من الرابح من المعونة.. مصر أم أمريكا؟

من المستفيد أكثر من المعونة الأمريكية لمصر.. القاهرة أم واشنطن؟ سؤال يطرح نفسه بقوة في الأوساط السياسية والاقتصادية المصرية منذ تهديد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بوقف المساعدات لمصر والأردن حال رفضهما استقبال أهل غزة ضمن مخطط التهجير الذي يسعى إلى تصفية القضية الفلسطينية، أمام ثبات موقف القاهرة الرافض والساعي إلى خطط إعمار تضمن بقاء الفلسطينيين على أرضهم.

يبلغ إجمالي مساعدات واشنطن للقاهرة خلال عام 2023 نحو 1.5 مليار دولار، يستحوذ الجانب العسكري على النصيب الأكبر بنسبة 81%، بينما ترتبط النسبة المتبقية بأغراض اقتصادية أو بالتنمية البشرية بنسبة 19%، وتتضمن برنامج الشراكات التعليمية بـ 26.28 مليون دولار، ثم مشروع "نكسوس" للمياه والغذاء والطاقة بـ 24.88 مليون دولار.

وقد تراجعت المعونة الأمريكية لمصر منذ عام 1979 بنحو 40%، إذ انخفضت من مستوى 2.1 مليار دولار في الثمانينيات إلى 1.5 مليار دولار العام الماضي، وكان التخفيض الأكبر في الجانب التنموي الذي هبط من مستوى 810 ملايين دولار إلى 285 مليون دولار في الفترة المقارنة بتراجع قدره 184%.

يقول روبرت سبرينجبورج، الخبير في شؤون الشرق الأوسط والزميل غير المقيم في المعهد الإيطالي للشؤون الدولية، إن الفائدة الأساسية من المعونة الأمريكية بالنسبة لواشنطن هي "وقف الأعمال العدائية ضد إسرائيل من جانب الدول العربية، فمعروف أن العرب لا يستطيعون شن حرب ضد إسرائيل في غياب المشاركة المصرية".

ويشير سبرينجبورج إلى أن الدعم الذي تقدمه القاهرة في مجال مكافحة الإرهاب يساعد في تغذية السلام في العالم، والقضاء على أي تهديد قد يصل إلى الأراضي الأمريكية، أي أن الأمريكيين مستفيدون من الدعم الذي يتم تقديمه لمصر بصورة كبيرة.

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (وكالات)
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (وكالات)

كيف يفكر الأمريكان في المعونات؟

لا يقدم الأمريكان المعونات أو المساعدات للدول التي يتعاونون معها بلا ثمن، فالأمر اقتصادي بحت هدفه نفاذية المنتجات الأمريكية في عالم يعيش فيه 95% من مستهلكي العالم خارج الحدود الأمريكية. وبالتالي، فالمساعدات الخارجية بالنسبة لواشنطن تولد عائدًا كبيرًا على الاستثمار، وتضمن لها استمرار الزعامة الاقتصادية.

تستهدف واشنطن من المعونات بوجه عام المساعدة في فتح أسواق جديدة، وخلق فرص الاستثمار والتصدير للشركات الأمريكية، فـ 11 دولة من بين أكبر 15 دولة تًصدر لها أمريكا هي في الوقت ذاته من أكبر الدول التي تتلقى المساعدات والمعونات الخارجية الأمريكية، في مفارقة تكشف الكثير.

تشير الدراسات إلى أن كل دولار يتم إنفاقه على المساعدات الخارجية يؤدي إلى زيادة في الصادرات الأمريكية بقيمة 8 دولارات.

كوريا الجنوبية مثال حي على ذلك، فالمساعدات الخارجية الأمريكية ساعدت "سول" في التعافي من تأثير الحرب بين الكوريتين، وبمرور السنوات أصبحت كوريا الجنوبية سادس أكبر شريك تجاري لواشنطن التي تصدر لها بقيمة تتجاوز أكثر من 40 مليار دولار سنويًا، وهو أكثر مما استثمرته الولايات المتحدة على مدار 5 عقود.

ويقول الدكتور عبدالمنعم السيد، مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيحية، إن من شروط برنامج المعونة الأمريكية أن تكون السلع الممولة منها ذات أصل ومنشأ بأمريكا (أي أن القاهرة لا تتسلم المبلغ في يدها)، وبالتالي، فإن المصانع والشركات في أمريكا تستفيد لأنها لا تقدم تلك السلع بأسعار السوق التنافسية (السوق التي يتم فيها التنافس ببين الموردين على السعر الأقل)، ما يؤدي لانخفاض القيمة الحقيقية للمساعدات.

اقرأ أيضًا: عند ترامب غزة بشيكل وكل العرب ببلاش.. فهل يصطدم بممانعة حقيقية؟

الدراسات الأمريكية تؤكد تلك الفكرة على المستوى العالمي وليس مصر فقط، فوكالة التجارة والتنمية تحقق ربحًا لأمريكا قدره 85 دولارًا من صادرات السلع والخدمات المصنعة ذات المنشأ الامريكي، مقابل كل دولار واحد يتم توجيهه لمشاريع التنمية ذات الأولوية بالأسواق الناشئة.

ونجحت برامج وكالة التجارة والتنمية في توليد أكثر من 56 مليار دولار من الصادرات الأمريكية، ودعم ما يقدر بنحو 300 ألف وظيفة أمريكية، منذ تأسيسها عام 1992، كما تعمل الوكالة بالتعاون مع وزارة الخارجية الأمريكية بمختلف أنحاء العالم لتعزيز المصالح الاقتصادية لواشنطن من خلال تعزيز الصادرات التي تشكل ما يقرب من 13% من اقتصاد أمريكا البالغ 18 تريليون دولار، وتدعم نحو واحد من كل خمسة وظائف يتم توفيرها بالبلاد.

ما مكاسب الاقتصاد الأمريكي من المعونة؟

الفوائد التي تجنيها الولايات المتحدة من المساعدات الخارجية لمصر وغيرها من الدول كثيرة، من بينها خلق فرص العمل والحد من البطالة في الولايات المتحدة، إذ يعمل أكثر من 1.3 مليون أمريكي في تصنيع الأسلحة لشركات الدفاع، وأكثر من ثلاثة ملايين آخرين يدعمون الصناعة بشكل غير مباشر.

الولايات المتحدة من بين أكبر خمس دول منتجة وموزعة للأسلحة في العالم (وكالات)
الولايات المتحدة من بين أكبر خمس دول منتجة وموزعة للأسلحة في العالم (وكالات)

ووفقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، فإن "الولايات المتحدة من بين أكبر خمس دول منتجة وموزعة للأسلحة في العالم"، وفي حالة مصر  تقدم قائمة بالمعدات التي ستشتريها الحكومة الأمريكية نيابة عنها وبالتالي تساعد قائمة المشتريات سوق العمل الأمريكية.

وتشمل الفوائد التي تجنيها الولايات المتحدة من المساعدات الخارجية لمصر أيضًا تسريع إجراءات دخول السفن الحربية التابعة للبحرية الأمريكية عند مرورها عبر قناة السويس، ما يعني أن مساعدة مصر مُهمة وضرورية لواشنطن، وفق وزارة الخارجية الأمريكية.

من يتحمل خسائر قطع المعونة؟

يقول محسن خان، زميل بارز في مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط، إن التكاليف الاقتصادية الرئيسية المترتبة على قطع المساعدات العسكرية ستقع على عاتق الولايات المتحدة، وليس مصر، وفي مقدمة تلك التكاليف غرامات إنهاء العقود مع الشركات الأمريكية.

ويوضح خان أن البنتاجون هو الذي يوقع العقود مع الشركات الأمريكية. وبالتالي، فإن واشنطن في نهاية المطاف هي المسئولة عن أي فواتير غير مدفوعة نتيجة لإلغاء العقود، وحال الإلغاء فإن البنتاجون قد يضطر لشراء الأسلحة لاستخدامه الخاص، أو بيعها إلى دولة أخرى، وإلا فإن دافعي الضرائب الأمريكيين سيتحملون قيمة العقود المستحقة.

ويضيف خان أنه من المفترض أن تتخذ الإدارة الأمريكية قرارها بشأن ما إذا كانت ستقطع المساعدات العسكرية لمصر أم لا على أساس الحفاظ على علاقاتها، وليس بالضرورة النفوذ الذي يبدو أنها فقدته، من أجل مصلحة الاستقرار الإقليمي والأمن واستمرار السلام مع إسرائيل.

شركاء آخرون في الانتظار

حال قطع المعونة الأمريكية، فإن مصر والأردن لن تضطرا إلى البحث طويلًا عن تمويل في أماكن أخرى، سواء من حلفائهما في الخليج أو حتى من القوى المنافسة للولايات المتحدة على النفوذ العالمي، مثل روسيا والصين، والأخيرة تشهد علاقتها مع القاهرة تناميًا كبيرًا، حتى إن البلدين اعتبرا العام الحالي 2025 "عام الشراكة المصرية ــ الصينية".

بحسب خبراء، فإن مصر تعمل منذ سنوات على تنويع مصادر شراء الأسلحة، ولديها حاليًا تعاون مع الشركاء في الصين، التي تمتلك صناعات عسكرية متطورة للغاية، مثل المقاتلتين الصينيتين جي-10 سي وجي-31، وهما تنافسان إف-35 وإف-22، فخر الصناعات العسكرية الأمريكية، وتتميزان بتقنيات متقدمة وأسعار أقل تكلفةً.

من المقرر أيضًا أن تعمل دول مجلس التعاون الخليجي ــ التي تعارض اقتراح ترمب بشأن التطهير العرقي، وتتمتع بعلاقات وثيقة مع الملك الأردني عبد الله الثاني والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ــ على سد تلك الفجوات، خاصة أن التمويل يصب في مصلحتها، بعد تصريحات رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، التي قال فيها إن السعودية يمكنها استقبال الفلسطينيين، في ظل مساحتها الشاسعة.

مكاسب أخرى لأمريكا على المستوى التجاري

السفير جمال بيومي، مساعد وزير خارجية مصر الأسبق، ومستشار أمين عام جامعة الدول العربية، قال إن أمريكا هي المستفيد من العلاقة مع مصر، فمقابل كل دولار تقدمه واشنطن لمصر كمساعدات تنموية، تشتري مصر صادرات أمريكية بسبعة وسبعين دولارًا، متسائلًا: من يستطيع أن يعاقب من؟

يقصد بيومي أن حجم المساعدات التنموية الأمريكية لمصر يبلغ 900 مليون دولار، في حين بلغت واردات مصر من الولايات المتحدة 7.593 مليار دولار خلال الأشهر العشرة الأولى من 2024، لكنه يعتبر اعتقاد بعض الأمريكيين بأن بلادهم تمنح مصر مساعدات دون مقابل "خاطئًا".

اقرأ أيضًا: ريفييرا الشرق.. الفوضي التي خلقها ترامب في أرض العرب

يُقدَّر إجمالي المساعدات التي حصلت عليها مصر من الولايات المتحدة بنحو 80 مليار دولار على مدار 45 عامًا، إذ بدأت تلقيها منذ توقيع اتفاقية السلام، بينما حصلت إسرائيل في الفترة ذاتها على 135 مليار دولار ضمن المساعدات المرتبطة باتفاقية كامب ديفيد، بجانب مساعدات أخرى بأضعاف ذلك المبلغ.

يقول عبدالمنعم السيد إن مصر يمكنها الاستغناء عن المعونة الأمريكية، فالتأثير الاقتصادي  لن يكون كبيرًا وأقرب مثال لذلك انخفاض إيرادات قناة السويس أكثر من 4 مليارات دولار خلال عام 2024، واستطاع الاقتصاد المصري أن يستوعب ذلك، ومن قبلها انخفاض تحويلات العاملين بالخارج أكثر من 50% عام 2023.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة