في يوم فلسطيني بامتياز، زينته الكوفية الفلسطينية، نظم الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية فرع مصر ندوة تحت شعار" لن نرحل.. فلسطين للفلسطينيين"؛ لإحياء ذكرى النكبة مساء أمس الأربعاء 14 مايو، في مقره بوسط العاصمة المصرية القاهرة.
أكد الحضور أهمية استمرار دعم الصمود الفلسطيني، ووقف جرائم الإبادة الجماعية المستمرة في قطاع غزة، مع بسط المتابعة والدعم إلى الضفة الغربية التي تقدم نموذجًا في التحدي.

"لقاؤنا فعل مقاوم"
"باسمي وباسم إخوتي في الوطن العربي، نُوجّه التحية إلى فلسطين، تحيةً لأرض الشهداء، في مواجهة المشروع الاستعماري الممنهج، كما نشهده اليوم في قطاع غزة من حرب الترويع، والتجويع، والتهجير القسري. إنّ الاحتلال يُعيد اليوم فصول نكبة عام 1948م عبر الإبادة الجماعية للفلسطينيين، وتدمير المؤسسات الدولية، كالأونروا"؛ بدأت آمال الأغا، رئيسة الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية – فرع مصر – كلمتها، قبل أن تطلب من الحضور الوقوف دقيقة حدادًا، وقراءة الفاتحة على أرواح الشهداء.

وأضافت أن "لقاؤنا اليوم ليس احتفالًا، إنما فعل مقاوم حتى لا ننسى، ولا ينسى العالم مع فعله ويفعله العدو بأبناء شعبنا، فعل مقاوم يغذي الذاكرة والهوية الفلسطينية".
ثلاثية الحجر والشجر والبشر
"أيها المارون بين الكلمات العابرة
احملوا أسماءكم وانصرفوا
واسحبوا ساعاتكم من وقتنا، وانصرفوا
وخذوا ما شئتم من زرقة البحر ورمل الذاكرة
وخذوا ما شئتم من صور، كي تعرفوا
أنكم لن تعرفوا
كيف يبني حجر من أرضنا سقف السماء".
باستدعاء أبيات من قصيدة الفلسطيني محمود درويش، ذكّرت المهندسة المعمارية الفلسطينية المصرية، عالية عكاشة، صاحبة كتاب "عمارة المقاومة"، الحضور بعظمة النضال الفلسطيني، موضحةً في كلمتها أن "الحجر والشجر يحفظان الذاكرة الفلسطينية، جيدًا، والفلسطينيون مثل شجر الزيتون جذورهم ممتدة في قاع الأرض ورؤوسهم لأعلى".
كما عرضت مشهدًا من فيلم للفنان المصري الراحل، نجيب الريحاني، وهو يقول، إن عنب فلسطين الحبة منه أكبر من أي حبة عنب في العالم، وعرضت صورًا للحجارة والأشجار حول بيوت الفلسطينيين، في مشهد تظهر فيه البيوت كالنباتات حول الأشجار وبين الحجارة.
وذكرت عالية أن أبرز أنواع الأشجار في فلسطين هي شجرة الزيتون، والتي وصفتها بـ "الشجرة المعمرة، التي لولاها ما كان المثل الفلسطيني :الزيت عمود البيت"، مشيرة إلى أن العديد الأشجار الفلسطينية المميزة في التراث مثل أشجار البرتقال والصنوبر والعنب والتين واللوز والنخيل، عميقة في الذاكرة الوطنية وتحمل رمزية خاصة في فعل المقاومة الفلسطينية".
وفي حديثها لـ فكّر تاني، عقب الندوة، قالت صاحبة كتاب عمارة المقاومة: "الشجر والحجر يحكون حكايتنا، ويقاومان العدو مثلما يقاومهم البشر، نطق الحجر والشجر، برمزيتهما، في فلسطين، ونأمل أن يتعلم منهما البشر وينطقون ضد الإبادة الجماعية، التي تحدث لإخواننا هناك، فلولا الحجر والشجر ما كان للإنسان أن يوجد في فلسطين، البناء الأصلي في فلسطين بدأ بالحجر ابن بيئته تتكيف معه ويتكيف معها، مشيرة لمشروع شيخ المعمارين المصريين حسن فتحي صاحب عمارة الفقراء".
زيف سردية نتنياهو
وفي كلمته، أوضح الدكتور ماجد تربان، أستاذ الإعلام الرقمي بجامعة الأقصى في غزة، أن ما أشارت إليه الدكتورة عالية يندرج ضمن مفهوم السردية، مشيرًا إلى أن الاهتمام، قبل إعلان قيام دولة الاحتلال، كان منصبًّا على ترسيخ الرواية الصهيونية عبر التوراة، حيث ركّزت المنظومة الاستعمارية على الإعلام لنشر مزاعمها بشأن "الحق" في فلسطين وأرض الميعاد.
وأضاف أن الواقع اليوم تغيّر، فبعد عملية "طوفان الأقصى"، ومع تصاعد دور الإعلام الرقمي وانتشار الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، بات بمقدور كل إنسان أن يرى بوضوح خارطة "إسرائيل الكبرى" مطبوعة على أكتاف الجنود الإسرائيليين، الممتدة من النيل إلى الفرات.
وقال تربان:" ذلك إشارة تشمل المنطقة العربية كلها بما فيها السعودية، وهذه سردية رئيس وزراء الاحتلال بنامين نتنياهو الذي يتعامل على أنه المخلص لدولة إسرائيل، فهو يريد تنفيذ مشروع إسرائيل الكبرى عبرنا نحن في فلسطين، لكنه ينسى أن جينات أجدادنا الكنعانيين هى التي تجعلنا قادرين على الصبر والصمود والمقاومة، وكلما دمروا منازلنا وأراضينا عدنا وأعدنا بنائها".
وأضاف أن للاحتلال أذرع إعلامية غربية وعربية، تهيئ للعالم أنهم أصحاب الأرض، واخترعوا مصطلح معاداة السامية لكل من يعارض الصهيونية العالمية، مطالبًا الجميع باليقظة وشمولية المتابعة والدعم قائلًا:" لا تجعلوا عيونكم على غزة فقط، ففي الضفة مثل ما يحدث في غزة، وإن كان بصورة مصغرة"
وأوضح أستاذ الإعلام الرقمي بجامعة الأقصى أن "ما حدث بعد ظهور الإعلام الرقمي أن السردية الفلسطينية وصلت لجميع انحاء العالم، وإلا ما كنا رأينا المظاهرات المتضامنة معنا في كل أنحاء العالم، فبعد 4 شهور من طوفان الأقصى كان بايدن يُشيطن المقاومة، أما الآن فالأمريكان يتفاوضون مع المقاومة".
وردًا على سؤال فكّر تاني عن المطلوب من الإعلام العربي لدعم القضية الفلسطينية، قال ماجد تربان:" إن دعم القضية الفلسطينية يأتي عبر تبيان حجم المقتلة والإبادة الجماعية التي تمارسها آلة البطش الصهيونية تجاه أبناء مجتمعنا الفلسطيني والتركيز على العمل اللأخلاقي الذي يمارسه الجنود الإسرائيليون وينشرونه عبر منصات التواصل الرقمي بكل تفاخر حينما يدمرون المنازل ويقتلعون الأشجار، ويتفاخرون ببربريتهم وصهيونيتهم".
لا عودة عن حق العودة

وتحدث الدكتور سليم التالولي، مسؤول شؤون الجامعات في سفارة فلسطين، عن تعزيز الانتماء الوطني وحماية الهوية الفلسطينية، قائلًا: "إن لكل إنسان وطن يعيش فيه، إلا نحن فوطننا يعيش فينا، فالانتماء معناه أن يشعر الفرد بالولاء والارتباط العميق بوطنه كما يرتبط الطفل بأمه، وللانتماء عدة أنواع منها المعرفي والعاطفي والسلوكي والوطني، ومن مظاهره التمسك بحق العودة، فلا عودة عن حق العودة، والتحدث عن الوطن بفخر واعتزاز، والاعتزاز باللغة والهوية كالشال والعلم الفلسطيني".
وأضاف التالولي أن "الهوية الفلسطينية تعتبر السبب الأول لتمسكنا وتشبثنا بأرضنا الفلسطينية التي تتمثل في الزي الشعبي والغناء الشعبي حتى أكلاتنا الشعبية والعادات والتقاليد الشعبية الفلسطينية، ومنها مقاومتنا للاحتلال، الذي لم يسرق أرضنا فقط، بل يحاول سرقة تراثنا".
حضر الندوة جمع من المصريين والفلسطينيين، من بينهم الدكتورة كريمة الحفناوي، القيادية بحزب الاشتراكي المصري، وجيداء بلبع، ونجوى اقطيفان مسئولة الإعلام بالاتحاد العام للمرأة الفلسطينية فرع مصر.