عام ثانٍ من الحرب.. والتهمة: التضامن مع فلسطين

بينما تدخل الحرب الإسرائيلية على غزة عامها الثاني، ما زال العشرات من الشباب المصريين يقبعون في الحبس الاحتياطي، على خلفية مشاركتهم في وقفات احتجاجية سلمية تضامنًا مع الشعب الفلسطيني في وجه ما يصفه حقوقيون بـ”حرب إبادة”.

المفارقة أن بعض هؤلاء المحتجزين شاركوا في فعاليات دعا إليها الرئيس عبد الفتاح السيسي نفسه، غير أن مرور أكثر من عام ونصف على حبسهم لم يُجدِ نفعًا أي مناشدات أو جهود بذلها أعضاء لجنة الحوار الوطني، أو محاولات تدخل بعض القوى السياسية، فيبقى التعنت مستمرًا، والتهمة ثابتة: “التضامن مع القضية الفلسطينية”.

ووفق بيان أصدرته المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، فقد شملت الاعتقالات طفلين، إلى جانب 127 شخصًا من المتضامنين مع الحقوق الفلسطينية، احتُجزوا في أقسام شرطة وسجون متفرقة. وتفيد المبادرة بأن 95 منهم لا يزالون قيد الحبس الاحتياطي حتى الآن، على خلفية اتهامات تتضمن “الانضمام لجماعة محظورة” و”نشر أخبار كاذبة”، بعد التحقيق معهم في عشر قضايا مختلفة أمام نيابة أمن الدولة العليا، منذ أكتوبر 2023.

هكذا يتحول فعل التضامن إلى تهمة، وتتحوّل الوقفات السلمية إلى باب خلفي يقود إلى الزنازين، في مشهد يزيد من تعقيد المشهد الحقوقي في البلاد، مع استمرار حرب دامية لم تتوقف في غزة، وحقوق مقيّدة خلف القضبان في القاهرة.

طريق التضامن المؤدي إلى الحبس

في الثلاثين من أبريل 2024، اقتحمت قوات الأمن بالإسكندرية منازل خمسة شباب ينشطون ضمن اللجنة الشعبية للتضامن مع الشعب الفلسطيني، وألقت القبض عليهم. لم يقتصر الأمر على ذلك، بل تم توقيف شادي محمد، النقابي العمالي والعضو المؤسس في المؤتمر الدائم لعمال الإسكندرية، من أمام منزله، ليظهر الجميع لاحقًا أمام نيابة أمن الدولة العليا بالتجمع الخامس في القاهرة.

ووفقًا لما أفاد به محامو المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وُجهت إلى شادي محمد اتهامات ثقيلة، شملت: تأسيس جماعة إرهابية، وتولي قيادة عناصر إثارية بهدف إسقاط النظام، والتجمهر، والدعوة للتجمهر، وإذاعة أخبار كاذبة من شأنها تكدير السلم العام.

وعلى إثر هذه الاتهامات، أصدرت نيابة أمن الدولة قرارًا بحبس الشباب الستة احتياطيًا على ذمة القضية رقم 1644 لسنة 2024 حصر أمن دولة عليا.

لم تكن هذه القضية الأولى، ففي وقت سابق باشرت نيابة أمن الدولة التحقيق مع ستة مواطنين آخرين، بينهم طفلان، بعد ضبطهم أثناء شروعهم في كتابة عبارات داعمة لفلسطين على جسر دار السلام بالقاهرة. وقد أُمر بحبسهم احتياطيًا على ذمة القضية رقم 952 لسنة 2024.

وفي السياق ذاته، تولت نيابة أمن الدولة العليا التحقيقات في أولى القضايا المتعلقة بدعم فلسطين يومي 24 و25 أكتوبر 2023، مع ما لا يقل عن 28 متهمًا، ألقي القبض عليهم من محيط ميدان التحرير، عقب تفريق مظاهرات خرجت تنديدًا بعدوان جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة. وقد انتهت التحقيقات بإصدار قرارات بالتحفظ عليهم استنادًا إلى المادة 40 من قانون مكافحة الإرهاب رقم 94 لسنة 2015، دون السماح لهم بالتواصل مع ذويهم أو توكيل محامين، في مخالفة صريحة للقانون. وأُدرج المتهمون على ذمة القضية رقم 2468 لسنة 2023، ووجهت إليهم قائمة الاتهامات ذاتها.

وفي الإسكندرية، وُجهت نفس التهم إلى 14 مواطنًا، عرضتهم السلطات على نيابة أمن الدولة ضمن القضية رقم 2469 لسنة 2023، وشملت الاتهامات: مشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أهدافها، ونشر أخبار كاذبة، والاشتراك في تجمهر.

أما في القاهرة، فقد قررت نيابة أمن الدولة حبس 11 مواطنًا احتياطيًا على ذمة القضية رقم 2635 لسنة 2023، بعد القبض عليهم من محيط منطقتي الأزهر والموسكي، عقب تظاهرة أقيمت أمام مسجد الأزهر دعمًا لفلسطين في 27 أكتوبر 2023.

ولم يقتصر الاستهداف على من شارك ميدانيًا، بل امتد ليشمل حتى من عبّر عن تضامنه عبر الإنترنت، إذ قررت النيابة حبس 11 مواطنًا آخرين على ذمة القضية رقم 2526 لسنة 2023، لمجرد نشرهم منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي داعمة للقضية الفلسطينية.

وفي بيانها رسمي، أدانت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية الحملة الأمنية والقضائية التي انطلقت منذ بدء العدوان على غزة في أكتوبر الماضي، مؤكدة أنها استهدفت العشرات ممن مارسوا حقهم الدستوري في التعبير السلمي، سواء من خلال الوقفات الاحتجاجية، أو تعليق لافتات في الشوارع، أو حتى كتابة منشورات إلكترونية تدين العدوان وتنتقد الموقف الرسمي المصري.

مطالبات بالإفراج لم يكتب لها النجاح

في تحرك يعكس الشعور الوطني بضرورة دعم القضية الفلسطينية، تقدم مجلس أمناء الحوار الوطني في وقت سابق بالتماس إلى الجهات القضائية المختصة، طالب فيه بإصدار قرارات في إطار القانون، للإفراج عن المحبوسين احتياطيًا على خلفية انخراطهم في أنشطة داعمة للشعب الفلسطيني.

وقد أشاد المحامي الحقوقي نجاد البرعي بموقف أعضاء المجلس وتكاتفهم حول هذا المطلب الذي طرحه بنفسه، مثمنًا دعم كل من ضياء رشوان والدكتور محمود فوزي للقضايا المتعلقة بحقوق الإنسان المطروحة داخل مجلس الأمناء. وأوضح البرعي أنه قدّم بالفعل قائمة بأسماء المحتجزين بسبب تضامنهم مع القضية الفلسطينية.

وفي تصريحات خاصة سابقة لـ فكّر تاني، أشار المهندس كمال زايد أمين مجلس أمناء حزب الكرامة وعضو مجلس أمناء الحوار الوطني واللجنة التنسيقية، إلى وجود تنسيق مع الحقوقي نجاد البرعي لمحاولة إغلاق هذا الملف بالكامل. وأضاف: “لا يصح أن يظل هؤلاء رهن الحبس كل هذه الفترة، في وقت يستمر فيه العدوان على قطاع غزة”.

ومن جانبه، انتقد المحامي وعضو مجلس أمناء الحوار الوطني أحمد راغب، اعتبار التضامن مع القضية الفلسطينية جريمة تُستوجب الحبس، مؤكدًا أن هذا المنطق لا يراعي السياق الإقليمي ولا الدور الوطني في دعم القضية، خاصة في ظل الهجمات الإسرائيلية التي تستهدف الدولة المصرية بسبب مواقفها المعلنة وتحركاتها المساندة للفلسطينيين.

وأوضح راغب أن الأساس في توصيف الجريمة قانونيًا هو مخالفة القواعد القانونية والنظام العام للدولة، مشيرًا إلى أن المطالبة بالحرية في دولة تقمع حرية الرأي لا تُعد مخالفة للثوابت بل دفاعًا عنها.

وأضاف أن التضامن مع فلسطين واجب وطني لكل مصري، ولذلك فإن مجرد توجيه الاتهام على هذا الأساس يعكس إشكالية قانونية وأخلاقية.

وختم عضو مجلس الأمناء بالتأكيد على حاجة مصر اليوم إلى وحدة الصف الوطني والاصطفاف حول القضايا الكبرى، مشددًا على ضرورة تسوية كل الملفات العالقة، وعلى رأسها الإفراج عن كافة المحبوسين في قضايا الرأي، وخاصة أولئك الذين تم احتجازهم بسبب تضامنهم مع فلسطين.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة