أسئلة انتخابية تنتظر إجابة الأحزاب

منذ سبعينيات القرن الماضي، تعاملت المعارضة المصرية مع الانتخابات التشريعية بواقعية. نعم، كانت من مطالبها الإصلاح الدستوري، ورفع حالة الطوارئ، وفك القيود عن الأحزاب، والمطالبة الدائمة بالحريات العامة، وحق التنظيم، وحرية الصحافة، لكنها لم تضع شروطًا لمشاركتها في الانتخابات التشريعية والنقابية (العمالية والمهنية) والطلابية، وكذلك انتخابات المحليات.

على العكس، كانت هناك فصائل يسارية، مثلًا، تستند في أدبياتها ومرجعيتها إلى الدعوة لإسقاط السلطة (السادات – مبارك)، ولا ترى إمكانية لإصلاح سلطة ذات جذور طبقية معادية للطبقة العاملة والفقراء، وترى أنها تابعة، من وجهة نظرها، للرأسمالية العالمية ممثّلةً في الولايات المتحدة. بل لم تكن ترى أصلًا في البرلمان طريقًا للإصلاح، وكانت تهاجمه في أدبياتها، لكنها كانت حريصة للغاية على المشاركة في انتخابات عام 1976، أو أي انتخابات برلمانية حتى عام 1990، في وقت كانت فيه تلك المنظمات في أوج قوتها.

والأمر ذاته ينطبق على التيار الليبرالي، ممثلًا في حزب الوفد، الذي كان حريصًا على المشاركة، وكذلك التيار القومي، رغم عدائه الشديد لسلطة السادات بعد “انقلابه”، من وجهة نظرهم، على سياسات ناصر.

حزب التجمع
حزب التجمع
عبد المنعم أبو الفتوح
عبد المنعم أبو الفتوح

خاض الإخوان المسلمون أيضًا جميع الانتخابات البرلمانية من عام 1984 حتى عام 2010، وكان أبرزها بطبيعة الحال تحالفهم مع حزب الوفد في انتخابات 1984، ثم التحالف الثلاثي مع حزبي الأحرار والعمل، بالإضافة إلى مشاركتهم في انتخابات عامي 2000 و2005. بل إن الجماعة دفعت بكوادر شبابية لم تتجاوز الأربعين من العمر، من أبرزهم عبد المنعم أبو الفتوح، ومختار نوح، وعصام العريان، وآخرون.

وفي مراحل لاحقة بعد عام 2014، طالبت جماعة الإخوان القوى السياسية بالمقاطعة، بل كانت تتهم المشاركين بالخيانة، وتُذكّر دائمًا بأن من يشارك في الانتخابات “مدلِّس” و”خائن”، كما لجأت إلى ممارسة الضغوط على قوى أخرى باستخدام خطابها السياسي.

وبالمناسبة بعض الأصدقاء عابوا علىّ السياق التاريخي في المقالات، ولكن أنا أرى أنها ضرورية، للتذكير واستخلاص النتائج فضلاً عن أن الكثير من شباب الحركة الوطنية لا يعلم تلك المعلومات فيما يبدو ليّ.

تجربتي الشخصية

وهنا، ليسمح لي القارئ أن أمرّ على تجربتي الشخصية بالاهتمام بالعمل العام، ففي عام 84 كانت مصر بها أول انتخابات شبه حقيقية بعد 1976، وكانت كذلك أول انتخابات في عصر مبارك، وأُقيمت بالقائمة النسبية.

كان التلفزيون المصري يسمح لكل رئيس حزب بفترة محددة لشرح برامج حزبه، ووقتها استدعاني والدي وقال لي: “اسمع، الراجل ده محترم”، وكان رئيس حزب التجمع الأستاذ خالد محيي الدين، وشعرت أن خطابه يشبه ما أنتمي له. ومرت سنوات طويلة، وعندما قابلت زملائي اليساريين في الجامعة، انتميت لتيار اليسار.

خالد محيي الدين - مواقع الكترونية
خالد محيي الدين – مواقع الكترونية

وقت الانتخابات كان هناك سجال تحالف الوفد مع جماعة الاخوان، وعرفت ما هو الوفد وما هي الجماعة؟، عرفت كيف تنسج السلطة دعايتها لتشويه المعارضة.

نواب إسلاميون في برلمان 2005 - مواقع الكترونية
نواب إسلاميون في برلمان 2005 – مواقع الكترونية

في 1987، الانتخابات خاضها التحالف الإسلامي (العمل – الأحرار – الجماعة)، بينما بَقِيَ حزب الوفد بدون تحالف، فيما قاطع حزب التجمع الانتخابات، ولكني كنتُ متابعًا أيضًا للانتخابات، وزادت معرفتي بها.

شاهدتُ معركة عم محمد عبد العزيز شعبان، أول انتخابات نجح فيها، وكان يومها كأننا نحتفل بتحرر البشر مثلًا، وتعلمتُ واستفدتُ.

في عام 95، قرر شباب الحركة الوطنية المصرية اليسارية والناصرية خوض انتخابات البرلمان، في واحدة من أسوأ نسخ انتخابات البرلمان في مصر، ومنهم: شهاب سعد، حسن المهندس، سيد عبد العال، حمدين صباحي، وتعلمتُ في معركة شهاب سعد وحسن المهندس ما تعلمته في كل معارك الجامعة.

وكان التزوير الفج ضد حمدين صباحي، فضلًا عن مقتل مواطنة مؤيدة له، الميلادَ الحقيقيَّ لزعيمٍ تاريخيٍّ لحركة الوطنية في مصر في النصف الثاني من القرن العشرين.

خالد علي
خالد علي

عندما تغير المزاج من خوض معارك الانتخابات بعد 2005، كان هناك نقاش حاد بين تيارات في اليسار المصري حول المشاركة في أو مقاطعة استفتاء التعديلات الدستورية وانتخابات 2005.

قال خالد علي بوضوح: “هذا موسم”، ولذلك هو نفسه ومجموعتنا السياسية قررنا خوض انتخابات الرئاسة في 2012 و2018، وصنعنا منها مساحة لنا وله ولتيارنا السياسي، واستفاد بخبرات كل من شارك فيها.

مناسبة لصنع منظمات أو زعامات

من هنا أقول، كانت انتخابات البرلمان والتواجد فيه تصنع زعامات ورموزًا لحركة الوطنية المصرية مثل: ممتاز نصار، عادل عيد، قباري، أبو العز الحريري، البدري فرغلي، محمد شعبان، حمدين صباحي، أيمن نور، طلعت السادات وغيرهم، حتى من نواب الأغلبية، وكان حصاد الانتخابات هو نشر خطاب التيارات السياسية، واعتبارها مجرد مناسبة تُستغل لصنع منظمات سياسية أو زعامات تاريخية لحركة الوطنية.

تغيرت نظرة المعارضة المصرية للانتخابات بعد 2005 وبعد الانتفاضة في 2011.

حمدين صباحي
حمدين صباحي
أيمن نور
أيمن نور

كان التيار الليبرالي المصري، مع سطوة الخطاب الحقوقي، على حركة الاحتجاج في مصر وتشكيلها بعد 2005، التي عظّمت من شروط المشاركة في الانتخابات، وقررت تدخل في صدام مع سلطة مبارك عبر طلب إصلاحات سياسية راديكالية، بالاحتجاج والتظاهر والتهديد بمقاطعة الانتخابات، وصممت على الإشراف القضائي الكامل، والتصويت ببطاقة الرقم القومي، وتحسين إجراءات الانتخابات، والدعوى لتصويت المصريين في الخارج.

هنا ظهرت وسائل لفضح تزوير الانتخابات عن طريق الصحف المستقلة ووسائل التواصل الاجتماعي، ووصل الأمر إلى أن قطاعًا من النخبة السياسية المصرية صمم على مقاطعة الانتخابات المصرية حتى بعد 2011، وهو أمر عجيب، أي الفترة من 2011 لـ 2014، بالتأكيد أنه تحقق مكتسبات كثيرة في تلك المرحلة لتحسين بيئة وشروط الانتخابات، بل كانت مقاطعة انتخابات 2010 التي لم تشارك فيها جماعة الإخوان المسلمين، هي مسمار رئيسي في نعش سلطة مبارك.

أسئلة المرحلة

وبعد، علينا التساؤل سويًا: هل يصلح هذا الخطاب والتكتيك للحظتنا السياسية الراهنة؟

هل نحن نملك الأدوات والقدرات والرغبة أصلًا في تكرار تجربة سعينا لتغيير جذري كالفترة من (2005-2011)؟

هل ما زال لدينا أي مخيلة أن الانتخابات تؤثر أصلًا في شكل الحكم؟

هل أسئلة شرعية السلطة وعدم شرعيتها لها علاقة بخوضنا انتخابات نشتبك ونتعلم فيها؟

هل يمكن في ظل أوضاع شديدة الرداءة، أن يتوقف السجال بين قوى المعارضة الديمقراطية؟

ما هي لحظتنا الراهنة التي يجب أن نقف فيها لحل أزمة القوى الديمقراطية؟

وماذا على القوى الديمقراطية أن تفكر في المناسبات الانتخابية القادمة؟ وما هو فقه أولويتها؟

دعنا ننتظر إجابة الأحزاب على الأرض، ونحن نستكمل باقي المقالات في هذا المسار.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة