أعلنت نقابة المحامين تسجيل مؤشرات أولية إيجابية بنجاح الإضراب التصاعدي عن حضور جلسات محاكم الجنايات، والذي انطلق استجابةً لدعوة مجلس النقابة برئاسة عبد الحليم علام، وبمشاركة نقباء النقابات الفرعية، في أعقاب اجتماعهم المنعقد في 14 مايو الجاري.
وأوضح بيان للنقابة أن الإضراب تم تنفيذه فعليًا في محاكم شمال وجنوب الدقهلية، والمنوفية، وشمال وجنوب الشرقية، وكفر الشيخ، وجنوب الجيزة، وشمال القليوبية، وسوهاج، والفيوم، وجنوب القليوبية، وقنا، حيث امتنع المحامون عن حضور جلسات الجنايات التزامًا بقرار النقابة العامة.

وأضاف البيان أن الاستجابة امتدت إلى محاكم حلوان، والسويس، وبني سويف، والأقصر، وجنوب سيناء، وأسوان، وأسيوط، وجنوب الجيزة، وطنطا، والمنيا، وشمال البحيرة، مؤكدًا أن المحامين نفذوا القرار النقابي بدقة، في إطار التحرك المهني الرافض لفرض رسوم إضافية تُثقل كاهل المتقاضين.
وحذّرت النقابة من أنها ستُحيل المحامين المخالفين لقرار الإضراب إلى مجلس التأديب، مع اتخاذ إجراءات وقفهم عن ممارسة المهنة وحرمانهم من كل الخدمات النقابية، في خطوة تهدف إلى ضمان وحدة الصف النقابي وتحقيق مطالب المحامين.
هل التصعيد حالي كافٍ؟

مع ذلك، يرى قطاع من المحامين أن ما تقوم به نقابة المحامين غير مؤثر؛ إذ ينتقد المحامي محمد طنطاوي اقتصار إضراب نقابة المحامين على دوائر محاكم الجنايات، ويرى أنه لا يُشكل ضغطًا فعليًا يمكن أن يُغيّر قرار زيادة الرسوم القضائية.
ويقول طنطاوي، في تصريح لـ فكر تاني، إن قانون الإجراءات الجنائية يُلزم بوجود محامٍ مع كل متهم، ما يؤدي إلى تأجيل أغلب الجلسات تلقائيًا دون انعقادها، وهو ما يجعل الإضراب دون جدوى فعلية. ويؤكد أن هذا الإجراء قد يُضر بمصلحة بعض المتهمين، إذ كان من الممكن أن يحصل عدد منهم على قرارات بإخلاء السبيل خلال الجلسات المؤجلة.
ويُعرب عن تأييده لموقف النقابة في مواجهة الرسوم القضائية، لكنه يُبدي تحفظًا على آلية التنفيذ، مشيرًا إلى أن الحضور أمام محاكم الجنايات لا يتطلب دفع رسوم سوى دمغة المحاماة، وهو ما يُضعف أثر هذا الشكل من التصعيد.
ويُشير طنطاوي إلى أن الخطوات التصعيدية تواجه ما يصفه بـ”تعنت قضائي”، مؤكدًا أن بعض القضاة يقفون ضد المطالب باعتبارهم طرفًا مؤثرًا في القرار، رغم أن مرفق العدالة لا يُفترض أن يتحول إلى مشروع ربحي. ويختتم بالقول: “التقاضي بات لمن استطاع إليه سبيلًا”.

ويقول المحامي محمد فتحي، أحد المشاركين في الإضراب، إن زيادة الرسوم القضائية تُشكّل تهديدًا مباشرًا للأمن والسلم الاجتماعي، مشيرًا إلى أن عجز المواطنين عن دفع هذه الرسوم قد يدفعهم إلى السعي لتحصيل حقوقهم بطرق غير قانونية.
ويُضيف فتحي، في حديثه لـ فكر تاني، أن الإضراب الجاري يقتصر على الامتناع عن الحضور أمام محاكم الجنايات، موضحًا أن هذا النوع من الإضرابات تحكمه ضوابط مهنية، منها ضرورة إثبات حضور المحامين في حال عُرض متهم على المحكمة، ما يدفعها غالبًا لتأجيل الجلسة. ويُبيّن أن قضايا الحبس الاحتياطي أو القضايا الموضوعية تُعدّ من الحالات المستثناة من الإضراب.
ويؤكد فتحي التزامه الكامل بقرار النقابة بشأن الإضراب التصاعدي منذ اندلاع الأزمة، رغم ما يترتب عليه من تأثيرات سلبية على بعض الموكلين، موضحًا أن شريحة واسعة من المتقاضين باتت تدرك أن تحرك المحامين يصب في مصلحة المتهمين والعدالة، لا في مصلحة شخصية.
هكذا بدأت الأزمة
يؤكد المحامي وائل غالي، أحد الحاصلين على حكم بإسقاط الرسوم القضائية، أن أزمة الرسوم ليست مستحدثة، بل تعود إلى نحو خمس سنوات، وتحديدًا مع بدء ارتفاع رسوم محاكم الأسرة، والتي اعتبرها تمثل إحدى صور تحميل المتقاضين أعباء مالية متزايدة.

ويُوضح غالي، في تصريحاته لـ فكر تاني، أن خطورة تلك الزيادات تكمن في كونها مفتوحة وغير محددة، إذ إن بعض الرسوم التي كانت لا تتجاوز عشرة جنيهات وصلت الآن إلى 500 جنيه، ما أثار غضب المحامين ودفع نقابتهم للتحرك القانوني.
ويُشير إلى أن المحامين فوجئوا خلال السنوات الماضية بفرض رسوم على أوراق كانت تُمنح مجانًا، حيث أصبحت تُستخرج مقابل 50 جنيهًا، في حين قفزت رسوم أخرى من 160 قرشًا إلى 50 و60 جنيهًا، دون مبرر قانوني واضح.
ويكشف غالي أن عددًا من المحامين أقاموا دعوى قضائية عام 2021 أمام محكمة القضاء الإداري في المنصورة، وانتهت بإصدار حكم بإلغاء جميع الرسوم المفروضة على دعاوى محكمة الأسرة. وقد أيدت المحكمة الإدارية العليا هذا الحكم، وأصدرت له الصيغة التنفيذية التي سُلمت إلى وزارة العدل، إلا أن الأخيرة ما زالت تمتنع عن تنفيذ الحكم رغم أنه نهائي وبات.
ويعتبر غالي أن تلك الزيادات أشبه بـ”تسعيرة متغيرة” يفرضها بعض رؤساء محاكم الاستئناف أو رؤساء المحاكم، ما يخالف المادة 39 من الدستور التي تمنع فرض رسوم بدون نص قانوني. كما أبدى تساؤلات حول الجهة المستفيدة من هذه المبالغ، متسائلًا ما إذا كانت الشركات الخاصة التي تولت مشروع ميكنة المحاكم تتقاضى نسبة من الأموال المحصّلة، في ظل غياب الشفافية عن آلية توزيع تلك الرسوم.
تعهد نقابي بمواصلة الاحتجاج
وتواصل نقابة المحامين تصعيد تحركاتها الاحتجاجية رفضًا لما تصفه بـ”القرارات غير الدستورية” الخاصة بزيادة الرسوم القضائية، وذلك في أعقاب اجتماع مشترك ضم مجلس النقابة العامة ونقباء النقابات الفرعية برئاسة عبد الحليم علام، نقيب المحامين.

وأعلنت النقابة عن عقد جمعية عمومية طارئة يوم السبت 21 يونيو المقبل، بمقر النقابة العامة بالقاهرة، في تمام الساعة الواحدة ظهرًا، للنظر في آليات مواجهة تلك الزيادات، مؤكدة استمرار الدعوة ما لم تتراجع السلطات المختصة عن القرارات محل الاعتراض.
كما نظّمت النقابة وقفات احتجاجية أمام جميع المحاكم الابتدائية يومي 29 مايو و18 يونيو، في توقيت موحّد بدءًا من الساعة الواحدة ظهرًا. وامتنعت عن حضور الجلسات أمام محاكم الجنايات في عموم الجمهورية يومي 18 و19 مايو، مشددة على إحالة أي محامٍ يخالف هذا القرار إلى التحقيق التأديبي، مع وقف مزاولته للمهنة وحرمانه من الخدمات النقابية لحين انتهاء التحقيق.
واستقبل نقيب المحامين عبد الحليم علام، خلال الأيام الماضية، نظيره في نقابة المهندسين طارق النبراوي بمقر النقابة، مشيدًا بالزيارة التي اعتبرها تجسيدًا للتضامن المهني والوطني، وتعزيزًا لوحدة الصف في مواجهة ما يراه المحامون اعتداءً على حقوق التقاضي.
