كيف يُمكن فهم قرار السلطات الأردنية حظر تنظيم الإخوان؟

بعد أن وصلت العلاقات بين الجانبين إلى حالة من “الانفتاح الحذر” عقب الانتخابات التشريعية الأخيرة في الأردن، والتي حصد فيها الإخوان المسلمون 31 مقعدًا، يبدو أن العلاقة بين الجماعة والسلطات الأردنية والقصر الملكي قد عادت مرة أخرى إلى مربع الصدام، وذلك على وقع التوترات المتنامية الناتجة عن التوظيف السياسي من قبل الإخوان للحرب في غزة، مرورًا بالخلية التي تم الكشف عنها منذ أيام، وشملت العديد من الكوادر الإخوانية، وصولًا إلى القرارات الأخيرة التي أعلن عنها وزير الداخلية الأردني مازن الفراية، إذ قرر الأردن حظر كافة أنشطة جماعة الإخوان “المنحلة”، ومصادرة ممتلكاتها المنقولة وغير المنقولة، وإغلاق جميع مكاتبها المنتشرة في أنحاء المملكة.

في هذا السياق، نحاول في هذا المقال الوقوف على الأسباب الحقيقية الكامنة وراء هذا القرار الأردني الأخير، وطبيعة السياق والحيثيات التي أوصلت الأمور إلى هذه النقطة بين الجانبين، خصوصاً وأنه، ومنذ تأسيس جماعة الإخوان في الأردن عام 1945، دأبت الحكومات المتعاقبة على تبني سياسة “الاحتواء الناعم” للتنظيم.

اعتقال خلية إخوانية في الأردن

أعلنت السلطات الأردنية في منتصف الشهر الجاري عن كشف أربع خلايا مرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين، تضم 16 عنصرًا – من بينهم أعضاء في البرلمان الأردني –، ووجّه مدعي عام أمن الدولة في الأردن اتهامات لعناصر وأعضاء الخلايا ترتبط بـ”تصنيع أسلحة لاستخدامها بشكل غير مشروع”، و”القيام بأعمال من شأنها الإخلال بالأمن العام”. ووفقًا للمحامي والناشط الحقوقي وعضو لجنة الحريات في حزب “جبهة العمل الإسلامي” (الذراع السياسي للإخوان المسلمين في الأردن) عبد القادر الخطيب، فإنه التقى بكافة عناصر هذه الخلايا، وأكدوا “أنهم بالفعل عملوا على تصنيع هذه الأسلحة تمهيدًا لإرسالها لفصائل المقاومة في الضفة الغربية”.

وبعيدًا عن الحيثيات الخاصة بهذه القضية وملابساتها، والتي بدأت في التكشف يومًا بعد يوم، إلا أن هناك مجموعة من الإشكالات الكبيرة التي تدخل في نطاق المحظور بالنسبة للدولة الأردنية، والتي تورّط الإخوان بها، ومن هذه الإشكالات عدم قدرة الجماعة على الفصل بين مظاهر إبداء التضامن المتعارف عليها مع القضية الفلسطينية، والتي تمارسها العديد من الهياكل النقابية والحزبية والسياسية في المنطقة، وبين أنشطة وممارسات تتعارض ودور الجماعة كحزب سياسي أردني، وتتعارض والحسابات الأردنية تجاه الملف الفلسطيني، وتُسبب حرجًا للدولة وتهدد الأمن العام لها. خصوصاً وأن هذه ليست السابقة الأولى التي يتم فيها الكشف عن أسلحة خارج حيازة الدولة في الأردن.

استندت الحسابات الأمنية والسياسية الأردنية في التعامل مع تنظيم الإخوان إلى مجموعة من الاعتبارات والعوامل الرئيسية، وأولها أن الجماعة تحوّلت وفق هذا النهج إلى مصدر تهديد بالنسبة لمنظومة الأمن في البلاد، وثانيها أن التنظيم بدأ في تجاوز مقاربة المزايدة على الحكومة الأردنية والموقف الرسمي تجاه الملف الفلسطيني ومعارضة هذا الموقف، إلى مستوى تبني تحركات قد تُسبب حرجًا للأردن الذي يرتبط بمعاهدة سلام مع إسرائيل، وثالثها أن السياق الدولي والإقليمي العام، والذي يقوم حاليًا بشكل كبير في الجانب الأمني على تحجيم عمليات تهريب السلاح، خصوصاً في منطقة الشام، يدفع باتجاه المزيد من التشديد الأردني على هذا الملف.

الارتباطات الإقليمية لإخوان الأردن

منذ تأسيس الجماعة في الأردن عام 1945، كان تنظيم الإخوان المسلمين يتبنّى مقاربةً تقوم على الارتباطِ العضويّ بالجماعاتِ الموازيةِ في المنطقة، وخصوصًا المحسوبةِ على الإخوانِ المسلمين. وكترجمةٍ عمليةٍ لهذه المقاربة، كانت الجماعةُ دائمًا ما تتبنى مواقفَ تُحدِّدُها بشكلٍ رئيسيّ الحزبيةُ الأيديولوجية، بما يتجاوز ويتعارضُ مع الموقفِ الرسميّ الأردنيّ في أوقاتٍ وقضايا كثيرة.

ويُلاحظُ في هذا السياقِ أن هذا النهجَ من إخوانِ الأردنِ يأتي بحكمِ المرجعيةِ التأسيسيةِ والنظامِ الأساسيّ الذي وضعه مؤسسُ الجماعةِ في مصر حسنُ البنا عام 1945، في إطارِ ما كان يصفه “البنا” بـ”أستاذيةِ العالم”، في إشارةٍ إلى نقلِ تجربةِ الإخوانِ إلى العديدِ من الدولِ وتوسعِها إقليميًا وعالميًا. وليس أدلَّ على ذلك من شغلِ مؤسسِ الجماعةِ في الأردن “عبد اللطيف أبو قورة” عضويةَ الهيئةِ التأسيسيةِ للجماعةِ الأمّ في مصر، وكذلك شغلِ المراقبِ العامّ السابقِ للجماعةِ محمدِ عبد الرحمن خليفة، منصبَ الناطقِ باسمِ تنظيمِ الإخوانِ الدوليّ، فضلًا عن التداخلِ في المناصبِ والعلاقاتِ الشخصيةِ بين الطرفين.

وقد أدت هذه المقاربةُ من قبلِ إخوانِ الأردنِ عمليًا إلى العديدِ من المخرجاتِ التي أدت إجمالًا إلى توترِ العلاقاتِ مع السلطاتِ الأردنية، وصولًا إلى القراراتِ الأخيرة، حيث أدت هذه المقاربةُ عمليًا إلى هجومٍ من قبلِ التنظيمِ الدوليّ للإخوانِ المسلمين على النظامِ الأردنيّ في العديدِ من المحطاتِ التاريخية. كذلك أدت هذه المقاربةُ إلى إحراجِ النظامِ الأردنيّ في العديدِ من المحطاتِ، على غرارِ الحرجِ أمامَ النظامِ المصريّ في عهدِ الرئيسِ الراحلِ جمالِ عبد الناصر، حينما رفض إخوانُ الأردن قراراتِ عبد الناصر ضد الإخوان، وعام 1975 مع النظامِ السوريّ، عندما دعا إخوانُ الأردن إلى “الجهادِ والعملِ المسلّح ضد السلطاتِ السورية”، فضلًا عن العلاقاتِ الوثيقةِ مع حركتي حماس والجهادِ الإسلاميّ، بما يتجاوز الحساسيةَ التي تطغى على علاقاتِ النظامِ الأردنيّ بالجانبين، والحساباتِ الخاصةِ بالموقفِ الرسميّ الأردنيّ إجمالًا تجاه الملفِّ الفلسطينيّ. أيضًا، فقد تبنت الجماعةُ في المرحلةِ من 2011 وحتى 2015 العديدَ من الحملاتِ ضد بعضِ دولِ الخليج، الأمرُ الذي سبّب حرجًا كبيرًا بالنسبةِ للأردن.

مقاربة الإخوان السياسية داخليًا

كانت الأشهرُ الأخيرةُ قد شهدت اعتمادَ السلطاتِ الأردنيةِ بشكلٍ كبيرٍ على سياسةِ “الاحتواءِ الناعم” لتنظيمِ الإخوانِ المسلمين، الأمرُ الذي يُمكن فهمُه في ضوءِ اعتبارين: الأول هو ما أُطلق عليه القصرُ الملكيُّ الأردنيُّ “الإصلاحَ السياسيَّ” في البلاد، والثاني هو بعضُ التقديراتِ التي تذهبُ إلى أن سماحَ السلطاتِ الأردنيةِ بصعودِ الإخوانِ كان، على الأرجحِ، رسالةً للخارج، وخصوصًا إلى الجانبين الأمريكيّ والإسرائيليّ. ويُقصد بهذه السرديةِ أن “تصديرَ الإسلاميين كيمينٍ متطرفٍ في الأردن، جاء كرسالةٍ إلى اليمينِ المتطرفِ الإسرائيليّ، وإلى البيتِ الأبيضِ المقبلِ، والشخصِ الذي سيقطنه، بأنّ تركَ مخططاتِ اليمينِ المتطرفِ واستفزازاتِه في الداخلِ الإسرائيليّ، وتصديرَ ذلك لبعضِ دولِ المنطقة، سوف يُساهم في صعودِ الإسلاميين”.

وفي مقابلِ ذلك، كان الملاحظُ أن التنظيمَ، كلما حصل على المزيدِ من الحضورِ على المستوى السياسيّ والمجتمعيّ من خلالِ البرلمانِ والنقاباتِ والجزءِ الدعويّ، كلما زاد هجومُه على المؤسساتِ الرسميةِ في الدولة، وكلما زاد حجمُ ارتباطِه بالتنظيمِ الدوليّ للإخوانِ المسلمين. الأمرُ الذي راكم نظرةً لدى المؤسساتِ الأردنيةِ بأن الجماعةَ، حتى وإن كانت تتبنى فكرةَ “التقيةِ السياسيةِ” في العديدِ من المواقفِ والمناسبات، إلا أن ما يُحرّكها بشكلٍ رئيسيّ هو الاعتباراتُ الأيديولوجيةُ والسياسيةُ الخاصةُ بالتنظيمِ الأمّ، الأمرُ الذي راكم حالةً من عدمِ الثقةِ والتوجسِ، وصلت حاليًا إلى نقطةِ الانفجارِ عبر القراراتِ الأردنيةِ الأخيرة، بحلِّ الجماعةِ ومصادرةِ كافةِ ممتلكاتِها في الأردن، وهي الممتلكاتُ التي تتحدث بعضُ التقاريرِ والتقديراتِ عن أنها بين مليارٍ إلى سبعةِ ملياراتِ دولار.

ختامًا، يمكن القولُ إن جماعةَ الإخوانِ المسلمين في الأردن تعيش حاليًا أسوأَ حالاتها التاريخيةِ منذ تأسيسها، وذلك على وقعِ القراراتِ الأخيرةِ ضد الجماعة، والتي ستُساهم عمليًا في إنهاءِ وجودِها السياسيِّ والمجتمعيِّ، على الأقل بشكلٍ رسميّ. فضلًا عن أن ذلك يأتي في ظلِّ سياقٍ عامّ يشهد تراجعًا لتيارِ الإسلامِ السياسيِّ في المنطقة، ويُمكن إرجاعُ هذه الحالةِ إلى عواملَ بنيويةٍ مرتبطةٍ بالتنظيم، وترجمةِ هذه العواملِ عبر سياساتٍ تقوم على المزايدةِ على الدولةِ الأردنية، وتأطيرِ العنفِ كأداةٍ لتحقيقِ بعضِ الأهدافِ السياسية، بعيدًا عن القنواتِ الشرعيةِ المتعارفِ عليها، فضلًا عن الارتباطاتِ الأيديولوجيةِ والسياسيةِ الخارجيةِ للتنظيم.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة