أثبت الحوثيون أنهم يشكلون تحديًا متصاعدًا وعنيدًا أمام إسرائيل والولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط. ففي تطور لافت، نجحت الجماعة اليمنية في الرابع من مايو 2025 في إصابة منطقة قريبة من مطار بن جوريون، قلب البنية التحتية الجوية لإسرائيل، بواسطة صاروخ باليستي، متخطيًا بذلك الدفاعات الجوية الإسرائيلية والأميركية ليضرب في العمق المحتل، ما أصاب 8 أشخاص، وأوقف حركة الملاحة الجوية مؤقتًا، وأدى إلى إرباك في القيادة الإسرائيلية.
هذه الحادثة دفعت رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والمجلس الأمني المصغر إلى مطالبة الجيش بتقديم خطط هجومية لردع الحوثيين. كما حذر وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس من أن الرد سيكون قاسيًا، قائلًا في بيان: “سنضرب كل من يهاجمنا سبعة أضعاف”، ثم نفذت إسرائيل والولايات المتحدة 8 غارات جوية مشتركة استهدفت ميناء الحديدة، وهو الأمر الذي ردت عليه الجماعة اليمنية بإعلان حصار جوي على إسرائيل.
ربما ما يقرأ من الهجوم الحوثي على إسرائيل ليس حجم الخسائر مقارنة بغارات الرد المشتركة، وإنما ما حمله هذا الهجوم من رسالة سياسية يبدو أنها وصلت بوضوح، وفقًا لمصدر إسرائيلي نقلت عنه وكالة بلومبرج، أشار إلى أن الرأس الحربي للصاروخ احتوى على أقل من خُمس الحمولة القياسية من المتفجرات، ما قد يشير إلى أن الحوثيين استبدلوا المدى بالقوة التدميرية، ربما بسبب استنزاف ترسانتهم.
رسالة سياسية على رأس صاروخ
يرى الدكتور محمد محسن أبو النور، الباحث في الشأن الإيراني عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، أن “الصاروخ اليمني كان رسالة خامنئي لنتنياهو أرسلها عبر صاروخ باليستي يمني”.

ويقول أبو النور، في حديثه لـ فكر تاني، إنه “بعد تسريب معلومات من واشنطن عن سبب إقالة مستشار الأمن القومي لترامب، مايك والتز، بخصوص إفشاء معلومات لتل أبيب حول رغبته في قيام الولايات المتحدة بعمل عسكري تجاه المفاعلات النووية الإيرانية، كان لابد من إرسال رسالة تحذيرية”.
ووفقًا لتحليل أبو النور، فإن هذه الرسالة، المحمولة على صاروخ ينطلق من اليمن والموقعة رمزيًا من المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، مفادها أن أي عمل عدائي إسرائيلي ضد إيران سيواجه بحتمية قيام قوات الجو-فضاء التابعة للحرس الثوري بمحاصرة إسرائيل جوًا، على غرار الحصار البحري الذي فرضته جماعة الحوثي، وذلك برغم التقدم التكنولوجي العسكري الإسرائيلي والفارق الكبير في ميزانيات التسليح.
على الجانب الآخر، يرى حلفاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في إسرائيل أن هجوم الحوثيين يمثل تذكيرًا بضرورة التصدي لإيران قبل تمكنها من امتلاك القدرة على صنع أسلحة نووية. ومع ذلك، قد لا يتماشى هذا التوجه مع تفضيل الرئيس الأمريكي المعلن لإقناع طهران بالوعود بالازدهار الاقتصادي كبديل للمواجهة العسكرية.
تهديد من اليمن وخطط لاحتلال دائم بغزة
على الجانب الآخر وفي الوقت الذي تواجه فيه إسرائيل تحديات متزايدة من الحوثيين في البحر الأحمر وتصعيدهم نحو فرض حصار جوي، تتجه الأنظار وبقوة نحو جبهة غزة، حيث تخطط إسرائيل لتصعيد عسكري كبير. فقد وافقت الحكومة الأمنية الإسرائيلية المصغرة مساء أول من أمس الأحد، على خطة لإعادة احتلال غزة بالكامل تدريجيًا والاحتفاظ بها إلى أجل غير مسمى، إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بحلول 15 مايو، وفقًا لمسؤولين إسرائيليين تحدثوا لموقع أكسيوس.
وتدعو خطط العملية، التي أطلق عليها اسم “عربات جدعون” وفقًا لمسؤول أمني إسرائيلي كبير تحدث لشبكة CNN، قوات الدفاع الإسرائيلية إلى هدم أي مبانٍ لا تزال قائمة في مناطق العمليات وتشريد جميع السكان تقريبًا، البالغ عددهم نحو مليوني نسمة، إلى “منطقة إنسانية” واحدة في جنوب القطاع.
ويضيف المسؤول لـ CNN أن الهدف هو إخضاع حماس وتأمين إطلاق سراح جميع الرهائن، وأن الجيش “سيبقى في كل منطقة يسيطر عليها”. كما يؤكد المسؤول أنه في أي اتفاق مستقبلي، لن تخلي إسرائيل المنطقة العازلة الأمنية التي أقامتها حول غزة.
وتتماشى هذه الخطط مع تصريحات نتنياهو، الذي قال في رسالة مصورة، إنه “سيتم نقل السكان حفاظًا على سلامتهم”، وأن نية الجيش ليست شن غارات ثم الانسحاب، بل “عكس ذلك”، مضيفًا: “جلسنا الليلة الماضية حتى وقت متأخر في الكابينت، وقررنا تنفيذ عملية قوية في غزة… كانت هذه توصية رئيس الأركان… وهو يعتقد أن ذلك سيساعدنا أيضًا في تحرير الرهائن، وأنا أوافقه الرأي”.
وقد نقل موقع أكسيوس عن مسؤول إسرائيلي أن البديل للفلسطينيين عن البقاء في المنطقة الإنسانية المحددة هو مغادرة القطاع “طواعية” إلى دول أخرى، وهو ما يتماشى مع “رؤية ترامب لغزة”. ويشير مسؤولون إسرائيليون إلى أن ترامب لا يلعب حاليًا دورًا نشطًا في جهود وقف إطلاق النار، وأنه أعطى فعليًا نتنياهو الضوء الأخضر للقيام بما يراه مناسبًا.

ورطة إسرائيلية في الداخل
وسط هذه التطورات، تتعالى أصوات من داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية محذرةً من الوضع الراهن والمستقبلي. وفي مقال بصحيفة “معاريف” الإسرائيلية، ذكر اللواء في الاحتياط والمفوض السابق لشكاوى الجنود، إسحاق بريك، أن الجيش الإسرائيلي “يواصل القتال في حرب قد خسرها بالفعل، حرب بلا أي جدوى”.
ويرى بريك أنه “من الآن فصاعدًا، ستفقد إسرائيل المختطفين، وستزداد الإصابات في صفوف جيشهم، ولن يعيدوا تأهيل قواتهم لمواجهة التهديدات المتزايدة التي تنتظرهم”.
ولتقريب الصورة، عدد بريك قائمة بالتهديدات التي يرى أن الجيش الإسرائيلي سيضطر للتعامل معها في المستقبل المنظور، وهو غير مستعد لها بالقدر الكافي:
- الأتراك والسوريون وتوقيعهم اتفاقية تحالف دفاعي ومساعدة عسكرية تركية لسوريا.
- الإيرانيون ورعايتهم لـ”الإرهاب” على الحدود الأردنية.
- الجيش المصري، الذي وصفه بأنه الأقوى في الشرق الأوسط، واستعداده المحتمل لحرب ضد إسرائيل.
- إيران وأذرعها وقدرتهم على توجيه آلاف الصواريخ والقذائف والطائرات المسيرة نحو إسرائيل.
- التطرف المتزايد في الضفة الغربية (يهودا والسامرة حسب التسمية الإسرائيلية).
- حماس وحزب الله اللذان تلقيا ضربات لكن لم يتم القضاء عليهما.
- المتطرفون داخل إسرائيل نفسها.
وخلص بريك إلى نتيجة مقلقة مفادها: “لا يمتلك الجيش الإسرائيلي قوات لمواجهة كل هذه التهديدات في حرب متعددة الجبهات”.
وينتقد بريك بشدة تلميحات نتنياهو المتكررة بأنه إذا لم تهاجم الولايات المتحدة المنشآت النووية الإيرانية، فإن إسرائيل ستهاجمها بمفردها، معتبرًا ذلك “فقدانًا للحكمة” ومغامرة بوجود دولة إسرائيل نفسها.
ويشير إلى أن نتنياهو اتخذ “خطوات غير مدروسة أضرت بالعلاقات مع الجمهور الأميركي ومع يهود أميركا”، وخاصة التوتر مع الحزب الديمقراطي، لافتًا إلى أن استطلاعات الرأي الأخيرة في أمريكا تظهر أن نحو 50% من الجمهور الأميركي لم يعد يتعاطف مع إسرائيل.
وفي ظل كل هذه المقدمات، يقف المشهد الإقليمي عند منعطف حرج؛ فبينما يمثل الصاروخ الحوثي الذي اخترق الدفاعات قرب بن جوريون تحديًا أمنيًا وسياسيًا مباشرًا لإسرائيل، تكشف خطط التصعيد الكبرى في غزة عن استراتيجية إسرائيلية محفوفة بالمخاطر على الصعيدين الإنساني والاستراتيجي.
وفي خضم ذلك، تبرز التحذيرات الداخلية من شخصيات عسكرية مخضرمة مثل إسحاق بريك لتسلط الضوء على التحديات الجسيمة التي تواجه الجيش الإسرائيلي وقدرته على التعامل مع حرب متعددة الجبهات، مما يرسم صورة معقدة لمستقبل الأمن الإسرائيلي وتوازنات القوى في الشرق الأوسط، التي تتأثر به.