في شارع السودان بمنطقة المهندسين في الطابق الخامس، يسكن أحمد مجدي مع أسرته داخل شقة 90 مترًا على السطح. يتحمل مشقة صعود الأدوار المرتفعة، لعدم وجود مصعد، مقابل أن يشعر بالستر والأمان، في ظل استحالة حصوله على سكن آخر نظرًا لغلاء المعيشة الذي عصف بالجميع.
مجدي يعمل مهندس نظم إدارة، وهو في شقته الحالية امتدادًا عن والده منذ عام 1992، الذي حصل على تلك الوحدة عندما كانت سطحًا دون منشآت، واستكملها لتكون شقة سكنية، فيما دفع خلو رجل (مقابل نقدي) 20 ألف للمالك.
"أنا هدفع زيادة من فين ومرتبي 3500 جنيه؟ وطبعًا بعد الكلام عن مشروع القانون، امتنع المالك عن تحصيل الإيجار فاضطريت للدفع بالمحكمة 75 جنيهًا، واتقالي هيتم طردنا"؛ يستعرض مجدي حاله بينما يأمل أن يخضع مشروع القانون لمزيد من التدقيق مراعاةً لحاله وحال مئات الآلاف غيره.
الأزمة نفسها تلاحق هانم درويش، 67 سنة. عملت في السابق موظفةً بهيئة التأمينات والمعاشات، بينما حاليًا تستأجر شقة في منطقة السيدة زينب، وتجلس بمفردها بعدما أتمت رسالتها وساعدت أولادها الأربعة في زيجاتهم، فيما يحتدم النقاش في أورقة البرلمان والأحزاب، حول القانون كذلك، وسط مطالبات بالتأني قبل إصدار تشريع يُضر بالمجتمع ويهدد السلام المجتمعي.
وفق مرصد العمران، هناك ما يزيد عن 3 ملايين وحدة بعقود الإيجار القديم في مصر، بين شقق، وبيوت ودكاكين وجراجات، وذلك حسب تعداد السكان والظروف السكنية والمباني لسنة 2017، فيما تسكن الأسر أكثر من نصفها، أو 1.6 مليون وحدة، بغرض السكن، بينما تم تأجير 46% من الوحدات لأغراض غير سكنية، مثل: العيادات والمكاتب الإدارية والمؤسسات الحكومية، والدكاكين والجراجات والمساكن العامة (كالفنادق والمستشفيات والملاجئ).
بين حكم الدستورية ومشروع التعديل
يرى شريف الجعار، رئيس اتحاد المستأجرين، أن أي مناقشات بشأن تعديلات قانون الإيجار القديم يجب أن تنطلق من احترام أحكام القضاء، مشيرًا إلى أن المحكمة الدستورية العليا أصدرت حكمًا ملزمًا يقضي بامتداد عقود الإيجار لجيل واحد فقط من ورثة المستأجر من الدرجة الأولى، وهو حكم نهائي غير قابل للطعن، ويجب أن يُراعى في أي تشريع جديد لتفادي زعزعة الثقة في المنظومة القضائية.

وفي تصريحاته لـ فكر تاني، يرفض الجعار ما يُطرح من مقترحات حول وجود فترة انتقالية، موضحًا أن هذه المقترحات تتعارض مع الحكم القضائي الصادر، ويضيف أن فسخ العقود لا يمكن أن يتم قبل انتهاء الجيل الأول من الورثة، متسائلًا: "هل هناك حكم قضائي نص على إمكانية الفسخ قبل ذلك؟"، معتبرًا أن الحديث عن فسخ مبكر للعقود يمثل خرقًا قانونيًا غير مبرر.
وفيما يتعلق بإيجاد حلول تحقق التوازن بين حقوق المالك والمستأجر، يدعو الجعار إلى الالتزام بنص حكم المحكمة الدستورية، خاصةً فيما يتعلق بتحريك القيمة الإيجارية بطريقة عادلة. ويقترح أن يتم تحديد الزيادات وفقًا لموقع العقار وطبيعته، مع مراعاة الحالات الاجتماعية الخاصة كأصحاب المعاشات ومحدودي الدخل.
ويؤكد كذلك أهمية تفعيل دور اتحاد الشاغلين، والعمل على تحرير الوحدات المغلقة، بالإضافة إلى تطبيق الضريبة العقارية على الوحدات الخاضعة لقانون الإيجار القديم، والتي كانت معفاة بموجب القانون رقم 49 لسنة 1977، على أن تُقسّم القيمة الضريبية بين المالك والمستأجر لتحقيق العدالة.
صوت الملاك
في المقابل، يُشيد الدكتور أحمد البحيري، رئيس جمعية المتضررين من قانون الإيجار القديم، بطرح مشروع القانون داخل مجلس النواب وفتح النقاش بشأنه على نطاق واسع، معتبرًا أن ذلك يمثل خطوة نحو تحقيق التوازن بين حقوق المالك والمستأجر، دون الإضرار بأي من الطرفين.
وفي تصريحاته لـ فكر تاني، يشدد البحيري على أهمية التمييز بين الفئات الاجتماعية عند تحديد القيمة الإيجارية، مضيفًا: "لا يُعقل أن يُساوى من يسكن شقة في بولاق بمن يسكن في الزمالك، أو من يعيش في غرفة بمن يقطن في فيلا"، مطالبًا بإعادة النظر في أسس تسعير الإيجارات بما يعكس التفاوت الحقيقي في الظروف الاقتصادية والمواقع الجغرافية.

ويدعو البحيري إلى تطبيق الفتوى الصادرة عن هيئة الفتوى والتشريع بمجلس الدولة، والتي تقضي بضم النشاط التجاري الطبيعي إلى التجاري الاعتباري، على أن يتحررا سويًا في عام 2027، مع التأكيد على عدم احتساب فترة انتقالية جديدة تمتد خمس سنوات إضافية.
كما يطالب بفصل القانون التجاري عن السكني بشكل واضح، والتعامل مع العقارات المغلقة والعقارات الآيلة للسقوط بطريقة تحفظ أرواح المواطنين، متسائلًا عن مدى منطقية الإبقاء على هذه الوحدات خلال فترة انتقالية قد تهدد السلامة العامة.
ويقترح البحيري إنشاء نظام لإقرار الذمة المالية للمستأجرين، يُقدّم لجهة حكومية مختصة، بهدف تقييم القدرة المالية على تحمل الزيادات المحتملة في الإيجار. ويضيف أنه يمكن دعم غير القادرين من خلال صندوق دعم المستأجر، المنصوص عليه في قانون البناء، على أن يتم تمويله من حصيلة الضرائب العقارية بعد تفعيلها، وتُسدد من قبل المالكين.
صوت المستأجرين
يستكمل أحمد مجدي، تعليقًا على المدة المطروحة في مشروع القانون المحددة بـ 5 سنوات، فيذكر أن المستأجر يبقى هو المتضرر الأصلي أكثر من المالك نفسه. "هتّرمي في الشارع لو القانون الجديد اتفعل والمرتب ما بيكفيش وكان اتفاقنا مع المالك بإن العقد ممتد لـ 5 أجيال لحد ما صدر حكم المحكمة الدستورية بقصر فترة العقد على جيل واحد".
ويتساءل: "هنروح فين لو تم تطبيق نظام الـ 5 سنوات كفترة انتقالية، ازاي هتطلب من شخص عاش في منطقة بمستوى محدد إنه يمشي منها.. يعني أكون عايش جنب واحد كان ساكن في عيشة تانية، وايه الفرق بين اللي عايزين يعملوه معانا والتهجير القسري".
يقترح مجدي تصورًا لحل الأزمة يقوم على شراكة بين المالك وأحد المقاولين، بموافقة المستأجرين، تهدف إلى هدم العقار القائم وبناء برج سكني جديد، يحصل فيه المالكون والمستأجرون على وحدات سكنية داخل المبنى ذاته، ما يسهم - برأيه - في إنهاء النزاع وتحقيق مصلحة الأطراف كافة.
هانم درويش، تقيم في شقتها منذ أكثر من 30 عامًا بموجب عقد رضائي مع المالك. وهي تعرب عن قلقها من مشروع القانون الجديد المعروض على البرلمان، مؤكدةً أنها لا تعاني من أي خلاف مع المالك، بل من "مشروع القانون الذي يهدد استقرارها".
في حديثها لـ فكر تاني، تقول: "لم أقتحم ملكية أحد، أعيش هنا بشكل قانوني منذ عقود وأدفع إيجارًا قدره 20 جنيهًا، ولا توجد أي خصومة مع المالك". لكنها تعبّر عن خشيتها من أن "يوفر القانون الجديد سندًا قانونيًا للمالك لإخلائها".
تنتقد هانم بشدة المقترحات الخاصة بزيادة القيمة الإيجارية إلى 1000 جنيه، مع رفع سنوي بنسبة 15%، معتبرةً أن ذلك "غير منصف"، خاصةً في ظل أوضاع اقتصادية صعبة لكثير من الأسر.
وتضيف بقلق: "نفسي أموت في شقتي، مش عاوزة أتنقل لوحدة الحكومة تجيبها"، مؤكدةً أن المالك يمتنع باستمرار عن إجراء أعمال الصيانة اللازمة بحجة تدني الإيجار، ما يؤدي إلى تدهور حالة العقار مع مرور الوقت.
في محافظة الإسكندرية، لم يختلف حال هدى الحمام، إحدى المستأجرات القاطنات في منطقة محرم بك داخل شقة 170 مترًا بعمارة 4 طوابق.
الأزمة واحدة، تجلس هدى مع ابنتها بعدما كانت متزوجة معها بذات الشقة.
هدى مدرسة بالمعاش تحصل على 3500 شهريًا وتسكن بالشقة منذ 30 عامًا بـ 8 جنيهات. وفي حديثها لـ فكر تاني تؤكد أنها ليس ذات قدرة مادية كافية لشراء شقة بالإسكان الاجتماعي، بينما تضطر إلى دفع القيمة الإيجارية لمسكنها في المحكمة، لأن المنزل على المشاع.
"هجيب شقة منين وبكام مليون، مش رافضة الزيادة بس 1000 جنيه دي كتير.. لما أدفع 1000 جنيه من المعاش الـ 3500 أجيب علاج ازاي".
هل انتصرت الحكومة للملاك والاقتصاد الحر فقط؟
اللافت في الأمر أن أحزاب الموالاة والمعارضة تبدي أيضًا تحفظها على المقترحات الحكومية بشأن التعديلات المرتقبة لقانون الإيجار القديم، محذّرةً من تداعيات اجتماعية واقتصادية خطيرة إذا ما تم تمرير المشروع بصيغته الحالية.

يقول سيد الطوخي رئيس حزب الكرامة، في تصريح لـ فكر تاني، إن مشروع القانون المطروح "جائر ويهدد السلام الاجتماعي"، معتبرًا أن الحكومة تتعامل مع الملف بمنطق "رأسمالي غير عادل" يفتقر إلى مراعاة الأغلبية من المواطنين. وتساءل: "كيف لقانون أن يطرد ملايين الأسر من مساكنها؟"، محذرًا من أن "الاستخفاف بقضايا السكن قد يؤدي إلى كارثة اجتماعية".
ويستدل الطوخي بما جرى في جزيرة الوراق كمثال على رفض الناس التهجير، مؤكدًا أن "الناس مش هتسيب بيوتها"، مشددًا على ضرورة اتباع نهج تدريجي عادل في تحريك القيمة الإيجارية، يحقق توازنًا بين حقوق المالكين وظروف المستأجرين.
ويتهم الحكومة بالانحياز الدائم لفكرة "اقتصاد السوق الحر" وتقديم امتيازات للملاك، في إطار استجابة لضغوط صندوق النقد الدولي، قائلًا: "هذا القانون لن يمر إلا على جثث الناس"، بحسب تعبيره.
ويشير إلى أن تمرير المشروع سيؤدي إلى ارتفاع كبير في أسعار التمليك، مضيفًا: "أقل شقة في الإسكان الاجتماعي تجاوزت المليون جنيه، وهذه الشريحة لا تملك بدائل واقعية".

وقد استضاف حزب الكرامة مؤتمرًا عامًا لرابطة المستأجرين والجبهة الشعبية للعدالة الاجتماعية "حق الناس"، حضره عدد من المتضررين من مشروع القانون، إلى جانب قيادات حزبية وممثلين عن المجتمع المدني، حيث جرى التأكيد على رفض نصوص القانون المقترحة.
وخلال المؤتمر، شددت كريمة الحفناوي، القيادية في الحزب الاشتراكي المصري، على ضرورة التمسك بالحقوق المشروعة للمستأجرين، مؤكدة أن "السكن الآمن حق أصيل لا يجوز التفريط فيه".
ومن جانبه، أعرب الدكتور زهدي الشامي، رئيس مجلس أمناء حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، عن رفضه لما ورد بالمشروع من بنود تتعلق بفترة انتقالية تنتهي بفسخ العقود بعد خمس سنوات، واصفًا ذلك بأنه "هدّام للاستقرار السكني".
وانتقد الشامي الزيادات المقترحة في القيمة الإيجارية، والتي وصفها بـ"الجائرة"، لافتًا إلى أن رفع الإيجار السكني إلى 20 ضعفًا، بما لا يقل عن ألف جنيه، والتجاري إلى خمسة أضعاف، يتجاوز ما نص عليه حكم المحكمة الدستورية، والذي اقتصر على إلغاء لجان تحديد الأجرة المنصوص عليها في قانون 136 لسنة 1981، دون أن يشمل جميع العقارات غير الخاضعة لتلك اللجان.
لكي نتجنب التشريد المقنن
وترى جيهان مديح، رئيسة حزب مصر أكتوبر، أن تحقيق العدالة في ملف الإيجار القديم يتطلب حماية متوازنة لحقوق المالك والمستأجر، دون المساس بأمن المواطنين أو تهديد استقرار كبار السن، والنساء المعيلات، وأصحاب المعاشات، ومحدودي الدخل.

وتقول مديح في تصريحاتها لـ فكر تاني، إن إنهاء العلاقة الإيجارية بعد فترة زمنية محددة من دون توفير بدائل سكنية مناسبة يُعد "تشريدًا مقنّنًا" لفئات سكنية استقرت في مساكنها لعقود.
وتضيف أن دعم العلاقة الإيجارية يجب أن يكون واقعيًا عبر تدخل فعلي من الدولة، وليس مجرد إنشاء صناديق أو إطلاق وعود بلا تنفيذ.
وتشدد على ضرورة عدم طرد أو إخلاء أي مستأجر بعد الفترة الانتقالية ما لم يتم التأكد من تأمين سكن بديل، مطالبة باستمرار العلاقة الإيجارية تلقائيًا للحالات الإنسانية، مع تثبيت أو دعم القيمة الإيجارية عبر الدولة.
وتقترح مديح إدراج تمويل صندوق دعم المستأجرين ضمن الموازنة العامة للدولة بصورة إلزامية، بعيدًا عن الاعتماد على التبرعات، لضمان استدامة الدعم وتحقيق العدالة الاجتماعية.
صراع الإيجار القديم تحت قبة البرلمان
وتحتدم النقاشات داخل البرلمان حول مشروع قانون الإيجار القديم، بعد مطالبة بعض النواب بفرض حظر نشر على تفاصيل التعديلات لحين صدورها رسميًا، وهي الدعوة التي رفضتها الحكومة خلال جلسات الاستماع المنعقدة يوم الأحد 11 مايو، لمناقشة مشروعي القانونين المقدمين منها.

ويقول النائب إيهاب منصور، رئيس الهيئة البرلمانية للحزب المصري الديمقراطي، إن استمرار الغموض دون تشريع واضح سيؤدي إلى لجوء الملاك والمستأجرين للمحاكم، مما يضاعف من معاناة الطرفين.
ويؤكد في حديثه لـ فكر تاني، أن جلسات الاستماع لا تزال قائمة، داعيًا لإعادة النظر في بنود المشروع، خاصة ما يتعلق بالقيمة الإيجارية التي يجب أن تحدد وفقًا لشرائح تراعي أصحاب المعاشات ومتلقي الدعم الحكومي مثل "تكافل وكرامة".
ويعرب منصور عن شكوكه في قدرة الحكومة على توفير بدائل سكنية كافية، مستشهدًا بإخفاقها السابق في ملف التصالح بمخالفات البناء. كما يشير إلى الحاجة لرأي فقهي دستوري حول المقترحات المتعلقة بالفترة الانتقالية، ومبدأ الامتداد القانوني للجيل الأول فقط، وما إذا كان تحديد مدة 5 سنوات واقعيًا في ظل وجود عقارات آيلة للسقوط لا تتحمل هذا التأجيل.
ومن جهة أخرى، يؤكد أن تحريك القيمة الإيجارية يجب أن يتم عبر نظام شرائح، مشيرًا إلى التفاوت الحالي غير المنطقي بين من يدفع 50 جنيهًا في وسط القاهرة، وآخر يدفع 1000 جنيه لشقة لا تتجاوز 30 مترًا.

ويرى المستشار هشام حمودة، رئيس محكمة استئناف القاهرة الأسبق، أن القانون المقترح يوازن بين مصلحتين: الأولى هي مصلحة المالك، الذي يعاني من تدني العائد الإيجاري مقارنة بتكاليف الصيانة والضرائب، ما يحد من قدرته على الانتفاع بملكه. والثانية تتعلق بالمستأجر الذي يخشى التغييرات المفاجئة التي قد تقوض استقراره السكني، خاصة الفئات الأضعف مثل كبار السن ومحدودي الدخل.
ويعتبر حمودة أن التعديلات المقترحة تمثل "خطوة جريئة" نحو تحقيق العدالة بين الطرفين، مع إشادة بتوجه الحكومة لاعتماد نهج تدريجي لتطبيق القانون عبر فترة انتقالية مدتها 5 سنوات، بما يضمن حماية الفئات غير القادرة ويحد من الأضرار الاجتماعية المحتملة.