لا تزال فوائد الديون تشكل عبئًا ثقيلًا على الموازنة العامة للدولة بمصر، إذ التهمت خلال النصف الأول من العام المالي الحالي حوالي 53.3% من إجمالي المصروفات، لتبلغ 939.08 مليار جنيه مقابل 792.9 مليار جنيه في الفترة ذاتها من العام المالي السابق بنسبة زيادة 18.4%.
يأتي ارتفاع الفوائد رغم تراجع ديون أجهزة الموازنة العامة للدولة في ديسمبر 2024 إلى 81.5% مقابل 89.4% في يوليو 2024 و95.7% في يوليو 2023. وهو أمر تعزوه وزارة المالية إلى الاستراتيجية المتكاملة لاستدامة مديونية أجهزة الموازنة، لكن يقول خبراء إنه مرتبط بارتفاع قيمة الناتج المحلي الذي يتم القياس عليه.
وقد عمدت وزارة المالية على مدار السنوات الأخيرة إلى سياسة “إطالة عمر الدين” أي استبدال ديون قصيرة الأجل بأخرى طويلة، ما رفع عمر محفظة الدين المحلي في ديسمبر 2024 إلى 1.83 عام مقارنة بـ 1.24 عام في يونيو 2024، ما يعكس ثقة المستثمرين الأجانب في الاستثمارات بالأوراق المالية طويلة الأجل كسندات الخزانة.
وتسببت الفوائد في تحول أعلى فائض أولي خلال 20 عامًا تم تحقيقه في النصف الأول إلى عجز كلي، والفائض الأولي هو الفرق بين الإيرادات والمصروفات بالموازنة العامة (دون إضافة فوائد الديون)، وسجل الفائض الأولي 230 مليار جنيه، لكن بإضافة الفوائد تحول الأمر إلى عجز كلي بقيمة 708.8 مليار جنيه، مقابل 643.3 مليار جنيه في الفترة المقارنة من العام السابق.
كيف تفكر الوزارة في ملف الفوائد؟
بحسب خطة الوزارة، فإنها تستهدف استمرار الاتجاه النزولي للدين العام ليتراوح بين 85 و86% من الناتج المحلي بنهاية العام الحالي والانتهاء من استراتيجية متكاملة لإدارة مديونية أجهزة الموازنة العامة في المد المتوسط وحتى نهاية عام 2030 بما يضمن تحسين تدريجي كبير وشامل في جميع مؤشرات المديونية وضمان وجود تراجع نسبة الدين للناتج المحلي وخفض في قيمة ونسبة الدين الخارجي وتحسين في إطالة عمر الدين وخفض فاتورة خدمته (خدمة الدين هي الفوائد).
ويكشف مسؤول بالوزارة أنها تسعى لطرح أدوات دين جديدة ومتنوعة في السوق الأولية للأوراق المالية الحكومية لزيادة قاعدة العملاء والتنوع في الإصدارات لتتضمن الصكوك الإسلامية والخضراء والسندات المستدامة وتشجيع شركات إدارة صناديق المحافظ المالية على إصدار صناديق استثمار في الأوراق المالية الحكومية مثل صناديق السيولة وصناديق الدخل الثابت للعاملين بالخارج.
زيادة كبيرة بالإيرادات الضريبية
تراهن وزارة المالية كثيرًا على تطور الإيرادات الضريبية في مواجهة زيادة، فإيرادات الموازنة العامة للدولة بلغت 1.06 تريليون جنيه في النصف الأول بفضل زيادة الإيرادات الضريبية التي بلغت 912.5 مليار جنيه، مقابل 662.1 مليار جنيه في النصف ذاته من العام السابق، بنسبة زيادة تعادل 38%. (الضرائب مثلت نحو 86% من إجمالي الإيرادات).
ارتفعت الضرائب بفضل زيادة المتحصلات من الجهات السيادية (مثل قناة السويس) إلى 221.6 مليار جنيه في النصف الأول من العام المالي مقابل 157.8 مليار في النصف ذاته من العام السابق بنسبة زيادة 40%، كما زادت المتحصلات من الجهات الضريبية غير السيادية إلى 690.9 مليار جنيه مقابل 504.3 مليار جنيه في الفترة المقارنة ذاتها بنسبة زيادة 37%.
بلغت الضرائب الجمركية 62.9 مليار جنيه مقابل 41.8 مليار جنيه في الفترة المقارنة ذاتها بنسبة ارتفاع 49.9%، فيما بلغت الضريبة العقارية 3.2 مليار جنيه مقابل 2.9 مليار في الفترة المقارنة ذاتها بزيادة 9.2%.
كما قفزت الضريبة على السلع والخدمات (ومنها الضريبة على القيمة المضافة) إلى 416.8 مليار جنيه مقابل 396.4 مليار جنيه بنسبة زيادة 40.6%، أما ضريبة الدخل على الشركات والأفراد فبلغت 258.4 مليار جنيه مقابل 222.1 مليار جنيه في الفترة المقارنة بزيادة 16.4%.
زادت ضرائب القيمة المضافة على السلع المستوردة بنسبة 84% إلى 137.4 مليار جنيه، والقيمة المضافة على السلع المحلية بنسبة 23.3% إلى 73.3 مليار جنيه، انعكاسًا لتحسن النشاط الاقتصادي ورفع كفاءة التحصيل.
ارتفعت حصيلة الضرائب والرسوم على السيارات بنسبة 37.7% إلى 7.6 مليار جنيه، والقيمة المضافة على الخدمات بنسبة 19.9%، والضريبة القطعية على بعض السلع المحلية بنسبة 22.9% إلى 76.3 مليار جنيه.
لماذا ارتفعت الضرائب؟
بحسب مسؤول المالية، فإن بنود الضرائب شهدت ارتفاعًا جيدًا مدفوعًا بالإصلاحات الضريبية والجمركية والإعلان عن الحزمة الأولى من التسهيلات الضريبية التي تم اعتمادها والتصديق عليها في فبراير 2025، ما يساهم في زيادة نسبة حصيلة الإيرادات الضريبية.
أضاف أن ارتفاع الضرائب جاء بفضل استعادة ثقة المجتمع الضريبي وتعافي النشاط الاقتصادي وحل أزمة النقد الأجنبي، ومساهمة ميكنة النظم الضريبية في تطوير الإدارة الضريبية وزيادة الحصيلة من خلال توسيع القاعدة الضريبية، بجانب الإعلان عن الحزمة الضريبية.
تشير بيانات الوزارة إلى أن جميع بنود الضرائب شهدت ارتفاعًا، فضرائب الدخل من التوظيف ارتفعت بنسبة 28.5% إلى 73.1 مليار جنيه، وعلى الشركات ارتفعت بنسبة 16.9% إلى 86.5 مليار جنيه، وعلى الأرباح التجارية والصناعية بنسبة 21% إلى 29.6 مليار جنيه، وعلى المهن الحرة غير التجارية بنسبة 42% إلى 5.1 مليار جنيه، كما زادت الضرائب على السيارات بنسبة 37.7% إلى 7.6 مليار جنيه في الفترة ذاتها.
قفزة كبيرة في المصروفات بسبب الفوائد
في المقابل، سجل إجمالي المصروفات في النصف الأول 1.7 تريليون جنيه مقابل 1.4 تريليون جنيه في الفترة المقارنة ذاتها، بنسبة نمو 20.5%، لكن نسبة المصروفات للناتج المحلي تراجعت إلى 10.2% مقابل 10.5% في الفترة المقارنة ذاتها، وجاء الارتفاع بسبب الفوائد التي مثلت 53% من المصروفات وكذلك بند الدعم الذي ارتفع إلى نسبة 42.2% بحسب بيانات الوزارة.
في النصف الأول من العام المالي، بلغت الأجور وتعويضات العاملين 286.2 مليار جنيه مقابل 140.9 مليار في الفترة المقارنة، بزيادة 18.8%، فيما بلغ الإنفاق على الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية 217.8 مليار جنيه مقابل 195.5 مليار جنيه بزيادة 42.54%.
أما المصروفات الأخرى فبلغت 81.6 مليار جنيه مقابل 68.4 مليار جنيه، وشراء السلع والخدمات 83.7 مليار جنيه مقابل 70.3 مليار في الفترة المقارنة ذاتها، وخصصت الاستثمارات 92.6 مليار جنيه مقابل 93.6 مليار جنيه في الفترة المقارنة ذاتها، وكان البند الوحيد الذي تراجع بين المصروفات بقيمة 1.1%.
يرجع خفض الاستثمارات العامة إلى وضع سقف الإنفاق الاستثماري عند تريليون جنيه، بجانب التزام الدولة بتوفير التمويل الكافي للأجور ومرتبات العاملين بالدولة وتوفير مخصصات كافية لبند الدعم وبرامج الحماية الاجتماعية وسداد مستحقات الخزانة العامة لصالح صندوق المعاشات، وزيادة الإنفاق على الصحة والتعليم.
وقامت الخزانة العامة بسداد نقدي لصالح صندوق التأمينات والمعاشات الذي بلغ نحو 86 مليار جنيه، ما يمثل نحو 60% من المدرج في الموازنة العامة للدولة مقارنة بنحو 67 مليار جنيه في الفترة ذاتها من العام السابق بنسبة نمو 27%. كما قامت الدولة بسداد مستحقات دعم السلع التموينية التي بلغت نحو 71 مليار جنيه بجانب سداد جميع مستحقات دعم السلع التموينية التي بلغت 59 مليار جنيه.
هل يتراجع العبء؟
تمثل الفائدة البنكية المرتفعة أحد المشكلات التي تزيد من عبء فوائد الديون الحكومية، فكل 1% زيادة في تكلفة الفائدة يزيد أعباء الموازنة بين 30 و32 مليار جنيه. وتقول حنان رمسيس، محللة أسواق المال، إن الدولة تحول بقدر الإمكان خفض أسعار الفائدة على الودائع أو القروض، وبدأت بأذون الخزانة وسندات الخزانة، وهي رسالة بأنه سيتم خفض الفائدة.
كما سمح البنك المركزي لبعض البنوك بخفض الفائدة على شهادات الادخار تمهيدًا لخفض أسعار الفائدة بدءًا من أبريل الحالي، لكن نسبة الخفض لن تكون عالية ولن تتجاوز 1% إلى 2%، لأنه متوقع أن يرتفع التضخم بسبب ارتفاع أسعار المحروقات التي سترتفع 3 مرات هذا العام.