ماذا يحدث بسوق العقارات بمصر؟

تشهد الفترة الأخيرة اتجاهًا من قبل الشركات العقارية لطرح وحدات سكنية على مدد زمنية طويلة - غير معتادة - تتجاوز السنوات العشر، بدأتها "بالم هيلز" بأزمنة تقسيط تمتد حتى 12 عامًا، وازدت عليها "الأهلي ـ صبور" المدة إلى 13 عامًا. وهو ما يأتي في ظل شكاوى شركات التطوير العقاري من ارتفاع نسبة الفائدة البنكية التي تصل لـ 31%، ما يجعل المطورون يبحثون عن بدائل أرخص للتمويل، لجذب المزيد من العملاء لمشروعات يتم تسليمها مستقبلًا بعد فترات تصل إلى 4 سنوات.

وقد أعلنت "الأهلي ـــ صبور" عن إمكانية التعاقد دون أي مقدم، بشرط دفع 1.6% جدية حجز فقط بمشروعها "at east" في مدينة المستقبل شرقي القاهرة، مع دفع 5% من قيمة الوحدة كل 6 أشهر، وقبلها أعلنت "بالم هيلز" عن إمكانية التعاقد بدفع مقدم 1.5% فقط مع إمكانية التقسيط حتى 12 عامًا.

ولجأت شركات عقارية أخرى لمنح خصومات ضخمة تصل لـ40% من قيمة الوحدة السكنية حال دفع ثمنها "كاش"، خاصة الشركات التي لديها التزامات لدى البنوك حان موعد سدادها، أو التي حصلت على مقدمات كبيرة من العملاء وأعادت توظيف تلك المبالغ في شراء أراض جديدة دون البدء في البناء.

اقرأ أيضًا: لماذا تخلى المصريون عن نصف دينهم؟

لماذا سوق العقارات في مصر مختل؟

وتعرض سوق الوحدات غير المبنية لركود شديد بسبب ارتفاع أسعار البيع، ما جعل الشركات التي تملكها تتجه إلى استهداف فئات محدودة جدًا من العملاء، كما يقول عبد الله ماجد، مستشار عقاري، بينما تخوف العملاء من الحديث عن انخفاض الأسعار بالمستقبل، وكذلك ضعف ثقة العملاء ببعض المطورين العقاريين الذين لم يلتزموا بوعودهم البنائية أو واجهوا عجزًا في الوفاء بالتزاماتهم، ووجود فائض كبير في السوق من المشاريع غير المبنية، أدى إلى تراجع الإقبال على هذه الوحدات.

ودأب العديد من المطورين - بينهم أسماء كبيرة - على تأخير مواعيد تسليم الوحدات السكنية عن المواعيد المتفق عليها مع العملاء، والتحجج بالأزمات الاقتصادية التي تشهدها الدولة، أو عدم القدرة على توفير مستلزمات أساسية للتشطيب من الخارج، بسبب مشكلات العملة الصعبة.

عبدالله ماجد مستشار عقاري
عبدالله ماجد مستشار عقاري

وفي مقابل ذلك، فقط شهد السوق رواجًا بالعقارات المبنية في المدن متوسطة الأسعار، حيث لا تزال الأسعار معقولة نسبيًا، وهي الوحدات السكنية التي تُستخدم فعليًا للسكن أو الاستثمار، وخير مثال على ذلك مشروعات الدولة في جنة مصر وسكن مصر ودار مصر، كما يوضح ماجد، الذي يقول إنه رغم الانتقادات الموجهة لتلك الوحدات، فيما يتعلق بضعف جودة التشطيب، وغياب خدمات ما بعد البيع، وارتفاع الأسعار، إلا أن الإقبال عليها لا يزال كبيرًا، حيث تضاعف عدد المتقدمين مقارنة بعدد الوحدات المطروحة، ما يعكس استمرار الطلب على العقارات في هذه الفئة.

ويؤكد المطورون، دائمًا، على أن الطلب موجود بالسوق العقارية المصرية في ظل الزيادة السكانية التي تناهز 2 مليون سنويًا وعدد الزيجات السنوية الذي تجاوز 961 ألف زيجة في 2023، فضلًا عن الاستثمار؛ فالعقار لا يزال الاستثمار الأكثر أمنًا ومصداقية بالنسبة للمصريين.

ويضيف ماجد أن المشاريع الموثوقة من المطورين الكبار تلقى إقبالًا من العملاء، ما يعني أن المشكلة ليست بالقطاع العقاري نفسه، بل في ضعف التخطيط لبعض المطورين الذين لا يعتمدون على أبحاث سوقية علمية، ولا يفهمون متطلبات السوق المصري بدقة، متوقعًا أن يشهد السوق إعادة هيكلة ذاتية ستفرز المطورين الأكفاء، والمشاريع ذات القيمة الحقيقية.

أرشيفية - الإنترنت
أرشيفية - الإنترنت

التمويل كمشكلة مزمنة في سوق العقارات

أصبح التمويل، حاليًا، مشكلة مزمنة للمطورين العالمين بالسوق المحلية، وتوقفت العديد من الشركات عن الحصول على قروض من البنوك، واتجهت إلى آليات تمويلية غير مصرفية مثل التوريق، الذي يعني تحويل شركات العقارات مديونية عملائها من مشتري الوحدات والأراضي (كالشيكات التي يستمر دفعها لسنوات) إلى أوراق مالية وبيعها لطرف ثالث، بما يُمكّن المطور من الحصول على قيمة تلك المديونيات فورًا دون انتظار حلول موعد استحقاقها.

ودخلت هيئة الرقابة المالية على الخط، أخيرًا، وسمحت هي الأخرى لشركات التمويل العقارى بالتعامل مع المطورين العقاريين في شراء جزء من محافظ الحقوق المالية العقارية (شيكات العملاء) بنسبة قد تصل إلى 90%، كما خفضت الشرط الخاصة بانتظام العملاء الالتزام بسداد 10% من ثمن الوحدات منتظما بدلًا من 20%.

كما تدرس الهيئة أيضًا إطارًا تنظيميًا جديدًا يهدف إلى ضبط الاستثمار في القطاع العقاري عبر آلية "التمويل الجماعي"، التي من شأنها تمكين المواطنين من الاستثمار الجزئي أو امتلاك حصص بالوحدات العقارية، بدلًا من شراء الوحدة كاملة، ويخدم ذلك المواطنين الراغبين في الاستثمار بالعقار وليس لديهم القدرة المالية على شراء وحدة تجارية أو إدارية كاملة، بما يمكنهم من شراء جزء منها والاستفادة من عائد تأجيرها أو الزيادة بأسعارها مستقبلًا.

كما اضطرت بعض الشركات العقارية الكبيرة للحصول على قروض في 2024 رغم الفائدة المرتفعة، من أجل تسريع وتيرة العمل بمشروعاتها والالتزام بمواعيد تسليم العملاء حتى لا تتضرر سمعتها بالسوق، إذ حصلت 4 شركات على 29.1 مليار جنيه للوفاء بالتزاماتها بالعقود.

تواجه الشركات أزمات تعثر وتمويل كبرى (الصورة - وكالات)
تواجه الشركات أزمات تعثر وتمويل كبرى (الصورة - وكالات)

التسعير.. هل هو مشكلة سوق العقارات؟

متحدثًا عن تأثير العملاء على الشركات، يقول أيمن إسماعيل، مسؤول الاستثمار بـ Advisable Wealth Engines، إن بعض المطورين يرفضون تخفيض الأسعار في المشروعات الجديدة حتى لا يواجهوا غضب العملاء الذين اشتروا بأسعار أعلى حينما كانت أسعار مواد البناء مرتفعة، لكنه يشير إلى صعوبة الإبقاء على الأسعار الحالية، وتأثير ذلك على صعوبة عملية البيع.

أيمن إسماعيل مسؤول الاستثمار بـ Advisable Wealth Engines
أيمن إسماعيل مسؤول الاستثمار بـ Advisable Wealth Engines

وبحسب غرفة التطوير العقاري باتحاد الصناعات المصرية، فإن أداء القطاع العقاري في مصر عام 2024 كان إيجابيًا؛ إذ نمت مبيعات الشركات من 1.5 تريليون جنيه عام 2023 إلى أكثر من 2.5 تريليون جنيه بنسبة نمو تتجاوز 66%، متوقعًا ارتفاع أسعار العقارات بنسبة 15% خلال العام الحالي.

اقرأ أيضًا: 30 مُسوِقًا للشقة الواحدة.. فوضى "بروكرز" تجتاح مصر

ويرى إسماعيل أن حل المشكلة كان في إطالة عمر الأقساط حتى 15 سنة، حتى تتوازن الأقساط نوعًا ما مع أسعار الإيجارات (يكون القسط الشهري أعلى من سعر الإيجار 50%)، مقترحًا توريق محافظ المديونية بعد تسليم المشروع، خاصةً وأن أسعار العقارات في مصر أصبحت مرتفعة بالنسبة لقدرات المغتربين وإن لم تكن أغلى من بعض المناطق في أوروبا التي لديها تمويل عقاري لـ 30 عامًا.

وكانت هيام حسن، نائب رئيس الإدارة المركزية لتمويل الشركات بهيئة الرقابة المالية، كشفت في مؤتمر the investor أخيرًا، أن حجم التوريق بقطاع التطوير العقاري بلغ 70 مليار جنيه، منها 40 مليار جنيه لهيئة المجتمعات العمرانية و30 مليار جنيه للشركات، ما يدل على رغبة أصحاب المشروعات العقارية في الحصول على سيولة فورية بدلًا من انتظار أقساط العملاء.

لكن بعض المطورين مثل فادي إميل عبدالله، الرئيس التنفيذي لشركة اربن لينز الكويتية بمصر، يرى أن الأقساط الطويلة ظاهرة صحية، وإن لابد أن تبقى استثناءً وليس عاملًا أساسيًا بالسوق العقاري؛ فشركته قدمت عرضًا بـ3% مقدم بالتقسيط على 10 سنوات، لكنها تتعامل مع هذا الأمر بحذر شديد، حتى لا يتسبب التقسيط الطويل في "تعثر المطور" حال التطبيق بشكل عشوائي.

أرشيفية - الإنترنت
أرشيفية - الإنترنت

سوق العقارات واقتصاد الحرب

يقول عبد المجيد جادو، الخبير العقاري، إن سوق العقارات في مصر تعاني ركودًا نأمل ألا يصل للكساد بسبب المتغيرات الاقتصادية التي أثرت على دخل الفرد، وكذلك مدخلات صناعة العقار التي تأثرت بارتفاع مستوى التضخم.

عبد المجيد جادو الخبير العقاري
عبد المجيد جادو الخبير العقاري

ويحذر من وجود مخاطر في الأقساط الطويلة؛ تتمثل في إمكانية حدوث متغيرات تؤثر بشكل كبير على التكاليف ما يعرض المطور للتعثر عن الوفاء بالتزاماته تجاه العملاء.

ويضيف جادو أن الحل في استحداث منتجات عقارية تتماشي مع دخول الشباب، بأفكار تقلل تكاليف التنفيذ؛ فالحرب العالمية الثانية شهدت ابتكار فكرة الاستديو كوحدة عقارية بسيطة تلبي احتياج شحص بمفرده أو أسرة مكونة من شخصين في بداية حياتهم الزوجية، أو ابتكار وسائل تمويلية من البنوك لمنح الشباب أقساط على مدد زمنية طويلة.

ويطالب المطورون منذ فترة طويلة البنك المركزي المصري بالسماح بتمويل الوحدات قيد الإنشاء، إن أن اشتراطاته الحالية بتمويل الوحدات الجاهزة كاملة التشطيب يعوق دون استفاد النسبة الأكبر من العملاء من التمويل العقاري، خاصة وأن الغالبية العظمى من الوحدات المطروحة بالسوق تكون نصف تشطيب.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة