كيف يتوازن الخليج بين إيران وإسرائيل؟

لقد كان للهجوم الإسرائيلي على إيران، والذي أطلقت عليه إسرائيل اسم "عملية الأسد الصاعد"، تأثير عميق على التوازن الدقيق الذي تحافظ عليه دول الخليج بين القوتين الإقليميتين. هذه العملية، التي بدأت في 13 يونيو الجاري، استهدفت البنية التحتية النووية الإيرانية، والأصول العسكرية، والمسؤولين العسكريين والسياسيين رفيعي المستوى.

كيف تتعامل دول الخليج مع هذا الوضع المعقد؟

قبل الضربات الإسرائيلية، انخرطت دول الخليج، وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، في دبلوماسية هادئة وتقارب مع طهران، وكان الدافع وراء ذلك هو الرغبة في ضمان الاستقرار لمشاريع التنمية المحلية، وعزل أنفسهم عن التصعيد المحتمل بين الولايات المتحدة وإيران.

اقترحت بعض دول الخليج، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، تشكيل اتحاد نووي إقليمي مع إيران كوسيلة لمعالجة المخاوف النووية من خلال إطار متعدد الأطراف. لقد دعموا بنشاط المفاوضات الأمريكية للتوصل إلى اتفاق نووي جديد مع إيران، بهدف احتواء البرنامج النووي الإيراني ودعمها للوكلاء في الشرق الأوسط.

في أعقاب الهجوم، في حين أن البعض قد يرحب سراً بإضعاف خصمهم، إلا أن هناك مخاوف كبيرة بشأن الانتقام الإيراني المحتمل، خاصة وأن دولًا مثل البحرين وقطر تستضيف قواعد عسكرية أمريكية رئيسية، مما يجعلها عرضة للخطر. وأدانت المملكة العربية السعودية بشكل خاص "الهجمات الشنيعة"، داعية إلى التهدئة. وسرعان ما أثار الوضع مخاوف من اندلاع حرب إقليمية أوسع نطاقًا.

التحولات الإقليمية

لقد أدى الصراع إلى تسريع إعادة تقييم التحالفات والأولويات الإقليمية. تفضل دول الخليج الآن بقوة الحلول الدبلوماسية على المواجهة العسكرية، بسبب المخاوف على اقتصاداتها وخطر الحروب التي لا يمكن احتواؤها.

إنهم يعملون بنشاط على إقامة توازن إقليمي جديد بين إيران وإسرائيل، بهدف أن يكون بمثابة نقطة محورية لنظام إقليمي جديد.

تواصل دول الخليج السعي إلى شراكات أمنية أقوى مع الولايات المتحدة، كما يهدفون أيضًا إلى توسيع العلاقات الاقتصادية والتجارية معها في مجالات مثل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، سعيًا إلى تنويع خياراتهم الاقتصادية. ويتم تشجيع الولايات المتحدة على توفير الأمن لدول الخليج، وتقديم مبيعات أسلحة وتكنولوجيا عسكرية مصممة خصيصًا لتعزيز قدرات الدفاع لدولهم.

لقد أثرت الحرب في غزة، والإبادة الجماعية الإسرائيلية للفلسطينيين، بشكل كبير على عملية التطبيع مع إسرائيل، مما جعل القضية الفلسطينية شرطًا غير قابل للتفاوض بالنسبة لدول مثل المملكة العربية السعودية. وتطالب المملكة العربية السعودية الآن صراحة بإقامة دولة فلسطينية مستقلة، عاصمتها القدس الشرقية، لإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.

إن هذا الشعور العام في الدول العربية يقيد السياسات الخارجية لحكوماتها، حتى وإن كان بعض القادة لا يزالون يرغبون في إقامة علاقات أوثق مع إسرائيل، لأسباب ترتبط أساسًا بالمصالح الوطنية المباشرة لدولهم.

لقد تحول الرأي العام في جميع أنحاء العالم العربي بشكل كبير ضد إسرائيل وحلفائها الغربيين، وخاصة الولايات المتحدة، في أعقاب العدوان على غزة. وتشير الاستطلاعات إلى إدانة واسعة النطاق للأفعال الإسرائيلية، مع استخدام مصطلحات مثل "الإبادة الجماعية" أو "التطهير العرقي". ورغم أن هذه المشاعر لم تؤدِ إلى انتفاضات واسعة النطاق، فقد ترجمت إلى احتجاجات، ومقاطعات للشركات المؤيدة لإسرائيل، ودعم متزايد للقضية الفلسطينية، مما حد من مرونة الحكومات العربية في السعي إلى علاقات أوثق مع إسرائيل.

تصورات القوة والضعف

عززت الضربات الإسرائيلية علي إيران بعض التصورات.

يُنظر إلى الموقف الجيوسياسي الاستراتيجي لإيران على أنه ضعيف بشكل كبير، حيث يعاني رادعها الأساسي، حزب الله، من انتكاسات كبيرة، كما أدى سقوط نظام الأسد في سوريا إلى قطع خط إمداد رئيسي. كما ثبت أن القدرات الصاروخية التقليدية لإيران غير كافية حتى الآن لإحداث فارق نوعي في الحرب ضد أنظمة الدفاع الجوي متعددة الطبقات في إسرائيل، وخاصة مع الدعم العسكري الأمريكي.

من وجهة نظر إسرائيل، تُعد البيئة العربية التقليدية ضعيفة للغاية بحيث لا تشكل تحديًا كبيرًا، حتى إن بعض الدول الخليجية ترحب بـ "إسرائيل الجديدة". يعتقد المسؤولون الإسرائيليون أنه بعد التعامل مع إيران، ستضطر القوى الإقليمية الأخرى، بما في ذلك مصر، إلى الانضمام إلى هذا النظام الجديد الذي تقوده إسرائيل، والذي يُنظر إليه على أنه يدمج الشرق الأوسط بعمق في المصالح والاستراتيجيات الأمريكية، ولكن بقيادة إسرائيل المهيمنة عسكريًا.

لدى السعودية ودول الخليج الأخرى مخاوف كبيرة بشأن الهيمنة الإسرائيلية، نابعة من تصرفات إسرائيل الاستراتيجية وطموحاتها المعلنة لإعادة تشكيل الشرق الأوسط. أما الموقف الإماراتي، فيبدو أنه يتبنى نهجًا مختلفًا في التعامل مع هذه الديناميكيات الإقليمية.

هناك خوف صريح من أن إسرائيل تهدف إلى فرض إرادتها وتحقيق "هيمنة إسرائيلية كاملة على المنطقة دون توازن ردع حقيقي". ويشمل ذلك هدف إسرائيل المتصور المتمثل في "تغيير جميع الأنظمة الإقليمية حسب رغبتها".

إن أحد المخاوف الكبيرة هو رغبة إسرائيل في البقاء القوة النووية الوحيدة في المنطقة، وإملاء الشروط، وإعاقة التطلعات النووية للدول الأخرى، بما في ذلك تطلعات المملكة العربية السعودية. إن الضربة الإسرائيلية على إيران قد تدفع دولًا مثل المملكة العربية السعودية إلى السعي للحصول على أسلحة نووية، مما يزيد من مخاطر الانتشار النووي.

الإمارات قد تكون أكثر براغماتية في سعيها لتحقيق أهدافها الاقتصادية والاستراتيجية، فهي قد تتكيف مع النظام الإقليمي الناشئ بقيادة إسرائيل بدلاً من مواجهته مباشرة بشأن مطالب سياسية محددة تتعلق بالقضية الفلسطينية.

إن السعودية تجد نفسها "مقيدة بين الإمارات وإسرائيل" في إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية، مما يعني أولويات استراتيجية مختلفة.

الخلاصة: تجد دول الخليج نفسها في وضع حرج. فبينما تسعى إلى تعزيز علاقاتها الأمنية والاقتصادية مع الولايات المتحدة ومواصلة أجنداتها التنموية، فإن الصراع الإسرائيلي الإيراني، وخاصة موقف إسرائيل العدواني وأفعالها في غزة، يُجبرها على موازنة مصالحها الاستراتيجية مع المشاعر الشعبية المحلية القوية التي تطالب بالتضامن مع الفلسطينيين. تدفعها هذه الديناميكية إلى السعي الحثيث لتحقيق توازن إقليمي جديد، والتركيز على الحلول الدبلوماسية لتجنب المزيد من زعزعة الاستقرار، حتى في ظل صراعها مع إسرائيل التي يُحتمل أن تكون أكثر هيمنة، وإيران الضعيفة، ولكن التي لا تزال تملك مقومات قوة تستطيع أن تؤثر بها على ديناميكيات المنطقة.

لكن السؤال الذي يستحق المتابعة: هل يمكن تحقيق استراتيجية التوازن في ظل تطلع نتنياهو وتحالفه اليميني إلى بناء نظام إقليمي تقوده إسرائيل وتُهيمن عليه؟

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة