غاز مصر.. هل دقت ساعة الأزمة؟

هل تواجه مصر أزمة في إمدادات الغاز؟ يطرح هذا السؤال نفسه بقوة بعد قرار الجمعية العامة لشركة الميثانول ومشتقاته، التابعة لشركة أبو قير للأسمدة، بتصفية أعمالها بشكل نهائي، واسترداد حصص المساهمين في رأس المال.

كشفت “أبو قير”، عن قرار التصفية في خضم بيان أرسلته للبورصة المصرية، دون إبداء أي أسباب ليتضح بعدها أن السبب هو عجز المساهمين عن تأمين احتياجات المشروع، من الغاز الطبيعي اللازم لتشغيل المجمع الصناعي، ما أدى إلى التراجع عن استكماله.

كان من المقرر إقامة المجمع الصناعي المتكامل، الذي تم توقيع عقوده قبل 4 سنوات، على مساحة 2 مليون متر مربع بالمنطقة الصناعية في العين السخنة، لإنتاج الميثانول والأمونيا، بتكلفة استثمارية إجمالية نحو 2.6 مليار دولار، لكن المشروع يعتمد في المقام على الغاز فالميثانول ببساطة لا يتم استخراجه إلا من الغاز الطبيعي أو الفحم.

تستورد مصر ما يُقارب 100 ألف طُن من الميثانول، بتكلفة تناهز 105 ملايين دولار، وكان يفترض أن يساهم المصنع الجديد في تحويل مصر لدولة مصدرة لحوالي 900 ألف طُن في المرحلة الأولي، تقريبًا بـ 900 مليون دولار، أي تتحول من عجز 100 مليون دولار في ميزان المدفوعات إلى زيادة 900 مليون دولار.

في الوقت ذاته تراجع إنتاج شركة “ميثانيكس” من الميثانول في مصر، وهي الشركة الوحيدة المنتجة له، خلال الربع الأول من العام الحالي ليسجل 272 ألف طن مقابل 310 ألف طن في الربع الأخير من 2024 مع تأثر التشغيل بتوفر الغاز والتقلبات الموسمية في الطلب.

ميثانيكس مصر
ميثانيكس مصر

انسحاب 3 شركات من التنقيب بالبحر الأحمر

بالتزامن مع ذلك، أبلغت ثلاث شركات نفط عالمية هي “شل”، و”شيفرون”، و”مبادلة” الإماراتية شركة “جنوب الوادي القابضة للبترول”، التابعة لوزارة البترول عن انسحابها من التنقيب عن النفط بالبحر الأحمر بسبب نتائج المرحلة الثانية من عمليات المسح السيزمي التي أثبتت أنها غير مجدية اقتصاديًا.

كانت الشركات الثلاثة قد فازت بهذه المناطق في أول مزايدة عالمية طرحتها مصر للتنقيب بالبحر الأحمر عام 2019 على مساحة إجمالية تزيد عن 10 آلاف كيلومتر مربع، باستثمارات مبدئية قيمتها 326 مليون دولار، وكان من المتوقع ارتفاع حجم الاستثمارات إلى عدة مليارات دولار في المراحل التالية في حال تحقيق اكتشافات تجارية.

يأتي ذلك بينما ترتفع الفجوة بين الإنتاج والاحتياجات في مصر، فالاحتياج اليومي لمصر  6.2 مليار قدم مكعب، والإنتاج الحالي 4.6 مليار قدم مكعب يوميًا، ويتم الاعتماد على سد الفجوة عبر الاستيراد من الخارج سواء من دول الجوار أو عبر الغاز المسال وإعادة تعويزه وضخه في الشبكة (تحويل الغاو المسال من صورته السائلة إلى غازية لضخه في الشبكة).

ما تأثير الغاز على الإنتاج؟

انعكس انخفاض إنتاج مصر من الغاز الطبيعي على العديد من الصناعات الرئيسية والقطاع الزراعي، وتراجعت صادرات مصر من الأسمدة بنسبة 17.1% خلال أول 9 أشهر من 2024 لتسجل 1.64 مليار دولار، مقابل 1.98 مليار دولار خلال الفترة ذاتها من 2023، بانخفاض قيمته 341.1 مليون دولار بسبب اخفاض الإنتاج في فصل الصيف، نظرًا لنقص كميات الغاز.

وهبط الإنتاج المحلي من الغاز الطبيعي العام الماضي بنسبة 16%، ليصل إلى 4.87 مليار قدم مكعب يوميًّا مقارنة بـ 6.7 مليار قدم مكعب يوميًّا في العام المالي 2021 – 2022.

كما شهد حقل “ظهر”، أكبر مصدر للغاز في مصر، انخفاضًا حادًا، ويبلغ متوسط الإنتاج الحالي في الحقل 1.6 مليار قدم مكعب يوميًّا، وذلك بعدما بلغ متوسط الإنتاج 2.8 مليار قدم مكعب يوميًّا في عام 2021، ما يمثل انخفاضًا بنسبة 43%.

واكتفى مسؤول بوزارة البترول، بالتأكيد لـ فكر تاني على أن الشركات المذكورة تريد تكثيف عمليات البحث في البحر المتوسط والدلتا والصحراء الغربية، وهي مناطق أثبتت الاكتشافات السابقة أنها واعدة، وبالتزامن مع خبر توقف الشركات الثلاث عن التنقيب بالبحر الأحمر، توجد اكتشافات جيدة في منطقة دلتا مصر.

وأعلنت شركة “بي بي” البريطانية نجاح عمليات الحفر في بئر “الفيوم-5” الاستكشافية بمنطقة امتياز شمال الإسكندرية البحرية، ليكون بذلك البئر الأخير ضمن حملة الحفر المكونة من أربعة آبار في مشروع غرب دلتا النيل، مضيفةً أن للحفر أسفر عن اكتشاف أربعة خزانات غازية محتملة على عمق يصل إلى 2860 مترًا، ومن المتوقع ربط هذا الاكتشاف بالتسهيلات البرية القائمة التابعة لمشروع غرب دلتا النيل.

لكن ميتودي تزانوف، الخبير المتخصص في الطاقة، قال إنه لم تكن هناك اكتشافات كبيرة كثيرة العدد منذ حقل ظهر اذلي عاني من مشكلات أدت إلى انخفاض الإنتاج الإجمالي للغاز. وفي الوقت نفسه، تحد سعة البنية التحتية من كميات واردات وصادرات الغاز عبر خطوط الأنابيب الحالية، بينما أعاقت متأخرات الدفع الاستثمارات في قطاع النفط والغاز لفترة طويلة بسبب نقص العملة الصعبة.

ميتودي تزانوف
ميتودي تزانوف

وأضاف أنه من المرجح أن يؤدي الطلب المتزايد في مصر على الكهرباء إلى بقاء البلاد مستوردًا صافيًا للغاز هذا العام، وقد أثر نقص الغاز على القدرة التنافسية للقطاع الخاص وفرض أعباء مالية إضافية على المستهلكين، مشيرًا إلى أن مصر زادت من وارداتها من الغاز الطبيعي المسال والمازوت، ما كلفها 2.1 مليار دولار أمريكي إضافية.

وقال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، إن تخلّي بعض الشركات العالمية عن مناطق استكشاف لا يُعد انسحابًا من السوق المصرية، بل يرجع إلى اعتبارات تخص أولوياتها العالمية، فالشركات تُجري دراسات أولية لتقييم فرص الاكتشاف ومدى الجدوى الاقتصادية، وإذا لم تكن النتائج واعدة، فإنها تُفضل إعادة توجيه مواردها إلى مناطق أخرى أكثر جذبًا.

وأضاف: “في قطاع الغاز والنفط، من الطبيعي أن نرى بعض الشركات تغادر مناطق معينة وتأتي أخرى، وهناك أمثلة عديدة، منها أن إحدى الشركات أجرت دراسات في حقل ظهر سابقًا ولم تجد شيئًا، قبل أن تأتي شركة إيني وتكتشف أكبر حقل غاز في تاريخ مصر”.

كيف تتصرف الحكومة للمواجهة؟

وضعت الحكومة حوافز جديدة للشركات الأجنبية لزيادة إنتاج الغاز الطبيعي تتمثل في السماح بتصدير حصة معينة من الإنتاج الجديد، بحيث تستخدم عائداتها في سداد المستحقات المطلوبة، بالإضافة لرفع سعر حصة هذه الشركات من إنتاج الغاز الجديد بأي من حقولها.

اتفقت الحكومة على شراء 21 شحنة من الغاز المسال خلال أشهر الصيف الجاري، كما طرحت الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية “إيجاس” مزايدة للتنقيب عن الغاز الطبيعي في 12 رقعة في البحر المتوسط ومياه دلتا النيل وكان الموعد النهائي للتقديم هو 25 فبراير الماضي.

تعمل قرابة الـ 60 شركة تعمل بمجال البحث والاستكشاف والإنتاج، من بينها 8 شركات من كبريات الشركات العالمية و6 شركات مصرية متخصصة، وأكثر من 12 شركة عالمية متخصصة في مجال الخدمات البترولية والتكنولوجي، ووقعت الحكومة 83 اتفاقية استكشاف للنفط والغاز مع شركات نفط دولية بين نوفمبر 2013 وفبراير 2020، بقيمة إجمالية بلغت حوالي 15.5 مليار دولار أمريكي. كما قدمت حوافز ضخمة لحفر 319 بئرًا.

لكن يتفق جميع الخبراء على أن الحل في مصر متاح عبر تعزيز إنتاج الطاقة المتجددة لإنتاج الكهرباء وبالتالي توجيه الكميات التي يستهلكها قطاع الصناعة لصالح الإنتاج الصناعي والزراعي، فقطاع الكهرباء يستحوذ على 60% من إجمالي استهلاك الغاز في البلاد خلال السنوات الأخيرة، ما يعكس الاعتماد الكبير على الغاز كمصدر أساسي لتوليد الطاقة.

حقل غاز بحري (أرشيفية - الإنترنت)
حقل غاز بحري (أرشيفية – الإنترنت)

 

هل توجد حلول لنقص الغاز؟

كما يتوافق التحول من التركيز على الغاز الطبيعي إلى الطاقة المتجددة مع الاتجاهات العالمية والتزامات مصر المناخية طويلة الأجل، ما يضمن لملف الطاقة المصري مستقبلًا مستقرًّا ومستقلًّا، ويفترض أن تنويع هيكل الطاقة استراتيجيةً حاسمةً لأمن الطاقة بمصر على المدى الطويل.

واقترحت استراتيجية الطاقة المستدامة المتكاملة زيادة نسبة الكهرباء المولدة من مصادر متجددة إلى 42% بحلول عام 2035، وارتفعت سعة توليد الكهرباء من الطاقة المتجددة في مصر إلى 7.75 جيجاواط عام 2024، مقابل 6.7 جيجاواط خلال 2023 بسبب تشغيل محطة لطاقة الرياح في خليج السويس، وأخرى للطاقة الشمسية بمحافظة أسوان.

في الواقع، تتمتع مصر بوفرة من موارد الطاقة المتجددة، فبحكم موقعها في منطقة الحزام الشمسي، تتمتع مصر بوفرة من موارد الطاقة الشمسية؛ وتُعرف سواحل البحر الأحمر وخليج السويس بأنها “ممرات رياح”، حيث غالبًا ما تشهد رياحًا قوية وتمتلك موارد غنية من طاقة الرياح، ويتركز حوالي 95% من سكان مصر على ضفاف النيل وفي الدلتا، مما يجعل هذه المناطق الشاسعة غير المأهولة مثالية لتطوير بنية تحتية واسعة النطاق للطاقة المتجددة.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة