التمكين البرلماني للنساء

عندما تُمكَّن المرأة في المجال السياسي، وفي القلب منه البرلمان، تُحقق مكاسب ليس للنساء والفتيات فحسب، بل للمجتمع بأكمله.

إن صانعات السياسات يُعطين الأولوية للموضوعات التي تفيد الفئات الأكثر ضعفًا في المجتمع، مثل الرعاية الصحية، والرعاية الاجتماعية، والتعليم. وبالتالي، فإن وجود المزيد من القيادات السياسية النسائية يؤدي إلى مجتمعات أكثر مساواةً ورعايةً.

إن المرأة أكثر ميلًا إلى التركيز على هذه القضايا، لأنها تتمتع بخبرة أكبر في الحرمان والتهميش، ولأنها غالبًا ما تكون مسؤولة عن رعاية الآخرين. فالنساء يُشاركن في السياسة بخبرات وتجارب متمايزة عن الرجال، نظرًا لأن التجارب والتنشئة مختلفة، حتى وإن كانوا أبناء البيئة نفسها.

انتخابات مجلس النواب 2015 - مواقع الكترونية
انتخابات مجلس النواب 2015 - مواقع الكترونية

تمثيل النساء

طبقًا لدراسة وليمز وسنيبيس (2021)، تعمل النساء بجهدٍ أكبر من الرجال لتمثيل دوائرهنّ الانتخابية، وهو ما يرتبط بإحساسٍ أقوى بين الناخبين بأن الحكومة تستجيب لاحتياجاتهم.

ترتبط زيادة تمثيل المرأة في المناصب المنتخبة بمكافحة الفساد، وتركيز الموارد على جودة واتساق تقديم الخدمات العامة. والدول التي تتمتع فيها المرأة بقدرٍ أكبر من السلطة السياسية، تكون أقل احتمالًا لخوض الحروب، وأقل احتمالًا لارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان؛ حيث تجلب النساء أساليب القيادة التعاونية والشاملة إلى البيئات السياسية، التي غالبًا ما تتميز بالانقسام والمزايدة الفردية.

النائبة سها سعيد
النائبة سها سعيد

ورغم الزيادة في أعداد النساء في البرلمان المصري مقارنة بما كان عليه قبل الاستحقاق الدستوري، إلا أنه لا يزال بعيدًا عن تحقيق المساواة، ولا تزال الفجوة بين الذكور والإناث كبيرة، ويهيمن الذكور على المجال السياسي، سواء في مؤسسات الدولة أو على مستوى الأحزاب، المؤيدة منها والمعارضة.

وقلّما تتفق الأحزاب المؤيدة والمعارضة، لكنها تتفق على تهميش المرأة في القرارات المهمة.

وفي أغلب اللقاءات السياسية الهامة للأحزاب، سواء المؤيدة أو المعارضة، تغيب المرأة، وإن حضرت، كان حضورها باهتًا في صنع السياسة الحقيقية، فيما كانت قلة من النساء، في نهاية المطاف، يستطعن المشاركة في صناعة السياسة العليا.

السياسة ليست مجالًا رجوليًا

هناك العديد من التحديات التي تواجه المرأة المصرية في سبيل تحقيق المساواة مع الرجل في المجال السياسي.

وإلى جانب عدم المساواة في التمكين السياسي/البرلماني، توجد عوامل ثقافية واجتماعية تقلل من أهمية مشاركة المرأة في السياسة؛ حيث تعاني المرأة من العديد من الصور النمطية التي تقيّد مشاركتها في الحياة العامة، ويُنظر إلى المجال السياسي على أنه مجال "رجولي" غير مناسب للنساء، ما جعلها لا تزال بعيدة عن تحقيق المساواة، وبعيدة حتى عن الهدف الذي أعلنته الدولة عام 2017 في الاستراتيجية المصرية لتمكين المرأة، والمتمثل في الوصول إلى نسبة 35% من التمثيل البرلماني بحلول عام 2030.

النائبة أميرة صابر
النائبة أميرة صابر

 

للوصول إلى ذلك، وجب زيادة النسبة في القانون الحالي لتصل على الأقل إلى 30%. وكلما ازدادت نسبة تمثيل المرأة في القانون، ووجدت إرادة جادة للمضي قدمًا، كلما أمكن تعزيز نسبة التمكين، ومساعدة النساء على الارتقاء بمستواهنّ السياسي، والعمل على تعزيز المساواة بين الجنسين، وتشجيع المشاركة السياسية للمرأة، وإزالة العوائق الاجتماعية والثقافية التي تحول دون تمكينها في الحياة السياسية.

إن الوصول إلى الحكم الرشيد والتنمية والديمقراطية يتطلب تمثيلًا عادلًا ومنصفًا لجميع أفراد المجتمع، وفي مقدمتهم النساء، فلا يمكن تصوّر تحقيق الأهداف التنموية للبلاد دون المشاركة الكاملة للرجال والنساء في المجتمع ككل.

إن التنمية مرهونة بمشاركة المرأة في جميع المجالات، وتذليل كافة العقبات أمامها، وليس ذلك لمجرد الانحياز المستحق لصالح المرأة، بل لأننا نتحدث عن أكثر من 50 مليون امرأة في مصر، وتعطيل دورهن يعطل نصف السكان، وبدلًا من أن يكنّ قوة منتجة، يتحولن إلى عبء، ولا توجد دولة تمكنت من تحقيق التقدم والتنمية المستدامة بينما نصف سكانها مقيد.

مع الأسف، لا تزال عدم المساواة والعقبات قائمة بالنسبة للمرأة في السياسة في مصر، كما يتضح من المعاملة غير المتكافئة، والقوالب النمطية الراسخة في أذهان الناس، ما يستلزم اتخاذ إجراءات وسياسات عامة لتجاوز هذه المعوقات، التي تقابلها امتيازات يحصل عليها الرجل، وهو ما يتطلب تصحيحًا يحقق العدالة، ويضمن مبدأ تكافؤ الفرص.

مفاهيم المجتمع

وفي حين تؤكد الدراسات أن قيادات الأحزاب النسائية قد يكنّ أكثر قبولًا من القادة الذكور، فإن هذه الميزة الشعبية لا تُترجم بالضرورة إلى فوائد انتخابية للمرأة، إذ يعتقد كثير من الناس أن الرجال يفهمون السياسة ويؤدونها بشكل أفضل، كما أن الرجال يميلون إلى أن يكونوا أقل ثقة في أعضاء المجالس النيابية من النساء.

النائبة مها عبد الناصر
النائبة مها عبد الناصر

وعلى الرغم من أن الحضارة اليوم قد مكنت المرأة من معرفة حقوقها الإنسانية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، والمطالبة بها والدفاع عنها، مثل حقها في التعليم والممارسة السياسية بما فيها صنع القرار، إلا أن هناك آراء متشددة لا تزال قائمة على مستوى الوطن العربي، تحرم المرأة من التمتع بالحقوق السياسية. ولا تزال النظرة إلى المرأة تقليدية، وتواجه صعوبات عند التطبيق، وهو ما أدى إلى اختلاف وجهات النظر بشأن مشاركة المرأة في الحياة السياسية والبرلمانية.

مؤشرات عاكسة

أجمع الكثيرون أن المشاركة الفعالة للمرأة في الحياة العامة وتكافؤ الفرص في الوصول إلى مناصب قيادية كعاملين أساسيين لتحقيق التنمية المستدامة.

وضع المرأة يعتبر من المؤشرات العاكسة لوضع التنمية، وعلى الرغم من إحراز تقدم كبير في زيادة مستوى تمثيل المرأة في جميع مجالات الحياة العامة منذ اعتماد إعلان ومنهاج عمل بيجين عام 1995، إلا أن التغير يعتبر تدريجيًا وبطيئًا. إذ تعد المساواة بين الجنسين والمشاركة الكاملة والمتساوية للمرأة في جميع مجالات الحياة، ولا سيما في صنع القرارات، جزءًا لا يتجزأ من طموحات عقد العمل ومشروع تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

تؤكد تجارب التنمية وخبراتها أن الاستثمار في تنمية قدرات المرأة وإعطائها فرصًا متساوية هو أكثر الاستثمارات عائدًا ومردودًا، لأن ذلك يعني تحسين خصائص وقدرات وزيادة إنتاجية رأس المال البشري نساءً ورجالًا، وهو ما يؤدي بدوره إلى ارتفاع درجة التنافسية، فالبشر هم المصدر للتنمية، وتعد المرأة والتنمية من أهم القضايا الراهنة.

إذ يعد وضع المرأة في المجتمع أحد المعايير الأساسية لقياس مدى تقدمه وفعالية خطوات التنمية، ولذلك تسعى الدول والقيادات المختلفة لسد الفجوة النوعية بين الرجل والمرأة في مجال العمل السياسي لتأكيد مشاركتها في الحياة العامة، بما يتناسب مع أهمية دورها وقدرتها، بل والكثافة العددية لها، ومن ثم ضمان مساهمتها في عملية التنمية بأبعادها المختلفة في ظل متطلبات الحاضر وطموحات المستقبل.

جانب من مؤتمر اطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان في مصر - مواقع الكترونية
جانب من مؤتمر اطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان في مصر - مواقع الكترونية

ورغم أهمية تلك الخطوات، والتي تكتمل بمنظومة من التشريعات والقوانين لكسب المزيد من الحقوق تجاه إزالة التحيز للنوع، إلا أنه يجب أن توازيها تغييرات في البنية الثقافية والاجتماعية.

في عام 2017 تم إطلاق الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة المصرية 2030 التي ترتكز على تحقيق التمكين السياسي للمرأة وتعزيزه من خلال تحفيز المشاركة السياسية للمرأة بكل أشكاله، بما في ذلك التمثيل النيابي على المستويين الوطني والمحلي، ومنع التمييز ضد المرأة في تقلد المناصب القيادية في المؤسسات التنفيذية والقضائية، وتهيئة النساء للنجاح في هذه المناصب.

ومن أجل ذلك، يجب العمل الجاد على تغيير ثقافة المجتمع نحو المرأة من خلال القضاء على كافة أوجه التمييز الأساسية التي توجه للمرأة المصرية وتصحيح الصورة الذهنية التي تشكل جزءًا كبيرًا منها وسائل الإعلام عن المرأة المصرية. ورغم ما تم تحقيقه من مستهدفات، إلا أنه لم تُستكمل جميع المستهدفات بعد، وكلي أمل أن تُستكمل في الفترة المقبلة.

وفي أسوأ الأحوال، إذا تم تمكين المرأة بالعدد المستحق في البرلمان، ولم يتحقق المرجو من ذلك، لن تخيب آمالي وسأعتبرها مثلها مثل الرجل في السياسة.

المراجع

-       الدستور المصري لسنة 2014 المعدل سنة 2019

-       عبد الباقي، سارة (2021)، تناول البرامج الحوارية لأداء القيادات النسائية المصرية وعلاقته باتجاهات المرأة نحو التمكين السياسي.

-       عبد علي، شيماء (2023)، معوقات القيادة النسوية، كلية الآداب، جامعة القادسية.

-       المجلس القومي للمرأة (2017)، الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة المصرية 2030: الرؤية ومحاور العمل، القاهرة.

-       مجموعة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة (2019)، مؤتمر القمة المعني بأهداف التنمية المستدامة.

-        Lee, E. W. Y. (2000). Gender and political participation in Hong Kong. Asian Journal of Women’s Studies, 6(3), 93-114.

-        Michelle M., Taylor-Robinson, & Geva, N. (Eds.). (2023). The Image of Gender and Political Leadership. Oxford University Press. DOI: 10.1093/oso/9780197642726.003.000

-        Williams, N., Snipes, A., & Singh, S. P. (2021). Gender differences in the impact of electoral victory on satisfaction with democracy. Electoral Studies, 69, 102205. https://doi.org/10.1016/j.electstud.2020.102205

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة