قانون عمل جديد.. تطلعات للإصلاح تصطدم بواقع الأزمات العمالية

رغم مرور أيام قليلة على دخول قانون العمل الجديد رقم 14 لسنة 2025 حيّز التنفيذ، تصاعدت موجة الاحتجاجات والإضرابات العمالية في عدد من كبرى المصانع المصرية، ما أثار تساؤلات واسعة حول مدى فعالية القانون الجديد، وقدرته على إنهاء كثير من ممارسات الإدارات.

الحكومة نفسها وبعد تصديق رئيس الجمهورية، احتفت بالقانون، واعتبرته خطوة تنظيمية تضمن التوازن بين أصحاب الأعمال والعمال، إلا أن الواقع يؤكد تواصل مشاهد التوتر والتصعيد، من وقف تعسفي عن العمل، وتجاهل للمطالب النقابية، وتمييز بين العمال المعينين وغير المعينين، إلى محاولات تمرير صفقات مالية مثيرة للجدل دون شفافية أو مشاركة حقيقية من العمال.

أزمة الشوربجي.. تدخل نيابي وقانون لم يمنع التصعيد

بعد أيام من التظاهر والإضراب، استأنف عمال شركة النصر للغزل والنسيج "الشوربجي" سابقًا أعمالهم. لم يكن ذلك بفعل القانون الجديد، بل بعد تدخل البرلمانية نشوى الديب، والتي خاضت تفاوضًا لأيام مع وزير قطاع الأعمال محمد الشيمي، ورئيس القابضة للقطن والغزل أحمد شاكر، وإدارة الشوربجي.

نشوي الديب
نشوي الديب

مئات من عمال هذا المصنع أضربوا احتجاجًا على قرار الإدارة زيادة أيام العمل إلى ستة بدلًا من خمسة، وقد طالبوا وقتها بتراجع عن القرار، وعودة اللجنة النقابية، وزيادة الأجور، وتثبيت العمالة المؤقتة منهم، والاعتراف بحقهم في الإجازات الرسمية التي يُجبرون على العمل خلالها دون مقابل. وهو ما ردّت الإدارة عليه بالتصعيد، وحققت مع عاملين من المشاركين في الإضراب، ثم أوقفتهم عن العمل منذ الرابع من مايو وحتى إشعار آخر، مُهر بـ (انتهاء التحقيقات).

وقد انتهت المفاوضات، بحسب مصطفى عرفة رئيس اللجنة النقابية، بفض الإضراب مقابل صرف 50 جنيهًا يوميًا لكل عامل (300 جنيه أسبوعيًا)، مع القبول بزيادة أيام العمل لستة، والمساواة في الرواتب مع شركة "وولتكس" للعمال المعينين فقط.

ووعدت النائبة، في لقاء مصور - حصلت فكر تاني على نسخة منه - في حضور مسؤولين، بالنظر في وضع عمال العقود اليومية، وإلغاء الجزاءات بحق ستة من العمال، وإلغاء فصل عاملتين.

تقول إحدى العاملات اللاتي يخضعن لنظام الأجر اليومي، لـ فكر تاني، إن التفاوض ظلمهم، إذ لم يتم الاتفاق على تغيير عقودهم إلى سنوية، ولم يطبق عليهم مبدأ المساواة في الرواتب مع "وولتكس"، خاصةً وأن مرتباتهم لا تتعدى 2500 جنيه، ما يوضح قصور القانون الجديد عن حماية كل الفئات.

من عمال الشوربجي للشرقية للدخان.. الهم والتعسف واحد

تتبع إدارات الشركات، عامة وخاصة، النهج نفسه في التعامل مع أزمات عمالها. فما حدث مع عمال الشوربجي تزامن مع أزمة عمال الشركة الشرقية للدخان "إيسترن كومباني"، وقد أوقفت الإدارة برئاسة هاني أمان ستة من العمال ومنعتهم من دخول الشركة، وخصمت علاوة من 18 آخرين.

الشركة الشرقية للدخان
الشركة الشرقية للدخان

وكان رئيس اتحاد المساهمين، أشرف عموري، دعا لجمعية عمومية في 21 فبراير للتصويت على العرض المقدم من شركة "أي إف جي هيرميس لترويج"، وتغطية الاكتتاب نيابة عن أحد عملائها لشراء كامل الأسهم المملوكة للاتحاد في رأس مال الشركة، وبسبب سوء التنظيم ألغيت الجمعية العمومية وتمت الدعوة لها في موعد آخر.

يقول أحد العمال، لـ فكر تاني، إن الجمعية التالية عُقدت في 19 أبريل، ورفض العرض بالأغلبية. وقد أعادت الإدارة التصويت ورقيًا بإشراف قضائي، فجاءت النتيجة بالرفض مجددًا.

ووفق العامل، فإن حصة الـ 5.2%، تعادل 157 مليون سهم، وتُقدر بنحو 15 مليار جنيه، بينما عرض الشراء كان 5 مليارات فقط. ويشير إلى أن الإدارة حشدت العمال للموافقة على البيع قبل الاجتماع الأول، في غياب تفاصيل البيع.

وكان مجلس إدارة الشركة حصل على تفويض من الجمعية العمومية 7 آلاف عامل ببيع الحصة.

ويلفت العامل إلى أن الجزاء المُعد لـ 25 عاملًا كان الفصل، لكن الإدارة تراجعت إلى وقف ستة منهم عن العمل منذ 29 أبريل، وتخفيض درجة 18 آخرين بخصم علاوة، ما دفعهم إلى تقديم شكوى بمكتب العمل.

وقد تواصلت فكر تاني مع مساعد رئيس اللجنة النقابية وليد هُليل، للرد، لكنه تحفظ على التصريح لحين رد القوى العاملة.

وقدم إيهاب منصور، رئيس الهيئة البرلمانية للمصري الديمقراطي ووكيل القوى العاملة، طلب إحاطة لرئيس الوزراء ووزيري قطاع الأعمال والعمل، بشأن قرارات الفصل والجزاءات التعسفية بالشرقية للدخان، لإجبار الجمعية على قبول عرض الـ 5 مليارات جنيه بدل القيمة الحقيقية 15 مليار جنيه، ما يشير إلى أن القانون الجديد لم يمنع هذه الممارسات.

قانون عمل جديد وتعسف بيزيد

لم يحمِ قانون العمل الجديد عمال شركة وبريات سمنود من استمرار التعسف، والاختيار الانتقائي في تطبيق الحد الأدنى للأجور على عدد قليل (رؤساء قطاع)، بينما غالبية العمال يتقاضون أجورًا متدنيةً تصل لـ 3700 جنيه كحد أقصى.

وبحسب عامل - تحفظ على ذكر اسمه - لـ فكر تاني، لم تكتفِ الإدارة بالتعنت في تطبيق الحد الأدنى، بل تراجعت عن وعد بزيادة مقررة.

شركة وبريات سمنود
شركة وبريات سمنود

يقول العامل إن رئيس مجلس الإدارة، سعد الدين عبد ربه، لوّح سابقًا بالاستقالة وطالب العمال بتصوير فيديوهات مؤيدةً له، وهو ما رفضه كثيرون، وقد دفعه ذلك للتعنت ضدهم.

وقد خاض عمال الشركة إضرابات للمطالبة بالحد الأدنى أسوة بشركات أخرى، مما أدى للقبض على عدد منهم ثم الإفراج عنهم بعد تدخل نواب وتنازل الإدارة عن المحاضر. وما يزال النقابي هشام البنا مفصولًا تعسفيًا، في دليل على استمرار التحديات رغم القانون الجديد.

المئات من عمال "إينوفا" دون دخل

تختلف معاناة عمال إينوفا للسيراميك بالفيوم، فهم لا يعانون فقط من ضعف المرتبات بل من فصل العشرات بحجة التعثر المالي.

أحد العمال كشف، لـ فكر تاني، إن الإدارة تضغط على العمال للخروج على المعاش المبكر، مشيرًا إلى مخاوفهم من ضعف المعاش مقارنة بالراتب (حتى لو كان ضعيفًا).

عمال "إينوفا"
عمال "إينوفا"

فصلت الإدارة حوالي 350 عاملًا (بينهم 57 عاملة). وبعد تدخل محافظ الفيوم ونواب، تم صرف منحة من صندوق الطوارئ بوزارة القوى العاملة لستة أشهر (الراتب التأميني فقط).

إحدى العاملات تصف وضعها لـ فكر تاني: "غاية السوء، مش لاقيين العيش الحاف" بعد توقف المنحة، وعدم تمديدها لـ 12 شهرًا كما ينص القانون.

هذه العاملة فصلتها الإدارة وزوجها (56 عامًا)، وأصبحا بلا عمل في سن يصعب إيجاد فرصة أخرى فيه، خاصةً في المحافظات.

تُظهر هذه الحالات أن مجرد إصدار قانون عمل جديد لا يكفي لضمان حقوق العمال. فمع استمرار ممارسات الإدارات، تبرز الحاجة ليس فقط لنصوص عادلة، بل لآليات رقابة وتطبيق فعالة، وإرادة سياسية حقيقية، وضمان مشاركة العمال في صياغة القرارات التي تمسهم. بدون ذلك، سيبقى "الهم واحد والتعسف واحد"، بغض النظر عن أرقام القوانين.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة