إذا لم يكن من البيع بُدٌ.. فلماذا تطوير بنك القاهرة؟

“إذا لم يكن من البيع بُدّ، فلماذا تمّ التطوير؟” هكذا يطرح السؤال نفسه بقوة في صفقة بنك القاهرة حاليًا، حيث بدأ بنك الإمارات دبي الوطني أعمال الفحص النافي للجهالة، تمهيدًا للاستحواذ على حصة حاكمة لم يتم تحديدها حتى الآن.

تبنّى البنك منذ سبع سنوات استراتيجية لتحديث وتطوير شبكة فروعه، التي تناهز 250 فرعًا في مختلف أنحاء الجمهورية، بتصميمات أكثر تميزًا، مع تغيير مواقع العديد منها إلى أخرى أكثر ملاءمة بهدف تقديم الخدمات بأعلى مستوى يواكب أحدث المعايير العالمية، إلى جانب اعتماد الهوية الجديدة للبنك (الشعار الجديد) الذي تم استحداثه عام 2019.

كان الشعار القديم للبنك عبارة عن رسم لمئذنتي مسجد وتحته عبارة “بنك القاهرة” مكتوبة بخط يدوي، مع معالجة لحرف الكاف بحيث تُقرأ الكلمة “بنكك” وليس “بنك”، ما يضفي طابعًا شخصيًا على المخاطبة. لاحقًا، تم حذف الرسم واستبداله بشعار أحمر، مع تغيير الخط.

يقول الدكتور رمزي الجرم، مدير عام الرقابة الداخلية ببنك القاهرة، إن هناك إصرارًا ونية مبيتة لبيع بنك القاهرة منذ عام 2007، ما يثير التساؤل: لماذا تمّ تشييد مقر للبنك في العاصمة الإدارية بتكلفة ضخمة؟ فضلًا عن نفقات إعادة تطوير العديد من فروعه، خصوصًا في القاهرة والإسكندرية، وتغيير الشعار، الذي استلزم إنفاق مبالغ باهظة، شملت إعدام المطبوعات التي تحمل الشعار القديم وإعادة إنتاجها بالشعار الجديد دون ضرورة ملحة.

يمتلك بنك القاهرة مقرًا ضخمًا في العاصمة الإدارية الجديدة، بحي المال والأعمال، على مساحة إجمالية تقارب 5869 مترًا مربعًا، ويتألف من طابق أرضي، وستة طوابق متكررة، وطابقين تحت الأرض (بدروم).

ونقلًا عن عدة تدوينات للجرم عبر حسابه بفيسبوك، فإنه لا يجوز التفريط في صرح اقتصادي مثل بنك القاهرة مقابل مليار دولار، بغضّ النظر عن مدى عدالة هذه القيمة، إذ يمكن تدبير هذا المبلغ من مصادر أخرى، مثل الزيادة المطردة في حصيلة تحويلات العاملين بالخارج، أو في أسوأ الأحوال، عبر طرح سندات دولية تتيح جمع المبلغ المطلوب وسداده وفق آجال محددة، دون الاضطرار إلى بيع البنك.

ارتفاع أصول بنك القاهرة بنسبة 20%

وارتفع إجمالي أصول بنك القاهرة بنسبة 20% ليصل إلى 483 مليار جنيه بنهاية 2024، مقارنة بـ 402 مليار جنيه بنهاية 2023. كما صعدت الإيرادات التشغيلية إلى 34.7 مليار جنيه، مقارنة بـ 22.2 مليار جنيه خلال عام 2023، بمعدل نمو بلغ 56%، مما أدى إلى تراجع نسبة التكلفة إلى الدخل إلى 31.6%، مقابل 36.7% في عام 2023.

ويمتلك بنك القاهرة نحو 11 شركة تابعة وشقيقة داخل وخارج مصر، بنسب مساهمة تتراوح بين 99.9% و20%، ومن أبرزها “تالي للمدفوعات الرقمية”، و”كايرو للتأجير التمويلي”، و”كايرو للصرافة” التي تمتلك 9 فروع في عدة محافظات.

الدكتور رمزي الجرم
الدكتور رمزي الجرم

وتضم شبكة ماكينات الصراف الآلي للبنك نحو 1710 ماكينة، تغطي جميع محافظات الجمهورية، بإجمالي عدد معاملات بلغ 17.2 مليون معاملة بنهاية الربع الثاني من عام 2024، بقيمة إجمالية وصلت إلى 41 مليار جنيه.

ويشير الدكتور الجرم إلى أن “المليار دولار يُعادل نحو 50 مليار جنيه، في حين يحقق البنك ربحية سنوية تصل إلى 12 مليار جنيه (بعد الضرائب)، ما يعني أن الأرباح المتراكمة خلال أربع سنوات يمكن أن تتجاوز قيمة الصفقة”. وأضاف أن الحاجة إلى العملة الأجنبية لا تُبرر البيع، إذ يمكن اللجوء إلى الاكتتاب العام كخيار أثبت فاعليته.

ويتساءل الجرم: “إذا كان بنك مصر، الذي تأسّس بجنيهات المصريين، قد صمد أمام التحديات لعقود، فلماذا لا نعتمد النهج ذاته مع بنك القاهرة؟ لماذا لا يُطرح للاكتتاب العام ليشارك المواطنون في امتلاك أسهمه، بدلًا من بيعه لمستثمر أجنبي، مع إتاحة خيار شراء الأسهم كبديل عن ربط الودائع؟”.

ويؤكد أن البنوك تُعدّ عصب الاقتصاد، ومن يتحكم فيها يسيطر على تدفق الأموال والسياسات التنموية، محذرًا من أن بيع بنك القاهرة بأقل من قيمته الحقيقية، لا سيما بعد خفض الجنيه المتكرر، قد يمهّد لبيع أصول أخرى في قطاعات حيوية مثل الطاقة والنقل، مما قد يحدّ من الدور الرقابي للدولة.

ما هي آليات تقييم الشركات؟

عند تقييم الشركات، ومنها البنوك، يتم الأخذ في الاعتبار عدة عوامل، تشمل الأصول غير الملموسة مثل الشهرة التجارية والسمعة، إلى جانب الدخل أو رسملة الأرباح، والتدفقات النقدية المخصومة، التي تُستخدم للتنبؤ بالأرباح المستقبلية وتقييم التدفقات النقدية المتوقعة للشركة.

ويعزو البعض انخفاض القيمة التقديرية لبنك القاهرة إلى تراجع قيمة الجنيه المصري أمام الدولار، ما يؤثر سلبًا على الأصول المقوّمة بالعملة المحلية عند تحويلها إلى العملات الأجنبية، وبالتالي يقلل من التقييم الإجمالي للبنك.

ويقول محمد الدشناوي، الخبير الاقتصادي والرئيس التنفيذي السابق لشركة “جذور” لتداول الأوراق المالية، إن المليار دولار المعروض لشراء بنك القاهرة يُعدّ سعرًا زهيدًا مقارنة بالقيمة الحقيقية للبنك. وأوضح أنه في عام 2007، كان السعر المعروض للاستحواذ على البنك 1.6 مليار دولار، مؤكدًا أن السعر العادل للبنك في 2025 يجب أن يبلغ 2.52 مليار دولار على الأقل، دون احتساب معدل نمو الاقتصاد المصري.

ويضيف الدشناوي أن الدولة عندما درست بيع بنك القاهرة في 2007 تلقت عروضًا من ستة تحالفات، إلا أن لجنة المراجعة والتقييم، التي شُكلت بقرار من رئيس الوزراء عام 2008، رفضت البيع بسعر يقل عن 14 مليار جنيه، وهو ما كان يعادل حينها 1.641 مليار دولار وفقًا لسعر الصرف وقتها.

ويشير إلى أنه في حال احتساب معدلات النمو في الاقتصاد المصري، مع الأخذ في الاعتبار عدم استقرار العملة والمخاطر الجيوسياسية والاقتصادية، فإن السعر العادل للبنك يجب ألا يقل عن 3.5 مليار دولار.

بنكا القاهرة والإسكندرية.. مقارنة وتقييم لصفقة بيع

يقول محمد النجار، الخبير الاقتصادي، إن صفقة بنك القاهرة تأتي في وقت تسعى فيه مصر للحصول على الشريحة الخامسة من قرض صندوق النقد الدولي قبل يونيو المقبل، وتسرّع في تنفيذ خطط بيع الأصول الحكومية، بما يشمل شركات وبنوك، إلى جانب إلغاء دعم الوقود بالكامل خلال عام تقريبًا.

محمد النجار الخبير الاقتصادي
محمد النجار الخبير الاقتصادي

ومن المتوقع أن تخضع مصر للمراجعة الخامسة من برنامج القرض البالغ 8 مليارات دولار قبل نهاية يونيو 2025، بعدما حصلت مؤخرًا على 1.2 مليار دولار، فيما تستهدف الحكومة التخارج من أصول بقيمة 3.6 مليارات دولار خلال العام المالي 2024/2025، الذي ينتهي في 30 يونيو المقبل.

ويوضح النجار أن بيع بنك القاهرة يستوجب مقارنته بآخر بنك باعته الحكومة لمستثمر رئيسي، وهو بنك الإسكندرية، الذي استحوذت مجموعة “سان باولو” الإيطالية على 80% من أسهمه في 2006 مقابل 1.6 مليار دولار، مما قدّر قيمة البنك حينها بنحو 2 مليار دولار، مع احتفاظ الحكومة بنسبة 20%.

وبالنظر إلى أداء البنكين، فقد بلغت أرباح بنك الإسكندرية خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2024 نحو 8.2 مليارات جنيه، فيما بلغ عدد فروعه 173 فرعًا، وسجّلت أصوله 198 مليار جنيه. في المقابل، حقق بنك القاهرة صافي أرباح بقيمة 8.7 مليارات جنيه خلال الفترة نفسها، بعدد فروع 218 فرعًا، وأصول تقدَّر بنحو 477 مليار جنيه. وبناءً على هذه الأرقام، تساءل النجار عن مدى منطقية بيع بنك القاهرة بأقل من 2.25 مليار دولار.

ما الحل؟

يتفق الخبراء على أن أفضل السيناريوهات تشمل:

– طرح حصة للبيع في البورصة لصغار المستثمرين كما حدث مع المصرف المتحد.

– طرح حصة بالدولار للمصريين بالخارج لتعزيز الاحتياطيات النقدية.

– إجراء طرح دولاري كامل في البورصة لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية.

وقد أعرب مسؤول بالبنك المركزي عن استغرابه من الجدل المثار حول الصفقة، مؤكدًا أن الحكومة أعلنت منذ أشهر عن نيتها التخارج من البنك، وما يجري حاليًا هو الفحص النافي للجهالة، الذي سيحدد السعر المناسب للبيع، مع التأكيد على أن بنك مصر والبنك المركزي سيرفضان أي عرض لا يعكس القيمة العادلة للبنك.

وأشار المسؤول، في حديثه لـ فكر تاني، إلى أن طرح بنك القاهرة في البورصة لا يزال خيارًا مطروحًا، مستشهدًا بتجربة المصرف المتحد، حيث تم رفض عدة عروض أجنبية لعدم تناسبها مع القيمة الحقيقية للبنك. كما شدد على أهمية وجود البنوك الأجنبية في مصر، لدورها في دعم الاقتصاد المحلي وتوفير العملة الصعبة عبر فروعها الدولية.

وكان البنك المركزي وافق على خضوع المصرف المتحد للفحص النافي للجهالة من قبل صندوق الاستثمارات العامة السعودي وشركة ADQ القابضة، لكن العروض المقدَّمة تم رفضها لعدم توافقها مع قيمة البنك، إضافة إلى الخلاف حول عملة التقييم.

وأكد المسؤول أن أعمال تطوير بنك القاهرة جاءت لتحسين مستوى الخدمة وتجديد الفروع التي عانت من مشكلات هيكلية، نافياً أي ارتباط بين هذه التحسينات وخطط البيع.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة