1000 قتيل في يومين.. ماذا يحدث في الساحل السوري؟

تشهد سوريا حاليًا واحدة من أخطر الاشتباكات الدموية منذ سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، بين قوات الأمن وفلول النظام السابق، في منطقة الساحل السوري، الأمر الذي أسفر في يومين فقط عن أكثر من ألف قتيل، وسط اتهامات متبادلة باستهداف المدنيين في عمليات انتقامية. بينما أعلنت وزارة الدفاع اليوم الأحد بدء مرحلة ثانية من العمليات العسكرية لمواجهة بقايا فلول النظام المسلحة.

ما الذي حدث؟

بدأ التوتر يوم الخميس الماضي، عندما توجهت مجموعة أمنية لتوقيف أحد المطلوبين في منطقة تقطنها أغلبية من الطائفة العلوية، لكنه رفض تسليم نفسه. وسرعان ما تصاعدت الأحداث مع قيام مجموعات من “فلول النظام” بنصب كمائن للقوات الأمنية، مما أدى إلى اندلاع مواجهات عنيفة.

قوات الأمن السورية تعتقل رجلا بعد اشتباكات بين القوات الحكومية وأنصار نظام الأسد في اللاذقية يوم السبت. تصوير: محمد دبول / وكالة حماية البيئة
قوات الأمن السورية تعتقل رجلا بعد اشتباكات بين القوات الحكومية وأنصار نظام الأسد في اللاذقية يوم السبت. تصوير: محمد دبول / وكالة حماية البيئة

وبحسب تقارير حقوقية، فقد تجاوزت حصيلة القتلى خلال يومين فقط الألف شخص، من بينهم 745 مدنيًا، بينما بلغ عدد قتلى قوات الأمن السورية 125 عنصرًا، إضافة إلى 148 مقاتلًا مواليًا للنظام السابق. وتضاربت التقديرات حول العدد النهائي للضحايا، مع إشارات إلى أن الحصيلة قد تكون أعلى من الأرقام المعلنة كما تنقل صحيفة “الجارديان“.

حقيقة غائبة

تزامنًا مع ذلك انتشرت بشكل مكثف مقاطع فيديو وصور على وسائل التواصل الاجتماعي، ادعت حسابات مختلفة أنها توثق “انتهاكات” في مناطق الاشتباكات. وقد أثار تدفق المعلومات المتضاربة عبر وسائل التواصل الاجتماعي حالة من الارتباك والقلق بشأن حقيقة ما يجري في الساحل السوري. فبينما سارعت بعض الحسابات إلى تصوير الأحداث على أنها “مجزرة” ترتكبها القوات الحكومية بحق المدنيين، شككت مصادر أخرى في صحة هذه الروايات، مشيرة إلى حملة تضليل ممنهجة تهدف إلى تشويه صورة الحكومة وتقويض جهودها في استعادة الاستقرار.

وفي السياق، أجرت شبكة “الجزيرة نت” تحقيقًا وتقصيًا للحقائق حول بعض الصور والمقاطع المتداولة، وكشفت نتائج التحقيق عن أن جزءًا كبيرًا من هذه المواد يتم تداولها خارج سياقها الصحيح، بل إن بعضها يعود إلى أحداث قديمة ومجازر ارتكبها نظام الأسد السابق بحق الشعب السوري خلال سنوات الثورة.

وعلى سبيل المثال، تبين أن صورًا لأطفال قتلى تم تداولها على نطاق واسع، وزُعم أنها لضحايا جدد سقطوا على يد قوات الأمن، تعود في الواقع إلى مجزرة بانياس التي ارتكبت في عام 2013 على يد ميليشيات موالية للنظام السابق. كما تبين أن صورة أخرى انتشرت على صفحة “اللاذقية نيوز” على فيسبوك، وزُعم أنها توثق “مجازر” ارتكبها الأمن والجيش في الساحل، تعود في الأصل إلى مجزرة الكيماوي التي ارتكبتها قوات الأسد في الغوطة الشرقية عام 2013.

وفي واقعة أخرى، انتشرت صورة لطفلة قيل إنها تُدعى “دهب منير علو” وزُعم أنها قُتلت مع عائلتها على يد قوات الأمن، ليتبين لاحقًا أن الصورة تعود لطفلة كورية تعمل في مجال عروض الأزياء، ومنشورة على الإنترنت منذ سنوات.

ولم يقتصر التضليل على الصور والمقاطع، بل امتد ليشمل قوائم الأسماء التي تم تداولها كضحايا للعمليات الأمنية. ففي رد ساخر على صفحة “شبكة أخبار ريف اللاذقية” التي زعمت أن “عصابات الجولاني تقتل المدني الكردي فقط لأنه كردي”، كتب أحد المستخدمين ويدعى “أمير”: “الله يرحمني ويصبر أهلي، ليش هيك يا عصابات الجولاني؟”، ليؤكد بذلك أنه لا يزال على قيد الحياة وأن خبر مقتله مجرد شائعة.

هذه الأمثلة وغيرها كشفت عن حملة إعلامية ممنهجة تستغل حساسية الوضع في سوريا وتدفق المعلومات عبر وسائل التواصل الاجتماعي لنشر أخبار كاذبة ومضللة، بهدف تأجيج التوتر الطائفي وتشويه صورة الحكومة السورية الجديدة. وقد عبر العديد من المغردين والنشطاء عن قلقهم من هذه الحملة، واصفين إياها بـ “الشرسة” ومؤكدين أنها تهدف إلى ترويج رواية كاذبة عن “إبادة جماعية” للمدنيين العزل، وإنكار نجاح الحكومة في التصدي لمحاولة انقلاب عسكري تم التخطيط لها بدعم خارجي.

عمليات المرحلة الثانية

وقد أعلنت وزارة الدفاع السورية، اليوم الأحد، بدء المرحلة الثانية من العملية الأمنية في الساحل، وأكد المتحدث باسم وزارة الدفاع، العقيد حسن عبد الغني، أن المرحلة الثانية تهدف إلى ملاحقة فلول وضباط نظام الأسد في الأرياف والجبال، مشيرًا إلى أنها جاءت بعد استعادة الأمن والاستقرار في المدن الساحلية الرئيسية.

وفي غضون ذلك، أفاد مراسل “العربية/الحدث” بوقوع هجوم استهدف سيارة للأمن في جبلة بريف اللاذقية، في الوقت الذي تواصلت فيه عمليات التمشيط في القرى والبلدات بترتيب بين وزارتي الدفاع والداخلية، مع نشر الأمن العام حواجز مكثفة للتفتيش والتدقيق بأوراق المارة.

وفي محاولة لاحتواء تداعيات الأحداث المتسارعة والحد من انتشار المعلومات المضللة، أكدت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) أن وزارة الدفاع شكلت لجنة طارئة للتحقيق في أي تجاوزات قد تحدث خلال العمليات العسكرية والأمنية الأخيرة، وإحالة المتورطين في أي مخالفات إلى المحكمة العسكرية. كما أكدت الوكالة أن الحكومة حريصة على حماية المدنيين وتطبيق القانون بحزم على كل من يثبت تورطه في أعمال عنف أو انتهاكات.

إلا أن هذه التطمينات الحكومية لم تخفف من حدة التوتر والقلق المتصاعد في الشارع السوري، خاصة مع ورود تقارير عن إغلاق الطرق المؤدية إلى الساحل السوري، وانتشار أنباء عن قيام مجموعات مسلحة غير نظامية، قدمت من مناطق مختلفة، بقتل عشرات المدنيين من الأقلية العلوية في مناطق الاشتباكات، وذلك ردًا على مقتل عناصر أمن تابعين للحكومة خلال الهجمات الأخيرة.

وهذا البعد الطائفي للأحداث يثير مخاوف جدية من انزلاق البلاد إلى دوامة جديدة من العنف الطائفي والانتقام المتبادل، وهو ما يهدد بتقويض أي فرصة لتحقيق الاستقرار والسلام في سوريا على المدى القريب. فبينما تسعى الحكومة السورية إلى استعادة السيطرة وفرض القانون، تواجه تحديات جمة في ظل حالة الانقسام السياسي والاجتماعي العميق التي تعيشها البلاد، وتأثير التدخلات الخارجية التي تزيد من تعقيد المشهد.

وعلى الصعيد الدولي، دعت العديد من الدول والمنظمات الدولية إلى وقف العنف وحماية المدنيين في سوريا، وطالبت بضرورة إجراء تحقيق مستقل في الأحداث الأخيرة وتقديم المسؤولين عن الانتهاكات إلى العدالة. كما شددت على أهمية الحوار السياسي الشامل والمصالحة الوطنية كسبيل وحيد للخروج من الأزمة السورية المستمرة.

ويبقى السؤال الأهم الآن: إلى أين تتجه سوريا في ظل هذا التصعيد الخطير للعنف؟ وهل ستتمكن الحكومة السورية من احتواء الموقف ومنع انزلاق البلاد إلى مزيد من الفوضى والاقتتال؟ الأيام القادمة ستكون حاسمة في تحديد مسار الأزمة السورية ومستقبل المنطقة بأكملها.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة