ترامب في الشرق الأوسط.. سياسة تقود إلى الفوضى وزعزعة الاستقرار

إن السياسة الخارجية التي تتبناها إدارة ترامب، والقائمة على مبدأ "أمريكا أولًا"، تعرقل جهود حل النزاعات الإقليمية وتقوض التعاون بين دول المنطقة. هذه السياسة، التي تعطي الأولوية للأفعال الأحادية والعلاقات التبادلية المبنية على الصفقات، تزيد من حدة عدم الاستقرار، خاصةً من خلال مقترحات مثيرة للجدل مثل تهجير سكان غزة.

وبينما يرى البعض أنها قد تفتح الباب أمام اتفاقيات جديدة، على غرار ما يحدث مع إيران، يرى أغلب المراقبين أن هذا النهج ينطوي على مخاطر جمة. من بين هذه المخاطر: تنفير الحلفاء، وتمكين المتطرفين على الجانبين، وتصعيد التوترات المتأججة بالفعل في منطقة الشرق الأوسط.

الواقع أن ترامب لا يتبنى استراتيجية متماسكة وشاملة للشرق الأوسط، بل مجموعة من الأولويات والتوجهات، مع التركيز على ملفات معينة ترسم ملامح نهجه في المنطقة. وتتسم الأهداف التي يطرحها بقدر من التضارب؛ فالأهداف المعلنة، مثل دعم الهيمنة الإقليمية الإسرائيلية، والسعي المتزامن لإنهاء الحرب في غزة، والتوصل إلى اتفاق مع إيران، وتوسيع اتفاقات التطبيع لتشمل السعودية، تبدو متعارضة إلى حد كبير.

إن الاستيلاء المقترح للرئيس ترامب على غزة، ودعمه المفترض لضم إسرائيل للضفة الغربية، إجراءات من شأنها أن تعرقل اتفاقيات التطبيع الأخيرة في الشرق الأوسط، المعروفة باسم اتفاقيات إبرهام، وقد تؤدي إلى انهيار معاهدات السلام العربية الإسرائيلية الأساسية مع مصر والأردن. ويمكن اعتبار مثل هذه التحركات تجاهلًا للقانون الدولي وحقوق تقرير المصير، الأمر الذي قد يؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار الإقليمي. رفض القادة العرب بشدة طرد الفلسطينيين من غزة، وأكدوا أن التطبيع مع إسرائيل يستلزم إنشاء دولة فلسطينية.

ويشير هذا إلى أن تبني نهج يعطي الأولوية للمصالح الإسرائيلية على حساب الحقوق الفلسطينية قد يعيق التعاون الإقليمي الأوسع وجهود حل النزاعات، بل وقد يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية وانهيار بعض الدول في الشرق الأوسط نتيجة لنزوح الفلسطينيين.

سياسة الصفقات

إن سياسة الرئيس ترامب قائمة على الصفقات، وتركز على المكاسب الفورية للولايات المتحدة، على حساب التحالفات والعلاقات طويلة الأمد. يؤدي هذا النهج إلى تآكل الثقة والاستقرار اللذين عززتهما السياسة الخارجية الأمريكية التقليدية، المبنية على التحالفات، على مدى عقود.

إن إذلال الحلفاء وإجبارهم على إعادة التفاوض - كما حدث مع أوكرانيا - يؤدي إلى إضعاف التحالف الغربي، الذي كان بمثابة ركيزة أساسية للاستقرار العالمي. وفي الشرق الأوسط، يترجم هذا إلى شراكات أقل موثوقية لحل النزاعات والتعاون الإقليمي، واندفاع نحو البحث عن الأمن الذي كانت الولايات المتحدة توفره لبعض حلفائها.

إن ميل ترامب إلى تجاهل التشاور مع الحلفاء والشركاء الإقليميين، وتجاهله العام للقواعد والأعراف الدولية، يقوض القدرة على بناء الدعم الدولي والإقليمي الواسع اللازم لمكافحة التطرف العنيف وتحقيق الاستقرار بشكل فعال.

إن سعي ترامب إلى عقد صفقات مع روسيا والصين، على حساب التحالفات التقليدية، قد يؤثر بشكل غير مباشر على الشرق الأوسط من خلال تغيير المشهد الجيوسياسي الأوسع. فالنجاح في السياسة الخارجية، خاصةً في عالم متعدد الأقطاب، يتطلب حشد دعم الشركاء واستخدام التحالفات، وهو ما يتجاهله ترامب، الذي ينظر إلى الحلفاء باعتبارهم أعباء أو متطفلين.

وفي حين أن ترامب مهتم بإبرام الصفقات، مثل الاتفاق النووي الجديد مع إيران، إلا أن نهجه القائم على المساومة وافتقاره إلى استراتيجية متسقة سببان "للفوضى". ويتطلب الاستقرار سياسة مشاركة مستدامة ومتعددة الأطراف ورؤية واضحة لمنطقة خالية من التأثير المدمر لعدم الاستقرار الهيكلي، وهو ما يبدو أنه مفقود.

إن نهج ترامب تجاه إيران يعتمد على التنسيق مع إسرائيل فقط، متجاهلًا الحاجة إلى دعم دولي أوسع من دول مثل الصين، ودول الشرق الأوسط التي ستتأثر مباشرة بهذه العلاقة، والحلفاء الأوروبيين.

هذا التركيز الثنائي الضيق لن يكون كافيًا دون دعم دولي أوسع من دول مثل الصين وروسيا والعواصم الأوروبية، بالإضافة إلى دول الشرق الأوسط.

إن عدم حشد الدعم الدولي قبل التعامل مع إيران يكرر الأخطاء السابقة، ويقلل الدعم عندما تحدث تحولات في السياسة.

الموقف الأكثر حزمًا يخلق فرصًا لعقد "صفقات كبرى"، كما هو الحال مع إيران. الموقف الأمريكي القوي قد يجبر الخصوم على التفاوض.

ومع ذلك، فإن هذا النهج يحمل في طياته أيضًا خطر تنفير الحلفاء وتصعيد التوترات إذا لم تُعالج الجذور العميقة للمشكلات.

يصف ترامب بأنه "قليل الصبر"، ولديه رغبة في أن يكون "زعيمًا قويًا وحاسمًا"، لكنه يفتقر إلى التفكير طويل الأمد بشأن العواقب الأوسع لأفعاله.

تتضمن السياسة الأمريكية الآن استخدام التهديدات أو المواقف المتطرفة للضغط على الجهات الفاعلة الإقليمية لاتخاذ إجراءات محددة. على سبيل المثال، فقد فُهم اقتراح ترامب بالاستيلاء على غزة تكتيكًا لدفع الدول العربية إلى تحمّل المزيد من المسؤولية عن الإقليم. ومع ذلك، فإن هذا يُنظر إليه بشكل سلبي ويأتي بنتائج عكسية، مما يؤدي إلى الاستياء والافتقار إلى التعاون الحقيقي.

إن السياسة التي تدعم إسرائيل بقوة على حساب الفلسطينيين، تؤدي إلى تأجيج الغضب العام في الدول العربية، مما قد يؤدي إلى زعزعة استقرار الأنظمة، وتأجيج التطرف العنيف. وفي حين أن ترامب رفض دعم رغبة نتنياهو في ضرب المنشآت النووية الإيرانية، إلا أن التهديد بالعمل العسكري جزءٌ من نهجه المعلن. ولا شك أن إمكانية التصعيد، وخاصة إذا فشلت المفاوضات، تنطوي بطبيعتها على مخاطر عدم الاستقرار.

إن تقليص عدد الموظفين الدبلوماسيين وموظفي المساعدات الأجنبية، وتجميد المساعدات، وتعليق برامج التنمية الاقتصادية، يعمل على إضعاف الأدوات اللازمة لجهود تحقيق الاستقرار.

إن تجميد مساعدات الاستقرار لدول مثل العراق وسوريا واليمن، يُقوّض الجهود المبذولة لتوفير الاحتياجات المدنية والاقتصادية للسكان. وإن إجراءات مثل إنهاء إعفاء العراق من العقوبات المفروضة على الكهرباء الإيرانية، تؤدي إلى إضعاف البنية التحتية الهشّة للعراق بشكل أكبر. وإن إعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية، من شأنه أن يزيد من تفاقم الوضع الإنساني في اليمن. لم يتطرق الاتفاق الأخير مع الحوثيين إلى أبعاد الأزمة الإنسانية المتفشية بين اليمنيين.

تظل الولايات المتحدة أيضًا على الهامش إلى حدٍّ كبير في التعامل الدبلوماسي مع الحكومة الجديدة في سوريا التي تُعبّر عن رغبتها في مواجهة النفوذ الإيراني ومحاربة الإرهاب. الدول الضعيفة والفقيرة هي المكان الذي تزدهر فيه شبكات الإرهاب، ويتفاقم فيه عدم الاستقرار.

في سوريا، في حين اتخذت الحكومة الجديدة بقيادة أحمد الشرع خطوات ضد النفوذ الإيراني وتسعى إلى التعاون مع الولايات المتحدة لمحاربة داعش، ظلت الولايات المتحدة إلى حدٍّ كبير على هامش المشاركة الدبلوماسية، على عكس الزعماء الإقليميين والأوروبيين.

القيادة السورية الجديدة بحاجة إلى الدعم الدولي وتخفيف العقوبات لتحقيق الاستقرار في البلاد.

يسعى ترامب لتنظيم قواعد الاشتباك بين تركيا وإسرائيل في سوريا؛ إلا أن استمرار العدوان الإسرائيلي على سوريا وضم الأراضي وقتل المدنيين، وتأليب الأقليات السورية على بعضها البعض بغية تقسيم سوريا أو على أقل تقدير إضعاف الحكومة المركزية، ويحدث هذا في الوقت الذي تأخّرت فيه الإدارة الأمريكية عن رفع العقوبات، كل هذا من شأنه أن يجعل الحكومة السورية الجديدة عاجزة عن توفير الأمن والمتطلبات الحياتية لمواطنيها، ويخلق فراغًا لن تملأه إلا داعش.

تعبئة التطرف العنيف

إن تصرفات رئيس الوزراء نتنياهو تساهم في استمرار الحرب في غزة. إنه يطيل أمد الصراع لإرضاء ائتلافه اليميني المتطرف وتجنّب التحقيق في مسؤوليته عن هجوم السابع من أكتوبر. واستمرار الحرب أمرٌ مزعزع للاستقرار بطبيعته. علاوة على ذلك، يُتّهم نتنياهو من قبل المعارضة الإسرائيلية وعائلات الرهائن بإطالة أمد الحرب لتجنّب محاكمته بتهمة الفساد واحتمال البقاء خارج السجن. ويرى أحد المراقبين أن نتنياهو يعتقد أن "الحرب الدائمة هي صديقته"، لأنه يستخدمها للحفاظ على قبضته على السلطة.

إن خطاب ترامب بشأن التهجير القسري يُشجّع الوزراء الإسرائيليين اليمينيين المتطرفين، ويدعم نتنياهو في تبنّي سياسات أكثر تطرفًا. وهذه السياسات قد تدفع الأردن وإسرائيل نحو مسار تصادمي. الأردن تُقاوم السياسات التي تهدد استقرارها. والنظام الأردني حساسٌ جدًا لتدفّق اللاجئين الفلسطينيين. إن هدف ضم الضفة الغربية وغزة وتهجير الفلسطينيين مرتبطٌ باعتماد نتنياهو على ائتلافه الحزبي القومي الديني.

إن الصراع المستمر في غزة، والذي يرجع أساسًا إلى تصرفات نتنياهو واحتياجاته السياسية، قد أعاق بشكل مباشر هدف ترامب المعلن المتمثل في توسيع اتفاقيات إبراهيم لتشمل المملكة العربية السعودية.

وبينما حاول مبعوث ترامب، ستيف ويتكوف، التوسّط في وقف إطلاق النار في غزة، كان نتنياهو مترددًا في التفاوض على المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار، لتجنّب مشاكل الائتلاف الداخلي. وأدى هذا التردد إلى توقّف الصفقة، مما حال دون إطلاق سراح الرهائن وتسليم المساعدات، مما أدى إلى استئناف القتال. وترامب لم يضغط على نتنياهو للتفاوض على هذه المرحلة.

إن الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الفلسطينيون من قبل حليف للولايات المتحدة هي مظلمة أساسية لجماعات مثل القاعدة. ومن المتوقع أن تؤدي إلى إعادة تنشيط الإرهاب الذي يستهدف الولايات المتحدة والذي قد يمتد ليطال بعض الأنظمة في المنطقة.

يُنظر إلى اقتراح ترامب بالاستيلاء على غزة مع إمكانية الموافقة على ضم الضفة على أنه يُضفي جوهرًا قويًا على الرواية القائلة بأن الولايات المتحدة هي التهديد الحقيقي. وإن هذا الاقتراح، إلى جانب تجاهل ترامب الملحوظ للمعايير الدولية، من الممكن أن يؤدي إلى حشد الجماعات المتطرفة ضد الأمريكيين.

يزعم كلا من ترامب ونتنياهو أن التوسع الإقليمي هو حقٌّ إلهي. وشعارات مثل "من خليج أمريكا إلى جرينلاند" و"من الضفة الغربية إلى غزة" -مجرد أمثلة، لكنها تدعم في المقابل الروايات التي تجعل الصراع في فلسطين هو بين اليهود والمسلمين، أي صراع على الهوية. صراعات الهوية صراعات وجودية لا يمكن الاتفاق فيها على تسويات، فكل طرف يحرص على القضاء التام على الآخر.

يقود ترامب ونتنياهو دولتيهما نحو قومية عرقية ضيقة ووحشية تؤمن بالقوة والحقوق فقط للرجل الأبيض المحافظ في أمريكا، ولليهود في فلسطين.

هل يؤدي هذا النهج إلى مزيد من تأجيج صراعات الهوية في المنطقة في ظل سعي إسرائيل إلى رعاية ودعم بعض الأقليات العرقية والدينية في المشرق العربي، ورغبة بعض الدول الأوروبية في حماية هذه الأقليات في استعادة للدور الاستعماري القديم؟

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة