لم يكن الطريق ممهدًا أمام المرأة داخل مؤسسة الأزهر؛ فقد ظلت المؤسسة لسنوات لا يتولى فيها المهام إلا الرجال فقط، واقتصرت مشاركة النساء على التلقي، حتى بعد السماح لهن بالتعليم الأزهري ولم يتم التعامل معهن باعتبارهن مؤهلات للقيادة أو الإفتاء، شأنها شأن عديد من المجالات التي استُبعدت منها النساء بحكم الأعراف والتقاليد الراسخة.
ومع ذلك، ومع تطور الفكر الديني داخل الأزهر وإعادة النظر في دوره كمؤسسة دينية رائدة، أثمرت الجهود وفُتح الباب تدريجيًا أمام المرأة، ليس فقط كطالبة علم، بل كقيادية وصاحبة رأي شرعي تساهم في الإفتاء والتعليم وصنع القرار.
فهل بات الأزهر مؤسسة أكثر انفتاحًا، تعكس رؤيته المعاصرة توازنًا بين الأصالة والتطور، وبين الحفاظ على الثوابت والاستجابة لمتغيرات العصر، وهل حقًا تتمتع المرأة بكافة الحقوق؟ وهل تُمنح الفرصة للمشاركة الفاعلة في صياغة السياسات الدينية والتعليمية دون معوقات تُعيق إسهامها؟ وما هو المستقبل الذي يُمكن أن يتوقعه الجيل الجديد من المرأة الأزهرية في ظل التحولات؟
"النساء شقائق الرجال".. تقول الدكتورة نهلة الصعيدي، مستشارة شيخ الأزهر لشؤون الوافدين، في حديثها مع فكّر تاني، وتوضح: "لهذا يحرص الأزهر على أن يكون قدوة في منح المرأة حقها في القيادة وتمكينها، ما يعزز تأثيرها في صنع القرار وينعكس إيجابًا على المجتمع".
وتوضح مستشارة شيخ الأزهر، أن التحديات التي تواجه المرأة في القيادة لا تختلف كثيرًا عن تلك التي يواجهها الرجال، إلا أن هناك صعوبات إضافية تخص النساء عمومًا، وليس فقط القياديات في الأزهر، وأبرزها تحقيق التوازن بين الحياة المهنية والشخصية، فالقيادة النسائية تتطلب التزامًا كبيرًا ووقتًا طويلًا، الأمر الذي يستوجب بذل جهد مضاعف للحفاظ على النجاح الأسري مع التميز في العمل.
وتابعت د. نهلة: "أحد أبرز التحديات هو تغيير الصورة النمطية للقيادة في المجتمع العربي، حيث أن الثقافة السائدة ترى القائد المثالي في الرجل القوي والقاسي. وهذا يفرض على النساء تحديات مضاعفة لإثبات كفاءتهن خارج هذا الإطار التقليدي. ومع ذلك، فإن المرأة تجمع بين الحزم والإدارة بروح من الحب، وهو ما يجعل العديد من الإدارات الناجحة اليوم تحت قيادة نسائية متميزة".
الدكتورة إلهام شاهين
عقل الواعظات المدبر الدكتورة إلهام شاهين، الأمين العام المساعد لمجمع البحوث الإسلامية لشؤون الواعظات، واحدة من الذين غيروا من شأن عمل الواعظات بالأزهر، فقد وضعت خططًا دعوية حديثة وأدخلت أساليب جديدة لتعزيز دور الواعظات في القرى والنجوع، وسعت لنشر الوعي الديني المعتدل، من خلال برامج تدريبية مكثفة، وقد تولت هذا المنصب عام 2019 باعتبارها أول امرأة تتقلد هذه المسؤولية في المؤسسة.
تعليم الفتيات في الأزهر
بدأ الأزهر في قبول الطالبات في معاهده وجامعاته في ستينيات القرن العشرين، فدرست النساء علوم اللغة والشريعة، وبمرور السنوات استمرت الأعداد في تزايد، حتى أصبحن جزءًا لا يتجزأ من العملية التعليمية فشهد عام 1962 تحولًا تاريخيًا مع إنشاء أول معهد أزهري للفتيات في منطقة المعادي، لتكون تلك الخطوة بداية طريق دمج المرأة في مؤسسات الأزهر.
تعليم الفتيات في الأزهر
وبحلول عام 2016، توسع التعليم الأزهري للفتيات بشكل كبير؛ إذ بلغ عدد المعاهد المخصصة لهن أكثر من 2700 معهد، وتم تخصيص 27 كلية للبنات من إجمالي 77 كلية بجامعة الأزهر، فيما وصل عدد الطالبات إلى حوالي 100 ألف طالبة، بما في ذلك الطالبات الوافدات.
وبدأ يزداد حضور المرأة في الهيئة التدريسية، حيث ضمت الجامعة نحو 5500 عضوة تدريسية، وتولت 12 عميدة مناصب قيادية داخل مجلس الجامعة، وفي مارس 2023، أعلنت مشيخة الأزهر عن تكليف 1300 امرأة بمنصب "شيخ معهد" في مختلف المناطق الأزهريّة، وهو الرقم الأكبر في تاريخ المؤسسة.
كما تم تعيين الدكتورة فاطمة الأحمر رئيسة للإدارة المركزية لمنطقة الجيزة الأزهريّة، لتكون أول امرأة تشغل هذا المنصب، بالإضافة إلى تعيين الدكتورة ريهام عبد الله سلامة مديرًا تنفيذيًا لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف، وهي أول امرأة تتولى هذا الدور منذ تأسيس المرصد عام 2015.
بالإضافة إلى تأسيس مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، وهو القسم المختص بفتاوى النساء، ويضم مجموعة من المفتيات المتخصصات للرد على استفسارات النساء وتقديم الفتاوى الشرعية المتعلقة بمختلف قضاياهن، فأصبحن مُصدرات للفتوى أيضًا. وشهد هذا القسم إطلاق حملات توعوية، مثل "وعاشروهن بالمعروف"، والتي تناولت العلاقات الزوجية وحقوق المرأة في الميراث ومكانة الأم في الإسلام.
ريادة التغيير في ملف الوافدين تُعد الدكتورة نهلة الصعيدي أول امرأة تتولى منصب مستشار شيخ الأزهر لشؤون الوافدين، ففتحت أبواب الأزهر أمام الطلاب من مختلف أنحاء العالم وطورت مناهج تعليمية حديثة. أطلقت مبادرات دعم أكاديمية وثقافية لتعزيز التواصل مما جعلها رمزًا للتغيير والتقدم في هذا الملف منذ توليها المنصب في العام 2022.
يرى الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، أن فتح الباب أمام تعليم الفتيات في الأزهر أثمر نتائج إيجابية كبيرة، إذ ساهم في تخريج كوادر نسائية بارزة مثل الدكتورة سعاد صالح والدكتورة آمنة نصير، اللواتي قدمن مؤلفات قيّمة وأسهمن في تخريج أجيال من الطلاب، سواء من المصريين أو الوافدين.
ويوضح الدكتور كريمة لـ فكّر تاني، أن التعليم الأزهري للنساء في خدمة المجتمع الإسلامي على نطاق واسع، وهو ما يتجلى اليوم في الزيادة الملحوظة بعدد الطالبات الوافدات من دول مثل ماليزيا وإندونيسيا.
وعن تولي النساء المناصب القيادية داخل مؤسسة الأزهر فيقول كريمة: "شهد عهد الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب تطورًا ملحوظًا في تمكين المرأة الأزهرية؛ إذ تولت شخصيات بارزة مثل الدكتورة إلهام محمد شاهين، والدكتورة نهلة الصعيدي، والدكتورة سحر نصر، والدكتورة رهام سلامة".. ويرى كريمة أن هذا التحول يُظهر مدى التزام الأزهر بتطبيق مبادئ المساواة، مؤكدًا أن الإسلام لا يفرق بين الرجل والمرأة في تولي المناصب القيادية، بل يعتمد على الكفاءة والقدرة.
"ما لا يجوز للمرأة توليه من مناصب هما إمامة الصلاة ورفع الأذان، وذلك حماية لها، أما ما دون ذلك، فالإسلام يقر بمساواة الرجل والمرأة في المسؤوليات والمناصب وفق معايير الكفاءة والجدارة".. يقول الدكتور أحمد كريمة.
الدكتورة سحر نصر
العمل الخيري في بيت الزكاة تنتقل الدكتورة سحر نصر من خبرتها الواسعة في الاقتصاد والاستثمار إلى عالم العمل الاجتماعي، حيث تشغل منصب المدير التنفيذي لبيت الزكاة والصدقات المصري، واستطاعت تحويل البيت إلى كيان متكامل يُدار بأحدث الأساليب الإدارية، حيث طورت آليات توزيع جديدة وربطت العمل الخيري بأسس تنموية مستدامة، وتم اختيارها لتولي منصب مستشارة فضيلة الإمام الأكبر، والمديرة التنفيذية لبيت الزكاة والصدقات في عام 2021.
ويضيف أحمد الصاوي، رئيس تحرير جريدة "صوت الأزهر" لـ فكّر تاني، أن هذه التطورات تجاوزت فكرة أنها مجرد قبول رمزي للمرأة في المناصب داخل الأزهر، بل أصبح هناك إقرار واضح بسياسة تمكين المرأة في المؤسسة.
ويشير الصاوي: "ظل الإمام الأكبر أحمد الطيب طوال الـ 15 عامًا، مدة توليه مشيخة الأزهر يعمل على تولي المرأة كافة المناصب القيادية، ويُفتي بجوازها، بما في ذلك الرئاسة والوزارة والقضاء، مؤكدًا على حقها الكامل في إصدار الفتاوى إذا كانت مؤهلة لذلك.
كما أشار إلى أن هذا التوجه أسهم في إحداث حراك اجتماعي واسع، انعكس في تعيين النساء في القضاء وفي معالجة قضايا حساسة مثل فتوى الكد والسعاية لتعويض المرأة التي تشارك في ثروة زوجها، ومسائل سفر المرأة بدون محرم، وغيرها من القضايا الجوهرية.
"فقد أكد الإمام الأكبر مرارًا على ضرورة الفصل بين العادات المجتمعية والتعاليم الدينية، موضحًا أن الإسلام في جوهره لا يفرض قيودًا تمييزية على المرأة، بل يمنحها الفرصة لتكون شريكًا فاعلًا في خدمة المجتمع".
يرى الدكتور كريمة والصاوي معًا، أن هذه الإجراءات ليست مجرد تمثيل شكلي للمرأة في المناصب، بل هي جزء من فلسفة متكاملة تهدف إلى تمكينها ومعالجة جذور قضاياها، خاصةً تلك المرتبطة بالعادات والتقاليد التي تُقيّد حقوقها.
الدكتورة رهام عبد الله
ضد التطرف تولت الدكتورة رهام عبد الله منصب المدير التنفيذي لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في مايو 2022، واستغلت خبرتها في اللغات والترجمة لقيادة فريق يقدم تحليلات دقيقة حول خطاب الجماعات المتطرفة، ومن خلال مبادراتها لترجمة التقارير إلى لغات متعددة، أسهمت رهام في توسيع دائرة تأثير رسالة الأزهر، مؤكدةً أن المواجهة الفكرية للإرهاب لا تقل أهمية عن المواجهة الأمنية.
الدكتورة فاطمة الأحمر
فاطمة الأحمر.. أول قائدة لمنطقة أزهرية تولت منصبها في عام 2022 بقرار إداري، لكنها أحدثت نقلة نوعية في إدارة التعليم الأزهري، الدكتورة فاطمة الأحمر، رئيسة منطقة الجيزة الأزهرية، فقد وضعت استراتيجيات تطويرية شاملة للمعاهد، مركزةً على الارتقاء بالمستوى العلمي والسلوكي للطلاب، وعملت على تطوير نظم المتابعة والتقييم لتضمن تقديم تعليم أزهري عالي الجودة، وهي أول سيدة تتقلد هذا المنصب في تاريخ الأزهر.
الدكتورة نهى عباس
صوت الأطفال الحر بقيادة الدكتورة نهى عباس لمجلة "نور"، التابعة للرابطة العالمية لخريجي الأزهر الشريف، تحولت المجلة إلى منصة تربوية وإعلامية تُعنى بتعزيز القيم في الأطفال بأساليب مبتكرة وحديثة. أطلقت مبادرات رقمية توسع انتشارها وتربط محتواها بتحديات العصر، لتصبح منبرًا يُعزز الهوية الثقافية والدينية للأطفال ويعيد الاعتبار لأدب الطفل.