نحو مزيد من السقوط الحر، ينزلق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال فترة دبلوماسية عالية المخاطر. وهو يواجه تحديات داخلية وخارجية قد ترسم نهايته السياسية، رغم محاولاته المستميتة لتأجيل هذه النهاية بحرب تثير التساؤلات حول الأهداف إذا لم تكن غير إبادة الفلسطينيين المدنيين العُزل في قطاع غزة.
وبينما جني الرجل في المجر ما كان يطمح له بلقاء رئيس الوزراء فيكتور أوربان، الذي هاجم مذكرة التوقيف الصادرة بحق صديقه من المحكمة الجنائية الدولية بتهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة، ووصفها بـ"القرار الوقح" معلنًا انسحاب بلاده من نظام روما الأساسي. اصطدم "بيبي" برحلة أقل نجاحًا إلى واشنطن، خصوصًا فيما يتعلق بمخططاته العسكرية والاقتصادية لقطاع غزة. وقد كان إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب -خلال هذه الزيارة- عن قرب انطلاق محادثات مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران كان بمثابة "صفعة" لسياسة نتنياهو المتطرفة.
في الداخل لا يختلف الأمر كثيرًا، إذ يعامي نتنياهو من تصاعد غير مسبوق في التوترات السياسية، بما في ذلك مطالبات بتحديد المسؤوليات عن أحداث 7 أكتوبر، والضغوط المتزايدة من داخل ائتلافه للتقدم في خطط ضم أجزاء من غزة، وأزمة احتجاجات الجنود على استمرار الحرب. هذا فضلًا عما يواجه من مشكلات قانونية مستمرة منذ عام 2019، مع استمرار قضاياه في المحاكم، إضافة إلى الأزمات داخل جهاز الشاباك والتي أدت إلى احتجاجات شعبية. وهي كلها مقدمات تقول إن حكومة نتنياهو التي تحاول الترويج لانتصاراتهها في القطاع المحاصر المُدمر ربما تلفظ أنفاسها الأخير. وهو ما استعرضه المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية (ISPI) في تقرير خاص تناول آراء خبراء السياسة الدولية المعنيين بهذا الملف.

لن ينجو أبدًا
ترى سارة إيزابيلا ليكين، وهي باحثة متدربة في مركز الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التابع للمعهد الدولي للأبحاث، أن نتنياهو الذي يبدو أنه تجنب تحمل مسؤولياته في الوقت الحالي، لن يستمر هكذا أبدًا، وأن ساعته الرملية آخذة في النفاد. وتشير إلى الوضع الداخلي في إسرائيل الذي لا يزال مليئًا بالقضايا التي تُنذر بالانفجار.
وتوضح الكاتبة أنه في نفس الأيام التي كان فيها نتنياهو يلتقي بـ "أصدقائه" أوربان وترامب، بدأت المحكمة العليا الإسرائيلية جلسات استماع بشأن إقالة رئيس الشاباك رونين بار، وهي الإقالة التي دفعه نتنياهو نحوها. وتضيف أن عائلات الرهائن عادت إلى الشوارع مطالبة، من بين أمور أخرى، بإجراء تحقيق مناسب في أحداث السابع من أكتوبر، وهو الأمر الذي يحاول نتنياهو تجنبه بأي ثمن.
وتعتقد سارة أن نتنياهو، بينما يبحث عن طرق لتجنب المساءلة الشخصية والسياسية، فإن الحملة التي أطلقها ضد النظام القضائي تصل إلى ذروات جديدة. وتعتبر أن محاولة إقالة المدعية العامة جالي بهاراف-ميارا والقانون الذي تم تمريره مؤخرًا ويزيد من السيطرة السياسية على التعيينات القضائية، هما مجرد آخر التطورات في هذا الصراع.
وتقول إنه بينما يتهم نتنياهو القضاة وما أسماه "الدولة العميقة" بشن حملة مطاردة ضده، فإن الرأي العام الإسرائيلي يزداد قلقًا بشأن مرونة ديمقراطية البلاد. وتختتم بالإشارة إلى أن فترة قصيرة مرت منذ اندلاع الاحتجاجات في يناير 2023، ولم يتبق الكثير من الوقت حتى الانتخابات المقبلة المقررة في أكتوبر 2026، وهو ما يجب على "ساحر الانتخابات" نتنياهو أن يتذكره جيدًا، على حد تعبيرها، بافتراض أنه لن يتمكن من تغيير الموعد أيضًا.
سارة إيزابيلا ليكين حاصلة على درجة البكالوريوس في العلوم الدولية والدبلوماسية من جامعة ترييستي، ودرجة الماجستير في علوم التعاون الدولي والتنمية من جامعة "لا سابينزا" في روما، ودرجة الماجستير المتخصصة في الشرق الأوسط من كلية الدراسات العليا ASERI التابعة للجامعة الكاثوليكية في ميلانو. تركز اهتماماتها البحثية على إسرائيل ، وخاصة القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية، بالإضافة إلى الموضوعات المتعلقة بأمن الطاقة والديناميكيات في شرق البحر الأبيض المتوسط.
لن يبقى دون ائتلافه
وتقول نوا شوسترمان دفير، مديرة برنامج الفلسطينيين والمنطقة في مركز MIND الإسرائيلي، إن الإجراءات القانونية المستمرة ضد نتنياهو تجعله "مرتبطًا" بشكل وثيق بائتلافه الحكومي. وتوضح أن استطلاعات الرأي الحالية تشير إلى أنه في حال تفكك هذا الائتلاف، ستفقد جميع الأحزاب قوتها، ولن يبقى نتنياهو رئيسًا للوزراء.
وتوضح نوا أنه في حال لم يعد نتنياهو رئيسًا للوزراء، فسوف يفقد نفوذه على المحكمة والأدوات التي يستخدمها حاليًا لتأجيل وإطالة الإجراءات القانونية ضده، ولهذا السبب تحديدًا يحتاج إلى البقاء في منصب رئيس الوزراء.
وتستنتج مديرة برنامج الفلسطينيين والمنطقة في MIND، أن اعتماد نتنياهو على بقاء الائتلاف يجعله غير قادر على مقاومة المطالب القطاعية لأعضاء هذا الائتلاف. وتشير إلى أن إسرائيل تشهد تصاعدًا في وتيرة الضم الفعلي للأراضي تحت قيادة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش. وتربط ذلك بالوضع السياسي الراهن لنتنياهو وقيوده الناتجة عن مشاكله القانونية واعتماده على الائتلاف.
وتوضح أن هذا التسارع في الضم يشمل خطوات كانت مرفوضة من قبل نتنياهو في الماضي، مثل أعمال البناء في منطقة E1 الواقعة بين معاليه أدوميم والقدس.
نوا هي مديرة برنامج الفلسطينيين والمنطقة، ينصب تركيزها على العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية والتأثيرات والاتجاهات عبر الإقليمية، باحثة سابقة ومنسقة برنامج الأبحاث الإسرائيلي الفلسطيني، والمعهد الوطني للعلوم والأمن والاتصالات، وزميلة سابقة في البحث والاتصالات في منتدى السياسات الإسرائيلية (IPF).
ذو التأثير المحدود في الإدارة الأمريكية
"زيارته إلى واشنطن، وهي الثانية له منذ تولي ترامب منصبه، كانت عفوية وفاشلة"؛ هكذا يصف نمرود جورين، رئيس معهد متفيم لدراسات السياسة الخارجية لإسرائيل، زيارة نتنياهو الأخيرة إلى الولايات المتحدة، ويقول إن الاجتماع لم يسفر عن أي مكاسب إسرائيلية، بل على العكس تمامًا، فشل في إلغاء التعريفات الجمركية التي فرضها ترامب واضطر نتنياهو إلى الاستماع إلى إعلان الرئيس الأمريكي عن إطلاق محادثات مباشرة مع إيران، وهو ما يتعارض تمامًا مع ما كان يأمل به.
ويضيف رئيس معهد متفيم أن نتائج هذه الزيارة تُظهر التأثير المحدود الذي يتمتع به نتنياهو على الإدارة الأمريكية الحالية. كما يشير إلى أن تصريح الرئيس ترامب برغبته في إنهاء الحرب في غزة وإطلاق سراح الرهائن قد أثار آمالًا متجددة لدى العديد من الإسرائيليين الذين يعارضون استئناف نتنياهو للحرب في القطاع.
ويختتم جورين بالإشارة إلى أن هؤلاء الإسرائيليين الذين يعارضون استئناف الحرب لا يعتقدون أن سياسة نتنياهو ستؤدي إلى عودة الرهائن إلى ديارهم أو تحقيق نصر في غزة.
نمرود جورين هو رئيس ومؤسس Mitvim - المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية، والمؤسس المشارك ل Diplomeds - مجلس دبلوماسية البحر الأبيض المتوسط، وزميل أول للشؤون الإسرائيلية في معهد الشرق الأوسط، والرئيس المشارك لمبادرة إقليمية في منتدى المناخ الإسرائيلي للرئيس إسحاق هرتسوغ.
غير الواثق من دون واشنطن
يقول إروين فان فين، باحث أول في وحدة أبحاث النزاعات التابعة لمعهد كلينجندايل، أن نتنياهو تعرض بشكل خاص لبعض الإهانات البروتوكولية بعدم إحرازه أي تقدم فيما يتعلق بالتعريفات الأمريكية على المنتجات الإسرائيلية، واستماعه إلى الرئيس ترامب وهو يذكر علنًا المحادثات الأمريكية المباشرة مع إيران.
ويوضح أن مشكلة الحكومة الإسرائيلية تكمن في أن تحركاتها الأخيرة، مثل التوسع العسكري في لبنان وسوريا، وتسريع ضم الضفة الغربية، وتدمير وتهجير الفلسطينيين من غزة، ستكون أقل استدامة من دون دعم أمريكي متواصل.
ويؤكد الباحث الأول في وحدة أبحاث النزاعات أن هذا الدعم الأمريكي لا يمكن اعتباره أمرًا مفروغًا منه في ظل رئاسة ترامب، نظرًا لأسلوبه القائم على الصفقات في السياسة الخارجية والذي يرتكز على مبدأ "أمريكا أولًا" والمقايضة.
ويختتم إروين فان فين بالإشارة إلى أنه على الرغم من وجود وجهات نظر قوية مؤيدة لإسرائيل في واشنطن قد تحافظ على الوضع الراهن لبعض الوقت، فإن انتظار نفاد صبر الرئيس الأمريكي يمثل استراتيجية محفوفة بالمخاطر.
إروين فان فين هو زميل باحث أول في وحدة أبحاث الصراع في Clingendael (CRU)، محترف متمرس يقدم نصائح استراتيجية عالية الجودة وثاقبة تساعد في التخفيف من حدة الصراع العنيف. مجال خبرته المباشر هو العلاقات بين النظام السياسي والاحتجاج والعنف في دول مثل العراق وإسرائيل / فلسطين وسوريا وتركيا.
بقاؤه يهدد القانون الدولي
يرى مايكل بيكر، أستاذ مساعد في القانون بكلية ترينيتي في دبلن، أن قرار هنجاريا باستقبال نتنياهو والتخلي عن نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية كان مخيبًا للآمال ولكنه ليس مفاجئًا. ويعزو ذلك إلى العداء العام الذي تبديه هنجاريا بقيادة أوربان للقانون الدولي والمؤسسات متعددة الأطراف وسيادة القانون.
ويوضح بيكر أن تصرفات هنجاريا تتفق مع السجل الضعيف عمومًا للدول في إظهار الإرادة لتنفيذ مذكرات الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية ضد رؤساء دول أجنبية.
ويشير الأستاذ المساعد في القانون إلى أن مسألة ما إذا كان بإمكان المحكمة الجنائية الدولية ممارسة الولاية القضائية بشكل صحيح على قادة الدول غير الأطراف في نظام روما الأساسي (مثل إسرائيل وروسيا) لا تزال مثيرة للجدل، لأنها تتعارض مع معايير حصانة رؤساء الدول بموجب القانون الدولي العرفي. كما يرى أن ممارسة الدول على المستوى السياسي تعكس نقصًا في الدعم الواسع النطاق لموقف المحكمة بشأن حصانة رؤساء الدول فيما يتعلق بالأطراف غير المنتمية لنظام روما الأساسي.
ويعتقد مايكل بيكر أن المخاوف بشأن موقف المحكمة الجنائية الدولية لا تبرر بالضرورة فشل دول مثل هنجاريا في تنفيذ مذكرة الاعتقال الصادرة بحق نتنياهو، لكنها قد تساعد في تفسير موقف "الانتقاء" الذي يبدو أن الدول تتبناه.
ويؤكد بيكر أن الموقف المنافق الذي تتخذه بعض الدول سيؤدي حتمًا إلى تقويض احترام القانون الدولي وتعزيز سردية المعايير المزدوجة. ويختتم بالإشارة إلى أن المحكمة الجنائية الدولية قد تكتشف أنها اتخذت موقفًا غير مستدام بالنظر إلى الالتزام المعياري المهتز بالفعل للدول بالعدالة الجنائية الدولية.
مايكل بيكر أستاذ مساعد في القانون الدولي لحقوق الإنسان، مع خلفية واسعة في القانون الدولي العام وحقوق الإنسان. تشمل اهتمامات مايك البحثية المحاكم والهيئات القضائية الدولية، وهيئات تقصي الحقائق ولجان التحقيق، وقانون البحار، والعلاقة بين القانون الدولي والسياسة العالمية (بما في ذلك دور حقوق الإنسان في السياسة الخارجية).