معرض الكتاب الـ 56.. نساء صنعن التاريخ وأطفال عايشوا الحرب

ضمن أجواء ثقافية مفعمة بالتاريخ والأدب، استضاف معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ 56  فعاليتين حملتا تنوعًا فكريًا ومضامين إنسانية عميقة، الأولى ندوة "مصريات" التي ناقشت كتاب سيدات من مصر، والثانية جلسة حوارية حول كتاب الحب والحرب في عيون الأطفال.

في ندوة "مصريات"، برز كتاب سيدات من مصر، تأليف خالد أبو العيمة ومعتز العجمي، كنافذة مشرقة تسلط الضوء على إنجازات ست نساء مصريات تاريخيات، منهن صفية زغلول، عائشة التيمورية، مي زيادة، وهدى شعراوي. الكتاب الذي ينتمي إلى سلسلة "عقول" الصادرة عن هيئة الكتاب تناول تلك الشخصيات برؤية سردية متنوعة جمعت بين النضال الوطني، الإبداع الأدبي، والدور الريادي في المجتمع. النقاش الذي أداره الدكتور محمود نبيل القاضي، وشارك فيه الدكتور عزوز إسماعيل، ركّز على التحديات التي واجهتها تلك السيدات وكيف استطعن ترك بصمات خالدة في التاريخ.

أما الجلسة الحوارية الثانية، فقد تناولت التأثيرات النفسية والاجتماعية للحرب على الأطفال عبر كتاب الحب والحرب في عيون الأطفال للدكتور محمود عرفات. الجلسة كشفت النقاب عن قصص واقعية تجسد تأثير الحرب على الأجيال الشابة، مستعرضةً تجارب مأساوية عاشها المؤلف بنفسه، بدءًا من تجنيده في الجيش خلال حرب الاستنزاف عام 1969 وحتى معايشته لأهوال المعارك. الحوارات تناولت قصصًا إنسانية مثل قصة "سرابيوم"، حيث عكست مواقف الحرب القاسية وتأثيرها العميق على الأفراد، خاصةً الأطفال.

بهذه الفعاليات، جمع المعرض بين قصص النساء اللاتي صنعن التاريخ وتجارب الأجيال التي عايشت أهوال الحروب، مقدمًا منصة لتأمل الماضي وتحدياته الإنسانية.

اقرأ أيضًا:معرض الكتاب الـ56.. أي مخاطر أخلاقية قادمة للتكنولوجيا؟

"سيدات من مصر".. سِيَر رموز نسائية صنعت تاريخ الوطن

استضاف البرنامج الثقافي ندوة "مصريات" لمناقشة كتاب "سيدات من مصر" 

في كلمته عبّر الكاتب معتز العجمي عن سعادته بانتماء الكتاب إلى سلسلة "عقول"، مشيدًا بقرار اختيار هذا الإصدار ضمن إصداراتها. وأوضح أن الشخصيات المختارة للكتاب تمثل نماذج فريدة في التاريخ المصري، مؤكدًا أن "سيدات من مصر" يبرز دور المرأة المصرية في صنع تاريخ الوطن. 

كما أشار إلى فخره بتناول شخصية صفية زغلول في الكتاب، موضحًا أن صفية لم تكن فقط زوجة لزعيم الأمة سعد زغلول، بل كانت شريكة فاعلة في الأحداث التاريخية التي شهدتها مصر، وناضلت بشجاعة من أجل حقوق الشعب المصري.

وعلى جانب آخر، أثنى الدكتور عزوز إسماعيل، أستاذ النقد الأدبي، على الجهود المبذولة في سلسلة "عقول" لنشر الثقافة والمعرفة، معبرًا عن تقديره للدور الذي تلعبه هيئة الكتاب في تعزيز الوعي الثقافي، ودعا إلى توسيع نطاق السلسلة لتشمل شخصيات عربية عظيمة بجانب الشخصيات المصرية. 

وأضاف الدكتور عزوز أن النساء اللاتي تناولهن الكتاب واجهن صعوبات كبيرة في حياتهن، مشددًا على ضرورة تسليط الضوء على تلك النماذج التي صنعت التاريخ رغم التحديات.

وتناولت الندوة أيضًا سيرة عائشة التيمورية التي تحملت معاناة كبيرة في حياتها، وناقشت قصة عائشة عبد الرحمن "بنت الشاطئ"، التي كتبت باسم مستعار لتجنب القيود الاجتماعية التي فرضتها أسرتها. ولفتت الندوة إلى أهمية شخصية مي زيادة، التي كانت صديقة مقربة لكثير من تلك النساء، وأثر صالونها الثقافي في تعزيز الفكر والأدب خلال تلك الحقبة التاريخية.

من جهتها، أوضحت أسماء دهشان، إحدى مؤلفات الكتاب، لـ فكًر تاني، أن إعادة توثيق الشخصيات النسائية البارزة في التاريخ المصري تهدف إلى مخاطبة الأجيال القادمة وتعزيز قيمتها المعرفية.  

"الشخصيات التي تناولها الكتاب، مثل "باحثة البادية"، تمثل نماذج متميزة في مواجهة المصاعب والظروف القاسية، ولا يكتفي بتسليط الضوء على النساء الشهيرات، بل يدعو أيضًا للاهتمام بالنساء المغمورات اللاتي قدمن تضحيات كبيرة لدعم أسرهن وخدمة وطنهن".

وأكدت أسماء دهشان أن المرأة المصرية، بحكم طبيعتها المعطاءة، تمثل ركيزة أساسية في بناء المجتمع، مشبهةً ذلك بالعلاقة الوثيقة بين الأرض المصرية والمرأة.

وأشار خالد أبو العيمة إلى أهمية الكتاب في توثيق الأحداث التاريخية ورصدها بشكل دقيق، وأشاد بالدور الريادي الذي لعبته شخصيات مثل هدى شعراوي وملك حفني ناصف في تطوير الثقافة والنضال الاجتماعي. كما أعرب عن تقديره لشخصية صفية زغلول التي جسدت النضال الوطني، وبنت الشاطئ التي تركت بصمة بارزة في الفكر والثقافة.
وأكد أبو العيمة على أهمية اللغة العربية في الكتابة التاريخية، مشددًا على ضرورة استلهام الدروس من الشخصيات التاريخية التي تناولها الكتاب لتعزيز الهوية الوطنية ودعم الأجيال الشابة.

وأشار الدكتور محمود نبيل القاضي،  أنه عند الحديث عن مي زيادة، نجد أن شهرتها جاءت من صالونها الثقافي القوي الذي حضره عمالقة الأدب والثقافة والفكر.

وأضاف: "هناك ضرورة للتشبث بالجذور وتعزيز الهوية المصرية من خلال النشر والكتابة عن هذه الشخصيات"، موضحًا أن كتاب "سيدات من مصر" يخاطب ليس فقط السيدات، بل الرجال أيضًا لدفعهم لدعم المرأة.

فيما أضاف خالد أبو العيمة، أنه وجد جدية وحماسة في مشروع الكتابة عن الشخصيات التاريخية ورصد الأحداث الحقيقية. مستعرضًا فترة عائشة التيمورية كانت حقبة تاريخية مهمة في تاريخ مصر، مؤكدًا على أهمية اللغة العربية في هذا الموضوع، مشددًا على ضرورة تقدم الدول بلغاتها الأصلية.

"هدى شعراوي كانت رائدة في النضال الاجتماعي، وملك حفني مزجت بين الإبداع الفني وتطوير الثقافة العربية، وصفية زغلول خدمت في النضال الوطني، وبنت الشاطئ تركت بصمة بارزة في الفكر".

وقالت أسماء دهشان، إحدى مؤلفات الكتاب لـ فكّر تاني، أن الكتاب يتمحور حول إعادة توثيق للفكر النسوي المعاصر الذي يستعرض فترة مهمة جدًا في تاريخ مصر، ويتطابق مع الفترة الحالية بكل مشكلاتها ومعاناتها، فيكون داعمًا لفكر الشباب في ظل المعاناة الشاقة.
وأكدت أن هؤلاء السيدات الفضليات الشهيرات قد مررن بكثيرٍ من العقبات حتى يصلن لهذا العلم وهذه المعرفة وهذه المكانة في التاريخ، فهن مثل وقدوة لمن بعدهم، وتصلح سيرتهن للمناقشة جميع الأزمنة والأماكن المختلفة، مضيفة أنها استمتعت جدًا أثناء البحث والكتابة عنهن.

 

مشاهد الحرب وتأثيراتها.. في "الحب والحرب في عيون الأطفال"

الدكتورة بشاير علام والدكتور محمود عرفات -الصور عن الهيئة العامة للكتاب
الدكتورة بشاير علام والدكتور محمود عرفات -الصور عن الهيئة العامة للكتاب

وفي الجلسة الحوارية لمناقشة كتاب "الحب والحرب في عيون الأطفال"، حيث أوضح الدكتور محمود عرفات، مؤلف الكتاب، أن تجربة الحرب كانت الحدث الأعظم في حياته، ما جعل أحداثها تتسلل إلى أعماله الأدبية بشكل طبيعي، مشيرًا  أن روايته الأولى "مقام الصبا" تضمنت فصلين عن الحرب دون تخطيط مسبق، مستعرضًا تجربته كجندي في الجيش منذ عام 1969، حيث واجه خطر الموت وعاش مع الجنود في ظروف قاسية.

وثقت رواية "سرابيوم" لحياة طفل هرب من والديه للالتحاق بالجيش بعد هزيمة 1967، حيث عايش أهوال الحرب، وشارك في حرب الاستنزاف، وتزوج فتاة من سرابيوم قبل أن يكتشف اختطافها بعد تحرير القنطرة مؤديًا به إلى  الانهيار النفسي، كما تناول الكاتب مشاهد استشهاد الأبطال في قصص مثل "مرآة غائبة" و"انتباه"، مؤكدًا أن زيارته لمحافظة الإسماعيلية ساعدته على استرجاع الذكريات وكتابة الرواية بدقة.

من جانبها، أوضحت الدكتورة بشاير علام، مترجمة الرواية إلى الفرنسية، أن العمل كان سلسًا وممتعًا بسبب أسلوب الكاتب العفوي، مشيرةً إلى أنها تأثرت بوصف الكاتب لدموع الطفل والزوجة، ما جعلها تعيش تفاصيل الرواية وتبكي أثناء الترجمة.

"سوف تلقى هذه الرواية اهتمامًا في فرنسا، لأنها تصحح مفاهيم مغلوطة عن الحرب وتبرز جهود مصر"

وأشارت الدكتورة ندى حجازي، مترجمة الرواية إلى الإنجليزية، إلى أن ترجمة الرواية كانت تحديًا، خاصة فيما يتعلق بالرتب العسكرية والخصوصية الثقافية للمصطلحات، لكنها اعتبرتها تجربة ثمينة باعتبارها أول ترجمة منشورة لها من العربية إلى الإنجليزية. كما أكدت أن الرواية تبرز تأثير الحرب والسياسة على حياة الأفراد، ما يجعلها مصدر إلهام ثقافي للقارئ الغربي.

الدكتور محمود عرفات أثناء حديثه مع فكّر تاني
الدكتور محمود عرفات أثناء حديثه مع فكّر تاني

وقال الدكتور محمود عرفات لـ فكّر تاني، أن الطفل هو محور الرواية لأنه الأكثر تأثرًا بالحرب، مضيفًا أن البطل طفل في الثامنة عاش التجربة دون إدراك كامل، لكنه كون مخزونًا فكريًا عميقًا عن ضرورة الشجاعة ومواجهة العدو.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة