أسدل مجلس النواب، اليوم الثلاثاء 29 أبريل، الستار على آخر الآمال الحقوقية لتعديل مسار قانون الإجراءات الجنائية الجديد، بعدما أقرّه بشكل نهائي دون معالجة ما وصفه معارضون بارزون بـ”العوار الدستوري والقانوني” في بنوده، وذلك في تصريحات خاصة لـ فكّر تاني، محذرين من خطورة تداعياته على أوضاع العدالة في مصر.
وشدد الرافضون على ضرورة عدم توقيع الرئيس عبد الفتاح السيسي على القانون، مع المطالبة بإرجاء نشره في الجريدة الرسمية وفتح مواده للحوار المجتمعي مجددًا.
وينص الدستور على أن يحال أي قانون جديد إلى رئيس الجمهورية، الذي يملك صلاحية التصديق عليه ونشره بالجريدة الرسمية، أو الاعتراض عليه وردّه إلى مجلس النواب لمراجعته مرة أخرى.
وكان القانون قد واجه، على مدار الأشهر الماضية، انتقادات حادة من نقابتي الصحفيين والمحامين، ونادي القضاة، إلى جانب عدد من المنظمات الحقوقية، قبل أن تقود نقابة الصحفيين بقيادة النقيب خالد البلشي بمفردها معها عدد من النواب والحقوقيين مثل نجاد البرعي وأحمد راغب ومحمد الباقر، خطوات التصدي القانوني للمشروع المقدم.
استنكار للقانون ومطالبة بتدخل الرئيس
في البداية، يستنكر الحقوقي نجاد البرعي عضو مجلس أمناء الحوار الوطني، إقرار القانون رغم المخالفات القانونية والدستورية الموجودة فيه، مؤكدًا أنه والعديد من الحقوقيين والقانونيين والنقابيين بذلوا ما في وسعهم لوقف تلك التعديلات المعيبة، لكن، لم يستمع لهم أحدًا.

“بيننا وبينهم يوم يوضع الميزان”، يضيف البرعي في حديثه لـ فكّر تاني، موضحًا أنه ليس ضد تحديث القانون القديم للإجراءات الجنائية، ولكن كان وغيره يطالبون بإحترام مواده للقانون والدستور ومبادئ حقوق الإنسان ومقررات الحوار الوطني وطلب الرئيس من البرلمان فيما يخص الحبس الاحتياطي.
ويضيف أنهم طالبوا بالحد الأدنى قبل تمرير القانون، وهو فتح المناقشات المجتمعية، بشكل يسمح بضبط مواد القانون دستوريًا وحقوقيًا: “وُضع القانون في السر على مدار 3 سنوات، وحين طالبنا بمدة 6 شهور فقط من أجل حوار مجتمعي ينقذ مواد القانون من العوار الذي يلاحقها، لم يستجب أحد!”.
ويوضح نجاد البرعي، أن القانون منتهي النظر فيه منذ شهرين، وفوجئ الجميع أمس بطلب إعادة المداولة على بعض المواد، دون توضيحات، ثم تم تمريرها اليوم بالأغلبية قبل أن يعرف الجميع بمطالب الحكومة المقدمة.
ويؤكد البرعي اهتمامه بعرض الرئيس السيسي، ذلك القانون على مستشاريه القانونيين، قبل توقيعه عليه، مشيرًا إلى أن هناك مواد صارخة في مخالفتها للدستور، تتطلب وقفه وإعادة النظر فيها.
ويختم عضو مجلس أمناء الحوار الوطني حديثه قائلاً: “إعادة القانون للبرلمان مهم للغاية، هناك مواد ناطقة بعدم الدستورية، والقانون القديم لن ينزعج من تأخر التشريع الجديد بعض الوقت في مناقشة دستورية واجبة”.
إصرار غريب على الاخلال بالمحاكمة العادلة
من جانبه، يقول السياسي والمحامي الحقوقي خالد علي، وعضو حملة “نحو قانون عادل للإجراءات الجنائية” في حديثه لـ فكّر تاني، أنه شارك والعديد من زملائه الحقوقيين وشباب المحامين فى حملة لإيضاح اعتراضاتهم على نصوص مشروع القانون المُقدم من الحكومة، بل وقدموا مقترحات بديلة.

“حتى صدور القانون، لم يتم الاستجابة لما قدمناه من مقترحات، بل هناك إصرار غريب من قبل الإدارة السياسية والتشريعية على خروج نصوص القانون على نحو ينال من حقوق الدفاع وضمانات المحاكمة العادلة والمنصفة”.
استياء حقوقي ومطالبة بإعادة القانون للحوار
من جانبه، أعرب المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة في بيان عن استيائه وقلقه الشديدين، حيال إقرار البرلمان اليوم 29 أبريل، مشروع قانون الإجراءات الجنائية، الذي طالما حذر المركز من آثاره السلبية على كافة مسارات العدالة الجنائية في مصر.
وناشد المركز الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية، بعدم التوقيع على هذا القانون، وإرجاء نشره بالجريدة الرسمية وطرح مواده للحوار المجتمعي مرة أخرى لتفادى العوار الدستوري والقانوني الذي أصاب هذا القانون، ولخطورة أثره على أوضاع العدالة في مصر.

يوضح الحقوقي والمحامي ناصر أمين مدير المركز، في حديثه مع فكّر تاني، أن مجمل التعديلات التى أُجريت على القانون، جردت المواطنين من حقوقهم الدستورية والقانونية فى نيل محاكمة عادلة ومنصفة وفقًا للمعايير الدولية ذات الصلة. منذ اللحظة الأولى للقبض عليهم، مرورًا بمرحلة التحقيق وصولًا إلى مرحلة المحاكمة والطعن على الأحكام، فضلًا عما يتضمنه هذا القانون من إغفال لضمانات واجبة المراعاة فى إجراءات تفتيش المنازل والأشخاص والتصنت على الرسائل والمحادثات الخاصة.
“إن مواد ذلك القانون وفلسفة إصداره تتعارض مع أحكام القانون الدولي، وخاصة أحكام العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والبروتوكولات الملحقة به، ومبادئ الأمم المتحدة المعنية بدور المحامين واستقلال السلطة القضائية، كما أنه يخالف كافة الاتفاقيات والعهود الدولية التي تنص على ضرورة ضمان قواعد محاكمة عادلة ومنصفة للأفراد حال تعرضهم للمساءلة القانونية تضمن لهم فيها حقوق الدفاع والاتصال بمحاميهم منذ اللحظة الأولى للقبض عليهم، وعدم تعريض الدفاع لأى مضايقات أو تدخلات غير لائقة”.
ويؤكد أمين، أن إصرار البرلمان على إقرار تلك التعديلات التي طالت معظم مواد القانون، رغم الاعتراضات الواسعة عليها من الخبراء والمحامين ومنظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية، يُعرض أحكام المحاكم الجنائية التي سوف تُصدر أحكامها بناء على هذا القانون بوصفها أحكام لم تتوافر بها ضمانات المحاكمة العادلة والمنصفة وفقًا لأحكام القانون الدولي، ومن ثم عدم الاعتراف بها أو إقرارها على الصعيد الدولي.
تحت قبة البرلمان
من جانبه، أعلن النائب إيهاب منصور، رئيس الهيئة البرلمانية للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي رفضه من تحت القبة لمشروع القانون.
وقال منصور في كلمته: “حسنًا فعل المشرع إذ اتجه إلي اصدار قانون جديد متكامل للإجراءات الجنائية، ليواكب التطورات التي لحقت المجتمع في شتي المجالات طوال الأربعة وسبعون عامًا الماضية، أملًا في تلبية طموحات الشعب الذي قام بثورات للمطالبة بالإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي وإعلاء قيم الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية، غير أن المشروع لم يُلبِ الطموحات المرجوة منه”.

“تم الاستجابة لبعض المقترحات والتعديلات التي أبداها بعض رجال القانون والنقابات على هذا المشروع، إلا أن المشروع الأخير لم يتضمن بعض الملاحظات والمقترحات. والتي وإن كانت قليلة في عددها، لكنها جوهرية وبسببها رفضته الهيئة البرلمانية للحزب من حيث المبدأ”.
وأشار النائب إلى القانون الجديد تجاهل الانتقادات التي لاحقته ومنها:
*التوسع في منح الضبطية القضائية بالإبقاء على النص في القانون القائم، وأجاز المشروع لسلطة التحقيق ندب مأموري الضبط القضائي -على اختلاف قدراتهم وتنوع مستوياتهم- لمباشرة إجراءات التحقيق، وهو الأمر الذي يعزز من هيمنة السلطة التنفيذية.
*منح النيابة العامة سلطة واسعة بإجراء تسجيلات للأحاديث التي تُجري في الأماكن الخاصة، وذلك بالمخالفة للمبدأ الدستوري المقرر بنص المادة (٥٧) من الدستور بحرمة الحياة الخاصة للإنسان.
*تجاهل تضييق نطاق الحبس في الجرائم المتعلقة بحرية التعبير عن الرأي وما يتفرع عنها من حقوق أخرى مكفولة دستوريًا.
*تجاهل القانون كذلك مسألة الحبس الاحتياطي في حالة تعدد الجرائم وتعاصرها وهو ما يعرف حقوقيًا بـ “التدوير”، حيث لم يقر الاكتفاء بالحبس في واحدة منها فقط لما يحققه من مقصد المشرع في هذا الإجراء.
*اكتفى المشروع بذات بدائل الحبس المقررة في القانون القائم، دون أن يعني بتعزيزها ببدائل أخرى، كفرض المراقبة الإلكترونية (الأسورة)، أو تأدية الخدمة العامة في إحدى الجهات التي ترعاها الدولة، أو توسيع نطاق الكفالة المالية دون مجاوزة في مقدارها.

*لم يتضمن المشروع تعديل في بعض المواد من إعتبار الأحكام الغيابية في الجنح حضورية، على سند من تمام إعلان الخصم بورقة التكليف بالحضور، مغفلة بذلك ما يحدث أحيانًا من تلاعب في الإعلانات بما يحرم المتهم من درجة من درجات التقاضي.
*استحداث نصًا، كذلك إذ جعل الحكم الغيابي واجب النفاذ مرتبًا عليه آثار وعواقب وخيمة تنأى عن المنطق القانوني السائغ.
*لم يتضمن المشروع تعديل المادة (401) التي أجازت للنيابة العامة استئناف الأحكام الغيابية الصادرة في مواد الجنايات، وهو الأمر الذي ينطوي -بحسب منصور- من جهة على إخلال جسيم بحقوق المتهم والدفاع، مغفلةً أن الحكم الغيابي هو حكم تهديدي وأن استئناف النيابة العامة له والفصل في استئنافها يجعل منه حكما نهائيًا بما يخل بنظام العدالة الجنائية بحرمان المتهم من درجة من درجات التقاضي رغمًا عن إرادته.
“لا حياة لمن تنادي”
من جانبه، يقول المحامي الحقوقي طارق خاطر عضو حملة “نحو قانون عادل للإجراءات”، ومدير مجموعة المساعدة القانونية لحقوق الإنسان، إن يوم صدور قانون الإجراءات الجنائية في صورته النهائية بعد موافقة الحكومة، هو يوم حزين للحريات في مصر، لأنه يتخطى جميع حدود أي منطق يحكم الفقه القانوني، وكيفية الحفاظ على حقوق المواطنين.
ويضيف خاطر في حديثه لـ “فكر تاني” أن القانون هو قانون عام يمس كل المصريين وجميع الكيانات المدنية، وقانون الإجراءات هو القانون الفاصل ما بين تطبيق النظام العام، وحقوق الفرد، ولذلك فإقرار أي قانون دون التفات للاعتراضات عليه، هو أمر في غاية الأهمية والخطورة.

في رأيه، يرى عضو الحملة، أن القانون سيء جدًا، ويُصدر بشعارات براقة، مثل فكرة أن من يحبس احتياطياً لمدة طويلة سيحصل على تعويض، وهو أمر معقد، ولا يحدث في القضايا السياسية، مشيراً إلى أن القانون جار على حقوق والحريات الشخصية للمواطنين.
وينتقد خاطر تجاهل الحكومة ومجلس النواب لاعتراضات مؤسسات المجتمع المدني والنقابات الذين قدموا ملحوظات هامة بشأن القانون، متسائلاً: كيف لا يتم مناقشة ولو نص واحد من تلك النصوص الهامة، وخصوصًا وأن هذه المؤسسات هم بالأساس يجب أن يكونوا شركاء في مناقشة كل القوانين التي تمس حقوقهم وحرياتهم ومستقبلهم ولابد أن يكون لهم رأي بشأنها، وليس من المنطق أن يكون مشروع الحكومة صحيح تماماً واعتراضات الأطراف الأخرى خطأ تماماً”.
ويوضح أن من حق الرئيس دستوريا بحكم صلاحياته الواردة في الدستور المصري، التي تنص على أن القوانين لا تصدر إلا بعد تصديقه عليها، ثم تنشر في الجريدة الرسمية، وبالتالي على من يرغب في المحاولة الأخيرة أن يتوجه إلى رئيس الجمهورية.
وبشأن الحملة، يشير إلى أنه سبق وأرسلت بشكل رسمي لرئاسة الجمهورية، ومجلس النواب وبعض الكتل الحزبية، ملاحظاتها، فضلًا عن تواصل أعضاء في مجلس النواب معهم بشكل شخصي، لمحاولة توصيل اعتراضات الحملة على القانون بشتى الطرق” ولكن لا حياة لمن تنادي”، يضيف خاطر.
رئيس مجلس النواب يمدح القانون الجديد
في المقابل، ثمن المستشار الدكتور حنفي جبالي رئيس مجلس النواب خلال الجلسة العامة إقرار قانون الإجراءات الجنائية، مؤكدًا أنها لحظة فارقة من عمر مجلس النواب، وصفحة جديدة من صفحات سجل التشريع المصري العريق.

وقال في كلمة له:” ندرك تمام الإدراك أن ما بين أيادينا اليوم ليس نهاية الطريق، بل محطة في دربٍ طويلٍ لا ينقطع فيه السعي نحو الكمال. ولكننا، والله شهيدٌ علينا، قد راعينا ربنا في كل خطوة خطوناها، وأخلصنا النية وبذلنا وسع جهدنا، وأدينا الأمانة؛ لا نبتغي إلا وجه ربنا الكريم، ولا نطلب إلا مرضاته، ولم نكتب حرفًا إلا ابتغاء إصلاحٍ، ولم نتخذ موقفًا إلا رغبةً في إنصافٍ، ولم نعقد عزمًا إلا نصرةً للحق وعدلًا بين الناس. وإن كان في عملنا صواب، فبتوفيقٍ من الله وفضله، وإن كان فيه نقصٌ، فحسبنا أننا اجتهدنا، مخلصين غير مفرطين ولا مضيعين”.
