تصريحات ترامب عن تهجير الفلسطينيين تُوحد المصريين

بينما أثار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في الأيام الأولى لتوليه السلطة، كل الجدل بتصريحات توسعية عنيفة، عبرت عن السياسة الأمريكية الخارجية في الفترة المقبلة، تجاه دول غرب الكرة الأرضية، عاد أمس للحديث عن الشرق الأوسط، ملمحًا إلى محاولة جديدة لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى مصر والأردن، ضمن مخطط رفضته الدولتين طوال عام ونصف العام تقريبًا من الحرب على القطاع، لما يعنيه هذا المخطط من بداية تصفية للقضية الفلسطينية وإنهاء حل الدولتين.

على متن طائرته الرئاسية السبت، كشف ترامب للصحفيين تفاصيل مكالمة هاتفية جمعته بملك الأردن عبد الله الثاني. قال: "أخبرته أنني أحب أن تتولى المزيد لأنني أنظر إلى قطاع غزة بأكمله الآن وهو في حالة من الفوضى.. نتحدث عن مليون ونصف المليون شخص، ونحن ننظف هذا الأمر برمته".

وأبدى الرئيس الأمريكي رغبة في أن "تأوي كل من الأردن ومصر الفلسطينيين في غزة"، مشيرًا إلى أنه سيتحدث مع الرئيس عبد الفتاح السيسي حول الأمر اليوم الأحد، بينما لفت إلى أن السكن المحتمل للفلسطينيين الذي يقصده في البلدين العربيين "يمكن أن يكون مؤقتًا" أو "طويل الأجل".

هذه التصريحات لترامب، الذي بدت عودته إلى البيت الأبيض تستهدف فرض رؤية أمريكية منفردة على الحلفاء والأعداء على حد سواءً، نظر إليها سياسيون مصريون باعتبارها "خطوة خطيرة"، تستوجب تصدٍ حاسم وفعال، وإعلان مواقف جاد من جانب مصر والأردن برفض أي مخطط لإنهاء القضية الفلسطينية كما كان موقفهما طوال فترة الحرب، بينما شدد الخبراء في حديثهم لمنصة "فكر تاني"، على أهمية تضافر الجهود العربية والدولية لإقامة دولة فلسطين على كامل أراضيها.

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (وكالات)
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (وكالات)

صباحي: تصريحات ترامب عدوان وإهانة غير مقبولة

يصف السياسي حمدين صباحي، أمين عام المؤتمر القومي العربي والمرشح الرئاسي الأسبق، تصريحات ترامب بأنها "عدوان يجب على كل مصري وعربي حر رفضه"، و"إهانة غير مقبولة" من "رئيس متعجرف" لا يعيش في الواقع بطبيعة الأمر، مشددًا على ضرورة إدانتها بشكل كامل.

السياسي حمدين صباحي المرشح الرئاسي الأسبق، والقيادي البارز بالحركة المدنية الديمقراطية، والأمين العام للمؤتمر القومي العربي - تصوير أحمد عادل
السياسي حمدين صباحي المرشح الرئاسي الأسبق، والقيادي البارز بالحركة المدنية الديمقراطية، والأمين العام للمؤتمر القومي العربي - تصوير أحمد عادل

ويضيف صباحي، في حديثه لـ فكر تاني، أن اقتراحات ترامب بشأن القضية الفلسطينية "تشبهه"، وأن الموقف الشعبي المصري والعربي مع فلسطين قلبًا وقالبًا، حتى استعادة أرضها وإقامة دولتها على كامل ترابها الوطني، كما وقف مع مقاومتها الباسلة طوال 15 شهرًا مضت.

وبينما يصف أمين عام المؤتمر القومي العربي المقاومة بأنها المُعبّر الأساسي عن القضية الفلسطينية، وليس أحدًا غيرها، يشير إلى أن الموقف المصري الرسمي يأتي متوازيًا مع ذلك، فكان واضحًا في الرفض القطعي للتهجير، وهو موقف أيدته قوى المعارضة المدنية الوطنية، وستظل تدعمه وتدعو كل وطني إلى أن يقف هذا الموقف مع دولته وجيشه ضد أي محاولة لتهجير الفلسطينيين.

 

وفي السياق، يدعو صباحي إلى أهمية الثبات الأردني على الموقف الحاسم من رفض التهجير، مع تنسيق الموقف مع مصر لحسم هذا الموقف العربي في مواجهة اقتراحات تكررت أكثر من مرة وثبت فشلها.

ويدعو صباحي الجميع إلى إعلان مواقفهم من تلك المقترحات، مؤكدًا أنها لن تمر مهما حدث.

فلسطينيون نازحون في غزة (وكالات)
فلسطينيون نازحون في غزة (وكالات)

عبد العظيم حماد: ترامب يُحيي استراتيجية الترانسفير

يخاطب الكاتب الصحفي والمحلل السياسي عبد العظيم حماد القيادتين المصرية والأردنية، متمنيًا أن "تتفقا على رفض هذا الطلب الأمريكي جملةً وتفصيلًا".

عبد العظيم حماد - تصوير اسلام يحيي - فكر تاني
عبد العظيم حماد - تصوير اسلام يحيي - فكر تاني

ويضيف في حديثه لـ فكر تاني، أن التساهل في التعامل الجاد مع هذا السعي الأمريكي لفرض سيناريو التهجير على القضية الفلسطينية تحت زعم المبررات الإنسانية المطروحة، سيكون سابقة خطيرة، وتمهيدًا لتكرار الأمر والدفع بتنازلات جديدة في المسار نفسه.

اقرأ أيضًا: بين مصر وإسرائيل.. حرب أخرى تحت رماد غزة عنوانها "التهجير"

ويحذر حماد من أن محاولات تهجير فلسطيني غزة العائدة مع حرب أكتوبر 2023 إنما تمثل إحياءً جديدًا لاستراتيجية الترانسفير.

يقوم المشروع الصهيوني منذ بدايته على استراتيجية الترانسفير، وتستهدف إبادة ونفي الفلسطينيين وإفراغ الأرض من شعبها الأصلي لترسيخ فكرة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" التي تأسس عليها قيام إسرائيل في الأراضي المحتلة.

بدعم أميركي، ارتكبت إسرائيل في الحرب الأخيرة إبادة جماعية في غزة خلّفت أكثر من 158 ألف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود. (الصورة - وكالات)
بدعم أميركي، ارتكبت إسرائيل في الحرب الأخيرة إبادة جماعية في غزة خلّفت أكثر من 158 ألف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود. (الصورة - وكالات)

أميرة صابر: مخطط ترامب يفتح باب الجحيم بالشرق الأوسط

محذرة أيضًا من خطورة تصريحات ترامب عن تهجير الفلسطينيين، تتفق النائبة أميرة صابر قنديل، أمينة سر لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب نائبة رئيس الحزب المصري الديمقراطي عضوة تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، مع صباحي وحماد على أن مخطط تطهير العرقي بالأراضي المحتلة لا يجب أن يجد له أرضية قبول داخل مصر والأردن.

أميرة صابر
أميرة صابر

وتضيف أميرة صابر، في حديثها لـ فكر تاني، أن الإصرار الأمريكي على إنفاذ إرادات أحادية في المنطقة يفتح بابًا للجحيم في الشرق الأوسط بأكمله.

اقرأ أيضًا: بلومبرج: هذا مخرج مصر الوحيد من أزمة "تهجير الفلسطينيين"

وترى أمينة سر لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب أن القضية الفلسطينية في اللحظة الراهنة تقف في نقطة فاصلة، موضحةً أن موقف مصر في رفض التهجير صلب جدًا ولن يتأثر بأي إغراءات أو ضغوط مهما كانت ضخامتها، معتبرةً أن هذا الموقف المصري مؤسس ومبني على رؤية متصلة بمحورية القضية الفلسطينية وكونها في قلب قضايا المنطقة، وعلى رأس أولويات مصر لتماسها تمامًا مع أمنها ومستقبلها.

وتتوقع أمينة سر لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب فشل ما وصفته بـ"مؤامرة التطهير العرقي"، واستمرار مصر كلاعب رئيسي في الوقوف في وجه خطة التهجير، مؤكدةً أن ما لم تحققه آلة الاستيطان والإجرام الإسرائيلي التي دمرت غزة بالكامل وقتلت عشرات الآلاف من الفلسطينيين لن تحققه الضغوط السياسية "المشينة".

بينما يعاني الفلسطينيون في غزة أوضاع إنسانية كارثية رغم وقف إطلاق النار فإن مخططات إسرائيل للإبادة تنتقل حاليًا إلى الضفة مع تصاعد انتهاكات المستوطنين والجيش استغلالًا لقرار ترامب رفع العقوبات على الإسرائيليين (الصورة - وكالات)
بينما يعاني الفلسطينيون في غزة أوضاع إنسانية كارثية رغم وقف إطلاق النار فإن مخططات إسرائيل للإبادة تنتقل حاليًا إلى الضفة مع تصاعد انتهاكات المستوطنين والجيش استغلالًا لقرار ترامب رفع العقوبات على الإسرائيليين (الصورة - وكالات)

أكرم إسماعيل: داعمون للموقف المصري رفضًا للتهجير

"سندعم الموقف المصري قدر ما يتمسك برفض التهجير ودعم القضية الفلسطينية وأن يُبقي مصر دولة مركزية، وندعو إلى إعادة تأسيس مسار يجعل البلد أكثر قدرة على المقاومة في مواجهة عالم بلا حدود في العداء"؛ يقول أكرم إسماعيل، القيادي البارز في الحركة المدنية الديمقراطية.

يرى إسماعيل أن إعلان ترامب خطوة خطيرة جدًا يجب الانتباه إليها والتعامل معها، في إطار سعي النخب الصهيونية إلى استغلال ما حدث في 7 أكتوبر 2023 لتصفية القضية الفلسطينية بالكامل.

ويضيف إسماعيل، في حديثه لـ فكر تاني، أن بناء دولة فلسطينية في ضوء هذا الإعلان الأمريكي "غير ممكن"، ويعزز الشكوك في كونه اتفاقًا بين ترامب ونتنياهو، مقابل وقف إطلاق النار.

أكرم إسماعيل- تصوير محمد الراعي
أكرم إسماعيل- تصوير محمد الراعي

ويشدد على أن المخاوف كبيرة في ظل غياب النظام العربي الرسمي، ووجود مؤشرات على التماهي مع طلبات ترامب، كما حدث من السعودية المسارعة لإعلان التجاوب المالي مع مقترحات الرئيس الأمريكي الأخيرة حول الاستثمارات المطلوبة من دول المنطقة.

"لي الأذرع" هي سياسة وشعار ترامب حاليًا، بحسب وصف إسماعيل، الذي يخشى من رضوخ الأنظمة العربية بوضعها الراهن لهذا الأسلوب "الترامبي" في التعامل مع المنطقة، وهو يؤكد أهمية وجود حد أدنى من الدفاع العربي المشترك واحترام الأمن القومي العربي في الفترة المقبلة على الأقل.

ويشدد القيادي بالحركة المدنية الديمقراطية أن دعم المعارضة المدنية للموقف المصري الرسمي في رفض التهجير هو أمر محسوم، مع التأكيد على ضرورة استمرار الهدنة وتحسين شروط الحياة في غزة واستمرار الفلسطينيين على أراضيهم.

كما يحذر من التأثير السلبي لضغوط أمريكا المالية على قدرة مصر على مواجهة مثل هذه المقترحات في ظل الأزمة الاقتصادية واعتمادها البلاد على الخارج في دوران اقتصادها، مؤكدًا أهمية أن تدرك مؤسسات الدولة ضرورة تقوية الجبهة الداخلية في هذا الوقت لتعزيز قوة التفاوض المصري مع دول العالم في ظل وجود إرادة واضحة على رفض التهجير من الجميع.

آلية عسكرية إسرائيلية (وكالات)
آلية عسكرية إسرائيلية (وكالات)

عبد الله السناوي: مقترح ترامب يعبر عن تصور صهيوني متطرف

يرى الكاتب الصحفي والمحلل السياسي عبد الله السناوي أن مقترح ترامب يُعبر عن التصور اليميني الصهيوني المتطرف، وأن صدور هذا المقترح، بعد معركة 7 أكتوبر 2023، والضرائب الباهظة التي دفعها الفلسطينيون في غزة كي يتشبثوا بأرضهم في مواجهة سيناريوهات التهجير القسري، يعني أن الرئيس الأمريكي لا يعي التاريخ ولا ما جرى جيدًا، وينكر الواقع برمته.

عبد الله السناوي
عبد الله السناوي

ويشير السناوي، في حديثه لـ فكر تاني، إلى أن ترامب يتحدث كرجل صفقات ومطور عقاري يبدو وكأنه يروج لمشروع سياحي جديد، وهو ما يظهر في تصريحاته عن سحر ساحل غزة ومناخها الجميل، متناسيًا أن هناك شعبًا عظيمًا ضحى بالكثير من أجل الحفاظ على أرضه، وقاتل بضراوة المحتلين، وواجه إبادة جماعية راح ضحيتها عشرات الآلاف مقابل إصرارهم على حقوقهم وأراضيهم.

"ترامب عرض صفقة جديدة جوهرها كصفقة القرن التي فشلت، ويتخيل أن العرب سيقبلونها تحت إغراء المال، وهو ما لم يملكه أحد"؛ يضيف السناوي. بينما يشدد على موقف مصر والأردن في هذا الشأن صريح وحاسم وقوي برفض التهجير القسري أو الطوعي، حفاظًا على القضية الفلسطينية والأمن القومي العربي. مؤكدًا أن كلا البلدين لا يملكان تغيير مواقفهما تحت أي ضغط.

ويوضح السناوي أن ترامب يريد تصفية جوهر التحرر الوطني الفلسطيني من مضمونه بصفقته تلك، وهو ما لن يقبله الشعب الفلسطيني ولا مقاومته، التي سارعت إلى إعلان مواقفها برفض تلك الصفقة بشكل واضح وحاسم، محذرًا من مجرد محاولة التفكير في الصفقة في ظل فشلها الذريع البادي حاضرًا والمحتوم مستقبلًا.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة