53.8 % من مصروفات الموازنة فوائد ديون وللأغنياء نصيب من الدعم

تواصل فوائد الديون الحكومية في مصر ارتفاعها، وقد سجلت خلال الأشهر العشرة الأولى من العام المالي 2024/ 2025، ما يُقدر 1.65 تريليون جنيه، مقارنةً بـ 1.25 تريليون جنيه في الفترة نفسها من العام السابق، بنسبة زيادة بلغت 32.48%.

تشكل هذه الفوائد نحو 53.8% من إجمالي مصروفات الموازنة العامة التي بلغت 3.07 تريليون جنيه، مقابل 50.9% في العام المالي السابق، وهي تعكس تزايد العبء المالي للدين على الموازنة.

ورغم ارتفاع الإنفاق في بنود الأجور والدعم وشراء السلع والخدمات، فقد ظل الدعم الموجه للصناعات ورجال الأعمال يحتل حصة بارزة، إلى جانب زيادة ملحوظة في الإنفاق على برامج الحماية الاجتماعية مثل "تكافل وكرامة" والتأمين الصحي. وفي المقابل، تراجع الإنفاق الاستثماري بسبب خفض الاستثمارات العامة، وهو مؤشر على الضغوط المالية التي تواجهها الحكومة.

يأتي هذا في وقت تؤكد وزارة المالية على استمرار جهود تحسين إدارة الدين، عبر تنويع مصادر التمويل وإطالة متوسط عمر محفظة الديون، في محاولة للتخفيف من أعباء الفوائد. ورغم تحقيق فائض أولي تاريخي بفضل ارتفاع الإيرادات الضريبية، إلا أن فوائد الدين تمتص الجزء الأكبر من هذا الفائض، مما يفرض تحديات كبيرة على قدرة الدولة في تمويل الأولويات التنموية.

ومع اقتراب مناقشة الموازنة العامة الجديدة للعام المالي 2025/2026، يبرز القلق حول حجم العجز المتوقع الذي قد يصل إلى 3.6 تريليون جنيه، مع استمرارية الاعتماد الكبير على الاقتراض لتغطية الإنفاق الجاري، ما يحتم ضرورة إيجاد حلول مستدامة لمعالجة مشكلة الدين الداخلي وتأثيراته على الاقتصاد الوطني.

الدعم.. للأغنياء نصيب كبير

خلال العشرة أشهر الأولى من العام المالي 2024/ 2025، شهد بند الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية ارتفاعًا كبيرًا في الإنفاق، حيث زاد الإنفاق بقيمة 126.2 مليار جنيه بنسبة 34% ليصل إلى 497.4 مليار جنيه. وجاءت الزيادة الأكبر في دعم السلع التموينية التي ارتفعت بنحو 42.1 مليار جنيه لتصل إلى 127.2 مليار جنيه.

في الوقت نفسه، سجل الإنفاق الموجه لرجال الأعمال قفزة ملحوظة، إذ ارتفع دعم الصادرات بنحو 5.2 مليار جنيه ليبلغ 9.3 مليار جنيه، ودعم الإنتاج الصناعي بنحو 5.5 مليار جنيه إلى 9.1 مليار جنيه، ما يعكس توازنًا غير متكافئ في تخصيص الدعم.

وعلى صعيد الفئات الاجتماعية، زاد الإنفاق على إسكان محدودي الدخل بنحو 1.4 مليار جنيه ليصل إلى 6.2 مليار جنيه، والتأمين الصحي والأدوية بنحو 2.1 مليار جنيه إلى 4.1 مليار جنيه، ودعم المزارعين بنحو 2.2 مليار جنيه إلى 2.6 مليار جنيه. كما شهد برنامج "تكافل وكرامة" ارتفاعًا في الإنفاق بنحو 5.7 مليار جنيه ليصل إلى 34.7 مليار جنيه، في حين قفزت مساهمة الخزانة في صناديق المعاشات بنحو 6.9 مليار جنيه إلى 124.8 مليار جنيه، وارتفع الإنفاق على علاج المواطنين بنسبة 41.5% إلى 11.2 مليار جنيه.

وفي المقابل، كان بند شراء الأصول غير المالية والاستثمارات هو الاستثناء الوحيد بين بنود المصروفات، حيث انخفض بنحو 4.1 مليار جنيه إلى 190 مليار جنيه، نتيجة تقليص الاستثمارات العامة الممولة من الخزانة، بعد تحديد سقف للإنفاق الاستثماري عند تريليون جنيه للعام المالي الجاري.

ما موقف الدين؟

لم تصدر وزارة المالية تحديثًا لمستوى الدين الحكومي، إذ تشير البيانات الأخيرة إلى أن إجمالي دين أجهزة الموازنة العامة بلغ نحو 89.4% من الناتج المحلي الإجمالي في يونيو 2024، موزعًا بين 62.3% دين محلي و27.1% دين خارجي. ومقارنةً بذلك، كان الدين في يونيو 2017 أعلى بنسبة 100.9% من الناتج المحلي، منها 84.1% دين محلي و16.8% دين خارجي.

وقد أكدت الوزارة أنها ستواصل جهودها لتحسين إدارة الدين من خلال توزيع أعباء مدفوعات الفوائد على السنة المالية، وتنويع مصادر التمويل، وتقليل الاعتماد على حساب الخزانة الموحد، مع الالتزام بالحدود القانونية المفروضة.

كما تستهدف الوزارة إطالة متوسط عمر الدين، حيث عادت في مايو 2025 إلى إصدار أذون وسندات أجل خمس سنوات بعد توقف دام عامين، ما ساهم في زيادة متوسط عمر محفظة الدين من 1.24 سنة في يونيو 2024 إلى 1.83 سنة في ديسمبر 2024. ويهدف هذا الإجراء إلى تخفيف الضغوط الفورية على ميزانية الدولة بسبب فوائد الدين.

وتتوقع الوزارة انخفاض العجز الكلي للموازنة إلى 6.5% من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية أبريل 2025، مقارنةً بنسبة 6.9% للفترة نفسها من العام المالي السابق، مع استبعاد العائد من صفقة رأس الحكمة مع دولة الإمارات.

الديون تلتهم الفائض الأولي

رغم وصول الفائض الأولي (الفرق بين المصروفات والإيرادات دون احتساب الديون) إلى أعلى مستوى تاريخي، إذ بلغ نحو 536 مليار جنيه بنسبة 3.1% من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة من يوليو 2024 حتى أبريل 2025، مقارنة بـ290 مليار جنيه (2.1%) في الفترة نفسها من العام المالي السابق، إلا أن هذا الرقم يعكس التأثير الكبير لفوائد الدين التي استهلكت زيادة بقيمة 246 مليار جنيه (1% من الناتج المحلي).

جاء ارتفاع الفائض الأولي مدفوعًا بزيادة ملحوظة في الإيرادات الضريبية بنسبة 37.8%، ما يعادل نحو 1% من الناتج المحلي الإجمالي، وذلك نتيجة لتعافي النشاط الاقتصادي وحل أزمة النقد الأجنبي، إلى جانب تطوير الإدارة الضريبية عبر ميكنة النظم وتوسيع القاعدة الضريبية، بحسب وزارة المالية.

وتقول الوزارة إن ضبط الإنفاق العام كان أحد العوامل المحورية خلال هذه الفترة، ضمن جهودها لتحسين إدارة الدين من خلال توزيع أعباء مدفوعات الفوائد على مدار السنة المالية، وتنويع مصادر التمويل لتقليل الاعتماد على حساب الخزانة الموحد، مع الالتزام بالحدود القانونية. كما استمرت في خفض الاستثمارات العامة الممولة من الخزانة، مع الالتزام بسقف الإنفاق الاستثماري المحدد عند تريليون جنيه للعام المالي الحالي.

عبء كبير في الموازنة الجديدة

الخبير الاقتصادي هاني توفيق
الخبير الاقتصادي هاني توفيق

تصدر نتائج العشرة أشهر الأولى من العام المالي الجاري قبل أقل من شهر على مناقشة مجلس النواب لموازنة 2025/ 2026، التي يتوقع أن تسجل أكبر عجز في تاريخ مصر بقيمة 3.6 تريليون جنيه. ووفقًا لهاني توفيق، الخبير الاقتصادي، فإن هذا العجز سيتم تغطيته بالاقتراض كما في السنوات السابقة، مطالبًا بوضع حلول اقتصادية واستثمارية جذرية لمعالجة الدين الداخلي وآثاره السلبية على التضخم.

وأوضح توفيق أن إيرادات الدولة المتوقعة للعام المالي الجديد تبلغ نحو 2.6 تريليون جنيه، في حين تبلغ مصروفات الدين العام من فوائد وأقساط نحو 2.5 تريليون جنيه، ما يعادل 96% من الإيرادات. بالتالي، سيكون تمويل الأجور والمعاشات والاستثمارات وبرامج الدعم والصحة والتعليم معتمدًا بشكل كبير على الاقتراض، مما يطرح تحديات كبيرة أمام الإدارة المالية للدولة.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة