تناول مقال نُشر في منصة "ذا كونفرسيشن" تحليلًا سياسيًا معمقًا لانتخاب جوزيف عون رئيسًا للبنان في 9 يناير، بعد عامين من الجمود السياسي و13 محاولة انتخابية فاشلة.
المقال الذي أعده جون ناجل، رئيس علم الاجتماع في جامعة كوينز بلفاست، والدكتور درو مخايل، عالم الأنثروبولوجيا السياسية، يُلقي الضوء على الأهمية البارزة لهذا الحدث السياسي. ويركز على كيفية وصول عون، المعروف بأنه شخصية غير حزبية نسبيًا، إلى سدة الرئاسة في ظل ظروف سياسية واقتصادية معقدة تمر بها البلاد، مستعرضًا في الوقت ذاته تأثير القوى الإقليمية والدولية على المشهد السياسي اللبناني.
عون: من قائد الجيش إلى سدة الرئاسة
يُبرز المقال الطريقة غير التقليدية التي وصل بها جوزيف عون إلى الرئاسة. فبخلاف كونه شخصية سياسية تقليدية، يتمتع عون بخلفية عسكرية بحتة، حيث شغل منصب قائد الجيش اللبناني منذ عام 2017.
يقول المؤلفان إن الجيش اللبناني يُعتبر مؤسسة وطنية موحدة تحظى بتأييد واسع النطاق في بلد يعاني من الانقسامات الطائفية والسياسية العميقة. وقد لعب عون دورًا حاسمًا في تحييد الجيش خلال الصراع الأخير بين إسرائيل وحزب الله، بالإضافة إلى دوره في الإشراف على اتفاق وقف إطلاق النار بوساطة أمريكية فرنسية. وهذه الخلفية عززت صورته كشخصية قوية وقادرة على تجاوز الانقسامات.
تراجع نفوذ حزب الله الذي خدم عون
يستعرض المقال الأدلة التي تشير إلى تراجع نفوذ حزب الله في لبنان.
يذكر المؤلفان خسارة حزب الله وحلفائه للأغلبية البرلمانية في انتخابات عام 2022. كما يشيران إلى التقارير التي تفيد بأن إسرائيل أضعفت القدرات العسكرية للحزب، بما في ذلك مقتل قيادات بارزة. ب
والإضافة إلى ذلك، يؤكد المقال على تأثير التطورات الإقليمية، مثل الإطاحة بنظام بشار الأسد في سوريا، الحليف القوي لحزب الله، وتضاؤل قدرة إيران، الداعم الرئيسي للحزب، على تقديم الدعم المالي بسبب العقوبات الدولية. وهذه العوامل مجتمعة ساهمت في إضعاف موقف حزب الله وقدرته على فرض مرشحه الرئاسي.
الدعم الدولي وتأثيره على الانتخابات الرئاسية
يؤكد ناجل ومخايل أيضًا على الدور المحوري الذي لعبته شبكة فضفاضة من الجهات الإقليمية والدولية في دعم ترشيح جوزيف عون. ويذكر مقالهما الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر كأطراف رئيسية ترى في عون الخيار الأفضل للحفاظ على وقف إطلاق النار الهش واستعادة عمل الحكومة الوطنية اللبنانية.
وقد استخدمت هذه الدول نفوذها بربط المساعدات الاقتصادية للبنان بانتخاب عون رئيسًا، مما شكل ضغطًا كبيرًا على الفصائل السياسية اللبنانية. وقد سلط هذا الضوء على تأثير القوى الخارجية في تشكيل المشهد السياسي اللبناني.
تحديات جسام تنتظر جوزيف عون
وعلى الرغم من التفاؤل الحذر الذي يحيط بانتخاب عون، يُشدد المؤلفان على التحديات الهائلة التي تواجه الرئيس الجديد. فيشيران إلى أن صلاحيات الرئيس في لبنان محدودة نسبيًا، حيث يعتبر منصبه رمزيًا إلى حد كبير ضمن نظام تقاسم السلطة الطائفي.
ويؤكد المقال على أن النظام السياسي اللبناني، الذي يضمن تمثيل 18 طائفة في البرلمان، يعاني من اختلالات وظيفية وجمود سياسي وتفشي الفساد. ورغم أن عون تعهد بإصلاح نظام تقاسم السلطة، إلا أن تحقيق ذلك يظل مهمة صعبة للغاية.
تعيين نواف سلام رئيسًا للوزراء: مفاجأة وتحولات
يلفت المقال كذلك الانتباه إلى المفاجأة التي تمثلت في تعيين نواف سلام، رئيس محكمة العدل الدولية الحالي، رئيسًا للوزراء بعد أيام قليلة من انتخاب عون. ويُشير المؤلفان إلى أن سلام، مثل عون، لا يُعتبر من المحسوبين على أي من الأحزاب السياسية الرئيسية في البلاد.
ويعتبر عدم حدوث المساومات المعتادة بين الأحزاب الرئيسية للاتفاق على رئيس للوزراء دليلًا آخر على ضعف حزب الله، الذي فشل في إعادة مرشحه المفضل، نجيب ميقاتي، إلى السلطة. وقد اتهم نواب حزب الله خصومهم السياسيين بمحاولة إقصائهم وتفتيت البلاد ردًا على تعيين سلام، المعروف بتاريخه الطويل في الدعوة إلى إصلاح الدولة ومكافحة الفساد المستشري.
هل تنجح قيادة عون-سلام في تحقيق الاستقرار؟
يُختتم المقال بتقييم آفاق المستقبل في ظل القيادة الجديدة. إذ يرى ناجل ومخايل أن عون وسلام، بدعم من الجيش وقطاعات واسعة من الشعب اللبناني والقوى الدولية المؤثرة، يشكلان ثنائيًا يُعطي أملًا واقعيًا في تحقيق فترة من الاستقرار وإعادة الإعمار.
ومع ذلك، يُحذر المقال من أن بناء توافق في الآراء السياسية في لبنان لن يكون سهلًا، خاصة إذا سلك الرئيس ورئيس الوزراء الجديد مسارًا يتعارض مع مصالح حزب الله. ويشير إلى أن من الأولويات الملحة للحكومة الجديدة تشكيل حكومة بسرعة لتحقيق الاستقرار السياسي وإقرار الميزانية، بالإضافة إلى الإشراف على تمديد اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل.