خطة المساعدات.. هل مؤسسة غزة “إنسانية” فعلًا؟

أثارت المشاهد المتداولة لتدافع المدنيين للحصول على المساعدات الإنسانية في رفح جنوبي قطاع غزة، وما أعقبها من إطلاق نار من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، استنكارًا وفزعًا أمميًا واسع النطاق. إذ، وصفت الأمم المتحدة هذه الأحداث بـ “المفجعة”، مؤكدةً امتلاكها خططًا عملية لإيصال المساعدات. بينما في المقابل، نفى الجانب الإسرائيلي استهداف المدنيين مباشرةً، مشيرًا إلى طلقات تحذيرية خارج مراكز التوزيع. وهي تطورات تأتي في ظل تزايد الشكوك حول فاعلية خطط توزيع المساعدات الجارية، ودور بعض الكيانات المستحدثة في هذا الإطار.

الشكوك التي تُثيرها مؤسسة غزة “الإنسانية”

تتزايد الشكوك حول دور مؤسسة “غزة الإنسانية”، التي تتلقى دعمًا أمريكيًا، في عملية توزيع المساعدات الغذائية للفلسطينيين، في محاولة لإزاحة دور الأمم المتحدة في هذا الملف الحيوي.

وتعارض الأمم المتحدة هذه المؤسسة بشدة، معتبرةً أنها “ليست نزيهة أو محايدة”، وأنها قد تفاقم من أزمة النزوح وتزيد من معاناة الآلاف.

إبراهيم الدراوي
إبراهيم الدراوي

ويؤكد إبراهيم الدراوي المحلل السياسي المتخصص في الشأن الفلسطيني، لـ فكر تاني، أن “المؤسسة غير محايدة وهدفها لم يكن توزيع المساعدات بل الانخراط في المجتمع الفلسطيني ومعرفة تفاصيل عن المتضامنين مع المقاومة والمشرف عليها هو شخصية أمريكية تعمل في الجيش الأمريكي”.

ويضيف الدراوي أن المساعدات “يجب توزيعها بناء علي طريقة الأمم المتحدة ولكن الإسرائيليين أرادوا ان يخرجوا المشهد بمن أراد الطعام عليه بالخروج تجاه رفح ولكن رأينا الفشل والخروج عن السيطرة وهروب الشركة المسؤولة عن توزيع المساعدات أمام الفلسطينيين”.

ويشير المحلل السياسي المتخصص في الشأن الفلسطيني صلاح عبد الرؤوف، إلى أن “الاحتلال حاول بالضغط العسكري وفشل ولجوؤه إلي الحصار والتجويع دائمًا ما يبوء بالفشل وهي لعبة مستمرة منذ بداية الاحتلال يقوم بتكررها منذ الثورة الفلسطينية الـ 35 وانتفاضة الحجارة 87”.

ويضيف في حديثه لـ فكر تاني، أن “الشاهد هذه المرة هو المقاومة التلقائية للشعب الفلسطيني فهي ليست مقاومة مسلحة أو مقاومة بالشكل المدني المتعارف عليه بالمظاهرات والاعتصامات ولكن مقاومة نابعة من داخل الشخصية الفلسطينية استطاعت إفشال خطة الاحتلال قبل أن تبدأ أو في بدايتها واثبت للعالم أن الاحتلال لن يفرض خطته بهذه السهولة”.

ويؤكد عبد الرؤوف أن “هذه خسارة جديدة لاحتلال أمام داعميه وحلقة جديدة من حلقات إحراجه لهم لأن الوضع وصل لمرحلة مفجعة لا يستطيع أحد تقبله أمام الرأي العام”.

ويكشف تقرير لصحيفة نيويورك تايمز أن مشروع هذه المؤسسة بدأ في الأسابيع الأولى بعد هجوم السابع من أكتوبر، وضم مجموعة من ضباط الاحتياط ورجال أعمال إسرائيليين توحدت رؤيتهم حول مستقبل غزة بعد الحرب.

في ديسمبر 2023، اجتمعت هذه المجموعة في كلية ميكفيه إسرائيل قرب تل أبيب، وضم الاجتماع شخصيات بارزة، من بينها يوتام هكوهن، الذي أصبح لاحقًا مساعدًا لرومان جوفمان، الذي كان يتولى حينها منصب قائد وحدة تنسيق أنشطة الحكومة الإسرائيلية في المناطق المحتلة، ويتولى الآن منصب المستشار العسكري لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وضم الفريق أيضًا المستثمر في مجال الهايتك، ليران تنكمان، ورجل الأعمال الإسرائيلي الأمريكي مايكل أيزنبرج. وقد أدار جوفمان الملف بموازاة عمله في منصبه السابق، حين شغل منصب قائد هيئة التنسيق والارتباط، وعمل مباشرة على ملف المساعدات. وضم فريقه حينها ضباط احتياط بينهم الرائد في الاحتياط، ليران تنكمان، والنقيب في الاحتياط، يوتام كوهين، نجل الجنرال المتقاعد غيرشون كوهين، الذي يشغل اليوم منصب المدير التنفيذي لشركة “أوبن فوكس” التي تزود أنظمة لإدارة المعلومات لصالح وزارات ومؤسسات حكومية.

ووفقًا لما أوردته “نيويورك تايمز”، عُقدت لقاءات مغلقة في تل أبيب وفي منزل أيزنبرج بالقدس، بهدف وضع خطة لتوزيع المساعدات خارج إطار مؤسسات الأمم المتحدة. وقد أحدثت إسرائيل تغييرًا جذريًا في طريقة توزيع المساعدات، بالتحول من التوزيع بالجملة وتخزين المساعدات إلى الاعتماد على المنظمات الدولية وشركات الأمن الخاصة لتوزيع صناديق من المواد الغذائية على الأسر الفردية في غزة.

ويتضمن هذا النظام الجديد تحديد مندوب لكل عائلة مكلف بالوصول إلى منطقة أمنية تابعة لجيش الدفاع الإسرائيلي جنوب غزة، حيث سيتم توزيع المساعدات بعد اجتياز عدة جولات تفتيش.

وفي تقرير لـ “اندبندنت عربية“، ذكرت الباحثة في العلوم الإنسانية هند الشوا أن “انتزعت الصفة الإنسانية والحياد والنزاهة والاستقلالية من مؤسسة غزة الإنسانية في أول يوم عمل لها، ومباشرة برزت شبهات حولها، وتبين أن لها ارتباطات وأجندات”. وشرحت الشوا أن “المساعدات الإنسانية تصل إلى أماكن المدنيين ولا يطلب منهم الذهاب لتسلمها، كما أن تخصيص نقاط توزيع الغذاء في أطراف القطاع وقرب الجيش يعني انعدام الأمان”.

وفي ذات السياق، يوضح صلاح عبد الرؤوف أن “كلمة العجز العربي أصبحت لا تعبر عن حالنا العربي بل صرنا أقرب لدعم الاحتلال حين تقف أطنان المساعدات علي المعبر ولا يسمح بدخولها إلا عن طريق شركات الاحتلال وتحدد كميات محددة أقل بكثير من الاحتياج الفلسطيني”.

وصرح وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، توم فليتشر، بأن هذه المبادرات “غطاء لمزيد من العنف والنزوح، إنها مجرد مسرحية هزلية، وتشتيت متعمد”. وتعتقد الأمم المتحدة أن مؤسسة غزة الإنسانية تهدف إلى جمع البيانات والمعلومات حول الفلسطينيين من خلال إخضاعهم للفحوص الأمنية واشتراط حصولهم على حقهم الأساسي في الغذاء بطهارة سجلاتهم الأمنية، فضلاً عن استخدام التجويع مقابل المساعدات أداة لتهجير الفلسطينيين وحصرهم جنوبًا.

خطة المساعدات.. خطوة نحو التهجير القسري

في سياق متصل، صرّح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأسبوع الماضي بأنه بموجب آلية المساعدات الجديدة، سيتم نقل سكان غزة في نهاية المطاف إلى “منطقة معزولة” في أقصى جنوب القطاع، وذلك لحمايتهم أثناء عمليات الجيش الإسرائيلي ضد حماس.

وأوضح نتنياهو أنه بمجرد دخول الفلسطينيين إلى هذه المنطقة، “لن يعودوا بالضرورة”. وتخطط إسرائيل، بعد “هزيمة حماس”، لتنفيذ خطة اقترحها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لنقل سكان القطاع إلى خارج غزة، رغم أنها تُصوّر الهجرة على أنها “طوعية”. وقد رفض الفلسطينيون، إلى جانب المجتمع الدولي بأسره تقريباً، هذه الفكرة بشكل قاطع.

يؤكد الدراوي، في تصريحاته لـ فكر تاني، أن اختيار محاور التوزيع تجاه البحر في أماكن معينة يهدف إلى دفعهم تجاه خطة التهجير. ويضيف أن “بالنسبة لجزء التهجير فهذا يحدث علي الأرض حتى ولو بأعداد قليلة من خلال مطار بن جوريون. وهو ما تحدثت عنه وسائل الإعلام الإسرائيلية والأميركية سواء التهجير إلى سوريا أو ليبيا وغيرها. لذلك يريد تجميع الفلسطينيين في النقاط الحدودية تجاه البحر”. ويضيف: “القاهرة أول من رفض التهجير وقالت أمام الولايات المتحدة لا للتهجير سواء كان للأراضي المصرية أو غيرها”.

وعن نقاط التوزيع، يرى صلاح عبد الرؤوف، أن “خطة إخلاء شمال القطاع وحصر المدنيين في الجنوب هي خطة واضحة لإقامة مشاريع الاحتلال لتأمين حدوده الجنوبية من جهة والضغط علي مصر لقبول خطة التهجير في سيناء”.

ويضيف أن “مصر رفضت التهجير منذ بداية الصراع في 48 وحتى حين وقع الرئيس عبد الناصر مع وكالة الغوث مشروع التوطين في سيناء لم يستطع تنفيذه وتخلى عن المشروع، وكانت النتيجة تأسيس الكتيبة 141 بقيادة مصطفى حافظ وتم قتل 1400 إسرائيلي في أسبوع واحد.

ويؤكد عبد الرؤوف أن “مشروع التوطين لن يلقى قبولًا عند المصريين أو الفلسطينيين وأن عودة الفلسطينيين إلى الشمال في الهدنة كانت خير دليل أن الشعب الفلسطيني لم يترك أرضه”.

ويختم عبد الرؤوف بالقول: “في النهاية هي محاولات من جانب الاحتلال للحصول علي أي مكسب استراتيجي قد يكون حقق الكثير من النجاحات التكتيكية لكن كرؤية استراتيجية فقد انتهي (على حد تعبيره) وأن الدعم الذي تلقاه الاحتلال في بداية طوفان الأقصى كان دعم لعدم انهيار النظام العالمي أكثر منه دعم لإسرائيل والنظام العالمي حاليًا يتغير ويدخل لمرحلة جديدة سواء من ناحية المؤسسات أو القوى العظمى”.

أوامر التهجير.. حرب نفسية وجسدية

وقد وثقت منظمة أطباء بلا حدود شهادات من موظفيها تؤكد أن الفلسطينيين قد أُجبروا على النزوح مرارًا وتكرارًا منذ بداية الحرب. فمنذ انتهاك إسرائيل لوقف إطلاق النار في 18 مارس، صدر 31 أمرًا بالتهجير، مما حاصر الفلسطينيين في دوامة لا تنتهي من المعاناة.

وفي 19 مايو، شمل أمر تهجير واسع النطاق في خان يونس 22% من القطاع، وطال أكثر من 70 موظفًا من موظفي المنظمة، بينما شمل أمر آخر صدر في 26 مايو 40% من وسط وجنوب غزة.

يصف عمر السقا، مدير الخدمات اللوجستية في منظمة أطباء بلا حدود، الوضع بقوله: “زملاؤنا في حالة يأس. لم يتبقَّ خيام ولا مساحة كافية لإيواء الناس، ولا أعرف ماذا أجيب عندما يسألني زملائي أين يمكنهم الذهاب مع أطفالهم في منتصف الليل. لقد نفدت خياراتنا للبقاء على قيد الحياة”.

تغطي أوامر التهجير هذه المناطق العسكرية المحظورة الآن حوالي 80% من غزة، ولم تسلم أي منطقة من القطاع من الهجمات. ففي 26 مايو، عالجت فرق منظمة أطباء بلا حدود 17 مريضًا إثر هجوم على مقربة شديدة من مركزها الصحي في خان يونس وسط غزة، في المنطقة التي يُفترض أن ينتقل إليها الناس. هذا يعني أن الناس يُخلون مناطقهم ليُقصفوا مجدداً في “ملاذهم الآمن” الجديد. وقد نزح حوالي 600,000 شخص مجددًا منذ 18 مارس.

وبينما تُجبر أوامر التهجير الفلسطينيين على العيش في مناطق مكتظة تتقلص باستمرار، تُشنّ القوات الإسرائيلية هجماتٍ منتظمة دون إصدار أوامر تهجير.

في 9 أبريل، قُتل أكثر من 20 شخصًا في غارة استهدفت مجمعًا سكنيًا من سبعة مبانٍ في مدينة غزة. وكان من بين القتلى عائلتا اثنين من موظفي منظمة أطباء بلا حدود كانا في عملهما وقت وقوع الغارة.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة