النظام الانتخابي.. هل ننتقل من "ذهب" المعز إلى "سيفه"؟

خلال شهر أغسطس 2023، أعلن مجلس أمناء الحوار الوطني مخرجات المرحلة الأولى من الحوار ورفعها إلى السيد رئيس الجمهورية للتصرف فيها بما لديه من صلاحيات، والتي كان من بينها، فيما يتعلق بطبيعة النظام الانتخابي، عرض البدائل الثلاثة التي انتهى إليها المشاركون من كل القوى السياسية والمجتمعية، سواء بالإبقاء على النظام الانتخابي المختلط (الحالي)، الذي يجمع بين الفردي والقوائم المغلقة المطلقة، أو الذهاب إلى النظام النسبي متعدد الدوائر وغير المشروط بعتبة انتخابية، أو بتطبيق نظام مختلط (جديد) يجمع بين الأنظمة الثلاثة المقترحة (الفردي - القوائم المغلقة - النسبي) بنسب متفاوتة، ليحيلها الرئيس مباشرة - وفي ذات اليوم - إلى مجلس الوزراء للنظر في الإجراءات التنفيذية والتشريعية المطلوبة لتحويل تلك التوصيات إلى واقع ملموس.

مخرجات الحوار

مع بداية عام 2024، أعلن مجلس الوزراء عن وثيقة (مكتوبة) تتضمن الخطة التنفيذية للتعامل مع مخرجات الحوار الوطني، وحددت الوثيقة لحسم مسألة النظام الانتخابي مدة تتراوح بين شهر إلى ثلاثة شهور، إلا أن الواقع الذي نعيشه يشير إلى أن عامًا (أو أكثر) مرَّ منذ إصدار تلك الوثيقة دون الانتهاء من تحديد طبيعة النظام الانتخابي المقترح، أو حتى بيان ملامح ومفردات هذا النظام بما يسمح بمزيد من الحوارات أو الاقتراحات المرتبطة بكيفية تطبيقه وضمانات كفاءته في التعبير عن الإرادة الشعبية وتمثيل القوى المجتمعية المختلفة.

مجلس أمناء الحوار الوطني
مجلس أمناء الحوار الوطني

ووسط هذا الصمت الرسمي والمؤسسي، أتت التصريحات التي أدلى بها المستشار محمود فوزي، وزير الشؤون النيابية والقانونية والتواصل السياسي - والذي يشغل في الوقت نفسه رئاسة الأمانة الفنية للحوار الوطني - خلال معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته رقم (56)، لتلقي حجرًا في البحيرة الراكدة وتعيد قضية النظام الانتخابي المقترح إلى صدارة المشهد مرة أخرى.

حيث كان من أبرز ما صرَّح به (فوزي) الحديث حول كون النظام الفردي لا يعني بالضرورة انتخاب مستقلين فقط، وأن القائمة المطلقة المغلقة لا تعني إقصاء التعددية أو المعارضة، في إيماءة تعكس، بشكل غير مباشر، وجود تفضيل لاستمرار نظام الانتخاب الحالي كما هو دون تغيير، وصولًا إلى التأكيد على أن الحكومة لن تكون طرفًا في إقرار هذا النظام الانتخابي، وأن حسم تلك المسألة رهن بتوافق ومسؤولية الأحزاب السياسية.

أهمية وخطورة ما صرَّح به الوزير المختص بملف التواصل السياسي، وأيضًا رئيس الأمانة الفنية للحوار الوطني، تكمن في أنه يعكس تخوّفًا حقيقيًا لدى قطاع واسع من السلطة التنفيذية من أن تُتهم باستخدام (ذهبها) من أجل تمرير نظام بعينه يضمن لها السيطرة على التركيبة البرلمانية أو يعزز من فرص استمرار هيمنة قوى الموالاة المسيطرة على تركيبة المجلس الحالية، لذا فهي تسعى إلى أن تلقي بـ(السيف) ليكون في يد أحزاب البرلمان، بحيث تتحمل تبعات ونتائج استخدامه، على غرار ما حدث بالنسبة لقانون الإجراءات الجنائية وأيضًا قانون المسؤولية الطبية.

تعليقات وأسئلة

وحتى تكون القراءة والتحليل منصفين وواقعيين، فإن الطرح السابق يستثير مجموعة من التعليقات والأسئلة التي قد تسهم في قراءة موضوعية للأفكار المطروحة وتمهيد يمكن أن يعزز مسارات النتائج المترتبة عليه.

أولًا: أن الأفكار والأطروحات السابقة، وبالرغم من كونها فرضيات ما زالت مطروحة للنقاش العام، إلا أنها تبدو وكأنها انقلاب على مخرجات ونتائج الحوار الوطني، التي أجمعت خلالها العديد من القوى السياسية والأحزاب على أن النظام النسبي، إن لم يكن هو (الأنسب) لتنفيذ العمليات الانتخابية وضمان كفاءة نتائجها، فإنه ينبغي أن يكون جزءًا من النظام الهجين الذي تتوافق عليه كافة القوى، باعتبار أن الجميع سيجد نفسه فيه، وإن لم يكن بصورة مثالية، فيكفي أن يكون واقعيًا.

مجلس النواب (وكالات)
مجلس النواب (وكالات)

ثانيًا: أن النظام الانتخابي في أساسه النظري ليس مجرد وسيلة تُحدَّد بها أسماء الفائزين بمقاعد المجلس النيابي أو بحصانته، بل هو جزء من رؤية وطنية تستشرف غايات وانعكاسات الإرادة الشعبية المكوِّنة للسلطة التشريعية والرقابية، لضمان سلامة النظام السياسي والرضا الشعبي العام عنه، وبالتالي فإنه يقع ضمن مسؤولية أجهزة الحكم بأكثر مما هو متروك للأحزاب، حتى وإن كان لها أن تناقش وتطرح تطويرات عليه.

ثالثًا: أن الأحزاب السياسية، في الأساس، جماعات مصالح أو أصحاب مصلحة في اختيار ما يضمن لها استمرار السيطرة والهيمنة، وبالتالي فإن حساباتها للعديد من المسائل والقضايا تتم على أساس تأثيراتها على مستقبلها وترسيخ بقائها، وبخاصة ما يتعلق بأسلوب تطبيق أشكال قياس التفويض الشعبي، بما قد يدفعها إلى تلغيم الطريق أمام منافسيها.

رابعًا: أن النظام الانتخابي الحالي، ورغم اجتيازه لاختبار الدستورية، فإن التركيبات التي نتجت عنه لم تحظَ مطلقًا بقبول شعبي، سواء لأفرادها أو لمخرجات عملها، وهو ما يمكن أن نراه في إسقاط الناخبين لأكثر من (400) نائب منهم بنهاية الفصل التشريعي الأول. وبكل تأكيد، نحن نلمسه أيضًا في حالة السخط والغضب الجماهيري الواسع، الذي يعكس عزلة هؤلاء النواب وافتقادهم للعمق الجماهيري.

خامسًا: أن ممكنات التطوير المنشودة، بغرض الوصول إلى اصطفاف وطني واسع يضم غالبية حلف (30 يونيو) بأحزابه ونشطائه وكوادره، تحتاج بالأساس إلى إحداث تغيير ثوري في شكل وتركيبة النظام الانتخابي، يتجاوز ما تعارفت عليه وأجادته (بارونات) العمليات الانتخابية من التلاعب بإرادات الناخبين بإغراءات المال أو بنعرات القبلية، خاصة في ظل التحديات الإقليمية والدولية التي تجعل من الاصطفاف ووحدة الصف الداخلي أساسًا للصمود والانتصار على كافة سيناريوهات الفوضى المحتملة.

في النهاية، تبقى ضرورات الحوار والاشتباك مع الأطروحات المحتملة حول النظام الانتخابي المقترح واجبًا يستحق منا كل الانتباه والتركيز، فضلًا عن ممارسة كافة أشكال الضغط والتأثير على دوائر صناعة واتخاذ القرار، حتى يخرج معبِّرًا عن رؤى التوافق لا المغالبة... وحتى يظل لدى هذا الوطن ما يغرينا به.

*كاتب المقال: مدير المجموعة المصرية للدراسات البرلمانية

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة