مع اقتراب الانتخابات البرلمانية والمفترض أن تُجرى في النصف الثاني من العام الحالي، تستعد الأحزاب، بينما لم يحدد بعد النظام الذي سيحدد شكل هذا الاستحقاق، وإن كانت هناك أنباء تتواتر عن الإبقاء على النظام الفردي في الانتخابات المقبلة.
وفي الأثناء، تدور نقاشات عدة بالأحزاب والكيانات المشاركة في الانتخابات، حول الصعوبات والتحديات التي سيواجهها الراغبون في خوض تلك الانتخابات سواء بنظام الفردي أو القوائم (المغلقة أو النسبية)، وهي تتعدد بين النفوذ القبائلي وسطوة المال السياسي، وفق سياسيين تحدثوا لـ فكر تاني، مؤكدين أهمية تسليط الضوء على تلك التحديات والاستعدادات داخل أروقة الأحزاب.
لا فرصة للأحزاب الناشئة أمام المال السياسي
أحمد قناوي، أمين عام حزب العدل عضو تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، يقول إن النظام الانتخابي لم يتحدد بعد، ومن المفترض أن يتم النقاش داخل البرلمان حول هذه المسألة بعد عيد الفطر.
ويشير قناوي، في حديثه لـ فكر تاني، إلى أن توصيات الحوار الوطني تضمنت مطالبة بوجود خليط ما بين الأنظمة الثلاثة (القائمة المطلقة، والقائمة النسبية، والنظام الفردي). وفي هذه الحالة هناك سؤال حول ما إذا ما كانت المقاعد نفسها كما هي، أم ستزيد طبقًا لزيادة عدد السكان، لأن ذلك سيؤثر على شكل تقسيم المقاعد.
ويوضح أمين عام حزب العدل أنه أيًا كان النظام الانتخابي؛ قائمة مطلقة فقط أو نسبية فقط أو فردي فقط أو خليط، فلكل نظام منها مزايا وعيوب، لكنه شدد "العدل" على أهمية الدوائر الصغيرة في النظام الفردي بالنسبة لحزب سياسي ناشيء، لأنه في حال وجود دوائر واسعة ستنخفض فرص الحزب الناشيء.
وفي رأيه، فإن التنافسية ستكون صعبة للغاية على مقاعد الفردي، بسبب النفوذ القبلي والمال السياسي، ووجود أحزاب صاحبة تمويل ضخم "ملياري"، كما يصفها، موضحًا أنه بطبيعة الحال لن تكون هناك فرصًا للمنافسة مع حزب تمويله 1000 ضعف حزب مثل العدل.
حدد قانون مجلس النواب وقرار الهيئة الوطنية للانتخابات سقف الإنفاق على الدعاية الانتخابية في انتخابات 2020، حيث بلغت المخصصات 500 ألف جنيه للمرشحين بالنظام الفردي، و200 ألف جنيه في جولة الإعادة. أما القوائم، فقد حُددت بـ 7 ملايين جنيه للقائمة التي تضم 42 مقعدًا، و2.8 مليون جنيه في جولة الإعادة، بينما بلغت 10.6 ملايين جنيه للقائمة ذات 100 مقعد، و6.6 ملايين جنيه في جولة الإعادة.
الفردي أم القائمة.. سؤال عن القدرة المالية
هذه التكاليف المالية من الأعباء الكبيرة على المرشحين، بحسب البعض، ومنهم مارجريت عازر، عضوة مجلس النواب السابق نائبة رئيس حزب الوعي، تضع الانتخابات بالنظام الفردي أمام العديد من التحديات.
ترى "عازر" أن النظام الفردي أكثر صعوبة من انتخابات القائمة المغلقة بسبب هيمنة العائلات الكبيرة في العديد من الدوائر، المستندةً إلى الروابط العائلية والقبلية وتأثير المال السياسي.
هذا بخلاف تفتيت الأصوات لوجود أكثر من مرشح فى الدائرة، أما بالنسبة للقوائم فهي سهلة في التعبئة، وتخضع لاعتبارات حزبية، على حد قول "عازر".
وتقول أميرة صابر، النائبة البرلمانية عن الحزب المصري الديمقراطي، إن النظام الفردي يعتمد على عدة أمور منها مدى انتشار النائب في دائرته.
وتلقي "صابر" الضوء على التحدي الذي يواجه دور النائب البرلماني المرشح على المقاعد الفردية، إذ يتحول إلى تقديم عدد مهول جدًا من الخدمات المنوطة بالمجالس المحلية من أجل الفوز بالمقعد الفردي أو الحفاظ عليه، موضحةً أن النجاح في الفردي يتطلب وجود عائلة كبيرة ذات نفوذ، أو أموال طائلة تُمكن المرشح من تنفيذ دعاية انتخابية، لأن دوائر الفردي تحتاج إلى الكثير من العمل.
"ليس من السهل وجود عائلة كبيرة وقدرة مالية للفوز بنظام الفردي"؛ هكذا يصبح خوض الانتخابات على المقعد الفردي، بحسب أميرة.
وتشير كريمة أبو النور، الباحثة السياسية وعضوة تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، إلى أن التنسيقية تضم بداخلها تيارات ذات توجهات سياسية مختلفة، إلا أنها جميعًا تتفق على المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية لما له من دور في بناء الكوادر السياسية، لذا ستشارك التنسيقية أيًا ما كان شكل البرلمان القادم، أو النظام الذي سيتم الاتفاق عليه.
وتوضح "أبو النور" أنها تميل إلى نظام القوائم، بسبب التكلفة المالية الضخمة في حال خوض شخص بمفرده الانتخابات على الفردي، مضيفة أنه رغم أن "التنسيقية تمتلك تجارب تمكنت من التغلب على نفوذ العائلات والمال السياسي، مثل تجربة فوز النائب الراحل أحمد زيدان بنظام الفردي، دون أن يتكبد مبالغ طائلة، لكنها تجارب استثنائية وصعبة في ظل الوضع الحالي، لذلك تميل لنظام القوائم".
وترى "أبو النور" أن رأس المال يلعب دورًا كبيرًا في الانتخابات دائمًا ليس في مصر وحدها، بل في العالم كله، وبالتالي التنسيقية ستشارك في الانتخابات بأي نظام فردي أو قوائم، خصوصًا وأن أعضاءها مؤمنون بالاستحقاقات الانتخابية سواء برلمان أو نقابات.
كيف ستواجه الأحزاب تحديات الانتخابات؟
يوضح قناوي أن حزبه بدأ بالفعل اتخاذ بعض الإجراءات لمواجهة التحديات المحتملة. ومنها تكوين لجنة انتخابات مشكلة منذ عام ونصف العام، منفصلة عن الهيكل التنظيمي للحزب، أعضاؤها ليسوا في الحزب، بل محترفين يتقاضون أجورًا، مضيفًا أن هدف هذه اللجنة دراسة الدوائر والمرشحين المحتملين من داخل الحزب وخارجه.
وقد فتح حزب العدل باب الترشح للانتخابات منذ شهر ونصف الشهر. وقريبًا سيتم فتح الباب لأصدقاء حزب العدل من خارج الإطار التنظيمي، على حد قول قناوي، الذي يضيف أن الحزب في طور توسع شديد مع عدد كبير من النواب الحاليين المنتمين له، في إطار ضم آخرين لخوض الانتخابات، سواء بالقائمة النسبية أو المطلقة أو الفردي، لما للبرلمان القادم من أهمية شديدة الأهمية.
وتطرح مارجريت عازر، في هذا السياق، طريقة للتعامل مع التحديات السابقة تعتمد على توحيد الجهود بين المرشحين المستقلين في شكل تحالفات غير رسمية، تتبنى أفكارًا واحدة لمواجهة النفوذ العائلي والمال السياسي.
وبالإضافة إلى بناء قواعد شعبية حقيقية لمواجهة تلك التحديات، ترى "عازر" ضرورة بناء جسور قوية بين المرشح والناخبين وإقناعهم بالأصلح، مع استخدام الإعلام والتكنولوجيا والمنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي، وكل أنواع التواصل للتأثير في وجدان وعقل الناخب.
كما تؤكد الأهمية الكبرى لدور الرقابة الشعبية والمجتمعية في توعية الناخب بخطورة المال السياسي وقيمة تفويض النائب عن أمور تخص حياته اليومية، مما يجعله حريص على الرقابة.
وكذلك، تشير النائبة أميرة صابر إلى الخطأ الكبير في إدراك الدور الوظيفي لأعضاء مجلس النواب، مضيفةً أن ما عزز هذا الخطأ هو غياب المحليات، لافتةً إلى أنه ليس من دور النائب رصف طريق أو نقل مدرسة، وهذا الدور غير موجود بأي مكان في العالم، بل دور النائب هو التشريع والرقابة، وهو ما تراه مفتاحًا لحل تحديات الانتخابات الفردية على المدى البعيد.
وتوضح عضوة البرلمان أن غياب التغطية الإعلامية عن بث وإذاعة جلسات البرلمان، وصولًا إلى عدم اهتمام الشارع السياسي بما يدور داخل أروقة البرلمان، أدى إلى غياب فهم دور النائب البرلماني، وصعّب الأمور على الناخب، مؤكدةً أن أعضاء المجالس النيابية من المفترض أن يعبروا عن جموع اهتمامات المواطنين سواء في التشريع أو الرقابة.
من جانبها، تؤكد كريمة أبو النور أن التنسيقية تسعى دائمًا إلى تنمية مواردها لتعزيز القدرة على خوض الانتخابات، هذا بخلاف قدرة أعضائها على خوض الانتخابات بمواردهم الشخصية، موضحة أن التنسيقية كيان ذو طبيعة خاصة، يضم بداخله تيارات وأحزاب متنوعة ومختلفة، ما سيمكنها من التوافق مع التحالفات الانتخابية أيًا كانت طبيعتها.
حصد حزب مستقبل وطن أكبر عدد من المقاعد في انتخابات مجلس النواب 2020، حيث حصل على 83 مقعدًا في المرحلة الأولى و87 مقعدًا في المرحلة الثانية، ليصل إجمالي مقاعده إلى 170. وجاء المستقلون في المرتبة الثانية بـ 71 مقعدًا، تلاهم حزب الشعب الجمهوري بـ 21 مقعدًا، ثم حزب النور بـ 7 مقاعد. كما حصل حزبا حماة الوطن والوفد على 4 مقاعد لكل منهما، فيما فازت أحزاب التجمع والمؤتمر ومصر الحديثة بمقعد واحد لكل منها.
المشاركة أمر ضروري
وأيا كانت التحديات على المقاعد الفردية، فإن ما يبدو من الأحزاب هو رغبة واضحة للمشاركة في الانتخابات كأساس مهم. فبينما لم تحسم أميرة صابر بعد مسألة ترشحها للانتخابت القادمة للبرلمان 2025، فإنها تؤكد أن حزبها المصري الديمقراطي سيشارك سواء على القوائم أو الفردي أو كلاهما.
وقد أكد هذه الرغبة أيضًا قناوي، موضحًا أن حزب العدل من الأحزاب المشاركة بالتأكيد، لما للمشاركة في الاستحقاقات السياسية من أهمية عمومًا، والبرلمان خصوصًا لدوره التشريعي والرقابي.
وشهدت الانتخابات الماضية نظامين انتخابيين فقط هما القوائم المطلقة والنظام الفردي، بعد أن صدّق الرئيس عبد الفتاح السيسي علي قانون 141 لسنة 2020 والذي نشره في الجريدة الرسمية . وقسم قانون مجلس النواب، جمهورية مصر العربية إلى (27) دائرة تخصص للانتخاب بالنظام الفردي، و(4) دوائر تخصص للانتخاب بنظام القوائم.
ويشكل مجلس الشيوخ من (300 عضو)، ينتخب ثلثا أعضائه بالاقتراع العام السري المباشر، فيما يُعيّن رئيس الجمهورية الثلث الباقي، ويجمع النظام الانتخابي بين القائمة المطلقة والفردي بواقع 100 عضو بكل منها.