بصفتي باحثًا مهتمًا بالشأن العام بما في ذلك الحياة السياسية والحزبية، لا يسعني إلا أن ألاحظ التراجع الملحوظ في دور مجلس النواب المصري، وهو أمر بات يشعر به رجل الشارع العادي قبل المتخصص.
فرغم التنوع الظاهري في تشكيل المجلس عبر نظام الكوتة لفئات المرأة والأقباط وذوي الاحتياجات الخاصة والشباب وغيرهم، إلا أن آلية تشكيل المجلس عبر القوائم المغلقة المطلقة قد قيدت الحياة السياسية والحزبية وقضت على التنافس الحقيقي، مما أدى إلى تراجع المشاركة الشعبية وتهميش الفعل النيابي.
أداة الاستجواب كاشفة
وعند الحديث بلغة الأرقام والإحصاءات التي تبقى أصدق من أي خطاب سياسي، فإننا نكتشف مفارقة صادمة حين نأخذ أداة الاستجواب البرلمانية كمثال، وهي الأداة الأهم رقابيًا في يد النائب، وقد تفضي إلى سحب الثقة من وزير أو حتى من الحكومة بأكملها.
خلال 10 سنوات من عمر مجلس الشعب في الفترة من 2000 حتى 2010، قدَّم النواب أكثر من 200 استجواب، رغم القيود السياسية المعروفة آنذاك. لقد كانت أدوات الرقابة تُستخدم بشكل أوسع نسبيًا، وكان للمجلس صوت مسموع ولو في إطار محدود.

أما في مجلس النواب منذ عام 2015 وحتى منتصف عام 2025، فلم يقدّم النواب سوى استجوابين فقط، في مشهد يعكس غيابًا شبه تام للدور الرقابي.
الاستجواب الأول كان في يناير 2020 ضد وزيرة الصحة الدكتورة هالة زايد، بشأن تدهور أوضاع المستشفيات، وخصوصًا خلال فترة جائحة كورونا، وما صاحبها من وقائع فساد. وقد تم مناقشة الاستجواب وسُجل في مضبطة المجلس.
أما الاستجواب الثاني فكان ضد وزير التموين الدكتور علي المصيلحي، بسبب ارتفاع الأسعار واختفاء السلع الأساسية، مع اتهامات بتقصير الوزارة وفساد عدد من معاوني الوزير.
وإذا أمعنا النظر في إجراءات تقديم الاستجواب بين الفترتين، سنجد أن الفرق لا يقتصر على الأرقام وحدها، بل يمتد إلى طبيعة الإجراءات التشريعية. فخلال فترة مجلس الشعب، كانت لائحة المجلس تمنح النائب الحق الكامل في تقديم الاستجواب منفردًا دون الحاجة لدعم من كتل أو أحزاب، وكان يتم إدراج الاستجواب للمناقشة بمجرد توافقه مع الشروط الشكلية.
أما في مجلس النواب الحالي، فقد تم تعديل اللائحة الداخلية بما يجعل تقديم الاستجواب أكثر تعقيدًا، إذ يُشترط أن يقدّم النائب استجوابه مدعومًا بمستندات رسمية، وأن يُعرض على لجنة خاصة لفحصه من حيث الجدية قبل تحديد موعد للمناقشة. هذا فضلًا عن المناخ العام الذي لا يشجع على استخدام هذه الأداة الرقابية، في ظل ما يعتبره البعض تضييقًا غير معلن على دور النواب المستقلين أو المعارضين.
التمثيل السياسي المستقل
وإذا توسعنا في المقارنة وطرحنا تساؤلات حول التمثيل السياسي المستقل داخل البرلمان، سنكتشف مؤشرًا آخر لتراجع التعددية السياسية، حيث بلغ عدد النواب المستقلين في برلمان عام 2005 نحو 100 نائب تقريبًا من أصل 450 نائبًا، بنسبة تقارب 22%. وهي نسبة تعكس حضورًا مستقلًا رغم سيطرة الحزب الوطني حينها. أما في برلمان 2015، فقد انخفض عدد النواب المستقلين إلى أقل من 70 نائبًا من أصل 596 نائبًا، بما يعادل أقل من 13%. وهي النسبة التي استمرت في التراجع في انتخابات عام 2020، مع تغوُّل القوائم المغلقة المطلقة وتضاؤل فرص الترشح الفردي الحر وكذلك الحال مع مرشحي أحزاب المعارضة.
إن هذه الأرقام لا تعكس فقط تغيرًا في بنية التمثيل البرلماني، بل تشير إلى انكماش في المساحة المتاحة للمشاركة السياسية المستقلة خارج الأطر الرسمية، وتراجع فعلي ملحوظ لدور البرلمان كسلطة رقابية وتشريعية مستقلة عن السلطة التنفيذية.
في النهاية، فإن المقارنة الرقمية تقول بوضوح: في 10 سنوات من عمر مجلس الشعب بين 2000 و2010، قدم النواب أكثر من 200 استجواب، بينما في 10 سنوات من مجلس النواب بين 2015 و2025، لم يقدم النواب سوى استجوابين فقط.
هذا الفارق لا يعكس فقط تراجع الأداء الرقابي، بل يطرح تساؤلات حقيقية عن مدى حيوية البرلمان الحالي، وقدرته على أداء دوره في ظل نظام انتخابي مغلق ومشهد سياسي لا يزال ينتظر جرأة التغيير.
*عضو الهيئة العليا لحزب العدل