مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية البرلمانية، يثار التساؤل حول مدى جاهزية الأحزاب السياسية للمشاركة في هذا الحدث المهم، وحجم تفاعل الشارع مع العملية الانتخابية.
لا شك أن العمل الحزبي يتطلب جهدًا مستمرًا، وبرامج واضحة، وقدرة على التواصل مع الجماهير، لكن لا يمكن إغفال أن المناخ السياسي هو العامل الحاسم في تحديد فرص الأحزاب في التنافس العادل والحقيقي.
ويأتي هذا التساؤل دائما مع حزمة من الاتهامات للأحزاب بالتقصير وعدم الانتشار والتأثير في الشارع، ناهيك عن الحملات الممنهجة من آن إلى آخر بشيطنة الأحزاب فضلا عن العمل السياسي برمته.
المشهد الراهن
في المشهد الحالي، نجد أن بعض القوى السياسية تتمتع بامتيازات غير متاحة لغيرها، مما يجعل المنافسة غير متكافئة. فهناك أحزاب نشأت في كنف السلطة وتحظى بدعمها، سواء على مستوى الموارد أو التغطية الإعلامية، بينما تواجه الأحزاب المستقلة والمعارضة تحديات كبيرة، تبدأ من القيود القانونية والأمنية، مرورًا بغياب المساحات الإعلامية العادلة، وصولًا إلى الممارسات التي تعيق حرية الحركة والتنظيم، ناهيك عن تخوف المواطنين من المشاركة في الأحزاب بما يشمل الكوادر السياسية المؤهلة ورجال الأعمال مما يحرم الأحزاب من الموارد البشرية والمادية.

البيئة الحزبية لا تنمو في فراغ، بل تحتاج إلى إرادة حقيقية وإطار قانوني يتيح التعددية الحقيقية. ومن الغريب والمثير للدهشة أنه حتى الآن لم يصدر قانون الانتخابات الذي سيحدد طبيعة المنافسة رغم أن الانتخابات على الأبواب، وهو ما يعطل خطط الأحزاب الانتخابية ويترك المجال للضبابية والتكهنات.
إضافة إلى ذلك، فإن نمط الانتخابات السابقة وما شابها من تجاوزات كبيرة أفقدها الزخم والمصداقية، مما أدى إلى عزوف المواطنين عن المشاركة، سواء بسبب فقدان الثقة في جدوى العملية الانتخابية، أو بسبب سيطرة المال السياسي الذي أصبح لاعبًا رئيسيًا في تحديد نتائج الانتخابات.
وفي ظل هذه التحديات، يصبح الانضمام إلى قوائم انتخابية مغلقة، تهيمن عليها أحزاب موالية للسلطة، هو السبيل الوحيد المتاح للبعض للمشاركة، وأصبح هو المجال التنافسي السياسي الحالي، مما يقلل من فرص المنافسة الحقيقية، ويحصر التعددية السياسية في إطار محدود جدًا.
القوائم النسبية والفردي
لكن في المقابل، فإن نظام الانتخابات الفردية أو القوائم النسبية قد يتيح فرصة أكبر للأحزاب المستقلة إذا توفر لها الحد الأدنى من النزاهة والتنافسية وحياد مؤسسات الدولة، حيث يسمح بتمثيل أوسع ويحد من هيمنة القوائم المغلقة التي تُصاغ وفق ترتيبات سياسية مسبقة أشبه بالتعيين.
ورغم ذلك، لا تزال هناك أحزاب تسعى بجهودها الذاتية المحدودة لبناء قواعد شعبية على الأرض، وتحاول إثبات وجودها رغم كل القيود المفروضة.

أكاد أجزم أنه لا يمكن الحديث عن ديمقراطية حقيقية دون إتاحة الفرصة المتكافئة للجميع للمشاركة والتنافس. فإن بناء حياة سياسية سليمة يتطلب إعادة النظر في كثير من الممارسات الحالية، من ضمان حيادية الإعلام، إلى توفير ضمانات لنزاهة الانتخابات، إلى وضع حد حقيقي ومفعل لاستخدام المال السياسي في التأثير على الناخبين وشراء الأصوات.
كما أن إنهاء حالة الاستقطاب والتمييز بين الأحزاب وفقًا لدرجة قربها أو بعدها عن السلطة، هو ضرورة لضمان تمثيل سياسي حقيقي يعكس إرادة المواطنين، وليس مجرد مشهد شكلي لا يعبر عن الواقع.
إن المرحلة المقبلة تتطلب من الجميع، سواء الدولة أو الأحزاب أو المجتمع، العمل على خلق بيئة سياسية أكثر انفتاحًا، تتيح للأحزاب الحقيقية النمو والتواصل مع الناس، بعيدًا عن القيود التي تفرغ الممارسة السياسية من معناها الحقيقي، وتُبقي المجال العام في دائرة مغلقة لا تتسع إلا لمن يُسمح لهم بالحركة فيها.