسبة 21.2% ليبلغ 7.2 مليار دولار فقط.

الأموال الساخنة.. هل تبقى؟

رغم ذلك، سجّل الاستثمار الأجنبي غير المباشر، المعروف بـ"الأموال الساخنة"، ارتفاعًا لافتًا منذ قرار تحرير سعر الصرف في مارس 2024، حيث بلغ إجمالي الرصيد 37.9 مليار دولار بنهاية مارس الماضي، وهو ما يُعد مستوىً قياسيًا. غير أن هذا الملف يظل شديد الحساسية، لا سيما في ضوء تجربة سابقة مريرة خلال الحرب الروسية الأوكرانية، حين خسرت مصر نحو 20 مليار دولار من هذا النوع من الاستثمارات.

هنا، يحذر أبو الفتوح - في حديثه لـ فكر تاني - من أن استمرار النزاع لفترة طويلة قد يدفع بعض المستثمرين الأجانب إلى التحوّط، ما يؤدي إلى زيادة الطلب المحلي على الدولار الأمريكي، ويُحدث ضغوطًا على سوق الصرف، مع احتمالات بارتفاع فاتورة الاستيراد.

كما أن قطاع السياحة قد يتأثر كذلك، وفقًا لما يراه أبو الفتوح الذي يقول إن السائح الأجنبي سينظر مع تواصل النزاع إلى منطقة الشرق الأوسط كوحدة جغرافية واحدة، ما قد ينعكس سلبًا على حركة السفر الوافدة إلى مصر. بينما لا يستبعد حدوث تباطؤ في حركة الملاحة أو ارتفاع في تكلفة التأمين حال حدوث اضطرابات في مسارات الشحن البحري عبر قناة السويس.

اقرأ أيضًا: هل تصلح سياسة "جز العشب" الصهيو-أمريكية مع إيران؟

يعاني المصريون أزمات اقتصادية متتالية وتضخمًا يرتد إلى أسعار المنتجات والسلع (وكالات)
يعاني المصريون أزمات اقتصادية متتالية وتضخمًا يرتد إلى أسعار المنتجات والسلع (وكالات)

وزير المالية أحمد كجوك أكد، في بيان صحفي قبل أسبوع، أن الحكومة مستمرة في العمل لتحقيق مستهدفات الموازنة العامة رغم الخسائر المقدّرة بنحو 110 مليارات جنيه من إيرادات قناة السويس، مشيرًا إلى أن الدولة تعتمد حاليًا على تعزيز مواردها من السياحة، والصادرات، وتحويلات العاملين بالخارج لسد هذا العجز.

ويقول أبو الفتوح إن الزيادة في أسعار النفط تضع مزيدًا من الأعباء على الموازنة العامة، وهو ما قد يدفع الحكومة إلى إعادة النظر في بعض بنود الدعم أو مراجعة آلية تسعير المنتجات البترولية. إلا أن مجلس الوزراء جدد التزامه بعدم رفع أسعار الوقود حتى أكتوبر المقبل، رغم التطورات المتسارعة على الساحة الإقليمية.

هل تُعيد الحرب تشكيل مسار قرض صندوق النقد؟

وقد تغيّر الحرب الجارية بين إسرائيل وإيران من مسار مفاوضات مصر مع صندوق النقد الدولي، بخصوص الشريحة الخامسة من القرض البالغة قيمتها 1.3 مليار دولار. كما أن هذا التصعيد الإقليمي قد يعزز من فرص صرف الشريحة مع بدء العام المالي الجديد في يوليو المقبل، في ظل تحولات اقتصادية يفرضها النزاع على الأسواق العالمية.

وكانت بعثة صندوق النقد قد أنهت زيارتها إلى القاهرة في مايو الماضي بعد أسبوعين من المباحثات، وقدمت مجموعة من التوصيات أبرزها: تبسيط الإجراءات الضريبية والجمركية، وتوسيع القاعدة الضريبية، وتسريع تنفيذ وثيقة سياسة ملكية الدولة، التي تنص على انسحاب الدولة من بعض القطاعات الاقتصادية بنسب محددة أقرها الصندوق.

مقر صندوق النقد (وكالات)
مقر صندوق النقد (وكالات)

ورغم تمسك المؤسسة الدولية بهذه الاشتراطات، فإن المتغيرات الجيوسياسية الأخيرة قد تدفع الصندوق إلى قدر من المرونة في التعامل مع بعض المطالب، خصوصًا في ظل تداعيات الحرب على أسعار الطاقة العالمية، والتي تنعكس بشكل مباشر على تكلفة الاستيراد ومعدلات التضخم.

وبالفعل، سجّلت أسعار العقود الآجلة لخام برنت، يوم الجمعة، 74.23 دولارًا للبرميل، محققة أعلى زيادة يومية خلال ثلاثة أعوام، وسط تقديرات من مؤسسات استثمارية عالمية بإمكانية تجاوز السعر 150 دولارًا للبرميل خلال عام 2025 إذا استمر التصعيد بين طهران وتل أبيب، وهو ما ينذر بتأثيرات حادة على اقتصادات الدول المستوردة للنفط، ومنها مصر.

هل استعدت الحكومة جيدًا؟

ينظر الدكتور أشرف غراب، الخبير الاقتصادي، إلى تشكيل لجنة أزمات مختصة لمتابعة تأثير النزاع على الوضع الداخلي باعتباره خطوة استباقية جادة لمواجهة التداعيات الاقتصادية للحرب الإسرائيلية ـ الإيرانية.

الدكتور أشرف غراب
الدكتور أشرف غراب

ويشير غراب - في تصريحاته لـ فكر تاني - إلى أن استمرار التصعيد بالتأكيد سيهدد باضطراب سلاسل التوريد العالمية وارتفاع أسعار النفط والغاز والحبوب، خاصةً مع التلويح بإغلاق مضيقي هرمز وباب المندب، اللذين يمران عبرهما ما يقرب من نصف صادرات العالم من الطاقة والسلع الأساسية.

ويضيف أن الدولة تمتلك حاليًا احتياطيًا استراتيجيًا من السلع الضرورية يكفي لفترات ممتدة، ما يعزز من قدرتها على امتصاص الصدمات، لافتًا إلى تحرك الحكومة السريع لتأمين بدائل لواردات الغاز الطبيعي بعد توقف الإمدادات، حيث تم التعاقد على أربع شحنات جديدة ستصل خلال أسبوعين، في إطار سياسة استباقية لتوقيع اتفاقات قبل أي ارتفاع متوقع في أسعار الوقود والغاز.

بحسب بيانات وزارة التموين، فإن الاحتياطي من القمح يغطي الاحتياجات لأكثر من ستة أشهر، بينما يكفي احتياطي السكر لمدة عام، والزيوت لأربعة أشهر، وتغطي اللحوم والدواجن نحو 12 شهرًا من الاستهلاك المحلي.

ويقول غراب إن ارتفاع أسعار الطاقة عالميًا سينعكس على مختلف الاقتصادات، ومنها مصر، من خلال زيادة تكلفة الشحن والنقل والطاقة، بما يعزز الضغوط التضخمية، ويؤثر على حركة رؤوس الأموال والسياحة بالمنطقة، فضلًا عن تأثيرات متوقعة على سلاسل الإمداد والتجارة الدولية.

كيف ينظر رجال الأعمال إلى الأزمة؟

ومع ذلك، يرى عدد من رجال الأعمال والخبراء الاقتصاديين أن تداعيات الحرب الإسرائيلية ـ الإيرانية على الاقتصاد المصري ما تزال محدودة، ولا تستدعي القلق.

نجيب ساويرس (وكالات)
نجيب ساويرس (وكالات)

 

وقد أكد رجل الأعمال نجيب ساويرس أن هذه الحرب "لا طائل منها" وقد تنتهي خلال أيام أو أسبوع على الأكثر، مشيرًا إلى أن تأثيرها على اقتصادات المنطقة والأسواق العالمية كان ضعيفًا حتى الآن.

وأوضح ساويرس، في مداخلة مع قناة "العربية"، أن قرار تخفيف ضخ الغاز لمحطات الأسمدة إجراء اضطراري، لكنه ليس حلًا مستدامًا، إذ يؤثر على الصادرات الزراعية ويدفع نحو تقليص الإنتاج المحلي، لافتًا إلى أن الاعتماد على الغاز الإسرائيلي كان خيارًا محفوفًا بالمخاطر نظرًا لحساسيته السياسية.

كما اعتبر أن تقلبات سعر صرف الدولار مقابل الجنيه محدودة ولا تمثل مصدر قلق، مشددًا على أن التحدي الحقيقي يكمن في التزامات سداد الديون الخارجية خلال ما تبقى من العام الجاري.

ويتفق هذا مع ما يراه الخبير الاقتصادي هاني توفيق، الذي يقول إنه من المبكر تقييم تداعيات الحرب على مصر، باعتبارها لا تزال في بدايتها، لكنه يشير إلى أن ارتفاع سعر الدولار بأكثر من جنيه يعكس احتمال خروج بعض الاستثمارات الأجنبية قصيرة الأجل من المنطقة، في ظل حالة الترقب السائدة.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة