حالة من الغضب سادت بين جموع المحامين خلال الأيام الماضية، بسبب قرار المستشار محمد نصر سيد، رئيس محكمة استئناف القاهرة عضو مجلس القضاء الأعلى، الذي فرض زيادة في الرسوم القضائية على الخدمات المميكنة ومقابلها. حيث اعتبر عدد كبير من المحامين، في حديثهم لـ فكر تاني، أن القرار غير قانوني وغير دستوري، لصدوره عن جهة غير مختصة. وكان من المفترض أن يتم ذلك من خلال تعديل تشريعي على قانون الرسوم القضائية ورسوم التوثيق في المواد المدنية رقم 90 لسنة 1944 وتعديلاته.
جاء في القرار، الذي حصلت "فكر تاني" على نسخة منه، زيادة الرسوم على عدد من الخدمات، منها: تزييل أحكام شؤون الأسرة والعمال بالصيغة التنفيذية (110 جنيهات)، مراجعة الحوافظ (30 جنيهًا عن كل ورقة)، الشهادات بأنواعها المختلفة (60.50 جنيهًا)، تزييل الأحكام بالصيغة التنفيذية (242 جنيهًا)، طلب سرية الحسابات (110 جنيهات)، الاستعلام عن الجناية (22 جنيهًا)، وصورة من الجناية "التصوير الضوئي الجنائي" (5.5 جنيهات عن كل ورقة)، بالإضافة إلى زيادات أخرى.
4 قرارات نقابية في مواجهة الزيادة
انتهى الاجتماع المشترك بين مجلس النقابة العامة ونقباء الفرعيات، برئاسة عبد الحليم علام، نقيب المحامين، أمس السبت، إلى أربعة قرارات لمواجهة أزمة زيادة الرسوم القضائية.

وشملت القرارات رفضًا قاطعًا لأي زيادات في الرسوم ومقابل الخدمات بالمحاكم، خاصة محاكم الاستئناف، لعدم توافقها مع المشروعية الدستورية. كما فوض المجلس النقيب العام بمواصلة التواصل مع الجهات المعنية لحل الأزمة.
وقررت النقابة وقف التعامل مع خزائن المحاكم في جميع درجات التقاضي على مستوى الجمهورية كخطوة تصعيدية أولى، مع الإعلان لاحقًا عن موعد تنفيذ هذا القرار. وأكدت النقابة استمرار انعقاد المجلس العام والفرعيين بشكل دائم حتى انتهاء الأزمة.
الخشاب: مرفق العدالة أصبح "استثماريًا"
وفي حديثه لـ فكر تاني، يصف عمرو الخشاب عضو مجلس النقابة العامة للمحامين، الزيادات بأنها "جباية غير قانونية فُرضت على المحامين دون الاستناد إلى دستور أو قانون"، موضحًا أن رئيس محكمة الاستئناف أصدر قرارًا بفرض رسوم على مراجعة الحوافظ والصيغ التنفيذية، التي كانت تُصدر سابقًا دون مقابل، إلى جانب رسوم أخرى تم فرضها مؤخرًا.

ويضيف الخشاب أن تحركات المحامين جاءت بعد امتناع وزارة العدل عن تنفيذ الأحكام القضائية والصيغ التنفيذية التي حصل عليها المحامون بشأن عدم قانونية ومشروعية هذه الرسوم، مما دفعهم إلى عقد اجتماع طارئ لمجلس النقابة العامة والنقابات الفرعية لمناقشة سبل التصعيد.
ويتساءل الخشاب: كيف تتجاهل وزارة العدل تنفيذ الأحكام القضائية، وهي الجهة المنوط بها تطبيق القانون وإقامة العدل؟ فكيف يمكن للمواطن العادي أن يطمئن إلى تنفيذ أحكامه ويثق في مرفق العدالة؟
وبشأن تحصيل الرسوم، يقول عضو مجلس النقابة العامة: "لقد نصَّ قانون المرافعات على أنه لا يجوز فرض أي رسوم على أي مواطن إلا بوجود نص قانوني، لكن ما يحدث حاليًا في مرفق العدالة هو أننا نستيقظ كل صباح لنجد قرارًا جديدًا بفرض رسوم داخل المحكمة دون أي سند قانوني، مما يشكل كارثة لا تمس المحاماة فحسب، بل تمس الدولة المصرية ككل".
عمرو الخشاب: رسوم غير قانونية وتعتبر إتاوة وجباية على المواطن والمحامي
ويضيف الخشاب أن الموظف الذي يقوم بتحصيل هذه الرسوم معرّض للمساءلة القانونية بجريمة الغدر، إذ إن تحصيل أموال دون نص قانوني يُعد اعتداءً على المال العام، مؤكدًا أن قرار رئيس المحكمة ليس سوى تعليمات إدارية لا علاقة لها بالقانون أو الدستور.
ويتابع قائلًا: "مرفق القضاء هو مرفق خدمي مجاني يساعد المواطنين على تحقيق العدالة، لكن ما يحدث الآن يحوّله إلى مرفق استثماري، وهو ما يرفضه المحامون دفاعًا عن حقوق المواطنين وضمانًا لتحقيق العدالة".
ويحذر الخشاب من أن تحويل مرفق العدالة إلى مرفق استثماري لا يدخله إلا الأغنياء سيؤدي إلى تقليل فرص لجوء المواطنين إلى القضاء، وبالتالي التنازل عن حقوقهم، مما يهدد استقرار المجتمع وأمنه.
وفي ختام حديثه، طالب عضو مجلس النقابة العامة للمحامين بتدخل رئيس الجمهورية لضمان التزام وزارة العدل بالدستور والقانون، ومراجعة كافة الأموال التي تم تحصيلها دون وجه حق أو نص قانوني.
أبو حنيش: القرار مخالف للقانون والدستور
على غرار موقف النقابة العامة للمحامين، تتحرك النقابات الفرعية للمحامين في المحافظات رفضًا لزيادة الرسوم القضائية التي تُفرض بالمخالفة للقانون والدستور.
وفي هذا الإطار، يوضح أحمد أبو حنيش، أمين عام نقابة محامي حلوان الفرعية، لـ فكر تاني، أن الأزمة تتعلق بالوطن والمواطن في المقام الأول، نظرًا لارتباطها بسير العدالة، حيث إن المحامي يمثل المواطن ويدافع عن حقوقه.

ويضيف أبو حنيش أن الزيادات فُرضت تدريجيًا حتى بلغت في النهاية نسبة كبيرة وصلت إلى 500%، وهي أرقام مبالغ فيها بشدة، مؤكدًا أن هذه الزيادات تُطبق دون أي سند قانوني أو دستوري.
ويقول: "فوجئ المحامون في أول يوم من رمضان بزيادة بلغت 500% في رسوم التقاضي. على سبيل المثال، رسوم مراجعة حافظة المستندات، التي تُعد أكبر مشكلة تواجه المتقاضين ووكلاءهم من المحامين، وصلت إلى 33 جنيهًا لمراجعة الورقة الواحدة، رغم أن الرسوم قبل الأول من مارس لم تكن تتجاوز 5 جنيهات. هذه الزيادة غير قانونية ولا تستند إلى أي نص تشريعي".
ويضيف أن الاستعلام عن قضية لموكّل عبر الحاسوب كان يتطلب رسمًا قدره 2 جنيه، لكنه ارتفع الآن إلى 64 جنيهًا، مشيرًا إلى أنه يتفق مع "الخشاب" في أن هذه الزيادات تجعل التقاضي حكرًا على الأغنياء، حيث سيضطر المحامي إلى تحميل موكّله هذه الرسوم إلى جانب أتعاب المحاماة.
ويؤكد أبو حنيش أن قرار رئيس محكمة الاستئناف يخالف القانون والدستور، إذ لا يجوز زيادة الرسوم إلا بتعديل تشريعي لقانون الرسوم القضائية، وحينها سيكون الجميع مُلزمًا بأحكام القانون. لكن أن تصدر قرارات إدارية ويتم الطعن عليها أمام محكمة القضاء الإداري، التي تقضي بعدم الاختصاص، فهذه كارثة قانونية.
وحول الوضع الحالي، يوضح أبو حنيش أن المحامين يضطرون إلى دفع هذه الرسوم لضمان استكمال الدفاع عن موكليهم، مؤكدًا التزامه بقرار النقابة العامة بوقف التعامل مع خزائن المحاكم بكافة درجاتها في جميع أنحاء الجمهورية كخطوة أولى في مواجهة هذه الزيادات.
أحمد أبو حنيش : المواطن سيحل مشاكله خارج أسوار العدالة وهناك توجه لتقليم أظافر المحامين
ويحذر أبو حنيش من أن استمرار فرض هذه الزيادات قد يدفع المواطنين إلى البحث عن حلول خارج نطاق القانون، مثل اللجوء إلى العنف أو أساليب غير مشروعة لحل النزاعات، مؤكدًا أن ما يحدث يمثل خصخصة غير معلنة لمرفق العدل، فضلًا عن وجود توجه لدى بعض الجهات لتقليص دور المحامين والحدّ من تأثيرهم.

شعبان: ما حدث انقضاض على السلطة التشريعية
وفي السياق ذاته، يوضح محمد شعبان، المحامي وأحد المعارضين لزيادة الرسوم القضائية، أن القرار يخالف بشكل واضح وصريح المادة (38) من الدستور، التي تنص على أن الرسوم تُعد من التكاليف العامة، وهي مقابل لخدمات تؤديها الدولة.
ويضيف أن هذه الرسوم تُعتبر من المتحصلات السيادية، التي لا يجوز زيادتها إلا في إطار القانون، حيث يجب تحديدها وطرق أدائها وفقًا لما نصت عليه الفقرة الرابعة من المادة ذاتها، أي بموجب قانون، وليس عبر قرار إداري يصدره رئيس محكمة استئناف القاهرة، مما يمثل انتهاكًا صارخًا لنص الدستور.

ويؤكد شعبان أن الأصل في التشريعات هو تعديل قانون الرسوم القضائية عند الحاجة إلى زيادة الرسوم، أما إصدار مثل هذه القرارات الإدارية فيعد مخالفًا للقانون، مشددًا على أنه لا ينبغي لسلطة العدل أن تخرق القانون. وأضاف أن المحامين ليسوا ضد زيادة الرسوم، ولكن يجب أن تكون بنسب محددة وفقًا للقانون، مع مراعاة الأوضاع الاقتصادية للمواطنين وقدرتهم على السداد.
ويقول شعبان: "المواطنون لا يملكون خيارًا سوى القبول بهذه القرارات، تمامًا كما حدث في ملف الكهرباء وسلع أخرى تجاوزت قدرتهم المالية، لكنهم مضطرون للامتثال حتى يتمكنوا من تسيير شؤونهم".
ويشير إلى أن ميزانية المحاكم تعاني من ضعف شديد، لدرجة أن بعض القضاة يضطرون إلى شراء أوراق الأحكام على نفقتهم الخاصة، ما يدفعهم إلى محاولة زيادة موارد المحاكم عبر فرض مثل هذه الرسوم. لذلك، يرى شعبان أن على الدولة اتخاذ التدابير اللازمة لتوفير ميزانية كافية للمحاكم، حتى لا يتم اللجوء إلى مثل هذه القرارات.