في عيد العمال.. أياديهم مُصابة بالعوز والخوف وفقدان الأمل

يحلّ عيد العمال هذا العام في مصر وسط أجواء من الإحباط والمرارة، تعكسها شهادات ميدانية لعمال يعيشون بين فكي الغلاء والبطالة المقنّعة، يواجهون ظروفًا معيشية تزداد قسوة في ظل غياب الأمن الوظيفي وتأخر تطبيق الحد الأدنى للأجور.

وبينما تؤكد الحكومة التزامها بتحسين بيئة العمل عبر تشريعات جديدة، يرى كثير من العمال أن الواقع لا يزال يحمل نفس أوجاع الماضي من عقود هشّة، وفصل تعسفي، وممارسات إدارية تُقوّض الاستقرار المهني، في وقتٍ تتراجع فيه فعالية النقابات وتُقيد قدرتها على الدفاع عن حقوق أعضائها.

في هذا السياق، تستعرض فكر تاني أوضاع الطبقة العاملة عبر قصص حية تكشف التحديات التي تواجه ملايين المصريين، وتطرح تساؤلات جدية حول جدوى السياسات المعلنة وقدرتها على إحداث تغيير ملموس.

بلا آمان وظيفي

خليل رزق، الذي يعمل سائقًا دون وظيفة ثابتة، يسلط الضوء على واقع العمالة اليومية في مصر، حيث يعيش الكثيرون دون مدخرات، في مواجهة أجور محدودة وتكاليف معيشة متزايدة.

خليل رزق
خليل رزق

يقول رزق، في حديثه لـ فكر تاني، إنه يعيش مع أسرته ولم يتزوج بعد، الأمر الذي يراه نعمة في ظل أوضاع اقتصادية متقلبة بالكاد تسمح له بتوفير احتياجاته الأساسية.

ويضيف أن فترات العمل المتاحة له متقطعة وغير مجزية، إذ يعاني من ندرة الفرص ومن تدني الأجور حتى في حال توفر العمل.

وفي مثال يعكس عمق الأزمة، يشير إلى عرض عمل تلقاه مقابل 7 آلاف جنيه شهريًا في منطقة التجمع، رفضه بسبب ارتفاع تكاليف المواصلات اليومية، التي قُدّرت بنحو 100 جنيه يوميًا، بالإضافة إلى وجبتي الإفطار والغداء اللتين تكلّفان وحدهما حوالي 150 جنيهًا، وهو ما يعني أن نحو 5 آلاف جنيه من راتبه ستُستهلك فقط في الذهاب والعودة والطعام.

رزق يشيد بمبادرة الحكومة لرفع الحد الأدنى للأجور إلى 7 آلاف جنيه، لكنه ينتقد تأخر تطبيق هذه الزيادات، موضحًا أنها ما تزال حبرًا على ورق بالنسبة له وللكثيرين من أمثاله.

ويشير إلى اضطراره لتقليص نفقات الترفيه، مثل الذهاب للسينما أو الجلوس مع أصدقائه في وسط البلد، والتي باتت تفوق قدرته المادية.

“كنت زمان لما أفطر أجيب سندوتشين فول أو طعمية، وأحيانًا أضيف بيض، وكان ممكن أشتري بسكوت وعصير ومياه من غير ما أحس بتأثير كبير، لكن دلوقتي ماقدرش آكل لقمة بره البيت حتى لو فضلت طول اليوم في الشارع”.

أوضاع عمال شركة الشوربجي

هذا الحال الكل فيه سواء؛ من هم كخليل رزق السائق ومن هم كالعاملين بشركة الشوربجي، الذين لا يزالون في احتجاجاتهم وإضراباتهم اعتراضًا على تدني الأجور وإجبارهم على العمل لساعات إضافية دون مقابل.

تكشف إحدى عاملات المصنع – فضّلت عدم ذكر اسمها خوفًا من رد فعل الإدارة – أنها تتقاضى أجرًا شهريًا لا يتجاوز 3500 جنيه رغم أنها تعمل بالمصنع منذ عشرين عامًا، بعقد مؤقت لا يضمن لها أي حقوق.

وتضيف في حديثها لـ فكر تاني أن هذا المبلغ يُعد أفضل نسبيًا من زميلات لها يتقاضين 2500 جنيه فقط، وهو ما لا يغطي حتى الاحتياجات الأساسية.

شركة النصر للغزل والنسيج والتريكو "الشوربجي" سابقاً، تتعرض لأزمات متتالية - خاص فكر تاني
شركة النصر للغزل والنسيج والتريكو “الشوربجي” سابقاً، تتعرض لأزمات متتالية – خاص فكر تاني

وأوضحت العاملة أن راتبها لا يكفي مصاريف تعليم أبنائها في المدارس والجامعة، لا سيما مع اعتماد الأسرة على زوجها الذي يعمل بالأجر اليومي وتجاوز عمره الستين عامًا، ما قلّص قدرته على العمل بشكل كبير.

أكدت العاملة أن العاملات نظّمن عدة وقفات احتجاجية للمطالبة بتحسين الأجور وتثبيت العمالة المؤقتة، لكن دون أي استجابة من إدارة الشركة. وتساءلت باستنكار: “المسؤولين اللي قرروا إن العامل يعيش بـ2500 جنيه، فكّروا ده يجيب كام كيلو خضار وفاكهة؟ كام فرخة؟ كام إزازة زيت؟ هل ده يكفي مواصلات وسكن وتعليم وعلاج لأولادنا؟”

وفي تعليقها على عيد العمال، قالت العاملة إنهم سيُجبرون على العمل في هذا اليوم من دون أجر إضافي، مضيفة: “مافيش عيد عمال طول ما وضعنا بالشكل ده”.

تتمنى هذه العاملة أن يحمل عيد العمال القادم قرارات حقيقية، تشمل تثبيت العمالة المؤقتة وتطبيق فعلي للحد الأدنى للأجور، بما يتناسب مع غلاء المعيشة وكرامة العامل.

قانون قديم وآخر جديد وفصل تعسفي متواصل

وفاء عاملة بشركة إينوفا للسيراميك بالفيوم، زوجها أيضًا عامل في المصنع ذاته، لم يشفع لهما مرضه وهو يبلغ 56 عامًا، ويعاني من اعتلالات بالقلب والكلى.

تتحصل وفاء على 3500 جنيه تقريبًا، يحصل زوجها على 4500 جنيه، ولم يحصل أي منهما على الحد الأدنى للأجور الذي أقرته الحكومة في مايو الماضي.

تقول وفاء لـ فكر تاني، إنها كانت راضية بالمبلغ الزهيد الذي لا يكفي لتلبية متطلبات أطفالها، ومع ذلك قررت إدارة الشركة أنها لم تعد بحاجة إلى عملهم، هم ونحو 400 عامل وعاملة آخرين، وفرضت عليهم إجازة إجبارية لمدة 6 أشهر، يحصلون خلالها على الأجر التأميني فقط من صندوق الطوارئ بوزارة القوى العاملة، ليصبح كل منهم يتقاضى 1500 جنيه شهريًا.

اضراب عمال "تي آند سي" - خاص فكر تاني
اضراب عمال “تي آند سي” – خاص فكر تاني

تخشى وفاء وزوجها من اللجوء إلى القضاء، على أمل أن تُحل الأزمة ويعودا إلى العمل، إلا أنهما فوجئا بوقف هذا الراتب الزهيد، فأصبحا بين ليلة وضحاها من دون دخل.

“كنا راضيين بالفلوس اللي كانت بتيجي وممشيين نفسنا، فجأة بقينا بنصرف من الأجر التأميني بس، وأصبح دخلنا أنا وجوزي 3000 جنيه في الشهر، ومكناش عارفين نعيش بيهم إزاي. دلوقتي بقيت أنا وجوزي من غير دخل، وسن جوزي كبير وتعبان، لا أنا عارفة أعالجه، ولا هو لاقي شغل، وأنا عندي 40 سنة ومش لاقية شغل في حتة تانية، ولحد ما نلاقي شغل، نعيش إزاي؟”.

تتمنى ويتنمى زوجها أن تتراجع الشركة عن قرارها، ويعودا إلى العمل حتى يتمكنا من الحصول على أجر يكفيهما شر العوز والحاجة.

عمال شركة يونيفرسال

في مدينة 6 أكتوبر بمحافظة الجيزة، بدا أن حظ عمال شركة “يونيفرسال” للأجهزة الكهربائية كان أفضل من غيرهم، إذ تمكن عدد منهم من رفع دعاوى قضائية ضد إدارة الشركة عقب فصلهم تعسفيًا، وحصل بعضهم على أحكام نهائية تقضي بعودتهم للعمل، بينما صدرت لصالح آخرين أحكام بالتعويض المالي. لكن، وبعد مرور أربع سنوات على صدور تلك الأحكام، لم تُنفذ حتى الآن، سواء فيما يتعلق بالعودة للعمل أو بصرف المستحقات المالية.

عمال يونيفرسال
عمال “يونيفرسال” يُصربون عن العمل احتجاجًا على عدم صرف رواتبهم

يقول سيد أبو السعود، نائب رئيس اللجنة النقابية السابق بالشركة، إنه رغم موقعه النقابي، تعرّض للفصل من العمل، مؤكدًا أن جميع محاولاته وزملائه للعودة إلى وظائفهم باءت بالفشل، نتيجة “تعنت” رئيس مجلس الإدارة في تنفيذ الأحكام الصادرة عن القضاء المصري.

ويضيف في حديثه لـ فكر تاني، أن القوانين، سواء القديمة منها أو حتى قانون العمل الجديد، لم تغيّر من واقع العمال شيئًا، مشيرًا إلى أن الأزمة مستمرة دون تدخل فعّال يُنصفهم.

“نتمنى أن يأتي عيد العمال القادم وقد عدنا إلى عملنا، ونفذنا الأحكام القضائية التي حصلنا عليها بعد سنوات من النزاع القانوني”.

التنظيم النقابي بين الاستقلال والتبعية

يُجسّد التعسف الذي تُواجهه نقابة أندية هيئة قناة السويس مثالًا صارخًا على التدخل في الشأن النقابي من قِبَل المسؤولين، ولا تقتصر الحالة عليها فقط، بل تمتد أيضًا إلى اللجنة النقابية للعاملين بمصنع الشوربجي.

كرم عبد الحليم رئيس نقابة العاملين بأندية قناة السويس
كرم عبد الحليم رئيس نقابة العاملين بأندية قناة السويس

يقول كرم عبد الحليم، رئيس نقابة أندية هيئة قناة السويس، في حديثه لـ “فكر تاني”، إنّه منذ انتخابات عام 2018 يُشطب أكثر من 1400 نقابي على مستوى الجمهورية. ويُضيف أنّه بعد صدور قانون 2017، يتوقّع النقابيون مزيدًا من الحريات النقابية، لكنّهم يُفاجَؤون بعكس ذلك تمامًا، وحتى الآن لا يظهر تحسّن في هذا المسار.

يُوضح عبد الحليم أن الدستور والقانون ينصّان على الحريات النقابية، لكنّها، بحسب وصفه، لا تُطبَّق على أرض الواقع، ما يُنتج أزمة حقيقية. ويُشير إلى أنّ النقابة طُلب منها توفيق أوضاعها، لتجد نفسها لاحقًا ممنوعة من خوض الانتخابات، رغم تمسّك الجمعية العمومية بمجلس الإدارة الحالي. ومع ذلك، يستمر التعسف ضد النقابة، إذ تُمنع من ممارسة نشاطها بعد تجميد حساباتها البنكية والاستيلاء على مقرّها من قِبَل إدارة الأندية.

ويعتبر عبد الحليم أن الدول التي تسعى إلى استقرار اقتصادي ونمو صناعي وفتح المجال أمام الاستثمارات، لا بد أن تضمن حريات نقابية فاعلة. ويتساءل في ختام حديثه: ما الجدوى من وجود قانون عمل إذا لم تتوفر آلية حقيقية لتطبيقه؟

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة