شهدت السنوات الأخيرة تحولًا ملحوظًا في أدوار البرلمانات حول العالم، فلم تعد تقتصر على التشريع والرقابة، بل امتدت لتشمل العمل الدبلوماسي. في هذا السياق، تناولت ورقة بحثية جديدة لمنصة فكر تاني، أعدها الباحث محمد فوزي تحت عنوان “أبعاد وتقييم جهود مجلس الشعب في الدبلوماسية البرلمانية.. برلمان 2015 نموذجًا (1)”، مفهوم “الدبلوماسية البرلمانية”، موضحًا كيف أصبحت البرلمانات تلعب أدوارًا جديدة في السياسة الخارجية، مع التركيز على تجربة البرلمان المصري لعام 2015 كنموذج لهذه التحولات.
للاطلاع على الورقة.. اضغط هنا
ما هي الدبلوماسية البرلمانية؟
تعرف الورقة “الدبلوماسية البرلمانية” بأنها مشاركة البرلمانات في العمل الدبلوماسي الذي كان يقتصر تقليديًا على الحكومات ووزارات الخارجية. ويشمل ذلك إقامة علاقات مع برلمانات الدول الأخرى، والمشاركة في المؤتمرات الدولية، والمساهمة في حل النزاعات الإقليمية، والتأثير على السياسة الخارجية من خلال اللجان البرلمانية المتخصصة.
وترى الورقة أن العولمة والتحولات السياسية بعد ثورات الربيع العربي ساهمت في إبراز هذا الدور، خاصة مع تزايد التداخل بين القضايا الداخلية والدولية، ما جعل من الضروري إشراك البرلمانات في صنع القرارات التي تؤثر على علاقات الدول ببعضها البعض.

أهمية برلمان 2015 كنموذج للدبلوماسية البرلمانية
تعتبر تجربة البرلمان المصري لعام 2015 نموذجًا مهمًا لدراسة الدبلوماسية البرلمانية، نظرًا لأنه كان أول مجلس تشريعي يتم انتخابه بعد ثورة 30 يونيو 2013، والتي أطاحت حكم الإخوان المسلمين.
جاء هذا البرلمان في سياق إقليمي ودولي متوتر، حيث كانت مصر تواجه تهديدات أمنية كبيرة، بالإضافة إلى تحديات سياسية واقتصادية.
توضح الورقة أن برلمان 2015 لعب دورًا نشطًا في القضايا الخارجية، لكن هذا الدور كان إلى حد كبير امتدادًا للسياسة الرسمية للدولة، حيث تبنى مواقف متشددة في عدة ملفات، دون أن يمارس دورًا مستقلًا يعزز الدبلوماسية الناعمة أو يفتح قنوات حوار مع مختلف الأطراف الدولية.
أبرز ملفات السياسة الخارجية التي تعامل معها هذا البرلمان كانت:
1- مكافحة الإرهاب والتشريعات الأمنية:
ركز البرلمان المصري لعام 2015 بشكل كبير على ملف مكافحة الإرهاب، نظرًا للتهديدات الأمنية التي واجهتها البلاد خلال تلك الفترة. ودعمت المؤسسة التشريعية العمليات العسكرية في سيناء، وأصدرت عدة قوانين تهدف إلى مكافحة التنظيمات الإرهابية، من بينها قوانين التحفظ على أموال الجماعات المتطرفة، وقانون المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب.
إلا أن الورقة أشارت إلى أن بعض هذه القوانين استخدمت لتقييد الحريات السياسية، ما أثار انتقادات من قبل منظمات حقوقية محلية ودولية. كما أن البرلمان لم يقدم استراتيجيات متكاملة لمكافحة الإرهاب تعتمد على التنمية والحوار المجتمعي، بل ركز على الحلول الأمنية والتشريعية فقط.
2- اتفاقية تيران وصنافير:
كان أحد أكثر الملفات إثارة للجدل في برلمان 2015 هو التصديق على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية، والتي تم بموجبها نقل سيادة جزيرتي تيران وصنافير إلى المملكة.
أشارت الورقة إلى أن البرلمان وافق على الاتفاقية بسرعة ودون إجراء نقاش مجتمعي موسع، ما أثار اعتراضات من بعض القوى السياسية والرأي العام. ورغم أن الحكومة قدمت مبررات قانونية وتاريخية للاتفاقية، فإن البرلمان لم يمارس دورًا نقديًا أو تحليليًا مستقلًا، بل اكتفى بتأييد الموقف الرسمي للدولة، وفق ما تذكره الورقة.
3- الأزمة الليبية ودور البرلمان المصري:
مع تصاعد الأزمة الليبية، لعب البرلمان المصري دورًا في دعم الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر، واستضاف عدة وفود ليبية لمناقشة الوضع هناك. هنا، شددت الورقة على أن البرلمان ركز في مواقفه على دعم طرف واحد في النزاع، دون السعي لخلق قنوات تواصل مع باقي الأطراف الليبية، ما جعله طرفًا منحازًا بدلًا من أن يكون وسيطًا دبلوماسيًا فعالًا.
4- الأزمة مع قطر وتركيا:
تبنى البرلمان المصري في 2015 خطابًا حادًا تجاه قطر وتركيا، متهمًا إياهما بدعم الإرهاب، وإيواء شخصيات معارضة للنظام المصري. ووفقًا للورقة، فإن هذا الموقف كان انعكاسًا للأزمة الدبلوماسية التي كانت قائمة بين مصر وهاتين الدولتين، لكنه لم يشهد أي محاولات لفتح حوار أو البحث عن حلول سياسية عبر الدبلوماسية البرلمانية.
5- قضية حلايب وشلاتين:
أكد برلمان 2015 في أكثر من مناسبة على “مصرية” حلايب وشلاتين، رافضًا أي محاولات سودانية لإثارة القضية. ورغم أن الورقة أشارت إلى أهمية هذا الموقف في حماية الأمن القومي المصري، فإنها لاحظت أن البرلمان لم يحاول تعزيز العلاقات البرلمانية مع السودان أو إيجاد حلول دبلوماسية لتخفيف التوتر بين البلدين.
كيف يمكن تطوير الدور البرلماني في السياسة الخارجية؟
خلصت الورقة إلى أن برلمان 2015 مارس الدبلوماسية البرلمانية بشكل يتماشى مع السياسة الرسمية للدولة، لكنه افتقد القدرة على تقديم مبادرات مستقلة أو تعزيز الحوار الدبلوماسي مع مختلف الأطراف الدولية.
وأشارت إلى عدة نقاط ضعف في أداء البرلمان على صعيد الدبلوماسية البرلمانية:
- التركيز على تبني المواقف الرسمية للدولة دون تقديم رؤى بديلة أو مبادرات مستقلة.
- غياب الدور في تعزيز العلاقات مع البرلمانات الأجنبية ومراكز الأبحاث العالمية.
- الاعتماد على الخطاب التصادمي في بعض الملفات، مثل الخلافات مع قطر وتركيا، بدلًا من تبني استراتيجيات أكثر مرونة.
- ضعف آليات التواصل مع المجتمع الدولي فيما يتعلق بالقضايا الحقوقية والديمقراطية.
أكدت الورقة أن الدبلوماسية البرلمانية لا ينبغي أن تكون بديلة عن الدبلوماسية الرسمية، بل مكملة لها. ودعت إلى تطوير أدوار البرلمانات في السياسة الخارجية من خلال تعزيز الحوار مع البرلمانات الأجنبية، والمشاركة الفعالة في المبادرات الدبلوماسية، وتبني مقاربة أكثر انفتاحًا في التعامل مع القضايا الإقليمية والدولية.
وللوصول إلى هذه التوصيات اعتمدت الورقة على تحليل تجربة برلمان 2015 نموذجًا لفهم كيفية ممارسة الدبلوماسية البرلمانية في مصر، وما يمكن تطويره في المستقبل. إذ أنه بينما أظهر البرلمان قدرة على لعب أدوار في السياسة الخارجية، فإن الحاجة لا تزال قائمة لتطوير هذا الدور بحيث يصبح أكثر استقلالية وفعالية في خدمة المصالح الوطنية، من خلال الانفتاح على قنوات جديدة للدبلوماسية والتواصل مع مختلف الفاعلين الدوليين.
للاطلاع على الورقة.. اضغط هنا
